الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فالجرح[ بيان الأخطاء العقدية التي في الشخص بعدل وصدق وحق وعلم وحكمة واخلاص لله وفق القواعد الشرعية إقتضاء للمصلحة الشرعية ] والتعديل[ تزكية الشخص بما فيه من غير غلو ولا إطراء ولاكذب بل هو العدل والعلم والحكمة والانصاف والاخلاص لله وفق قواعد الشرع اقتضاء للمصلحة الشرعية ]
واصل الردّ على المخالف
وبيان الأحوال السيئة لأهل الأهواء والبدع ، أصل عظيم لإظهار دين الله الحق وبيان الحق الذي في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا العمل بيان للفرق الهالكة للحذر منها و التي وردت في قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( إن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)
. قيل: من هي يارسول الله. قال : ( ما أنا عليه وأصحابي)
وفي رواية : (الجماعة.) رواه ابوداود في سننه والحاكم في مستدركه وصححه جمع كثير من أهل العلم منهم ابن تيميه وابن حجر والشاطبي والعراقي والالباني في صحيح الترمذي
وقوله صلى الله عليه وسلم ( ما أنا عليه واصحابي ) توضح المعنى الرواية الأخرى بلفظ ( الجماعة ) وقد ذكر العلماء أنهم من يقال لهم: أهل السنة والجماعة
أو أتباع السلف الصالح
وهم أهل الحديث والنظر وأهل الفقه والأثر .
"وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله ﷺ، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها وأهل معرفة بمعانيها واتباعًا لها، تصديقًا وعملا وحبًا وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عادها، الذين يروون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم، وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه.
وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف، فما كان من معانيها موافقًا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، فإن اتباع الظن جهل، واتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم."[ من كلام شيخ الاسلام ابن تيميه في المجلد الثالث من الفتاوى في جواب له عن حديث الافتراق]
وبيان أهمية هذه الأصول الشرعية العظيمة هو عمل بما جاء في حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم :
(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله :
ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين
وتأويل الجاهلين)
رواه الإمام أحمد في مسنده .
قال الحافظ النووي رحمه الله:
" وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيانة العلم و حفظه وعدالة ناقليه وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفاً من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وما بعد فلا يضيع وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر وهكذا وقع ولله الحمد وهذا من أعلام النبوة ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئاً من العلم فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئاً منه والله أعلم" [تهذيب الأسماء واللغات( ١ / ١٧ )] .
ومن يقوم بهذا الأصل الشريف لعله من اصحاب الطائفة الناجية المنصورة التي أتى بيان شرفها وفضلها في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله وفي رواية لمسلم (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ) .
وفي بيان فضل هؤلاء القوم وعظيم شرفهم أتى قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا )
رواه ابوداود رحمه الله وصححه الإمام الالباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة حديث رقم( ٥٩٩).
فالكلام في أهل البدع على جهة بيان وإظهار فسادهم يجب أن يكون له أهل علم وهم أهل رسوخ في هذا العلم فتخصصهم ودأبهم في هذا الشأن مع مراعاة القواعد العلمية والأصول الشرعية واقتضاء المصلحة الشرعية التي يدركها أهل هذه الصنعة
وفق العلم والعدل والحكمة والصدق والحق والاخلاص لله والانصاف
فلا كذب ولا ميل ولا ارادة للدنيا وحظوظها ولا انحراف في الوصف بل هو تبيين الحق بدليله
وذلك :
ابتغاء ما عندالله في تحذير الجهلة من أهل الضلال لئلا يتبعونهم بسبب الشبه التي يلقونها عليهم مع خلوهم من العلم النافع الذي يبين فساد فكرهم المنحرف .
وانظروا خير مثال :
غسل الفكر التي يستخدمه أهل التكفير في شباب المسلمين وأحتوائهم واضلالهم من أجل تحقيق أهدافهم المشبوهة في النيل من الإسلام وأهله وفي مصالح أهل الإسلام وحكامه
ويتبين أهمية هذا العمل :
في بيان سبيل الله الحق وتحذير من السبل الضالة الظالمة مع ما فيه من إبراء للذمّة ونصحا للأمة ومعذرة إلى ربّنا .
وقد يظن سوءا بهذا العمل الشريف من قل باعه في العلم وزاد جهل بالكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة ويرى انه من الغيبة ؛ لذا نوضح الأحوال التي جرى استثناؤها شرعا من الغيبة بدلالة الشرع ؛ قال الحافظ النووي رحمه الله في[ كتاب رياض الصالحين في (باب ما يُباح من الغيبة )] قال فيه :
" اعلم أن الغيبة تُباح لغرض صحيح شرعي، لا يمكن الوصول إليه إلاَّ بها، وهو ستة أسباب:
- الأول:
التظلُّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي، وغيرهما ممَّن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول: "ظلمني فلان بكذا".
- الثاني:
الاستعانة على تغيير المنكر، وردّ العاصي إلى الصواب، فيقول لِمَن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً.
- الثالث:
الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظُّلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ومع ذلك، فالتعيين جائز، كما سنذكره في حديث هند إنْ شاء اللَّه تعالى.
- الرابع:
تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته ويجب على المشاوَر ألاَّ يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة ومنها إذا رأى متفقهاً يتردّد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا ممّا يُغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويُلبس الشيطان عليه ذلك، ويُخيل إليه أنه نصيحة فليفطن لذلك ومنها أن يكون له ولاية، لا يقوم بها على وجهها: إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً، ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك، لمن له عليه ولاية عامة ليزيلها، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى إلى أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.
- الخامس:
أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، وجباية الأموال ظلماً، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يُجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.
- السادس:
التعريف، فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب، كالأعمش والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيرهم، جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى". انتهى كلامه رحمه الله.
فمن قال بخلاف هذا القول فهو جاهل بالادلة الواردة بهذا الخصوص من سنة الرسول صلى الله عليه علم، وخالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمن هذه حاله فجهلهُ جهل مركب وليس من الجهل البسيط .
وفي بيان حال أهل الشر ممن يريد الشر في خاصة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وعامتهم هو جهاد أكبر
دل على ذلك قوله تعالى: {وجاهدهم به جهادًا كبيرًا} ؟
فهو أعظم الجهاد لان أصحاب هذا الجهاد يحافظون على رأس مال الإسلام أي من داخله من شر المنافقين المنتسبين ظاهرا للاسلام وهم أعداء من الباطن للاسلام والمسلمين .
علما بأن جهاد الكفار فيه طلب للربح ،وحال أهل الكفر يعرفهم العوام فكيف بأهل العلم .
وأما هؤلاء الباطنية فأهل شبه يُضلون بها العوام، ولايقوم لهم بحق ويرد صائلهم ويكشف سوءتهم ويفند شبههم الا خواصّ علماء السنة وذلك في شرف حمل لواء هذا الأصل العظيم من اصول الإسلام.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
----------------------------------------
كتبه : غازي بن عوض العرماني.