الأحد، 4 يوليو 2021

《 أهمية الأضحية وتوجيه كبار علماء الاسلام بإستحباب استدانة قيمتها لمن لم يكن عنده مال 》



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

أما بعد 

فقد أطلعت على مقالة لأحد المشايخ  وفيها يقول :

"  سداد الديون أهم من الأضحية .. ويجب الانتهاء منها أولاً   ".

وقد طلب مني أحد الإخوة طلاب العلم افادته عن فقه هذه العبارة   وذلك أن الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام  العظام والتي يحتاج  المسلم فيها إلى زيادة إيضاح وبيان .

فأقول وبالله التوفيق وعليه التكلان   :

مسألة الدين المالي مسألة عظيمة لا شك في ذلك 

فقد استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم فقد  روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٨٣٣) قوله صلى الله عليه وسلم مرفوعا :( اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم )فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم . فقال: ( إن الرجل إذا غرِم، حدَّث فكذَب، ووعد فأخلف ) .

و الدين يسهر صاحبه ويقلقه ويهمه أمره كما أن فيها أشغال ذمة المدين .

و سداد الدين له أهميته وآكديته ؛  لكن هل يترك بسببه الأضحية مع رخص ثمنها ؟

وهل يقال أن حكمها حكم الحج بحيث لا يحج إلا من قام بسداد دينه أو استأذن من صاحب الدين فيقال هذا الكلام في الأضحية ؟. 

فهذا حسب علمي لا اذكر احدا من سلفنا الصالح قال به .

والناس في هذا العصر  اغلبهم لا يسلم من الدين .

مابين اقساط واقراض 

فهل يصح أن يقال بترك هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام لأجل الدين ؟

وهو أمر  عارض وطارئ . 

وقد تترك  بسبب هذا القول اذا قيل به  هذه الشعيرة العظيمة سنوات عدة  حتى يتم سداد الدين .

فالميل إلى صحة هذا  القول  يحتاج إلى  دليل من الشرع  يسنده ويعضده وسنرى بالدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضحى مع وجود الدين  . ويغلب على ظني أن ليس هناك أحد لم يتعرض في يوم من الأيام لضائقة مالية او لظروف مادية  ألجأته للاقتراض  روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي رافع رضي الله عنه : (  أن النبي  صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، وأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فقال: لا أجد إلا خيارا رباعيا. فقال: أعطه إياه؛ إن خيار الناس أحسنهم قضاء) .

و ( توفيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ودرعهُ مرهونةٌ عند يهوديٍّ، بثلاثين صاعًا من شعيرٍ لأهلِه ) وهذا في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي من حديث الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وقد صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح النسائي حديث رقم( ٤٦٦٥) 

ومع ثبوت دينه صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه ترك الأضحية. 

ومعلوم أن الدين من أخذه ليستر خلته و يتم به شأنه وكانت نيته ايفاء صاحبه سهل الله له أمر دينه وقضاه الله عنه بخلاف من نوى المطل  والتلاعب بأموال الناس ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )؛ رواه البخاري رحمه الله .

وقد حصل في أمر الدين المالي تشديد في أول الهجرة ثم خفف رسول الله صلى الله عليه وسلم  ذلك رحمة من الله بالمسلمين 

ففي سنن النسائي رحمه الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي حديث رقم  ( ١٩٦١ ) عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي عنهما قال :

( كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لا يصلِّي على رجلٍ عليْهِ دَينٌ فأُتِيَ بميِّتٍ فسألَ أعليْهِ دينٌ قالوا نعم عليْهِ دينارانِ قالَ صلُّوا على صاحبِكم قالَ أبو قتادةَ هما عليَّ يا رسولَ اللَّهِ فصلَّى عليْهِ فلمَّا فتحَ اللَّهُ على رسولِهِ قالَ:  أنا أولى بِكلِّ مؤمنٍ من نفسِهِ من ترَكَ دَينًا فعليَّ ومن ترَكَ مالًا فلورثتِهِ ) .

وإتماما للفائدة فقد رأيت فتاوى لكبار علماء الاسلام تجيز الاستدانة والاقتراض لأجل قيمة الأضحية أحببت إطلاعكم عليها  انقلها إليكم محتسبا الأجر من الله  ففي  مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  ( ٢٦ / ٣٠٥ ) 

سئل  رحمه الله :

 عمن لا يقدر على الأضحية ، هل يستدين ؟

فأجاب :

" إن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن ، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك " انتهى كلامه رحمه الله  .

وهنا سؤال وجه للامام ابن باز رحمه الله هذا نصه :

" السؤال: 

هل يجوز لرجل لا يملك ثمن الأضحية حاضراً، هل يجوز له الاستلاف، لشراء الأضحية، ثم يقوم بتسديد هذا المبلغ لصاحبه فيما بعد، علماً بأن لهذا الرجل أشجاراً تنتج فواكه يتكسب منها؟ 

جواب الإمام ابن باز رحمه الله: 

نعم يستحب له، يستقرض ويستدين ويضحي، إذا كان خلفه ما يوفي منه، عنده ما يوفي منه، .... الضحية سنة ولو بالاستدانة، إذا كان عنده ما يقضي ويوفي منه. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيراً ".[ من موقع الإمام ابن باز رحمه الله الرسمي ] 

وفي فتاوى الإمام ابن باز رحمه الله ( ١ / ٣٧ ).

سئل رحمه الله : هل تجب الأضحية على غير القادر ؟

 وهل يجوز أخذ الأضحية دَيْناً على الراتب ؟

فأجاب :

" الأضحية سنة وليست واجبة . . . ولا حرج أن يستدين المسلم ليضحي إذا كان عنده القدرة على الوفاء " انتهى كلامه رحمه الله .

ومن إجابات هيئة  كبار العلماء :

[ هل يجوز للرجل أن يذبح ذبيحة عيد الأضحى وهي ليس مدفوع ثمنها، ثم تسدد بعد مدة؟وجزاكم الله خيرًا.


الجواب:

يجوز ذبح الأضحية ولو تأخّر دفع قيمتها عن ذبحها.


فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

فتوى رقم ( ١١٦٩٨)

عضو . نائب رئيس اللجنة . الرئيس.

عبد الله بن غديان . عبد الرزاق عفيفي . عبد العزيز بن باز ].


و الْأُضْحِيَّةَ لمنزلتها وفضلها وعظيم اجرها اختلف أهل العلم في حكمها 

فقيل : 

 سُنَّةً مُؤَكَّدَةً غَيْرَ وَاجِبَة .

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبِلَالٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ، وَبِهِ قَالَ سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. 

والقول الثاني  :

قال رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وهذا القول رواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية والألباني  رحمهما الله : هِيَ وَاجِبَةٌ [ على المستطيع ] ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ، وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا ) ، وَعَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ، فِي كُلِّ عَامٍ، أَضْحَيةً وَعَتِيرَةً )" .[ المغني ( ١١ / ٩٥ ) بتصرف وزيادة ] .

قال شيخنا الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه [ أحكام الاضحية والذكاة] مبينا أهميتها  

: " لكن صرح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها يكره للقادر، ذكره أصحابنا، نص الإمام أحمد وقطع به في الإقناع، وذكر في جواهر الإكليل شرح مختصر خليل ؛  أنها إذا تركها أهل بلد قوتلوا عليها؛ لأنها من شعائر الإسلام ".

ثم ذكر من " أدلة القائلين بالوجوب: الدليل الأول: قوله ـ تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر: ٢ ]فأمر بالنحر، والأصل في الأمر الوجوب ".

انتهى كلامه رحمه الله. 

هذا ماأحببنا ايضاحه وبيانه في مسألة  هذه الشعيرة  العظيمة 

من شعائر الإسلام. 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

----------------------------------------

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني.