الجمعة، 23 يوليو 2021

《 إيضاح معنى شطر بيت وهو [معرفة الرحمن بالتوحيد] 》

 




الحمد لله وحده ،

والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

أما بعد،

فقد سألني أحد طلاب العلم عن معنى  بيت من  الشعر  قاله الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في منظومته :[ سلم الوصول إلى علم الأصول]  في العقيدة وهو  :

" أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعَبِيدِ

مَعْرِفَةُ الرَّحْمَنِ بِالتَّوْحِيدِ ".



فاجبناه رزقنا الله واياكم التوكل عليه سائلا الله في اجابتي التوفيق والإعانة والسداد في القول والعمل  فأقول:

أول واجب على العبد :

يختلف في حال الكفر والإسلام 


*فاولا : إن كان كافرا أو مشركا*

فيجب عليه التوحيد وهو النطق بالشهادتين قال الإمام ابن القيم رحمه الله :

" فالتوحيد أوَّل ما يدخل به في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا كما قال النبي :( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ). فهو أول واجب وآخر واجب فالتوحيد أوَّل الأمر وآخره ". [ مدارج السالكين ( ٣ / ٤٤٤)]. 

وهذا محل اتفاق وإجماع بين المسلمين لا خلاف بينهم في ذلك نقل اتفاقهم واجماعهم ابن أبي العز رحمه الله شارح العقيدة الطحاويه  وقبله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال : " السلف والأئمة متفقون على أنَّ أول ما يؤمر به العباد الشهادتان ".[ درء تعارض العقل والنقل (٨/ ١١)].

وأما المعطله الجهمية من اشاعرة كلابية  ومعتزلة ومن نحى نحوهم وانتحل مذهبهم  كالإباضية و الزيدية  والصوفية فيقولون : " إنَّ أول واجب على المكلف هو:

 [ النظر ]

أو [ القصد إلى النظر]

 أو [ أول أجزاء النظر]

أو[ المعرفة ]

أو [ الشك ] ".


و[ المعرفة ]  عند المعطلة الجهمية [ الأشاعرة الكلابية] 

يعنونها به معنى مخالفا لكلام الله تعالى وتقدس ومخالفا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهم يعنون به توحيد الربوبية فقط و معرفة وجود الله وتفرده بخلق العالم. و [ توحيد الربوبية : وهو توحيد الله بأفعاله كالخلق والأحياء والأماتة والرزق ونحوها ] 

وأما [ توحيد الالوهية : فهو توحيد الله بأفعال العبادة كالدعاء والذبح والنذر  والصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من العبادات فلا تصرف إلا لله وحده سبحانه وتعالى ] 

 فجميع الكفار بما فيهم كفار قريش يقرون بتوحيد الربوبية قال الله تعالى وتقدس : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } وقال عز وجل : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ مِنۢ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ۚ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } فلاخلاف بين الرسل وأممهم في توحيد الربوبية وإنما وقع الخلاف في توحيد الالوهية ، والمعرفة عند العلامة حافظ الحكمي رحمه الله فيعني بها حقا وهو إثبات توحيد الالوهية  ويدل على صحة ما قلناه وذلك بالرجوع الى شرح العلامة حافظ الحكمي رحمه الله  لمنظومته وهو سفره النفيس [ معارج القبول شرح سلم الوصول ]  نجده يقول في شرحه لهذا البيت من منظومته: 

" [ أول واجب‏]

 فرضه الله عز وجل ‏[على العبيد‏] هو ‏[ معرفة الرحمن‏] أي معرفتهم إياه ‏[ بالتوحيد‏] الذي خلقهم له، وأخذ عليهم الميثاق به، ثم فطرهم شاهدين مقرين به، ثم أرسل به رسله إليهم، وأنزل به كتبه عليهم‏ ".انتهى كلامه رحمه الله. 

والصحيح أن هذه الألفاظ المحدثة التي ذكرها أهل الأهواء والبدع هي خلاف ما عليه عقيدة أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح المبنية على نصوص الوحيين وماعليه إجماع  المسلمين كما ذكرناه آنفا .


*ثانيا: المسلم*

فيطالب حين بلوغه سن التكليف ببقية شرائع الإسلام وشعائره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  : "  أول الواجبات الشرعية يختلف باختلاف أحوال الناس، فقد يجب على هذا ابتداءً ما لا يجب على هذا ابتداءً، فيخاطب *الكافر* عند بلوغه بالشهادتين، وذلك أول الواجبات الشرعية التي يؤمر بها.

وأما *المسلم* فيخاطب بالطهارة إذا لم يكن متطهراً، وبالصلاة وغير ذلك من الواجبات الشرعية التي لم يفعلها. وفي الجملة فينبغي أن يعلم أن ترتيب الواجبات في الشرع واحداً بعد واحد، ليس هو أمراً يستوي فيه جميع الناس، بل هم متنوعون في ذلك، فكما أنه قد يجب على هذا ما لا يجب على هذا، فكذلك قد يؤمر هذا ابتداءً بما لا يؤمر به هذا. فكما أن الزكاة يؤمر بها بعض الناس دون بعض، وكلهم يؤمر بالصلاة، فهم مختلفون فيما يؤمرون به ابتداءً من واجبات الصلاة، فمن كان يحسن الوضوء وقراءة الفاتحة، ونحو ذلك من واجباتها، أمر بفعل ذلك، ومن لم يحسن ذلك أمر بتعلمه ابتداءً، ولا يكون أول ما يؤمر به هذا من أمور الصلاة، هو أول ما يؤمر به هذا."

[ درء تعارض النقل والعقل(  ٨ / ١٦ )]. فإذن لابد من فيؤمر ويات بكلمة التوحيد وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان *كافرا*


 ويؤمر *المسلم* عند بلوغه التكليف ببقية شرائع وشعائر الإسلام  عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فقد روى 

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن : ( إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتَهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرَدُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجابٌ ). 

متفق عليه . 

هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

..............

كتبه: غازي بن عوض العرماني