السبت، 10 يوليو 2021

《 الكبر تعريفه▪︎ ماهي أسبابه ؟▪︎ماهي نتائجه؟▪︎كيفية علاجه 》




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


أما بعد :

فيقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  : ( ما من داء إلا وله دواء ) 

والكبر داء باطني قلبي 

و علاج الامراض القلبية - من جهل وغرور وكبر ومعصية  - له أطباء جهابذة يجعلهم الله سببا لمن أراد سعادته وتوفيقه ورحمته وهؤلاء الأطباء الحذاق هم كبار علماء السنة وشيوخ الاسلام وطريقة علاجهم توجد  في  كلام الله سبحانه وفي  كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وما فهموه من سنن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ومااثر عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله فمن هؤلاء نقتبس فعليهم نرد و عنهم نصدر ومنهم نستفيد وذلك بعد مشاهدة ومعاملة ورؤية :

 مرضى الغطرسة 

وحب الفوقية 

ومن عندهم شهوة الإستعلاء على خلق الله.

  وبطر الحق و الترفع عنه وعدم قبوله وغمص أو غمط[ الكبر على ]  الخلق أي احتقارهم، وازدراؤهم مما يترتب عليه : دفع الحقوق وجحدها والاستهانة بها  .

فتبين أن  هذا المرض :

هو الكبر  .

       

           *《 تعريف الكبر 》*


 تفضيل  شخص أو أسرة أو قبيلة أو مدينة أو منطقة على أخرى بلا مبررات شرعية وبدون وجه حق  .

وإطلاق مصطلح العنصرية :

إطلاق حادث حسب علمي لم يكن معروفا فيما مضى ومعناه تمييز العنصر بمزية أو ميزة بلا وجه حق لهذا اطلق عليه عنصرية وهذا هو الكبر .

فالعنصرية احد الثمار السيئة لداء الكبر .


     *《 سبب الكبر 》*

هو مرض نفسي متجذر في بعض الذوات يرى صاحبه افضليته وميزته على بقية الناس بغير حق شرعي .

ولعل ما تفضل الله به عليه من منصب أو مال أو جاه أو أي تفضيل آخر من الله فيرى هذا المتكبر  افضليته على غيره ولوا امعن النظر 

واعمل عقله 

وادرك بثاقب بصره 

لا علم أنه لاحول له ولاقوة في ما اكتسبه وإنما هو من فضل الله  ورحمته عليه في متاع الحياة الدنيا . وقد يكون ما أتاه الله من قوة ومتاع إنما هو نوع استدراج وخاصة إذا علم أنه   على غير ما يرضي الله ربه

وقد يجتمع مع الكبر  ادواء أخرى كالحقد والحسد وسوء الخلق والافساد في الأمراض وأدق وصف لهذا الداء هو وصف سيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  له 

بقوله صلى الله عليه وسلم: ( الكبر : بطر الحقِّ وغمط النَّاس )أي رد الحق واحتقار الناس .

والكبر داء  لا يسلم منه إلا من سلمه الله فقد يصيب حتى الفقراء من الناس فقد رأينا شيئا من هذا الصنف لا كثرهم الله وقد ثبت في السنة :( ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : .....وعائل مستكبر) أي فقير متكبر بلا سبب يوجب ذلك ظاهرا  .

والكبر صفة لله لا ينبغي أن يتصف بها الخلق وهم عباد الله 

الضعفاء المساكين فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار  أو أذقته النار ) رواه مسلم  

وهو اسم من اسماء الله الحسنى يقول الله سبحانه وتعالى  : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الحشر : ٢٣ ]


          *《 من نتائج الكبر 》*

      


       

     *( أولا*: *"الكبر يمنع العلم بميراث الأنبياءويحجب فهم الكتاب والسنة وهدي سلف الأمةالصالح"*)


فالكبر يمنع من وصول الحق إلى القلب كما إمتنع إبليس عن السجود حينما أمره الله للسجود لآدم عليه السلام {قال أنا خير منه }

لذا نتج عن ذلك 

ان المتكبر يصده ويمنعه كبره  عن طلب العلم دل على ذلك قول الله تعالى وتقدس : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ }

وفي صحيح البخاري رحمه الله عن مجاهد رحمه الله قال:

” لايطلب العلم مستح أو متكبر ”

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:” القلب لاتدخله حقائق الإيمان إذا كان فيه ماينجسه من كبر أو حسد “مجموع الفتاوى( ١٣/ ٣٤٣).


 *(ثانيا:  *"أتباع الرسل -عليهم الصلاة والسلام - هم الضعفاء والمساكين فهم الذين بعيدون عن الكبر وأسبابه"*


قال الله تعالى وتقدس : { وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا } قال السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية:"  أي: ما نرى اتبعك منا إلا الأراذل والسفلة، بزعمهم.

وهم في الحقيقة الأشراف، وأهل العقول، الذين انقادوا للحق ولم يكونوا كالأراذل، الذين يقال لهم الملأ، الذين اتبعوا كل شيطان مريد، واتخذوا آلهة من الحجر والشجر، يتقربون إليها ويسجدون لها، فهل ترى أرذل من هؤلاء وأخس؟ " انتهى كلامه رحمه الله 

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: " فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه ، فإن الحق في نفسه صحيح ، وسواء اتبعه الأشراف أو الأراذل بل الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق هم الأشراف ، ولو كانوا فقراء ، والذين يأبونه هم الأراذل ، ولو كانوا أغنياء . ثم الواقع غالبا أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس ، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته ، كما قال تعالى : { وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } [ الزخرف : ٢٣ ] ، ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له فيما قال : أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم ؟ قال : بل ضعفاؤهم . فقال هرقل : هم أتباع الرسل .

وقولهم :{ بادي الرأي } ليس بمذمة ولا عيب; لأن الحق إذا وضح لا يبقى للتروي ولا للفكر مجال ، بل لا بد من اتباع الحق والحالة هذه لكل ذي زكاء وذكاء ولا يفكر وينزوي هاهنا إلا عيي أو غبي . والرسل ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، إنما جاءوا بأمر جلي واضح .

وقد جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر ، فإنه لم يتلعثم ) أي : ما تردد ولا تروى ، لأنه رأى أمرا جليا عظيما واضحا ، فبادر إليه وسارع" انتهى كلامه رحمه الله. 



*(ثالثا : اخراج إبليس من الجنة بسبب كبره)*


أخرج الله إبليس من الجنة - عدلا وحكمة- وذلك بسبب كبر إبليس  قال الله تعالى : { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }

قال ابن جرير رحمه في  تفسيره لهذه الآيه : ” فجهل عدوّ الله وجه الحق, وأخطأ سبيل الصواب.إذ كان معلومًا أن من جوهر النار الخفة والطيش والإضطراب والإرتفاع علوًّا, والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حملَ الخبيث بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب السابق، على الإستكبار عن السجود لآدم، والإستخفاف بأمر ربه, فأورثه العطبَ والهلاكَ.

وكان معلومًا أن من جوهر الطين الرزانة والأناة والحلم والحياء والتثبُّت, وذلك الذي هو في جوهره من ذلك، كان الداعي لآدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب السابق، إلى التوبة من خطيئته, ومسألته ربَّه العفوَ عنه والمغفرة .ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: ” أول مَنْ قاسَ إبليس “, يعنيان بذلك: القياسَ الخطأ, وهو هذا الذي ذكرنا من خطأ قوله، وبعده من إصابة الحق، في الفضل الذي خص الله به آدم على سائر خلقه:من خلقه إياه بيده, ونفخه فيه من روحه, وإسجاده له الملائكة, وتعليمه أسماء كلِّ شيء، مع سائر ما خصه به من كرامته .فضرب عن ذلك كلِّه الجاهلُ صفحًا, وقصد إلى الاحتجاج بأنه خُلق من نار وخلق آدم من طين وهو في ذلك أيضًا له غير كفء, لو لم يكن لآدم من الله جل ذكره تكرمة شيء غيره, فكيف والذي خصّ به من كرامته يكثر تعداده، ويملّ إحصاؤه؟” انتهى كلامه رحمه الله.

وقد جعل الله بفضله على عباده وكرمه ورحمته أن جعل أبناء آدم من ماء والماء جعله الله سببا للحياة   قال الله تعالىوتقدس : {وجعلنا من الماء كل شئ حي }  ففي مادة الماء  تنطفئ النار المحسوسة ومافيها من شرور   وينطفئ بإتباع الرسل ونصر دعوة المصلحين السلفيين لهيب نار الكفر والبدع والأحزاب الضالة.



*( نتائج أخرى سيئة  بسبب الكبر)* 


كفر طائفة من ذرية آدم .

وبسببه :

أقبل كثير منهم على الأهواء والبدع والأحزاب وتركوا السنة والجماعة وهدي سلف الامة وبسببه:

ظهر التعصب الذميم والمحرم شرعا تفضيل الأسر أو القبائل بعضها على بعض بلا دليل من كلام الله سبحانه وتعالى أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أثر عن السلف الصالح .


 *(رابعا : أنه يمنع من دخول الجنة)*

  روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرَّة من كبر.... )

 فأهل النار هم أهل الكبر 

روى الامام مسلم رحمه الله عن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( احتجَّت الجنة والنار، فقالت النَّار: فيَّ الجبَّارون والمتكبرون. وقالت الجنة: فيَّ ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنَّك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنَّك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما عليَّ ملؤها ) 

و روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أخبركم بأهل الجنَّة؟ كل ضعيف متضاعف؛ لو أقسم على الله لأبرَّه، ألا أخبركم بأهل النَّار؟كل عتلٍّ ،جواظٍ   مستكبرٍ )  



     

          *《  علاج الكبر 》*


وذلك  بالرجوع إلى كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه السلام وتعلمهما والعمل بما فيهما ففيهما الدواء الناجع للتخلص من هذا الداء  

ثم أنظر خلقك وومما خلقت منه أن كنت عاقلا :  فخلقك ضعيف فمن ماء مهين خلقت قال الله تعالى وتقدس:{ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه } 

ثم أنظر كيف خرجت فمن مخرج البول خرجت مرتين وانت الان تحمل القذر بين جنبيك 


وفي طبيعتك البشرية :

 مرض وهرم وحزن وهم وغم وكرب ولا تعلم ساعة موتك .

  ثم تذكر الموت .

و( كفى بالموت واعظا ) .


ومقياس التفضيل الصحيح والميزان العدل الصادق وذلك في علو المنزلة ورفعتها ان غردت ذلك هو التقوى.

 قال الله رب العالمين خالق الناس من ماء مهين : { ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير }

ويقول الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلَّغت؟ اللهم فاشهد ) رواه مسلم رحمه الله في صحيحه .


ومن العلاج لهذا الداء :

سؤال الله السلامة من هذا الداء والإلحاح على الله بطلب السلامة منه مع سؤال الله المسكنة والبعد عن خصلة وصفة الكبر وعن أهلها المتكبرين فعن انس بن مالك رضي الله ان  رسول صلى الله عليه وسلم قال : 

(اللَّهمَّ أَحيِني مِسكينًا، وأَمِتْني مِسكينًا، واحشُرني في زُمرةِ المساكينِ يومَ القيامَةِ، فقالَت عائِشةُ: لِمَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: إنَّهم يَدخُلون الجنَّةَ قبلَ أغنيائِهم بأربعين خريفًا، يا عَائشةُ، لا ترُدِّي المِسكينَ ولو بشِقِّ تَمرةٍ، يا عائشةُ، أحِبِّي المساكينَ، وقَرِّبيهم؛ فإنَّ اللهَ يقرِّبُكِ يومَ القيامَةِ ).

رواه الترمذي رحمه الله ورواه ابن ماجه رحمه الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه 

وصححه الإمام الالباني رحمه الله في صحيح الترمذي حديث رقم ( ٢٣٥٢).

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

----------------------------------------

*كتبه واملاه الفقير إلى عفو مولاه:* *غازي بن عوض العرماني* .