الثلاثاء، 29 مارس 2022

《 حديث عن [ الحكمة ] وأنها نعمة يهبها الله فضلا ورحمة لمن وفق للعلم النافع والعمل الصالح 》



     بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه وأقتفى. 

أما بعد 

فقد كنت أتأمل كلام الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ومن ذلك قوله رحمه الله : 

‏"ومن استفرغ وسعه في طلب رضا الله فاتقى الله ما استطاع كان من عباد الله الصالحين، وإن كان قد أخطأ في بعض ما اجتهد فيه".[ جامع المسائل ( ١ / ١٠٥ )] وكذلك قوله رحمه الله تعالى:

‏"والتقي لا يحرم ما يحتاج إليه من الرزق وإنما يحمى من فضول الدنيا رحمة به وإحسانا إليه؛ فإن توسيع الرزق قد يكون مضرة على صاحبه وتقديره يكون رحمة لصاحبه".[مجموع الفتاوى لابن تيمية ( ١٦ / ٥٣ )]

فقلت : 

رحم الله شيخ الإسلام إبن تيميه ثم رحمه الله ؛ كلامه هذا أتى - بعد فضل الله ورحمته  - ثمرة اطلاع واسع في مشكاة الوحي - كتابا و سنة - واقتباسه من هدي اعلام الهدى ومصابيح الدجى مع فهم ثاقب  وتصور صحيح كامل للمسائل الشرعية  مع سلامة صدر تجاه عموم عباد الله - كل ذلك بفضل الله ورحمته عليه - فجاءت هذه العبارات  دررا تفيض حكمة وعلما : {  يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }

والحكمة لها معاني سامية 

فمن ذلك ما ذكره أئمة السلف في تحليل لمعنى لفظها حيث قالوا عنها : " الحكمة "، الإصابة في القول والفعل " .

وقال آخرون:

 هو العلم بالدين. 

وقيل :

الخشية، لأن رأس كل شيء خشية الله. وقرأ: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }

{ وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب } 

فالحكمة "هي فهم وفطنة ورشد وعقل يؤتيه الله من يشاء من عباده ومأخوذة من " الحكم  وفصل القضاء وبيان الكلام وايضاحه وعلم الحُكم والتبصر في القضاء وفصل الخصومات بين الناس ومعرفة الحق من الباطل والصادق من الكاذب وكل ذلك في الادلة ، 

والحكمة معرفة الصواب اذ الإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة. وإذا كان ذلك كذلك، كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره مفهما خاشيا لله فقيها عالما، .

وكانت النبوة من أقسامه. لأن الأنبياء مسددون مفهمون، وموفقون لإصابة الصواب ،" والنبوة - اصطفاء واختيار ومنهم المصطفى المختار  آخرهم وسيد الخلق وأفضل الأنبياء والمرسلين رسولنا الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم - "والنبوة بعض معاني" الحكمة  ".

 يؤتي الله  إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء، ومن يؤته الله ذلك فقد آتاه خيرا كثيرا.

ومن الحكمة البعد عن مشابهة الخوارج فمن معاني الحكمة   : " علم القرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه ، وأمثاله .

وقال الضحاك :

 القرآن والفهم فيه .

وقال : 

في القرآن مائة وتسع آيات ناسخة ومنسوخة وألف آية حلال وحرام لا يسع المؤمنين تركهن حتى يتعلموهن ولا تكونوا كأهل نهروان تأولوا آيات من القرآن في أهل القبلة وإنما أنزلت في أهل الكتاب جهلوا علمها فسفكوا بها الدماء وانتهبوا الأموال وشهدوا علينا بالضلالة فعليكم بعلم القرآن فإنه من علم فيم أنزل الله لم يختلف في شيء منه ".

والحكمة مصدر من الإحكام وهو الإتقان في قول أو فعل ، فكل ما ذكر فهو نوع من الحكمة التي هي الجنس ، فكتاب الله حكمة ، وسنة نبيه حكمة ، وكل ما ذكر من التفضيل فهو حكمة . وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه ، فقيل للعلم حكمة ؛ لأنه يمتنع به ، وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح ، وكذا القرآن والعقل والفهم . وفي البخاري : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وقال هنا : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وكرر ذكر الحكمة ولم يضمرها اعتناء بها ، وتنبيها على شرفها وفضلها حسب ما تقدم بيانه عند قوله تعالى : { فبدل الذين ظلموا قولا } . 

وذكر الدارمي أبو محمد في مسنده : حدثنا مروان بن محمد حدثنا رفدة الغساني قال : أخبرنا ثابت بن عجلان الأنصاري قال : كان يقال : " إن الله ليريد العذاب بأهل الأرض فإذا سمع تعليم المعلم الصبيان الحكمة صرف ذلك عنهم " .

قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ويزيد قالا : حدثنا إسماعيل يعني ابن أبي خالد عن قيس وهو ابن أبي حازم عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (  لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ) .

وهكذا رواه البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق متعددة عن إسماعيل بن أبي خالد ، به " .

فهذا ميراث النبوة الا وهو علم الكتاب والسنة وفق مراد الله سبحانه وتعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم وهو الفهم الحق وهو فهم و هدي السلف الصالح والذي يثمر الحكمة 

فالقرآن الكريم وما فيه من "  الأوامر العظيمة المشتملة على الأسرار والحكم وكان ذلك لا يحصل لكل أحد، بل لمن منَّ عليه وآتاه الله الحكمة، وهي العلم النافع والعمل الصالح ومعرفة أسرار الشرائع وحكمها، وإن من آتاه الله الحكمة فقد آتاه خيرا كثيرا وأي خير أعظم من خير فيه سعادة الدارين والنجاة من شقاوتهما! وفيه التخصيص بهذا الفضل وكونه من ورثة الأنبياء، فكمال العبد متوقف على الحكمة، إذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية فتكميل قوته العلمية بمعرفة الحق ومعرفة المقصود به، وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير وترك الشر، وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره، وبدون ذلك لا يمكنه ذلك، ولما كان الله تعالى قد فطر عباده على عبادته ومحبة الخير والقصد للحق، فبعث الله الرسل مذكرين لهم بما ركز في فطرهم وعقولهم، ومفصلين لهم ما لم يعرفوه، انقسم الناس قسمين قسم أجابوا دعوتهم فتذكروا ما ينفعهم ففعلوه، وما يضرهم فتركوه، وهؤلاء هم أولو الألباب الكاملة، والعقول التامة، وقسم لم يستجيبوا لدعوتهم، بل أجابوا ما عرض لفطرهم من الفساد، وتركوا طاعة رب العباد، فهؤلاء ليسوا من أولي الألباب، فلهذا قال تعالى: { وما يذكر إلا أولو الألباب }".

هذا بعض ما استفدته من أهل العلم والحلم والحكمة وهم أئمة السلف الصالح في علم من العلم الشرعي وهو علم التفسير ؛ جعلنا الله وإياكم من أهل العلم والحلم والحكمة والفقه والفهم  والسكينة والاطمئنان والعدل والصدق والانصاف والحق وحسن الخلق وسلامة الصدر ؛ ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة 

وابعد الله عنا وعنكم الكبر والحسد والحقد والغضب والبغضاء وسوء الخلق والظلم  ؛ 

 { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }.[ رب أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدي لي، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا، لك مطواعًا، إليك مخبتًا أو منيبًا، تقبل توبتي، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي ]( ١ )

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. 

.......................................

( ١ )  رواه ابوداود والترمذي وابن ماجه رحمهم الله والبغوي رحمه الله في شرح السنة وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع حديث رقم ( ٣٤٨٥ ).

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه  : غازي بن عوض العرماني.