بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد :
فيأت حديثنا اليوم في رسالتنا هذه عن الحزن اعاذنا الله وإياكم منه ؛ مشتملة في ثناياها على تعريف الحزن واسبابه وعلاجه .
( أولا : تعريف الحزن )
فالحزن قيل في تعريفه :
" هو الشعور بالضيق الذي يصيب الإنسان لما فاته من الخير أو ما لحقه من الشر ".
( ثانيا : ما أسباب الحزن ؟ )
ذكر الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } أسباب الحزن حيث قال رحمه الله :" والحزَنَ والحُزْن واحد كالبخل والبخل .
قال ابن عباس : أي حزن النار .
وقال قتادة : حزن الموت .
وقال مقاتل : حزنوا لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله بهم .
وقال عكرمة : حزن الذنوب والسيئات وخوف رد الطاعات .
وقال القاسم : حزن زوال النعم وتقليب القلب ، وخوف العاقبة ،
وقيل : حزن أهوال يوم القيامة .
وقال الكلبي : ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة .
وقال سعيد بن جبير : هم الخبز في الدنيا .
وقيل : هم المعيشة .
وقال الزجاج : أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو لمعاد "[ بتصرف ] .
( ثالثا : ما علاج الحزن ؟ )
من أهم علاج للحزن أن يعلم العبد أن الأمر الذي جرى له من هم أو غم أو حزن أو مصيبة شر او ضر أو سعادة وخير جرى بقضاء الله وقدره فعليه بالإيمان والتسليم والرضى والإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره من أركان الإيمان بالله سبحانه وتعالى .
ونذكر أنه لا ينسب الشر إلى الله تعالى وتقدس والله خالق الخير والشر، أما فعل الرب سبحانه: حكمه وقضاؤه وتقديره؛ فكله خير، ليس فيه شر، والشر لا يضاف إلى الله اسمًا، ولا صفةً ولا فعلا، فالشر لا يكون في أسمائه فكلها حسنى، ولا في صفاته فكلها صفات كمال وحمد، ولا في أفعاله فكلها أفعال عدل وحكمة، وإنما يكون في مفعولاته، أي: مخلوقاته
كما في ورد في السنة :( والشر ليس إليك ) .
وهذا الشر شر نسبي ليس شرًا محضًا فلم يخلق الله شيئا إلا لمصالحَ وحكمٍ يعلمها سبحانه، وليس من شرط ذلك أن تكون عائدة للعبد، بل قد يكون فيها شر لبعض الناس، وهو شر جزئي إضافي، فأما شر كلي، أو شر مطلق؛ فالله تعالى منزه عنه .
ومن علاج الحزن :
أن يأخذ بالاسباب الشرعية والتي منها دعاء الله سبحانه وتعالى والاكثار من دعائه سبحانه وتعالى والالحاح على ربنا ملك الملوك رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما
و الاستعاذة منه من الحزن فقداستعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر صحابته رضوان الله عليهم بالاستعاذة منه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ والبُخْلِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ ) رواه البخاري رحمه الله. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي).رواه أحمد وابن حبان والحاكم والطبراني - رحمهم الله - في الكبير وصححه الألباني رحمه الله .
وليعلم المسلم ان الله سبحانه وتعالى نهى عباده عن الحزن في كلام الله سبحانه وتعالى - المنزل غير مخلوق - القرآن الكريم يقول الله سبحانه وتعالى : {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
ويقول سبحانه وتعالى :{بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
ويقول سبحانه وتعالى : {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ}.
ويقول سبحانه وتعالى : {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَاوَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السفلى ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
ويقول سبحانه وتعالى :
{ وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ ۚ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
ويقول سبحانه وتعالى :
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ .
لَهُمُ البشرى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
ويقول الله تعالى وتقدس : { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } .
ومن علاج الحزن الصلاة يقول الله سبحانه وتعالى : { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين } "أي: أكثر من ذكر الله وتسبيحه وتحميده والصلاة فإن ذلك يوسع الصدر ويشرحه ويعينك على أمورك "[ من كلام الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية ].
و ثبت في السنة :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حزنه أو حزبه أمر صلى أو فزع الى الصلاة .
ولا ينسى أن يرقي نفسه بنفسه بكلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك الآيات والأحاديث السابقة .
اعاذنا الله وإياكم من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل ومن غلبة الدين وقهر الرجال . والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
______________________
كتبه : غازي بن عوض العرماني.