بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فالدعاء عبادة عظيمة وهو نوعان :
[ دعاء عبادة ]
فالاعمال الصَّالحة تسمَّى: دعاء عبادة، مثل الصَّلوات والزكاة والصوم والحج والعمرة والصَّدقة و التَّسبيح والتَّهليل كل ذلك دعاء عبادة والسبب التسمية بذلك ؛ أن من فعل هذه العبادات يطلب الأجر من الله سبحانه وتعالى ، فهم يرجون ثواب الله وفضله ورحمته ويخافون عذابه .
[ دعاء المسألة والطلب ]
وهو ما كان صريح الطلب مثل :
اللهم اغفر لي
اللهم ارحمني
اللهم نجني من النار وما قرب إليها من قول وعمل .
اللهم إني أسألك الفردوس الأعلى من الجنة .
ونحو هذا الدعاء
وكلامنا هنا في النوع الثاني وهو دعاء المسألة والطلب
《 من الآداب المهمة والتي يستحب التنبه لها عند الشروع في عبادة دعاء المسألة والطلب 》
ينبغي لكل لبيب عاقل فطن التنبه لآداب دعاء المسألة
والتي منها :
( أولا )
الثناء على الله وتمجيده وحمده وتسبيحه واستغفاره فالله هو المستحق وحده للحمد والمدح والثناء ثم الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم
فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : سمعَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ رجلًا يَدعو في صلاتِهِ لم يُمجِّدِ اللَّهَ تعالى ولم يُصلِّ علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : ( عجِلَ هذا ) ؛ ثمَّ دعاهُ فقالَ لَهُ أو لغيرِهِ : ( إذا صلَّى أحدُكُم فليَبدَأ بتَمجيدِ ربِّهِ جلَّ وعزَّ والثَّناءِ علَيهِ ثمَّ يصلِّي علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ثمَّ يَدعو بَعدُ بما شاءَ ) رواه أحمد وابوداود والترمذي والنسائي رحمهم الله وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود رحمه الله.
( ثانيا )
من الآداب كذلك ؛ الدعاء لك وللمسلمين أو من أحببت ليشملك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ، إلَّا قالَ المَلَكُ: وَلَكَ بمِثْلٍ ) رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه .
( ثالثا )
تقديم صدقة قبل الدعاء لا على جهة الاستمرار لكن تفعل في بعض الأحيان ولو تصدق بشئ يسير نفعه ذلك ؛ فالصدقة قبل الدعاء لها شأن عظيم ففي تفسير قوله تعالى وتقدس : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه }
" قال مجاهد : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب . وكذا قال أبو العالية ، وعكرمة ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وشهر بن حوشب ، وغير واحد من السلف . وقال إياس بن معاوية القاضي : لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام .وقال الحسن ، وقتادة : لا يقبل قول إلا بعمل "[ تفسير ابن كثير رحمه الله ].
"والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة، فهي التي ترفع كلمه الطيب، فإذا لم يكن له عمل صالح، لم يرفع له قول إلى اللّه تعالى، فهذه الأعمال التي ترفع إلى اللّه تعالى، ويرفع اللّه صاحبها ويعزه".[ تفسير السعدي رحمه الله ]
" فإذا احتاج المسلم لتفريج كربة ، أو تيسير أمر ، أو كانت المناسبة عامة كالاستسقاء : فتصدق قبل أن يدعو كان ذلك من التوسل بالأعمال الصالحة " [ الشرح الممتع للعثيمين رحمه الله ( ٥ / ٢٠٩ )]
وهذا العمل الصالح يكون احيانا
لا على جهة الاستمرار فالدعاء عبادة وعمل صالح .
( رابعا )
الرزق الحلال والكسب الطيب والذي سلم من المال الحرام والمعاملات المالية المشبوهة وخلا من السحت ففي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ) رواه الإمام أحمد رحمه الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة( ٢٦٠٩ ) ؛ و إطابة المطعم من الأسباب العظيمة في استجابة الدعاء لهذا قيل :
" اطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة " ؛ و في الحديث الصحيح الذي رواه الصحابي الجليل ابوهريرة رضي الله عنه وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} ، وقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ )
أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه.
( خامسا )
من السنن المأثورة أن يقال قبل الدعاء : ( سبحان الله عشر مرات ) و ( الحمد لله عشر مرات ) و ( الله اكبر عشر مرات ) وهذا يكون في الصلاة دليل هذا ماثبت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال : جاءت أمُّ سُلَيْمٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقالَت: يا رسولَ اللَّهِ ! علِّمني كلِماتٍ أدعو بِهِنَّ في صلاتي ؟ قالَ: ( سبِّحي اللَّهَ عشرًا ، واحمَديهِ عشرًا ، وَكَبِّريهِ عشرًا ، ثمَّ سَليهِ حاجتَكِ يقُل : نعَم نعَم )
رواه النسائي رحمه الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي رحمه الله.
( سادسا )
انتظار اوقات استجابة الدعاء وتحريها ومن اوقات إجابة الدعاء ما يلي :
[ ١ ]
ساعة الإجابة يوم الجمعة .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعة : ( فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه ) وأشار بيده يقللها . رواه البخاري ومسلم رحمهما الله .
[ ٢ ]
الدعاء في السجود يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ) رواه مسلم رحمه الله .
[ ٣ ]
بين الأذان والإقامة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة ) رواه أبو داود والترمذي رحمهما الله وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( ٢٤٠٨) .
[ ٤ ]
عند نزول الغيث كما في حديث سهل بن سعد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثنتان ما تردان ؛ الدعاء عند النداء وتحت المطر ) رواه أبو داود رحمه الله وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( ٣٠٧٨ ).
[ ٥ ]
عند سماع صياح الديكة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكاً ) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله .
[ ٦ ]
من كان مظلوما فدعوته مستجابة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله .
[ ٧ ]
دعاء الوالد لولده ودعاء الصائم ودعوة المسافر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث دعوات لا ترد ؛ دعوة الوالد لولده ، ودعوة الصائم ودعوة المسافر ). رواه البيهقي رحمه الله و صححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ( ١٧٩٧ ).
[ ٨ ]
الدعاء عند الاستيقاظ من الليل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ ) رواه البخاري رحمه الله.
[ ٩ ]
ذكر لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين في الدعاء يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له رواه الترمذي رحمه الله وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( ٣٣٨٣)
[ ١٠ ]
آخر كل صلاة قبل السلام يشرع فيه الدعاء، وهذا الوقت ترجى فيه الإجابة لأن النبي الرسول صلى الله عليه وسلم لما علمهم التشهد قال:( ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قيل يا رسول الله : أي الدعاء أسمع ؟ .
قال : ( جوف الليل الآخر ، ودبر الصلوات المكتوبات ) رواه الترمذي رحمه الله وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
[ ١١ ]
الدعاء في الليل ففيه ساعة لا يرد فيها سائل، أحراها جوف الليل وآخر الليل الثلث الأخير .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الفجر )
رواه البخاري رحمه الله.
[ ١٢ ]
عند صلاة اربع ركعات عند زوال الشمس .
فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يُدْمِنُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدْمِنُ هَذِهِ الْأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ؟.
فَقَالَ: ( إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، فَلَا ترتج حتى يصلى الظُّهْرُ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِي تِلْكَ السَّاعَةِ خَيْرٌ ) .
قُلْتُ: أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟
قَالَ:( نَعَمْ ) .
قُلْتُ: هَلْ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ فاصل؟ قال: ( لا ).صححه الألباني رحمه الله في مختصر الشمائل المحمديه .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رضي الله عنه :( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَالَ: إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ ) رواه الترمذي رحمه الله وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : " وقد يقال: إن هذه الأربع لم تكن سنة الظهر، بل هي صلاة مستقلة كان يصليها بعد الزوال، كما ذكره الإمام أحمد عن عبد الله بن السائب، : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعا بعد أن تزول الشمس، وقال: (إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح).
وفي السنن أيضا عن عائشة رضي الله عنها :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها ).
وقال ابن ماجه: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الأربع قبل الظهر، صلاها بعد الركعتين بعد الظهر).
وفي الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربعا قبل الظهر، وبعدها ركعتين) .
وذكر ابن ماجه أيضا عن عائشة: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربعا قبل الظهر، يطيل فيهن القيام ويحسن فيهن الركوع والسجود) .
فهذه والله أعلم هي الأربع التي أرادت عائشة أنه كان لا يدعهن.
وأما سنة الظهر، فالركعتان اللتان قال عبد الله بن عمر
يوضح ذلك: أن سائر الصلوات سنتها ركعتان ركعتان، والفجر مع كونها ركعتين، والناس في وقتها أفرغ ما يكونون، ومع هذا سنتها ركعتان.
وعلى هذا، فتكون هذه الأربع التي قبل الظهر: وردا مستقلا، سببه انتصاف النهار، وزوال الشمس.
وكان عبد الله بن مسعود يصلي بعد الزوال ثمان ركعات، ويقول: إنهن يعدلن بمثلهن من قيام الليل.
وسر هذا والله أعلم أن انتصاف النهار مقابل لانتصاف الليل، وأبواب السماء تفتح بعد زوال الشمس، ويحصل النزول الإلهي بعد انتصاف الليل، فهما وقتا قرب ورحمة، هذا تفتح فيه أبواب السماء، وهذا ينزل فيه الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا " انتهى كلامه رحمه الله من كتاب [ زاد المعاد ( ١ / ٢٩٨ )].
رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة
ووهب لنا وإياكم رزقا حلالا طيبا مباركا فيه .
وجعلنا الله وإياكم ممن يستجيب الله له دعاءه .
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
كتبه : غازي بن عوض العرماني.