بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فنسأل الله الحي القيوم ذا الجلال والإكرام أن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة ؛ اعلموا بارك فيكم ان الدين وقف على كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفق هدي سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ودين الله سبحانه وتعالى كامل فليس بحاجة إلى اجتهاد احد من الناس يقول الله سبحانه وتعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ }
فالحمد لله على كمال الدين والحمد لله كما ينبغي لعظيم وجه ربنا وقديم سلطانه على رضاه بدين الإسلام ورزقنا الله وإياكم دين الإسلام عقيدة وقولا وعملا وجعلنا الله وإياكم من حملته الثقات الحفظة الاثبات العدول الذين :( ينفونَ عنهُ تحريفَ الغالينَ وانتحالَ المبطلينَ وتأويلَ الجاهلينَ ) .
فإجابة لطلب محبنا في الله الأخ ............ وسؤاله عن حكم زيارة النساء للقبورعلى جهةالتفصيل فقد احببنا في رسالتنا هذه إجابة طلب أخينا وذلك بإيضاح الحكم الشرعي الثابت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو [ زيارة المرأة للقبور ] فنقول :
هذا الأمر مباح وجائز استدلالا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم شريطة ان يكون على جهة القلة والندرة عملا بالسنة إذ يحرم زيارة المقابر للنساء على جهة الكثرة اعمالا للاحاديث الصحيحة الثابتة في هذا الباب والتي منها :
( أولا )
عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه: ( أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعَنَ زوَّاراتِ القُبورِ ) أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه رحمهم الله وصححه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله[ مجموع الفتاوى( ٢٤ / ٣٦٠ )] . والامام الالباني رحمه الله [ صحيح سنن الترمذي رحمه الله حديث رقم( ١٠٥٦)].
ودل هذا في منطوقه على :
اللعن لمن تكثر من النساء زيارة القبور ف( زوارات) بتشديد الواو، وهي صيغة مبالغة تدل على الكثرة أي كثرة الزيارة كما بين ذلك علماء السنة في شرحهم لهذا الحديث .
.
ومفهومه :
اباحة زيارة النساء للقبور على جهة القلة والندرة عملا بهذا الحديث وعدم إهماله يوضح ذلك الأحاديث الصحيحة الثابتة الآتية بعد هذا الحديث .
( ثانيا )
عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ( نُهِينا عنِ اتِّباعِ الجَنائزِ ولم يُعْزَمْ علينا )
رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه ؛ حديث رقم ( ١٢٧٨ ) والإمام مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٩٣٨ ).
( ثالثا )
عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عنه ؛ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مَرَّ بامرأةٍ تبكي عند قبرٍ، فقال: ( اتَّقِ اللهَ واصْبِرِي )
رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ١٢٨٣) والإمام مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٩٢٦ ).
ووجه الاستشهاد : أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه المرأة بالصبر ولم ينهها عن زيارة القبر.
( رابعا )
قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: ألَا أُحَدِّثُكم عنِّي وعن رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، قلنا: بلى.. الحديث، وفيه: قالت: قلتُ: كيف أقولُ لهم يا رسولَ الله؟ قال:( قولي: السَّلامُ على أهْلِ الدِّيارِ مِنَ المؤمنينَ والمُسلمينَ، ويَرْحَمُ اللهُ المُستَقْدمينَ مِنَّا والمُستَأخرينَ، وإنَّا إن شاء اللهُ بكم لَلاحِقونَ ) . رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٩٧٤ ).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث ما ذكره الحافظ النووي رحمه الله في شرحه لصحيح الإمام مسلم رحمه الله حيث قال :" أنَّ تعليمَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لها هذا الدُّعاءَ يدُلُّ على جوازِ زيارَةِ النِّساءِ " .
( خامسا )
عن عبدِ اللهِ بنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عائشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها أقبلَتْ ذاتَ يومٍ من المقابِرِ، فقُلْتُ لها: يا أمَّ المؤمنينَ مِن أينَ أقبَلْتِ؟ قالت: مِن قَبرِ أخي عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكرٍ. فقلت لها: أليسَ كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن زيارَةِ القبورِ؟ قالت: ( نعم، كان نهى، ثُمَّ أَمَرَ بزيارَتِها )
رواه ابن ماجه والبيهقي والحاكم وأبو يعلى رحمهم الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله[ إرواء الغليل ( ٣ / ٢٣٤ )]. والامام مقبل الوادعي رحمه الله[ الصحيح المسند ( ١٥٦٤ )] .
( سادسا )
عن أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: زار النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قبرَ أمِّه فبَكى وأبكى مَن حَوْلَه، فقال:( استأذَنْتُ ربِّي في أن أستَغْفِرَ لها، فَلَمْ يُؤْذَنْ لي، واستأذَنْتُه في أن أزورَ قَبرَها فأَذِنَ لي؛ فزُوروا القبورَ؛ فإنِّها تُذَكِّرُ الموتَ ) رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٩٧٦ ).
( سابعا )
عن بُريدَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ( نهَيْتُكم عن زيارَةِ القُبورِ فزُورُوها). رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٩٧٧ ).
ووجه الاستدلال بالحديث ( سادسا ) والحديث ( سابعا ) :
أنه دل بمنطوقه على النهي أولا عن زيارة القبور فأمرهم بهذا الحديث بزيارة القبور مما يدل على نسخ النهي الأول وهذا الأمر شامل عام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ذكورها واناثها وهذا فهم سلفنا الصالح لهذين الحديث قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بنت الصديق رضي الله عنه في الحديث ( خامسا ) جوابا لعبدالله بن أبي مليكة حينما سألها بقوله : أليسَ كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن زيارَةِ القبورِ؟ قالت: ( نعم، كان نهى، ثُمَّ أَمَرَ بزيارَتِها ) وقد مر معنا تخريجه .
وهذا مذهب جمع من أهل العلم من الحنابلة والاحناف والشافعية والمالكية وهو قول تؤيده سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها إعمال للسنة وعدم إهمالها وجمع قوي مستقيم بين الادلة مع التنبيه على :
ان يكون مراد المرأة بزيارة القبور العظة والاعتبار والنظر والتفكر في المآل والمرجع للإنسان .
مع مراعاة أمور لا بد منها عند خروجها من بيتها لزيارة القبور أو لأي أمر من الأمور فمن ذلك :
أن تخرج تفلة بعيدة عن الزينة والتعطر مع الحرص التام على التستر والاحتشام وقد ثبت في السنة : ( المرأةُ عورةٌ ، وإنها إذا خرجت من بيتِها استشرفها الشيطانُ ، و إنها لا تكون أقربَ إلى اللهِ منها في قَعْرِ بيتِها ) وهذا الحديث في سنن الإمام الترمذي رحمه الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي.
ومن الأمور المهمة كذلك:
إن تحرص على التزام السكينة والوقار مع اجتنابها للصياح والصراخ والعويل
والبعد عن مخالطة الرجال الأجانب والخلوة فيهم .
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: ( لعَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ زائراتِ القُبورِ ، و المتَّخذينِ علَيها المساجدَ و السُّرُجَ ) فإسناده ضعيف لا تقوم به حجة ولا يصح الإعتماد عليه في تحريم زيارة القبور للنساء
وهذا الحديث ضعفه جمع من أهل العلم منهم الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة رقم ( ٢٢٥ ). ومع : " تسليمنا بصحة رواية: (لعن الله زائرات ... ) ........أن هذا كان في وقت النهي، ووقت النهي تلاه وقت الإذن " [ الهدى والنور شريط رقم ( ١٦٤ / ٨ - ٣٦ ) بتصرف ].
هذا مااحببنا بيانه وهذا ماظهر لنا واتضح لكثرة الأحاديث الصحيحة في هذا الباب والاتفاق على صحتها مع وضوح الحكم في متنها وهذا ما فهمه كثير من سلفنا الصالح رضي الله عنهم بمن فيهم ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها بنت الصديق رضي الله عنه.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني .