بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد
فمن رحمة الله بالمسلمين ان جعل دينهم الإسلام ؛ دين رحمة وتعاطف وتآلف فأرتضاه الله تبارك وتعالى لعباده دينا :{ ومن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فهو دين كامل شامل موافق للعقل والفطرة والتكوين الخُلُقي والخلْقي للبشر وفي أتباع هذا الدين تكون السعادة والويل للمعرضين عن دين الله سبحانه وتعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}.
ودين الإسلام مبنى على كلام الله سبحانه وتعالى المنزل غير مخلوق وعلى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق هدي وفهم سلفنا الصالح.
ودين الإسلام ليس فيه كهنوت أو تقديس للأشخاص أو رفعهم فوق منزلتهم التي انزلهم الله بها
فكل المسلمين رجال دين بخلاف الديانات الباطلة الأخرى ومنها اليهودية والنصرانية
فالمجتمع عندهم مقسم الي رجال دين ومفهوم المخالفة لهذا المصطلح انه يوجد بينهم [ رجال بلا دين]
كما أن بينهم تقديس للأشخاص ورفعهم فوق منزلتهم حتى عبدوا غير الله مع أنهم عباد عبيد أمثالهم حتى نشأ بينهم الإلحاد مع شرك وكفر هما سبب كل بلاء فيهم فأدى ذلك إلى فشو الفساد الأخلاقي.
والمسلمون :
حاكمهم ومحكومهم
وخاصتهم وعامتهم
وكبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم
كلهم رجال دين
و حسب أعمالهم
يحصل التنوع الطبعي وفق التكوين البشري
ووفق اعمالهم فمنهم
التاجر
والمزارع
والصانع
والمهندس
والطبيب
واصناف أخرى تركناها لكثرتها.
ومنهم الحاكم والمحكوم
والراعي ورعيته
ولهم أعمال لا يستطيع أحد ان يعمل عمل الآخر أو يتقنه.
فالمزارع له عمل يختلف عن عمل التاجر وهكذا عمل المهندس يختلف عن عمل الطبيب.
وولاة الأمر لهم شأنهم الجسيم و منها إدارة شؤون الدولة وسياسة رعيتهم فلا أحد يستطيع تجاوز حدود عمله واختصاصه ؛ جرى ذلك وفق سنن كونية قضاها الله وقدرها وتعارف عليها الناس وفق عاداتهم واعرافهم وسلومهم
ووضع لها الشارع الحكيم ضوابط شرعية يمنع ويحرم تجاوزها فولاة الأمر يجب على رعيتهم السمع والطاعة لهم بالمعروف
حتى أتى في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية النصح لهم فوجوب طاعتهم وكيفية النصح لهم ليست محل اجتهاد لآراء البشر بهذا مضت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعليه هدي سلفنا الصالح وإجماعهم ثم
طبيعة عملهم الكبيرة وعظيم شأن اختصاصهم إذ يترتب على الإخلال بها ارتكاب مفاسد عظيمة.
والإتيان بها وفق ضوابط الشرع يترتب عليه جلب مصالح كبرى وتحقيق مصلحة عامة للرعية وفي طاعتهم كذلك درأ مفاسد عظيمة .....
ومعلوم ان الشعر ديوان العرب وهذا أمر مشاهد بادية وحاضرة اهتمامهم بالشعر ومما لفت نظري أنه اشتهر وانتشر بيت شعري لأحد شعراء النبط [ النبط مصطلح حادث لعل معناه يدل على أن هذا الشعر بعيد عن الشعر الفصيح والحديث عن الشعر النبطي ليس هذا محل بسطه ].
وحيث جرى ضمن ابيات قصيدةالشاعر عبارة هذا نصها : ( اللي فرق درب السياسة عن الدين ).
وحصل في ألفاظها إجمال وغموض يحتاج إلى إيضاح بيان شرعي لكثرة من يستمع الي هذه القصيدة ويتأثر بها ؛ فنقول وبالله التوفيق وعليه التكلان وهو المستعان :
ان هذه العبارة : ( اللي[ بمعنى الذي] فرق درب السياسة عن الدين).
تحتمل معنيين ظاهرين
فإن أراد :
( أولا )
ما يعنيه الملاحدة في هذا العصر وهم من يعرف حديثا ب :" العلمانية ".
وتعني :[ فصل الدين عن الدولة].
فكلامه باطل وذلك ان أمور السياسة والاقتصاد وغيرها
بل الحياة كلها لله سبحانه وتعالى امتثالا لقوله تعالى وتقدس :{ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ؛ فالحياة كلها في ثوانيها و ودقائقها وساعاتها والعمر كله ليله لباسا ونهاره معاشا دينا و قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحة حتى في النية الصالحة يؤجر عليها ومن ذلك جميع الأعمال حتى السياسة الشرعية يكون فيها أجر عظيم .
وعمر الإنسان يسأل عنه جميع العباد يوم القيامة كما في حديث أبي برزة الاسلمي رضي الله عنه وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟) رواه الترمذي رحمه الله تعالى وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي رحمه الله. والسياسة من أمور الدين فالعباد لا تستقيم حياتهم الا بسياسة الحاكم فيؤمن طرقهم ويردع القوي الظالم وينصف الضعيف المظلوم وقد جعلهم الله سببا لصلاح البلاد وتسيير شؤون العباد .
والحاكم يؤجر على سياسته وإحسانه وعدله لرعيته فالحكام مؤتمنون على رعيتهم فسياستهم إذا أرادوا بها وجه الله والدار الآخرة فهم في عبادة لله سبحانه وتعالى يؤجرون عليها.
والحكم من ثمرات التوحيد ومكملاته وليس هو توحيدا مستقلا كما يزعمه خوارج العصر [واعني الإخوانية والإمام الألباني رحمه الله هو من أطلق عليهم هذا الوصف]
إذا جعلوا التوحيد أربعة أقسام [ توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الحاكمية] ومصطلح الحاكمية لا يخرج من أنواع التوحيد الثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات فهو من مكمل وثمرة للتوحيد.
وإن أراد:
( ثانيا )
الحث على عدم أشغال الناس وذلك في منعهم من التدخل في سياسة الحاكم وشؤونه العامة التي بها ينظر المصلحة العامة لمن هم تحت يده وتحذيرهم من ان يكون حديثهم في مجالسهم وديدنهم الكلام في الحكام على جهة الطعن والذم لهم ومن ثم التدخل بشؤونهم ومحاولة الولوج في أمورهم واختصاصاتهم كما هي حال الإخوانية الخوارج مع أنهم لم يصلحوا شأن بيوتهم.
لهذا كبار علماء السنة اتباع السلف الصالح يقولون بهذا الخصوص :" أن من السياسة ترك السياسة ".
وكلام الشاعر لعله أراد هذا المعنى لكن فاته اختيار دقة التعبير و ضبط صياغة جيدة للمعنى المراد لئلا يترتب على ألفاظه الشعرية محظور شرعي. لذا يجب توخي الحذر وسلوك طريق الايضاح والتبيين وترك الغموض والأجمال في ألفاظ أبياته ..
والقصيدة في بقية ابياتها طيبه.
وفقنا الله واياكم والأخ الشاعر للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمه.
والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
..............
كتبه : غازي بن عوض العرماني