السبت، 18 نوفمبر 2023

( الإجابة عن صحة عبارة من عدمها ونصها يقول : " تشاء يا عبدي وأشاء؛ فإذا رضيت بما أشاء أعطيتك ماتشاء؛ فقل : الحمد لله")



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد :

فيقول الله تبارك وتعالى في سورة التكوير :{ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(٢٩)}

قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة :

" أي أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله، وفيه إعلام أن أحداً لا يعمل خيراً إلا بتوفيق الله ولا شراً إلا بخذلانه ". 

وعليه فإن العبارة ونصها : " تشاء يا عبدي وأشاء ؛  فإذا رضيت بما أشاء أعطيتك ماتشاء ؛  فقل الحمد لله " .

فيها إجمال يحتاج بيان وتفصيل ؛ فإن أراد في عبارته هذه فقط :" تشاء يا عبدي ... "أن له مشيئة مستقلة غير مشيئة تابعة لمشيئة الله فقوله باطل وهو عين كلام ابي جهل 

قال الإمام ابن كثير رحمه الله :" قال سفيان الثوري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى لما نزلت هذه الآية { لمن شاء منكم أن يستقيم }  قال أبو جهل الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فأنزل الله { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} .

فمشيئته نافذة، لا يمكن أن تعارض أو تمانع. وفي هذه الآية وأمثالها رد على فرقة  القدرية النفاة وهم المعتزلة ومن شابههم وماثلهم في نفى القضاء والقدر ، وهم الذين يقولون ان الأمر  مستأنف، وينفون  ‏علم الله تعالى السابق، ويعتقدون أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.‏كما أنهم ينفُون قدر الله تعالى، ويقولون: إن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد، ويجعلون العبد خالقَ لفِعل نفسه،

وهذا قول واضح الضلال، وفيه كفر بالله تعالى، وتكذيب للمعلوم من الدين بالضرورة ] 

 وفي الآية السابقة  كذلك رد على فرقة القدرية المجبرة وهم الكلابية الاشاعرة ومن نحي نحوهم

وفي معتقدهم  يقولون: " إن العبد مجبور على أفعاله وليس له مشيئة ولا قدرة ولا اختيار، فأفعاله كلها اضطرارية بمنزلة حركة المرتعش، وحركة النائم، وحركة الأشجار عند هبوب الريح، فيقولون: إن الأفعال هي أفعال الله، فالله هو المصلي، والصائم..

فيجعلون العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل، فيعطلون الأمر والنهي والثواب والعقاب، فيصيرون بمنزلة المشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ}... .". الي اخر هذيانهم 

وأما أهل الخير والحق وهم أهل الإسلام الصحيح معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح فيثبتون الإيمان بمشيئة الله، وأنه لا يقع شيءٌ في ملك الله بدون مشيئته ، فأعمالنا وسائر حركاتنا وسكناتنا كلها بمشيئة الله ولا نشاء شيئًا إلا بعد مشيئته جلَّ وعلا.

فالإنسان مُخيَّرٌ بأمر الله تعالى ومُسَيَّرٌ بأمر الله تعالى ، فقد أعطاه الله عقلًا، وأعطاه الله إرادةً، وأعطاه مشيئةً، فهو مُخيَّرٌ من هذه الحيثية، يعمل عن مشيئةٍ، وعن إرادةٍ،  كما في قوله تعالى : { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }.

ف؛"يعرف الضَّارَّ من النافع، والطيبَ من الخبيث ، يأكل ويشرب باختياره، يزور إخوانه باختياره، ينام باختياره، يقوم باختياره، له اختيار، يأتي الطاعة باختياره، ويأتي المعصية باختياره، لكن هذا له مشيئة سابقة، وله قدر من الله سابق ، لا يخرج عن ملك الله، ولا عن إرادته جلَّ وعلا  "فالإيمان بالقدر على مراتب أربع، مَن جمعها جمع الإيمانَ بالقدر:

الأول:

 الإيمان بعلم الله بالأشياء، وأنه يعلم كلَّ شيءٍ من أعمالنا وآجالنا وأرزاقنا وغير ذلك.

المرتبة الثانية:

 الكتابة، وأنه كتب ذلك سبحانه وتعالى عنده، كما قال تعالى: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ}

الثالث: 

أنَّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يقع في ملكه ما لا يُريد، قال تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}. 

الرابعة: 

الإيمان بأنه خالقُ الأشياء ومُقدِّرها، الله خالق كل شيءٍ ، قال تعالى: { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا }.

رزقنا الله وإياكم رؤية الله سبحانه وتعالى في الفردوس الأعلى من الجنة.

ووهب لنا ولكم رزقه وفضله ورحمته وجوده و إحسانه وتوفيقه.

ورزقنا الله تبارك وتعالى وإياكم : العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمه.

والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

°°°°°°°°°°°°°

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه  : غازي بن عوض العرماني.