بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فإن صفة اليد لله سبحانه وتعالى صفة ذاتية لله سبحانه وتعالى.
لا يعلم عظيم صفتها ولا كيفيتها الا الله سبحانه وتعالى فنثبت المعنى ونفوض الكيف إثبات يليق بجلال الله سبحانه وتعالى { ليس كمثله شي وهو السميع البصير }
دل على إثبات هذه الصفة كلام الله سبحانه وتعالى المنزل غير مخلوق وهو القرآن الكريم يقول الله تعالى وتقدس :{ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال سبحانه: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} وقال سبحانه:{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}
وقال تعالى : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ }. { يد الله فوق أيديهم }.
وأما الأدلة من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم على إثبات صفة اليد لله سبحانه فمنها :
قول الرسول صلى الله عليه وسلم :( المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن؛ وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلوا) رواه مسلم رحمه الله ، وقوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم : ( يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه، والقسط بيده الأخرى يرفع ويخفض إلى يوم القيامة) . رواه مسلم رحمه الله
و في صحيح مسلم رحمه الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفؤ أحدكم بيده خبزته في السفر ) .
وفي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى مرفوعاً :( ياخذ الجبَّارُ سماواتِهِ ، وأرضيهِ بيدِهِ ، وقبضَ يدَهُ فجعلَ يقبضُها ، ويبسطُها ، ثمَّ يقولُ : أنا الجبَّارُ ، أنا الملِكُ ، أينَ الجبَّارونَ ؟ أينَ المتَكَبِّرونَ ؟ قالَ : ويتمايلُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، عن يمينِهِ ، وعن شمالِهِ ، حتَّى نظرتُ إلى المنبرِ يتحرَّكُ مِن أسفلِ شيءٍ منهُ ، حتَّى إنِّي لأقولُ : أساقطٌ هوَ برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ).
وفي البخاري : باب ما جاء في قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:٦٧]
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر. ثم قرأ: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [الزمر:٦٧].
وفي رواية لمسلم: ( والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، أنا الله) .
وفي رواية للبخاري: ( يجعل السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع ) أخرجاه في الصحيحين.
وفي الحديث الصحيح :( لما خلقَ اللَّهُ آدمَ ونفخَ فيهِ الرُّوحَ عَطسَ فقالَ: الحمدُ للَّهِ، فحمِدَ اللَّهَ بإذنِهِ، فقالَ لَهُ ربُّهُ يرحَمُكَ اللَّهُ يا آدمُ، اذهب إلى أولئِكَ الملائِكَةِ، إلى ملأ منهُم جلوسٍ فقل: السَّلامُ عليكُم قالوا: وعليكَ السَّلامُ ورحمةُ اللَّهِ، ثمَّ رجعَ إلى ربِّهِ، قالَ: إنَّ هذِهِ تحيَّتُكَ وتحيَّةُ بَنيكَ، بينَهُم فقالَ اللَّهُ لَهُ ويداهُ مَقبوضتانِ: اختَر أيَّهما شئتَ، قالَ: اختَرتُ يمينَ ربِّي وَكِلتا يدي ربِّي يمينٌ مبارَكَةٌ ثمَّ بسطَها فإذا فيها آدمُ وذرِّيَّتُهُ). أخرجه الترمذي وابن خزيمة رحمهما الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي(٣٣٦٨).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ، لمَّا خلقَ الخلقَ ، كَتبَ بيدِهِ على نفسِهِ : إنَّ رَحمتي تغلِبُ غَضبي ) رواه ابن ماجه رحمه الله تعالى وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه حديث رقم ( ٣٤٨٦).
. وفي البخاري ومسلم رحمهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : ( احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عليهما السَّلَامُ عِنْدَ رَبِّهِمَا، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، قالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الذي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ في جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إلى الأرْضِ، فَقالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الذي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ وَأَعْطَاكَ الألْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شيءٍ وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، قالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا، قالَ آدَمُ: فَهلْ وَجَدْتَ فِيهَا وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، قالَ: نَعَمْ، قالَ: أَفَتَلُومُنِي علَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى)
وهو في الصحيحين مروي أيضا من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ينظر مجموع الفتاوى ( ٨ / ٣٠٤).
وروى الطبراني رحمه الله في المعجم الكبير عن إبراهيم بنِ عبد الله بن خالد المِصِّيصي، حدثنا حَجَّاج بن محمَّد، حدثنا أبو غسَّان محمَّد بن مُطَرِّف، عن صفوان بن سليم، عن عَطاء بن يَسار، عن عبد الله بن عَمرو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ( إِنَّ المَلاَئِكَةَ قَالَتْ: يَا رَبَّنَا، أَعْطَيْتَ بَنِي آدَمَ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ فيهَا ويَشْرَبُونَ ويَلْبَسُونَ، ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، ولاَ نَأْكُلُ ولاَ نَشْرَبُ ولاَ نَلْهُو، وكَمَا جَعَلْتَ لَهُمُ الدُّنْيَا فَاجْعَلْ لَنَا الآخِرَةَ. قال: لاَ أَجْعَلُ صَالِحَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ كَمَنْ قلتُ لَهُ: كُنْ فَكَانَ) .
وعن مسلم بن يسار رحمه الله : أن عمرَ بن الخطَّاب سأل عن هذهِ الآيةِ : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ } قال : قرأ القعنبيُّ الآيةَ، فقال عمرُ : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئل عنها فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إنَّ اللهَ عز وجل خلق آدمَ، ثم مسح ظهرَه بيمينِه، فاستخرج منه ذريةً، فقال : خلقتُ هؤلاءِ للجنةِ وبعمل أهلِ الجنةِ يعملون، ثم مسح ظهرَه فاستخرج منه ذريةً، فقال : خلقتُ هؤلاءِ للنارِ وبعمل أهل ِالنارِ يعملون . فقال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ، ففيمَ العملُ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ( إنَّ اللهَ عز وجل إذا خلق العبدَ للجنةِ استعمله بعملِ أهلِ الجنةِ حتى يموت على عملٍ من أعمالِ أهلِ الجنةِ فيدخله به الجنةَ، وإذا خُلق العبدُ للنارِ استعمله بعملِ أهلِ النارِ حتى يموتُ على عملٍ من أعمالِ أهلِ النارِ فيدخلُه به النار ). أخرجه أبو داود رحمه الله تعالى وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود
حديث رقم ( ٤٧٠٣).
وفي حديثُ أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ( إنَّ اللهَ تعالى يَبسُطُ يَدَه باللَّيلِ؛ ليتوبَ مُسيءُ النَّهارِ، ويَبسُط يدَه بالنَّهارِ؛ ليتوبَ مسيءُ اللَّيلِ، حتى تَطلُعَ الشمسُ مِن مغربِها).
وإثبات اي صفة ذاتيه أو فعلية مثل صفة الوجه أو اليد أو القدم أو الساق أو السمع والبصر والكلام والنزول والمجئ والاستواء وغيرها من صفات وردت في الكتاب العزيز والسنةالنبوية إنما يأت امتثالا وطاعة لأمر الله سبحانه وتعالى وتصديق لخبره تعالى ربنا وتقدس.
وإثبات أهل الإسلام الصحيح وهم أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لأي اسم أو صفة لله سبحانه وتعالى وردت في القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى المنزل غير محلوق أو ثبتت له في السنة النبوية كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فلا يعني ان أهل السنة والجماعة أتباع السلف أتوا بهذه الأسماء تلقاء أنفسهم و اجتهادا من عقولهم البشرية فهذا لا يقوله عاقل وإنما اثبتوها لأن الله سبحانه وتعالى أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته وذلك ان إطلاق الأسماء أو الصفات على الله سبحانه وتعالى لا بد له من إثبات نصوص الوحيين له فلا يثبت هذا الأمر أو ينفى عن الله سبحانه وتعالى الا بدليل شرعي اذ لا يعلم اسماء الله أو صفات الله الا هو سبحانه أو بإخباره لرسوله صلى الله عليه وسلم بهذه الاسم أو هذه الصفة كما في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك ، سميتَ به نفسَك ، أو علمته أحدًا من خلقِك ، أو استأثرت به في علمِ الغيبِ عندك ....) الحديث رواه أحمد وابن حبان وصححه الإمام الألباني رحمه الله.
فليست هذه الأسماء المقدسة والصفات العلية الجليلة محل لإجتهاد العقول البشرية بحيث يحدث أو يخترع البشر ألفاظا ثم ينسبونها الي الله سبحانه وتعالى ومن عمل هذا فهو ظالم مفتري قائل على الله بلا علم يقول الله تعالى وتقدس : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ؛ فجعل القول على الله بلا علم
قرينا للشرك ومساويا له ...
وهنا أمر آخر لا بد من ملاحظته والانتباه له وهو :
إن إثبات أهل الإسلام الصحيح وهم أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لهذه الاسماء الحسنى أو الصفات الجليلة العلية للخالق تعالي وتقدس والتي وردت في الكتاب العزيز والسنةالنبوية والتي ظاهر معناها يماثل أو يشابه صفات المخلوقين فلا يعني انها عين صفات المخلوقين ؛ فتماثل الأسم أو الصفة التي لله سبحانه وتعالى في المعنى الظاهر لا يوجب الاشتراك في مطلق المماثلة والتشابه ولا يعني انه مثله طبق الأصل في معناه أو كيفيته فلا يقول بهذا القول الا ضال منحرف أو جاهل بعيد عن العلم وأهله ؛ ولهذا تجد في القرآن الكريم وصف البشر بالعزيز
كما في قوله تعالى :{ قالوا ياأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر } وتجد وصف الله سبحانه وتعالى لنفسه بالعزيز كما في قوله تعالى :{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وقد ورد اسم الله العزيز في القرآن الكريم ثمانية وعشرين مرة
ومعلوم ان عزة البشر مؤقته ومحدودة فليست كعزة الله سبحانه وتعالى وان تماثلت في المعنى العام الظاهر فعزة الله سبحانه وتعالى تدُلُّ على كَمالِ قَهْرِه وسُلطانِه، وعلى كَمالِ صِفاتِه، وعلى تمامِ تنَزُّهِه عن النَّقصِ؛ تدُلُّ على كَمالِ قَهْرِه وسُلْطانِه في عِزَّةِ القَهرِ، وعلى تمامِ صِفاتِه وكَمالِها وأنَّه لا مَثيلَ لها في عِزَّةِ القَدْرِ، وعلى تمامِ تنَزُّهِه عن العَيبِ والنَّقصِ في عِزَّةِ الامتِناعِ.
ومثل ذلك قوله تعالى :{ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }
فليس حفظ وعلم المخلوق القاصر مثل
علم الله وحفظه تعالى ربنا وتقدس يدل على ذلك قوله تعالى : { إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }
ومثله قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}. وقوله تعالى : {قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}
هو الدلالة على عظيم حفظ الله وعلمه تعالي ربنا وتقدس فإحاطة علمه وشموله وأزليته وابديته وعلمه وحفظه لكل شيء كبيرًا كان أو صغيرًا، سرًا أو علنًا، ومثل ذلك قوله تعالى :{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} وقوله تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }
فأثبت صفة القوة والحلم لمخلوق وهذا يدل على أن أشتراك اسماء الخالق سبحانه وتعالى مع أسماء المخلوقين في المعنى الظاهر لا يدل على المماثلة فليست قوة المخلوق وحلمه كحلم الله سبحانه وتعالى وقوته
إذ القوة صِفةٌ ذاتيَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، ثابتةٌ بالكِتابِ العَزيزِ، والقويُّ من أسماءِ اللهِ الحسنى يدل على ذلك قَولُه تَعالَى: { وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} و قولُ الله سُبحانَه وتعالى :{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } وهكذا صفة الحلم لله سبحانه
فمع كونها اسم من اسماء الله الحسنى فهي صفةٌ ذاتيَّةٌ فعليَّةٌ ثابتةٌ لله سبحانه وتعالى بالكِتابِ والسُّنَّةِ،يدل لها قولُه تعالى: { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ }. وقَولُه تعالي : { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} .
وفي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى من حديث ابن عباس رضي الله عنهما :أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقولُ عِنْدَ الكَرْبِ: ( لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ ).
والأمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية كثيرة وما سقناه على سبيل التمثيل لا الحصر
وفي المعقول ؛ تجد الفرق بين صفات البشر أنفسهم فيما بينهم من حيث اللون أو القوة والضعف أو الطول أو القصر أو الصحة أو المرض وتختلف صفات البشر المعنوية فهذا كريم وهذا بخيل وهذا شجاع وهذا جبان والصور والأمثلة كثيرة جدا وهذا أمر مشاهد.
ثم إن صفات المخلوقين فيما بينهم تختلف فالبشر بينها وبين الطيور والحيوانات بجميع انواعها اختلاف بين واضح فهذا طائر وهذا يزحف
وهذا يمشي على قدمين وهذا على أربع
وهذا يعيش في البحر وهذا يعيش في البركما قال تعالى وتقدس :{ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :( ليسَ في الجنةِ شيءٌ مما في الدنيا إلا الأسماء )..
هذه في الجنة المخلوقة التي خلقها الله بيده كما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : (خلق الله أربعة أشياء بيده العرش، والقلم، وآدم، وجنة عدن.
ثم قال لسائر الخلق: كن. فكان). "صحح اسناده وقال على شرط مسلم رحمه الله ؛ الإمام الألباني رحمه الله في مختصر العلو صفحة ( ١٠٥ ).
وهذا الإختلاف الكبير والتشابه في الأسماء فقط دون المعنى في صفات خلق الله بينها ؛ فكيف بعظيم صفات الله تعالى ربنا وتقدس.
فإذا تبين لكل ذي لب وضوح هذا الأمر ادرك يقينا أن اسماء الحسنى وصفاته العلى الواردة في نصوص الوحيين - كتابا وسنة - لا تماثل ولا تشابه صفات المخلوقين وان تماثلت في المعنى العام لألفاظ المخلوقين وهذا دليل عقلي يثبته الدليل النقلي من كلام الله سبحانه وتعالى كما ذكرنا سابقا ويدل عليه قول الله تعالى وتقدس : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ؛ فتعطيل اسماء الله الحسنى وصفاته العلى باطل في الادلة النقلية والحجج العقلية
فإذن رمي أهل السنة بالتمثيل أو التشبيه أو التجسيم قول ضال صدر من معطل لأسماء الله الحسنى وصفاته العلى ويرد بنبزه هذا وتعييره خبر الله سبحانه وتعالى ويكذبه والمعطل الجهمي هو الكاذب الفاجر المفتري
واسماء الله الحسنى وصفاته العلى هي صفات ذاتيه له لا تنفك عنها بوجه من الوجوه يدل على هذا العقل السليم وقبله النقل الصحيح فما من موصوف الا وله صفة.
والكلام في الصفات إنما هو كلام في الذات
فمامن ذات الا ولها صفات
وليس لأي مخلوق إعطاء الخالق صفة لم ترد في الكتاب العزيز أو السنة لإن في هذا الأمر تقول على الله بلا علم وكذب وافتراء على الله ربنا سبحانه وتعالى.
والواجب امتثال أمر ربنا تبارك في قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}
وفي القرآن الكريم وهو كلام الله سبحانه وتعالى المنزل غير مخلوق وفي الأحاديث النبوية نصوص قاطعة لا تقبل التأويل، وقد تلقتها الأمة بالقبول والتصديق .
" فهل يجوز أن يملأ الكتاب والسنة من ذكر اليد، وأن الله تعالى خلق بيده، وأن يديه مبسوطتان، وأن الملك بيده، وفي الحديث ما لا يحصى، ثم إن رسول الله ﷺ وأولي الأمر لا يبينون للناس إن هذا الكلام لا يراد به حقيقته ولا ظاهره، حتى ينشأ جهم بن صفوان بعد انقراض عهد الصحابة؛[ رضي الله عنهم ] فيبين للناس ما نزل إليهم على نبيهم، ويتبعه عليه بشر بن غياث، ومن سلكوا سبيلهم من كل مغموص عليه بالنفاق؟
وكيف يجوز أن يعلمنا نبينا ﷺ كل شيء حتى (الخرأة)، ويقول: ( ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وحدثتكم به، تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ) ثم يترك الكتاب المنزل عليه وسنته الغراء مملوءة مما يزعم الخصم أن ظاهره تشبيه وتجسيم، وإن اعتقاد ظاهره ضلال، وهو لا يبين ذلك ولا يوضحه؟
وكيف يجوز للسلف أن يقولوا: " أمروها كما جاءت " ، مع أن معناها المجازي هو المراد، وهو شيء لا يفهمه العرب، حتى يكون أبناء الفرس والروم أعلم بلغة العرب من أبناء المهاجرين والأنصار " وينظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( ٦ / ٣٥١ ) فما بعدها من صفحات .
[ كيفية التفريق بين صفة اليد لله سبحانه وتعالى التي وردت في الوحيين كتابا وسنة وبين صفتي النعمة والقدرة والتي وردت كذلك في نصوص الوحيين ] .
كتبنا هذا التفريق بناء على طلب احد الاخوة الكرام من طلاب العلم وفي ابيان هذا الفرق أن يكون طالب العلم على بينة من أمره تجاه صفة من صفات رب العزة والجلال سبحانه وتعالى.
مسترشدا بالأدلة الشرعية
كما أن في الإيضاح والبيان دحض ضلالات أهل الجهل البسيط أو المركب في لغة العرب التي هي لغة كلام ربنا عز وجل في كتابه المنزل القرآن الكريم .
كما أن فيه كشف شبهات أهل الضلال ممن يريد الصيد في الماء العكر من أهل التعطيل الجهمي.
فنقول ايضاحا للفرق بين صفة اليد لله سبحانه وتعالى وبين غيرها من ألفاظ لها معاني أخرى مختلفة وردت كذلك في كتاب الله سبحانه وتعالى فنقول وبالله التوفيق وعليه التكلان وهو المستعان :
إن لفظ اليدين بصيغة التثنية لم يرد استعماله في لغة العرب بمعنى النعمة ولا في معنى القدرة؛ لأن استعمال لفظ الواحد في الإثنين أو الإثنين في الواحد لا أصل له في لغة العرب التي نزل بها القرآن، فقول الله سبحانه وتعالى : { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]،
لا يمكن إتيانه بمعنى القدرة ؛ وذلك أن القدرة صفة واحدة، ولا يجوز في لغة العرب أن يعبر بالاثنين عن الواحد، ولا يمكن اتيانه بمعنى النعمة؛ وذلك أن نعم الله لا تحصى، فلا يجوز في لغة العرب أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية .
ولا يجوز أن يكون " لما خلقت أنا " ؛ لأنهم إذا أرادوا ذلك أضافوا الفعل إلى اليد ، فتكون إضافته إلى اليد ، إضافة له إلى الفعل ، كقوله: { بما قدمت يداك} ، { بما قدمت أيديكم } ، ومنه قوله: { مما عملت أيدينا أنعاما} .
أما إذا أضاف الفعل إلى الفاعل ، وعدى الفعل إلى اليد بحرف الباء ، كقوله: (لما خلقت بيدي) فإنه نص في أنه فعل الفعل بيديه ، ولهذا لا يجوز لمن تكلم أو مشى: أن يقال فعلت هذا بيديك، ويقال: هذا فعلته يداك ؛ لأن مجرد قوله: (فعلت) : كاف في الإضافة إلى الفاعل ؛ فلو لم يرد أنه فعله باليد حقيقة : كان ذلك زيادة محضة ، من غير فائدة . ولست تجد في كلام العرب ولا العجم إن شاء الله تعالى أن فصيحا يقول: فعلت هذا بيدي، أو فلان فعل هذا بيديه ، إلا ويكون : فَعَله بيديه حقيقة.
ولا يجوز أن يكون لا يد له ، أو أن يكون له يد والفعل وقع بغيرها.
وبهذا الفرق المحقق :
تتبين مواضع المجاز ومواضع الحقيقة؛ ويتبين أن الآيات لا تقبل المجاز ألبتة من جهة نفس اللغة " ، ينظر مجموع الفتاوى: (٦ / ٣٦٥ – ٣٦٦) .
وهنا قصة وردت في فتاوى الإمام ابن باز رحمه الله أحببنا ذكرها على جهة الاختصار :
في" تفسير قوله تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
السؤال:
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، إلى حضرة الأخ المكرم سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم: ١٣٣٧ ، في ١١ / ٧ / ١٤٠٨ هجري ، الذي نصه: لقد كنا في حلقة تفسير في مسجد بمنطقة (الصليبية) في الكويت، وقد تعرض إمام المسجد إلى تفسير قوله تعالى: { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [الفتح:١٠] فقال: قيل معناها: منة الله عليهم، وقيل: قوة الله معهم، وقيل: الله عليم بحالهم ونياتهم.
فتكلم أحد الشباب من إخواننا في الله بعد الدرس، وقال: تفسيرك هذا ليس من عقيدة أهل السنة والجماعة، بل هو من كلام الأشاعرة؛ فغضب الإمام وقال: إن هذا موجود في كتاب الماوردي وابن كثير، فرد الشاب وقال: ليس هذا في ابن كثير وإنما هو عند الماوردي الأشعري.
فلما رأى العامة الشيخ غضبان غضبوا له، ورمى بعضهم الشاب بكلمة (أنت مسيحي) (أنت بوذي)، وكادوا أن يضربوه لولا أن بعضهم حماه. والله يعلم أن هذا الشاب لم يتكلم إلا غيرة على عقيدة المسلمين، ومن باب أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فأشار الشاب أن يقضي فضيلتكم بينهم، فوافق العوام على ذلك، فأفيدونا، ونحن بانتظار ردكم -وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء-.
وفي الإجابة تحدث الإمام ابن باز رحمه الله عن صفة اليد لله سبحانه وتعالى وفق الصواب والحق ووفق الأدلة الشرعية ثم قال رحمه الله :"وبما ذكرنا، يتضح للجميع أن ما ذكره الشاب هو الصواب.
ونسأل الله أن يهدي الجميع لإصابة الحق في القول والعمل؛ إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ". انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وانصح الإخوة طلاب العلم بقراءة إجابة الإمام ابن رحمه الله على هذا الاستفتاء وهي موجودة في كتابه [ مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز رحمه الله ( ٢٤ / ٢٧٣)]..
رزقنا الله وإياكم رؤية الله سبحانه وتعالى في الفردوس الأعلى من الجنة.
ووهب لنا ولكم علما نافعا وعملا صالحا ورزقا طيبا.
نسأل الله الحي القيوم ذا الجلال والإكرام أن يمن علينا وعليكم بحسن الخاتمة والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
°°°°°°°°°°°°°°
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني.