الخميس، 23 نوفمبر 2023

( رسالة في كيفية تشكل الجن بصور مختلفة وعن الإيمان بوجود الجن كفى الله المسلمين شر الأشرار وكيد الفجار وفسقة الجن والإنس )



بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

اما بعد

فقد استمعت الي حديث متحدث وكان موضوعه عن تصور الجن وأشكالها وأنهم

لا يتصورون بصورة القطط 

واستدل بحديث  أَبِي ثَعْلَبَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْجِنُّ عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ : صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلابٌ ، وَصِنْفٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ ). 

رواه ابن حبان  والطبراني  والحاكم رحمهم الله جميعا وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع( ٣١١٤)  ،

ثم ذكر مستدلا لصحة توجهه بالحديث الذي رواه أبو داود والترمذي رحمهما الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ  وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ  :  أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ) .

ولاينافي ماجاء في الحديث السابق  من تشكل الجن بصورة الإنسان قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والجن يتصورون في صور الإنس والبهائم فيتصورون في صور الحيات والعقارب وغيرها وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وفى صور الطير وفى صور بنى آدم كما أتى الشيطان قريشا في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لما أرادوا الخروج إلى بدر". [ مجموع الفتاوى ( ١٩ / ٤٤)]. 

وفي صحيح البخاري رحمه الله ما يؤيد ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فعَن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: وكَّلني رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحِفظِ زَكاةِ رَمضانَ، فأتاني آتٍ فجَعَلَ يَحثو مِنَ الطَّعامِ فأخذْتُه، وقُلتُ: واللهِ لأرفَعَنَّك إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: إنِّي مُحتاجٌ، وعليَّ عيالٌ، ولي حاجةٌ شَديدةٌ، قال: فخَلَّيتُ عَنه، فأصبَحْتُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (يا أبا هُريرةَ، ما فعل أسيرُكَ البارِحةَ؟) ، قال: قُلتُ: يا رَسولُ اللَّهِ شَكا حاجةً شَديدةً وعِيالًا فرَحمْتُه، فخَلَّيتُ سَبيلَه، قال: ( أما إنَّه قد كذَبَكَ وسَيَعودُ ) ، فعَرَفْتُ أنَّه سَيَعودُ؛ لقَولِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّه سَيَعودُ، فرَصدْتُه، فجاءَ يَحثو مِنَ الطَّعامِ، فأخَذْتُه، فقُلتُ: لأرفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: دَعْني فإنِّي مُحتاجٌ وعليَّ عيالٌ، لا أعودُ، فرَحِمْتُه، فخَلَّيتُ سَبيلَه، فأصبَحْتُ، فقال لي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( يا أبا هُريرةَ، ما فعل أسيرُكَ؟) ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ شَكا حاجةً شَديدةً وعيالًا، فرَحمْتُه، فخَلَّيتُ سَبيلَه، قال: ( أمَا إنَّه قد كذَبَكَ وسَيَعودُ)، فرَصدَتُه الثَّالِثةَ، فجاءَ يَحثو مِنَ الطَّعامِ، فأخَذتُه، فقُلتُ: لأرفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللَّهِ، وهَذا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ، أنَّكَ تَزعُمُ لا تَعودَ، ثُمَّ تَعودُ، قال: دَعْني أعلِّمْكَ كَلِماتٍ يَنفَعُكَ اللهُ بها، قُلتُ: ما هوَ؟ قال: إذا أوَيتَ إلى فراشِكَ، فاقرَأْ آيةَ الكُرسيِّ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: ٢٥٥] ، حَتَّى تَختِمَ الآيةَ، فإنَّكَ لَن يَزالَ عليكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، ولا يَقْرَبَنَّكَ شَيطانٌ حَتَّى تُصبِحَ، فخَلَّيتُ سَبيلَه، فأصبَحْتُ، فقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( ما فعل أسيرُكَ البارِحةَ؟) ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، زَعَمَ أنَّه يُعَلِّمُني كَلِماتٍ يَنفَعُني اللَّهُ بها، فخَلَّيتُ سَبيلَه، قال:( ما هيَ؟) ، قُلتُ: قال لي: إذا أويتَ إلى فراشِكَ فاقرَأْ آيةَ الكُرسيِّ مِن أوَّلِها حَتَّى تَختِمَ الآيةَ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: ٢٥٥] ، وقال لي: لَن يَزالَ عليكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، ولا يَقرَبُكَ شَيطانٌ حَتَّى تُصبِحَ وكانوا أحرَصَ شَيءٍ على الخَيرِ- فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( أمَا إنَّه قد صَدَقَكَ وهوَ كَذُوبٌ، تَعلَمُ من تُخاطِبُ مُنذُ ثَلاثِ ليالٍ يا أبا هُريرةَ؟) ، قال: لا، قال: ( ذاكَ شَيطانٌ ) .

" الجن قد يتشكلون بشكل شيءٍ مشاهد ومرئي، وربما يشهد له الحديث الثابت في الصحيح أن رجلاً شاباً من الأنصار كان حديث عهدٍ بعرس، فجاء ذات ليلة فوجد أهله على الباب، فسألهم ما هو السبب، فذكرت له ما في الفراش، فذهب إلى فراشه فوجد فيه حيةً، فأخذ رمحاً فطعنها فماتت هذه الحية ثم مات الرجل فوراً، فلا يدرى أيهما أسرع موتاً الرجل أم الحية. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين، وهذا يدل على أن هذا كان جناً، وأنه قد تصور بصورة الحية. والحكايات في ذلك كثيرةٌ ومشهورة، ولكن هذا الحديث الصحيح قد يشهد لصحتها. وكما أنه يتصور الملائكة عليهم الصلاة والسلام بأشكالٍ ليست على هيئتهم التي خلقوا عليها، فإن جبريل صلى الله عليه وسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد بياض الشعر لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحدٌ من الصحابة، وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه جلسة المتعبد، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم الأسئلة المشهورة في الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) . ومن المعلوم أن قدرتهم على التشكل بهذا الشكل إنما هي من الله سبحانه وتعالى، فهو الذي أقدرهم على ذلك. فلا يبعد أن يكون الجن هكذا يستطيعون أن يتصوروا أو يتشكلوا للناس بأشكالٍ متعددة. هذا الذي ظهر لي في هذه المسألة ". [ من كلام الإمام العثيمين رحمه الله.. نور على الدرب شريط رقم ( ١٦ ) وينظر موقعه الرسمي رحمه الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ شَيْطَانُ الْكِلَابِ ، وَالْجِنُّ تَتَصَوَّرُ بِصُورَتِهِ كَثِيرًا ، وَكَذَلِكَ صُورَةُ الْقِطِّ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ أَجْمَعُ لِلْقُوَى الشَّيْطَانِيَّةِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِيهِ قُوَّةُ الْحَرَارَةِ ". انتهى من مجموع الفتاوى ( ١٩ /  ٥٢ ). وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمته لأمير المؤمنين الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ان شابا قام بطرده والده من منزلهم في دمشق.

فنام خارج البيت بحيث ان الداخل الي البيت لايراه وفي الليل رأي مشهدا عجيبا وهو مجئ جن  على صورة  فط أسود فأستقبله قط اخر في المنزل .

وطلب القط الأسود منه العشاء فأحضر له .

وبعد إنتهائه من الأكل

اخبره انه جاء من مدينة الكوفة في العراق الان وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل.

فحينما أصبح الغلام أخبر والده بما جرى أمامه. 

وبعد عشرين يوما انتشر  الخبر بوفاته رضي الله عنه تصديقا لكلام هذا القط الأسود. 

ثم "يجب على الإنسان أن يعلم أن الله عز وجل أرسل محمدا ﷺ إلي جميع الثقلين: الإنس والجن، وأوجب عليهم الإيمان به وبما جاء به وطاعته، وأن يحللوا ما حلَّل الله ورسوله، ويحرموا ما حرم الله ورسوله، وأن يوجبوا ما أوجبه الله ورسوله، ويحبوا ما أحبه الله ورسوله، ويكرهوا ما كرهه الله ورسوله، وأن كل من قامت عليه الحجة برسالة محمد ﷺ من الإنس والجن فلم يؤمن به؛ استحق عقاب الله تعالى كما يستحقه أمثاله من الكافرين الذين بعث إليهم الرسول.

وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين، وسائر طوائف المسلمين: أهل السنة والجماعة، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين لم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن ولا في أن الله أرسل محمدا ﷺ إليهم، وجمهور طوائف الكفار على إثبات الجن، أما أهل الكتاب من اليهود والنصاري، فهم مقرون بهم كإقرار المسلمين، وإن وجد فيهم من ينكر ذلك. وكما يوجد في المسلمين من ينكر ذلك كما يوجد في طوائف المسلمين؛ كالجهمية والمعتزلة من ينكر ذلك، وإن كان جمهور الطائفة وأئمتها مقرين بذلك.

وهذا لأن وجود الجن تواترت به أخبار الأنبياء تواترًا معلومًا بالاضطرار، ومعلوم بالاضطرار أنهم أحياء عقلاء فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون، ليسوا صفات وأعراضًا قائمة بالإنسان أو غيره، كما يزعمه بعض الملاحدة، فلما كان أمر الجن متواترًا عن الأنبياء تواترًا ظاهرًا تعرفه العامة والخاصة؛ لم يمكن طائفة كبيرة من الطوائف المؤمنين بالرسل أن تنكرهم، كما لم يمكن لطائفة كبيرة من الطوائف المؤمنين بالرسل إنكار الملائكة، ولا إنكار معاد الأبدان ولا إنكار عبادة الله وحده لا شريك له، ولا إنكار أن يرسل الله رسولا من الإنس إلي خلقه، ونحو ذلك مما تواترت به الأخبار عن الأنبياء تواترًا تعرفه العامة والخاصة، كما تواتر عند العامة والخاصة مجيء موسى إلي فرعون وغرق فرعون، ومجيء المسيح إلي اليهود وعداوتهم له، وظهور محمد ﷺ بمكة وهجرته إلي المدينة، ومجيئه بالقرآن والشرائع الظاهرة، وجنس الآيات الخارقة التي ظهرت على يديه، كتكثير الطعام والشراب، والإخبار بالغيوب الماضية والمستقبلة التي لا يعلمها بشر إلا بإعلام الله، وغير ذلك.. " انتهى من مقدمة [ رسالة فى ايضاح الدلالة فى عموم الرسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ]. 

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. 

................... 

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني.