الجمعة، 2 فبراير 2024

[ إجابة عن استفسار ]



بسم الله الرحمن الرحيم 


الى الأبناء الكرام 

الشيخين الفاضلين ........ .... 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

أما بعد 

فموجب هذه الرسالة الإجابة عن استفساركم حول كلام المتحدث في مقطع الفيديو الذي جرى ارساله من قبلكم إلينا وطلبكم الإفادة عن مضمونه من حيث الصواب من عدمه فأقول سائلا المولى سبحانه الصواب والسداد والاعانه والتوفيق والتوكل عليه :

ان المتحدث يحتاج كلامه الي إيضاح وتفصيل  :

          (  اولا  ) 


بعضهم يقول ان فلانا من الناس أصابه مرض الاكتئاب أو السرطان بسبب ذنوبه التي ارتكبها حال صحته وفي هذا الكلام نظر على جهة التعميم.. وقبل ان ابدأ الحديث اذكر لكم قصة جرت إمام عيني فقد كنت زائرا مريضا وحول هذا المريض مرضى آخرون فجاء واعظ فقال لجميع المرضى  :" تدرون ليش الله ابتلاكم وذلك انكم من أهل الذنوب والمعاصي " .

فتعميم هذا الواعظ غير دقيق وغير صحيح فالمشاهد ان كثيرا من أهل الذنوب والمعاصي بل والكفرة قد رزقهم الله العافية في أجسادهم ؛ ثم أليس الفقر والبعد عن الثرى والبعد عن الغناء وكذا القلة والذلة بلاء ومصيبة لذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث صحيح منه :( ..... إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ) رواه أحمد رحمه الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله. 

وفي صحيح مسلم رحمه الله يقول الرسول صلى الله عليه وسلم  :( رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ). والدنيا دار البلاء والمصائب والفتن يقول الله تعالى وتقدس : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}. 

يقول الشاعر :

" حـكـمُ المنـيَّـةِ فـــي الـبـريَّـةِ جـــار** مـــا هـــذه الـدُّنـيــا بــــدار قــــرارِ

بيـنـا يُــرى الإنـسـانُ فيـهـا مُخـبـراً ** حـتَّـى يُــرى خـبـراً مــن الأَخـبــارِ

طُبِعَـتْ علـى كَــدَرٍ وأنــت تريـدهـا ** صـفــواً مـــن الأقـــذاءِ والأكـــدارِ "

 فالبلاء في هذه الدنيا يصيب به من يشاء من عباده  الصالح والطالح.

فالصالح وان لم يعمل ذنبا قط يبتلى ليزداد أجرا وعلوا منزلة وامورا اخرى وماأمر أيوب عليه الصلاة والسلام عنا ببعيد...أو قد يصاب به الطفل الصغير السليم من الذنوب 

وقد يصاب به العبد لذنوب ارتكبها فكل شئ جرى للعبد إنما جرى بقضاء الله وقدره.وفي الحديث الصحيح :( ان الله يبتلي المؤمن على قدر إيمانه....) بنحوه أو مثله ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( إِنَّ مِنْ أَشَدّ النَّاس بَلاء الأَنْبِيَاء , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ). 

فالرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام تعرضوا للمصائب والابتلاءات والأمراض وهم من هم وهم من برأهم الله من كل ذنب ودنس ومعصية. 

وقتل أهل الكفر منهم. 

وفقد الرسول صلى الله عليه وسلم زوجته خديجة رضي الله عنها والكثير من الولد من البنين والبنات رضي الله عنهم وتوفي مسموما محموما ودرعه مرهونا عند يهودي فصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. 

وطعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه فهل هذه الأمور جرت عليهم بسبب ذنوبهم ... كلا. 

ولكن يريد الله ان يرفع منزلتهم وان يعلو درجاتهم لحكمة منه سبحانه  فضلا من الله ورحمة. ويصيب الكفار بالبلاءمقتضى حكمته و عدله. 

فكل شى بقضاء الله وقدره يرحم الله المؤمنين والمؤمنات بالبلاء  فضلا ورحمة و يعذب الكفار والمنافقين بالبلاء عدلا وحكمة فكل شي من الله يدور بين الفضل والرحمة و الحكمة والعدل بقضاء الله وقدره تعالى ربنا وتقدس 

فعلينا الإيمان والتسليم. 

       (   ثانيا  ) 

مع ما سبق ذكره فلا شك أن الذنوب والمعاصي لها سبب عظيم في البلاء الذي يصيب الناس قال الله تعالى :{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } 

قال الإمام ابن باز رحمه الله تعالى  : " من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، إلى من يطلع عليه من المسلمين: وفقني الله وإياكم للتذكر والاعتبار، والاتعاظ بما تجري به الأقدار، والمبادرة بالتوبة النصوح من جميع الذنوب والأوزار.. آمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فإن الله  بحكمته البالغة، وحجته القاطعة، وعلمه المحيط بكل شيء، يبتلى عباده بالسراء والضراء، والشدة والرخاء، وبالنعم والنقم، ليمتحن صبرهم وشكرهم، فمن صبر عند البلاء، وشكر عند الرخاء، وضرع إلى الله سبحانه عند حصول المصائب، يشكو إليه ذنوبه وتقصيره ويسأله رحمته وعفوه، أفلح كل الفلاح وفاز بالعاقبة الحميدة، قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: { الم ۝ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} .

والمقصود بالفتنة في هذه الآية الاختبار والامتحان حتى يتبين الصادق من الكاذب، والصابر والشاكر، كما قال تعالى: { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} . قال تعالى:  { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ، وقال تعالى:  { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 

والحسنات هنا هي النعم من الخصب والرخاء والصحة والعزة، والنصر على الأعداء ونحو ذلك، والسيئات هنا هي المصائب، كالأمراض وتسليط الأعداء والزلازل، والرياح العاصفة والسيول الجارفة المدمرة ونحو ذلك، وقال : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } والمعنى أنه سبحانه قدر ما قدر من الحسنات والسيئات وما ظهر من الفساد، ليرجع الناس إلى الحق، ويبادروا بالتوبة مما حرم الله عليهم، ويسارعوا إلى طاعة الله ورسوله، لأن الكفر والمعاصي هما سبب كل بلاء وشر في الدنيا والآخرة.

وأما توحيد الله والإيمان به وبرسله، وطاعته وطاعة رسله، والتمسك بشريعته، والدعوة إليها، والإنكار على من خالفها فذلك هو سبب كل خير في الدنيا والآخرة، وفي الثبات على ذلك والتواصي به والتعاون عليه، عز الدنيا والآخرة، والنجاة من كل مكروه، والعافية من كل فتنة، كما قال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } 

قال تعالى: { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } .

قال تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وقد بيَّنَ سبحانه في آيات كثيرات أن الذي أصاب الأمم السابقة من العذاب والنكال بالطوفان والريح العقيم والصيحة والغرق والخسف وغير ذلك كله بأسباب كفرهم وذنوبهم، كما قال: { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .

قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} .

وأمر عباده بالتوبة إليه، والضراعة إليه عند وقوع المصائب، فقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ }. 

قال تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

قال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ() فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وفي هذه الآية الكريمة حث من الله سبحانه لعباده، وترغيب لهم إذا حلت بهم المصائب من الأمراض والجراح والقتال والزلازل والريح العاصفة وغير ذلك من المصائب، أن يتضرعوا إليه ويفتقروا إليه فيسألوه العون ". [ مجموع فتاوى ومقالات الإمام ابن باز رحمه الله تعالى ( ٢ / ١٢٦ )] .

رزقنا الله وإياكم رؤية الله سبحانه وتعالى في الفردوس الأعلى من الجنة. 

ورزقنا الله وإياكم الإيمان والرضا والتسليم ونسأل الله الحي القيوم ذا الجلال والإكرام أن يمن علينا وعليكم بالصحة والعافية والسلامة من كل مرض َوداء وبلاء ومصيبة.

والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما...

...............

كتبه محبكم في الله  : غازي بن عوض العرماني.