السبت، 30 أغسطس 2025

( رسالة فيها بيان مختصر عن علم الكلام وألفاظ المناطقة )



بسم الله الرحمن الرحيم 


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أما بعد


فقد ورد سؤال من احد الاخوة طلاب العلم هذا نصه :" 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

سؤال متعلق بكتب شيخ الإسلام .

يقول السائل هل يجوز لطالب العلم التوسع في الدلالات العقلية التي احتج بها شيخ الإسلام إبن تيمية في ردوده على الفرق الكلامية مثل كتاب شرح الأصفهانية ؟

و ما هو أفضل شرح معاصر من قبل أهل العلم شرح عباراته تنصحنا بالرجوع إلى شرحه ؟ 

وجزاكم الله خيراً

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته .

قد تم إرسال  إليكم رابط فيه ( شرح كتاب الأصفهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى)محققا من قبل الشيخ محمد السعوي وفقنا الله وإياه واياكم اجمعين الي مايحبه الله ويرضاه؛ ولعل هذه الطبعة جيدة برأي المتواضع

و علم الكلام هو  إثبات الوهية الله تبارك وتعالى في الحجج العقلية والوسيلة كما هو مشاهد استخدام ألفاظ ومصطلحات المناطقة .

وهذه المصطلحات  هي بحاجة إلى من يبين معنى الفاظها  ويشرح عباراتها وهذا لابد له من شرطين

الأول :

سلامة المعتقد لمن أراد بيان معانيها .

وثانيا :

القدرة العلمية على الإحاطة بمعاني هذه الألفاظ المنطقية والتي تحتاج الي مترجم يوضح معاني ألفاظها أثناء شرحها  ؛ فكأنه يترجم من لغة اجنبية الي اللغة العربية .

وفي زمننا هذا قد يندر أو قل ينعدم من يجمع بين الإلمام والاحاطة العلمية في العقيدة الصحيحة وفي دقة الترجمة من اللغة العربية الي اللغة الانجليزية ؛ فكيف في علم المنطق اليوناني .

وابن تيميه رحمه اللهُ تعالى إمام عالم جليل متمكن جمع بين سعة العلم  في العقيدة الإسلامية الصحيحة وما يضادها وأقوال الفرق وادلتها النقلية الصحيحة وحججها العقلية الصريحة مع تفنيد شبهات باطله لمن حاول الادلاء بايرادات باطلة مع العلم والاحاطة والادراك بمصطلحات المناطقه والدقة في معرفة الفاظهم الكلامية وحينما يتم معرفة المعنى المراد لمصطلحات المناطقة يكون الأمر واضحا فيتساوى  العالم وطالب العلم المبتدي في فهم المعنى المراد لهذه الألفاظ سواء كانت مقدمات أو نتايج لهذه المقدمات أو أصول كلية 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه ( الرد على المنطقيين ) مانصه :" 

فإني كنت دائما أعلم أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد ولكن كنت أحسب أن قضاياه صادقة لما رأيت من صدق كثير منها.

ثم تبين لي فيما بعد خطأ طائفة من قضاياه وكتبت في ذلك شيئا ثم لما كنت بالإسكندرية اجتمع بي من رأيته يعظم المتفلسفة بالتهويل والتقليد فذكرت له بعض ما يستحقه من التجهيل والتضليل".

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يعتبر من اوائل العلماء الذين قاموا  بهدم المنطق اليوناني في كثير من كتبه ورسائله رحمه الله تعالى.

ولعل بعض الاخوة طلاب العلم يجد صعوبة في فهم معاني علم أصول الفقه ولعل من اسباب صعوبة علم أصول الفقه ان غالب من قام بالتأليف بهذا الفن هم من المتكلمة لهذا تجد كثرة المسائل الكلامية مع وجود  الفاظ  منطقية .

وقد تقدم ان علم الكلام هو إثبات الألوهية بحجج عقلية صيغ كثير من هذه الحجج  وفقا لألفاظ المناطقة ومصطلحاتهم.

ومهما كانت قوة العقل وسلامته وبعده عن ايراد ما يضاد الألوهية لكنه يبقى قاصرا ناقصا ضعيفا عن معرفة الله تبارك وتعالى وعن معرفة ذاته وصفاته واسمائه وعن ما يجب له من توحيد وما يمتنع ويحرم في حقه من الشرك في توحيده

كما في الحديث الذي رواه الامام احمد رحمه الله في مسنده وابن حبان رحمه الله في صحيحه وصححه الامام الالباني رحمه الله تعالى من رواية الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وفيه يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:( اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك او علمته أحدا من خلقك او استأثرت به في علم الغيب عندك ) 

 لهذا ارسل الانبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وانزل عليهم كلامه وأيدهم بالمعجزات الباهرة والحجج العقلية القاهرة ولو كانت العقول تستقل في معرفة ربها وخالقها على جهة التفصيل لما كان ثمت حاجة إلى إنزال الكتب المقدسة وارسال الرسل الصادقة المصدقة فالإخلاص و التوحيد لله سبحانه وتعالى في جميع انواعه والصواب والصدق في كلام الله عز وجل وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فدين الاسلام دين الله الذي ارتضاه لعباده اشتمل على صدق في اخباره وعدل في احكامه ومن أراد الاستغناء

بفهمه القاصر وعقله الضعيف فهو لم يصدق في اسلامه ولم يذق طعم الإيمان الذي يجده من احب الله عز وجل وأحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وأحب دين الله الآسلام 

لهذا ثبت في صحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى من حديث الصحابي الجليل أنس ابن مالك رضي الله عنه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :( ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا،

وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ).

فاتباع الكتاب العزيز والسنةالنبوية المتبع فيها هدي سلفنا الصالح وطريقتهم وسمتهم وفي الوسيلة الصحيحة لإيضاحات وبيانها وهي اللغة العربية وهي اللغة التي نزل بها القران الكريم كلام الله سبحانه وتعالى من عند ربنا تعالى وتقدس وتكلم بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فهذه اللغة هي لغته الكريمة ولغة قومه واصحابه رضي الله عنهم أجمعين وليست لغة المتكلمة ومصطلحاتهم وفلسفتهم المنطقية فمن أراد الهدى بغير الهدى الذي جاء فيه الوحي كتابا وسنة ولم يشاقق أصحاب الرسول الكربم صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم في فهمهم فهذا بعد فضل الله تعالى ورحمته  نحسبه من الذين قال الله تعالى وتقدس فيهم :{ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا  ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا}

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآيات الكريمة :"أي : من عمل بما أمره الله ورسوله ، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله ، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ، ويجعله مرافقا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة ، وهم الصديقون ، ثم الشهداء ، ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم .

ثم أثنى عليهم تعالى فقال : { وحسن أولئك رفيقا } ".  انتهى كلامه رحمه الله تعالى

ولعل ما كتبنا فيه خير ونفع وبركة جعله الله خالصا صوابا متقبلا حجة لنا لا علينا

والله اعلى واعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

.......... 

كتبه واملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني.