بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أما بعد:
فإن وجوب لزوم جماعة المسلمين، وتحريم التفرق والاختلاف إلى جماعات وفرق وأحزاب دينية أو سياسية تتضاد فيما بينها، قد دل على تحريم ذلك الكتاب العزيز والسنة النبوية، وعلى هذا الأمر انعقد إجماع المسلمين يقول الله تعالى وتقدس ذامًا الفرقة ومحذرًا منها:
﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾[الشورى : ١٤]
وقال تعالى: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾[المؤمنون : ٥٣]
وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ أن اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[ الأنفال : ٤٦].
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران : ١٠٥]
وقال تعالى وتقدس: ﴿وإن هذه أمْتكم أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾[المؤمنون : ٥٢]
وقال تعالى: ﴿شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ﴾[ الشورى:١٣].
وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الانعام :١٥٣]
وقال تعالى وتقدس: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون ﴾ [
وثبت في السنة قول الرسول الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة) [ من حديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه اخرجه الترمذي رحمه الله تعالى وصححه الامام الألباني رحمه اللهُ تعالى في صحيح سنن الترمذي رحمه اللهُ تعالى حديث رقم ( ٢١٦٧) ].
وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ من ضمن حديث ما نصه: (فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد). [رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخرجه الترمذي رحمه الله تعالى في سننه وصححه الامام الألباني رحمه اللهُ تعالى في صحيح سنن الترمذي رحمه اللهُ تعالى حديث رقم ( ٢١٦٥).]
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، ويَكْرَهُ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةِ المالِ) [رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ١٧١٥)]..
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلا مات ميتة جاهلية) رواه البخاري رحمه الله تعالى حديث رقم ( ٧٠٥٤)ومسلم رحمه الله تعالى حديث رقم ( ١٨٤٩).
فالآيات والأحاديث تحرم التفرق وتمنع تعدد الأحزاب.
وأما ما ورد بلفظ: (اختلاف أمتي رحمة): فقد ضعفها أهل الحديث، منهم الإمام الألباني رحمه الله؛ حيث قال في صفة الصلاة: " باطل لا أصل له ". حديث رقم ( ٥٨)
وفي السلسلة الضعيفة:" لا أصل له ".حديث رقم (٥٧) وفي ضعيف الجامع: " موضوع ". حديث رقم ( ٢٤٠).
فهو مع ضعفه ووضعه يخالف نصوص الوحيين، ويسبب الجفوة، ويؤيد كثرة الخلاف، وتزايد الفرقة والتحزب بين المجتمع المسلم الواحد، وفَهم الكتاب العزيز والسنة النبوية وفق هدي سلفنا الصالح؛ وهم ( الجماعة ) و(ما أنا عليه وأصحابي )كما في الحديث، الذي رواه مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما، قَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَامَ فِينَا، فَقَالَ: ( أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ )
وفي رواية: (قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) رواه الترمذي وأبو داود والحاكم رحمهم الله، وصححه جمع كبير من أهل العلم[ منهم الامام الالباني رحمه اللهُ تعالى في شرح الطحاوية صفحة ( ٣٨٣). ف(الجماعة) و(ما أنا عليه وأصحابي) لفظهما [ متباين ] ومعناهما [ مترادف ]، فدلا بمعناهم على وجوب الرجوع إلى هدي السلف الصالح وفهمهم، فهو النجاة بعد فضل الله ورحمته وهو الذي يبعد عن التحزب والافتراق والاختلاف.
ووجه ذكر هذه الأدلة من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أن مخالفة هدي السلف الصالح والبعد عن فهمهم أدى إلى مخالفة الكتاب العزيز والسنة النبوية ومشاققة المؤمنين في إجماعهم، مما أدى إلى قيام جماعات متضادة، كل فرقة لها فكر منحرف، تكفر الفرقة الأخرى وتلعنها ويستحل بعضهم دماء بعض ، وهم مع شر التفرق والاختلاف علامتهم الخروج على ولاة الأمر.
وفي لزوم الجماعة و
ترك الفرقة والاختلاف ولزوم طاعة الامام يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:( كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ، فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: وهلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، وفيهِ دَخَنٌ، قُلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهمْ وتُنْكِرُ، قُلتُ: فَهلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقالَ: هُمْ مِن جِلْدَتِنَا، ويَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا، قُلتُ: فَما تَأْمُرُنِي إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ، قُلتُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ ولَا إمَامٌ؟ قالَ: فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، ولو أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ، حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وأَنْتَ علَى ذلكَ).
رواه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأخرجه الامام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه حديث رقم ( ٣٦٠٦)والامام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه حديث رقم ( ١٨٤٧).
جعلنا الله واياكم من امة محمد صلى الله عليه وسلم وثبتنا الله واياكم على التوحيد والسنة والإيمان وأحسن الله لنا ولكم الخاتمة وكفانا الله واياكم الفرقة والاختلاف ووقانا الله وإياكم شرها وفتنها ؛ والله اعلى واعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
كتبه واملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .