بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أما بعد :
فأعلم وفقنا الله وأياكم لمرضاته أن البدعة ضلال وانحراف عن دين الله وهو دين الإسلام الذي ارتضاه الله دينا لعباده ولا تغتر بفعل كثير من الناس لها فعن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما قال: " كُلُّ بدعةٍ ضَلالةٌ وإن رَآها النَّاسُ حَسَنةً "[ صححه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة] .و " من ابتَدَعَ في الإسلامِ بِدعةً يَراها حَسنةً فقد زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا خانَ الرِّسالةَ؛ لأنَّ اللهَ يَقولُ: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ، فما لم يَكُن يومَئِذٍ دينًا فلا يَكونُ اليَومَ دينًا ".[ من كلام الإمام مالك رحمه الله وهو مروي مشهور عنه] فإن من " أصولُ السُّنَّة عِندَنا: التمَسُّكُ بما كان عليه أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والاقتِداءُ بهم، وتَركُ البِدَعِ، وكُلُّ بدعةٍ فهيَ ضَلالةٌ، وتَركُ الخُصوماتِ في الدِّينِ ".[من كلام الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله من رسالة أصول السنة]
ولا تخدعك المظاهر وإظهار الخشوع والتنسك والبكاء مع مخالفة السنة فإنما هي رهبانية ابتدعوها ليصيدوا بها من قل علمه فعنِ ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه قال:" الاقتِصادُ في السُّنَّةِ أحسَنُ من الاجتِهادِ في البِدْعةِ"[ صحَّحه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب]
وعليك ياعبدالله بالسنة فعن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال: " اتَّبِعوا ولا تَبتَدِعوا؛ فقد كُفْيتُم"[ صحح السند الإمام الألباني رحمه الله في رسالته إصلاح المساجد] .فقد " سَنَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وولاةُ الأمرِ من بَعدِه سُنَنًا، أخَذْنا بها تَصديقًا بكِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، واستِكمالًا لطاعةِ الله تعالى، وقوَّةً على دينِ اللهِ سُبحانَه، من عَمِلَ بها مُهتَدٍ، ومن استَنصَرَ بها مَنصورٌ، ومن خالَفَها اتَّبَعَ غَيرَ سَبيلِ المُؤمنين، ووَلَّاهُ اللَّهُ ما تولَّى، وأصلاهُ جَهنَّمَ وساءَت مَصيرًا "[ من كلام عمر بن عبدالعزيز أمير المؤمنين رحمه الله.. ينظر الشريعة للاجري رحمه الله] ثم " أوصيكَ بتَقوَى اللهِ والاقتِصادِ في أمرِه، واتِّباعِ سُنَّةِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتَرْكِ ما أحدَثَ المُحْدِثونَ بَعدَ ما جَرَت به سُنَّتُه، وكُفُوا مُؤنَتَه، فعَلَيكَ بلُزومِ السُّنَّةِ؛ فإنَّها لَكَ بإذنِ اللَّهِ عِصمةٌ، ثُمَّ اعلَمْ أنَّه لم يَبتَدِعِ النَّاسُ بدعةً إلَّا قد مَضَى قَبلَها ما هو دَليلٌ عليها أو عِبرةٌ فيها، فإنَّ السُّنَّةَ إنَّما سَنَّها من قد عَلِمَ ما في خِلافِها من الخَطَأِ والزَّللِ، والحُمقِ والتعَمُّقِ، فارْضَ لنَفسِكَ ما رَضيَ به القَومُ لأنفُسِهم؛ فإنَّهم على عِلمٍ وقَفوا، وبِبَصَرٍ نافِذٍ كُفُوا، وهم على كَشفِ الأمورِ كانوا أقوَى، وبِفَضلِ ما كانوا فيه أَولَى، فإن كان الهدَى ما أنتم عليه لَقد سَبَقتُموهم إليه، ولَئِنْ قُلتُم: إنَّما حَدَثَ بَعدَهم ما أحدَثَه إلَّا من اتَّبَعَ غَيرَ سَبيلِهم، ورَغِبَ بنَفسِه عنهم، فإنَّهم هم السَّابِقونَ، فقد تَكَلَّموا فيه بما يَكفي، ووَصفوا منه ما يَشفي، فما دونَهم من مَقْصَرٍ، وما فوقَهم من مَحْسَرٍ، وقد قَصَّرَ قَومٌ دونَهم فجَفَوا، وطَمِحَ عنهم أقوامٌ فغَلَوا، وإنَّهم بَينَ ذلك لعلى هدًى مُستَقيمٍ ".[ رواه ابوداود رحمه الله من كلام عمر بن عبدالعزيز أمير المؤمنين رحمه الله] ف"من رامَ النَّجاةَ من هؤلاء، والسَّلامةَ من الأهواءِ فليَكُنْ ميزانُه الكِتابَ والأثَرَ في كُلِّ ما يَسمَعُ ويرَى، فإن كان عالِمًا بهما عَرَضَه عليهما، واتِّباعَه للسَّلَفِ، ولا يَقبَلُ من أحَدٍ قَولًا إلَّا وطالبَه على صِحَّتِه بآيةٍ مُحكَمةٍ، أو سُنَّةٍ ثابِتةٍ، أو قَولِ صَحابيٍّ من طَريقٍ صَحيحٍ، وليُكثِرِ النَّظَرَ في كُتُبِ السُّنَنِ لِمَن تَقدَّمَ، مِثلُ: أبي داوَدَ السِّجْستانيِّ، وعَبدِ اللهِ بنِ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ، وأبي بَكرٍ الأثرَمِ، وحَربِ بن إسماعيلَ السِّيرجانيِّ، وخشيشِ بن أصرَمَ النَّسائيِّ، وعُروةَ بنِ مَروانَ الرَّقِّيِّ، وعُثمانَ بنِ سَعيدٍ الدَّارِميِّ السِّجِستانيِّ، وليَحذَرْ تَصانيفَ من تَغَيَّرَتْ حالُهم؛ فإنَّ فيها العَقارِبَ ورُبَّما تَعذَّرَ التِّرياقُ ".[ من كلام السجزي رحمه الله من رسالته إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت].
قال الإمام ابن باز رحمه الله : "... أمرنا بالاتباع ونهينا عن الابتداع، وذلك لكمال الدين الإسلامي، والاغتناء بما شرعه الله تعالى ورسوله ﷺ، وتلقاه أهل السنة والجماعة بالقبول، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته ؛ وفي رواية أخرى لمسلم :( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تسمكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وكان يقول في خطبته يوم الجمعة: ( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة).
ففي هذه الأحاديث تحذير من إحداث البدع، وتنبيه بأنها ضلالة، تنبيها للأمة على عظيم خطرها، وتنفيرا لها عن اقترافها والعمل بها.والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وقال تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة الحشر: الآية ٧ ] وقال عز وجل: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور: الآية ٦٣ ] وقال تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [ سورةالأحزاب: الآية ٢١ ] وقال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التوبة: الآية ١٠٠ ] وقال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دينًا} [ سورة المائدة: الآية ٣ ] وهذه الآية تدل دلالة صريحة، على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها، وأتم عليها نعمته، ولم يتوف الله نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ان بلغ البلاغ المبين، وبين للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال، وأوضح أن كل ما يحدثه الناس بعده، وينسبونه إلى الدين الإسلامي، من أقوال وأعمال، فكله بدعة مردودة على من أحدثها، ولو حسن قصده. وقد ثبت عن أصحاب رسول الله ﷺ، وعن السلف الصالح بعدهم، التحذير من البدع والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى، في زيادتهم في دينهم، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقول الله عز وجل: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [ سورة المائدة: الآية ٣ ] والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، والمحذرة من البدع والمنفرة منها ".[ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للإمام ابن باز رحمه الله ( ١ / ٢٢٢)].
لذا فإن أصل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف أصل عظيم من أصول السنة ومن أصول معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح وهذه العقيدة هي دين الإسلام الصحيح الذي نزل به الكتاب العزيز وجاءت به سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأجمع على هذا الأصل السلف الصالح وكان عليه اتفاقهم وذلك ؛ اولا :
لدلالة النقل على عظيم هذا الأصل وعلو منزلته وفضله
وثانيا :
لعظيم فوائده الجليلة ومنافعه المتعددة الكثيرة اذ أن ولاة الأمر جعلهم الله سببا ليسود الأمن وتستقر احوال المجتمع، فولاة الأمر يحفظون النظام العام وبهم تقام الحدود وتنقمع اهل الشرور وتقل الفوضى والقلاقل والفتن وبهم يحصل تنظيم شؤون الأمة ويجعلهم الله كما ذكرنا سابقا سببا في تسيير أمور الأمة واقامة شعائر الدين الظاهره وشرائعه وأركانه كالحج والجهاد فلا جهاد إلا تحت راية ولاة الأمر وهم قادة المسلمين في الخير والصلاح وبهم بعد فضل الله ورحمته تحفظ ارواح العباد وتحيا البلاد ويقام الشرع ويجعلهم الله فيهم حرس للأمة وبهم تحمى الحدود من الأعداء ؛ فوجودهم نعمة اذ فيهم تجلب المصالح العظيمة للامة وعنهم وبهم تدرأ المفاسد الكبيرة وتنعدم الشرور الكثيرة كل ذلك بفضل الله تعالى ورحمته؛ وأدلة الوحيين كتابا وسنة " كلها تدل على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف؛ لما في ذلك من الخير العظيم، واستِتْباب الأمن، ونصر المظلوم، وردع الظالم، وغير هذا من الفوائد العظيمة في وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف، يقول الله جلَّ وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}فجاءت السنة بتقييد ذلك بالمعروف: ( وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ )يعني: في المعروف، ولهذا يقول ﷺ: ( على المرء السمع والطاعة فيما أحبَّ وكره، إلا أن يُؤْمَر بمعصية الله، فإن أُمِرَ بمعصية الله فلا سمعَ ولا طاعةَ)، وفي الحديث: ( مَن خلع يدًا من طاعةٍ لقي اللهَ ولا حُجَّة له، ومَن مات وليس في عنقه بيعةٌ مات ميتةً جاهليةً)
فالواجب على المؤمن السمع والطاعة في المعروف، وأن يكون مع الجماعة، وأن يحذر الفرقةَ والاختلافَ؛ لأنَّ ذلك يُسبب الشرَّ والفساد والنزاع واختلال الأمن، فالواجب عليه السمع والطاعة في المعروف، والتعاون مع ولاة الأمور في المعروف دون معصيةٍ، ولهذا يقول ﷺ: ( مَن مات وليس في عنقه بيعةٌ مات ميتةً جاهليةً )يعني: مَن لم يعتقد السمعَ والطاعةَ مات ميتةً جاهليةً -نسأل الله العافية وفق الله الجميع "[ من شرح الإمام ابن باز رحمه الله تعالى لكتاب رياض الصالحين (الشرح الثاني) ٢٢٦].
رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح والرزق الطيب المبارك وحسن الخاتمة.
اسأل الله الحي القيوم ذا الجلال والإكرام أن ينفع بهذا المؤلف كاتبه وناسخه و من يقرأه وجعله الله خالصة لوجهك الكريم صوابا متقبلة ؛ والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
•••••••••••••
كتبه واملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .