الجمعة، 30 مايو 2025

[ رسالتنا موضوعها : عن حكم ( الامن من النفاق ) و( علامة وجود الايمان وعلامة وجود النفاق في الإنسان ) و(صفة مكر الله ) و( حكم الأمن من مكر الله ) و ( قصة شاعر واعظ )و( الدعاء لنا ولكم بحسن الخاتمة)]



بسم الله الرحمن الرحيم 



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد:

 فمن معتقد أهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح الخوف من النفاق والخوف منه اذ إن من الأمور التي يحذرها ويخافها اهل التوحيد والسنة والإيمان الخوف من أن يحبط الأعمال وهو لا يشعر ؛ قال إبراهيم التيمي رحمه اللهُ تعالى : " ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا ". وقال ابن أبي مليكة رحمه اللهُ تعالى : " أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، كلهم يخاف النفاق على نفسه ، ما منهم أحد يقول : إنه على إيمان جبريل وميكائيل ". ويذكر عن الحسن رحمه اللهُ تعالى انه كان يقول : " ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق".

ومن فضل الله سبحانه وتعالى علينا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ان جعل لنا علامة ظاهرة تدل على إيمان المسلم وبها يعرف ومن فقدها او ابغض هذه الصفة فهذا دليل بيّن ظاهر على النفاق وبها يعرف المنافق ألا وهو حب الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين 

قال الحافظ البَيهَقيُّ رحمه اللهُ تعالى : " ويَدخُلُ في جُملةِ حُبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُبُّ أصحابِه؛ لأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أثنى عليهِم ومَدحَهم فقال: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }.[سورة الفتح: الاية ٢٩ ] .وقال: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا }.[سورة الفتح: الاية ١٨ ] ، وقال: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}. [سورة التوبة: الاية ١٠٠] ، وقال: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }.[سورة الأنفال: الاية ٧٤ ] ، فإذا نَزَلوا هَذِه المَنزِلةَ استَحَقُّوا عَلى جَماعةِ المُسْلِمينَ أن يُحِبُّوهم، ويَتَقَرَّبوا إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ بمَحَبَّتِهِم؛ لأنَّ اللهَ تعالى إذا رَضِيَ عن أحَدٍ أحَبَّه، وواجِبٌ عَلى العَبدِ أن يُحِبَّ مَن يُحِبُّهُ مَولاه " انتهى من [ كتاب شعب الإيمان ( ٣ / ٨٨ ) بتصرف يسير].

ومِن معتقد أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ اتباع السلف الصالح وُجوبُ مَحَبَّةِ أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وقَد استفاضت نُصوصٌ الوحيين الكثيرةٌ متواترة متوافرة متضافرة مِنها ما سبق ذكره ومنها قوله تعالي وتقدس : { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }.[سورة الحشر: الآية ١٠ ] .

قال الامام ابن كثير رحمه اللهُ تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة:"وما أحسن ما استنبط الإمام مالك من هذه الآية الكريمة : أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء".

قال الطحاوي رحمه اللهُ تعالى في متن عقيدته المشهورة :"ونُحِبُّ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا نُفْرِطُ في حُبِّ أحَدٍ مِنهم، ولا نَتَبَرَّأُ من أحَدٍ مِنهم، ونُبغِضُ مَن يُبغِضُهم، وبِغَيرِ الخَيرِ يَذكُرُهم، ولا نَذكُرُهم إلَّا بخَيرٍ، وحُبُّهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبُغْضُهم كُفرٌ ونِفاقٌ وطُغيانٌ ".

وفي صحيح البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن الصحابي الجليل أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : ( آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصارِ، وآيةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنصارِ ).وفيهما ايضًا من حديث الصحابي الجليل البَراءِ بْنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال في الأنصارِ: ( لا يُحِبُّهم إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبغِضُهم إلَّا مُنافِقٌ، من أحَبَّهم أحَبَّه اللهُ، ومَن أبغَضَهم أبغَضَه اللهُ ).

وفي صحيح مسلم رحمه اللهُ تعالى عن الصحابي الجليل 

عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: ( والَّذي فلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمةَ إنَّهُ لعَهِدَ النَّبيُّ الأمِّيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَيَّ ألَّا يُحِبَّني إلَّا مُؤْمِنٌ ولا يُبغِضَني إلَّا مُنافِقٌ ) .

وفي كتاب العقيدة الواسطية وهي من اشهر كتب الاعتقاد لأهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللهُ تعالى : " يَتَبَرَّؤونَ من طَريقةِ الرَّوافِضِ الَّذينَ يُبغِضونَ الصَّحابةَ ويَسُبُّونَهم، وطَريقةِ النَّواصِبِ الَّذينَ يُؤذُونَ أهلَ البَيتِ بقَولٍ أو عَمَلٍ " .

والأمر الآخر الذي يجب التنبيه عليه هو : ( الأمن من مكر الله) 

وصفة المكر لله سبحانه وتعالى 

 صفة فعلية اختيارية قائمة بذات الله سبحانه وتعالى على ما يليق بربنا عز وجل ؛ متعلقة بمشيئته سبحانه وتعالى من غير تمثيل ولاتكييف ولا تعطيل ولاتحريف ولاتشبيه باطل ولا تأويل فاسد :{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ؛ وهذا ما عليه معتقد أهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح وهذا عمل بالكتاب العزيز والسنة النبوية فقد أثبتها الله سبحانه وتعالى لنفسه على جهة المقابلة لمكر الماكرين فقال عز وجل :{ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }.[سورة النمل: الآية ٥٠ ] .

وقال تعالى وتقدس :{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.[سورة آل عمران: الآية ٥٤] .

وفي الحديث الصحيح الشريف 

عن الصحابي الجليل عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو: ( ربِّ أَعِنِّي ولا تُعِن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسِّر هُدايَ إليَّ، وانصرني على مَن بغى عليَّ، اللهم اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا، لك مِطواعًا، إليك مُخْبِتًا، أو مُنِيبا، رب تقبَّل توبتي، واغسل حَوْبتي، وأجب دعوتي، وثبِّت حُجَّتي، واهدِ قلبي، وسدِّد لساني، واسْلُلْ سَخِيمةَ قلبي )

رواه احمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه رحمهم اللهُ تعالى وصححه الامام الألباني رحمه اللهُ تعالى في صحيح سنن ابن ماجه رحمه الله تعالى حديث رقم ( ٣١٠٣ ).

ف"الله جل وعلا حذر عباده من الأمن من مكره والقنوط من رحمته، فالواجب على أهل الإيمان أن يجمعوا بين الخوف والرجاء أن يخافوه ويرجوه ، فلا قنوط ولا أمن، بل يجب أن يرجى لكمال إحسانه، وكمال جوده وكرمه، ويجب أن يُخاف لعظيم انتقامه وشدة بطشه، قال تعالى: { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}. [سورة الحجر : الاية ٤٩-٥٠ ].قال جل وعلا: { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}. [ سورة البروج: الآية ١٢ ] قال تعالى: { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [سورة الأعراف: الآية ٩٩ ] وقال سبحانه: { وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }. [سورة الحجر: ٥٦ ] وقال جل وعلا: { وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }.[سورة يوسف: ٨٧] قال عز وجل:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }.[ سورة الزمر: الاية ٥٣ ].فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يخاف الله ويرجوه، وأن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف الله مما يقع منه من الذنوب والسيئات، ولعظم انتقامه وعظيم بطشه لمن خالف أمره، ويرجوه لكمال إحسانه وكمال جوده وكرمه وعظيم رحمته سبحانه وتعالى في حق من اتقاه وقام بحقه وسارع إلى مراضيه، ولهذا يقول جل وعلا: { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ}. [سورة الأعراف: الآية ٩٩ ] مكر الله عقوبته، وأخذ العبد على غرة، :{ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [ سورة الأعراف: الآية ٩٩ ] يعاقبهم بمثل ما فعلوا :{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }.[ سورة آل عمران: الآية ٥٤ ].

والمكر: هو فعل ما حرم الله بالطرق المعوجة بالخداع والتلبيس، فالله يعاقبهم بمثل ما فعلوا جزاء وفاقًا، وهكذا المخادعة: { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ }.[ سورة النساء: الآية ١٤٩ ] فمن خادع الناس وظلمهم فقد خادع الله بذلك، وهو جدير بالعقوبة من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم.

وهكذا من مكر جدير بأن يمكر به عقوبة له بمثل ما فعل، والله يوصف بالمكر في مقابل المكر، والاستهزاء في مقابل الاستهزاء، والخداع في مقابل الخداع، فهذه صفات لربنا عز وجل في مقابل أضدادها فمن مكر مكر به، ومن خادع خدع، ومن استهزأ استهزئ به، ومن كاد كيد :{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا .وَأَكِيدُ كَيْدًا}. [سورة الطارق : الآية ١٥- ١٦ ] وهو في حقه كمال؛ لأنه عدل منه سبحانه وتعالى ، فالخداع في حقه والمكر والكيد والاستهزاء كله في حقه حق؛ لأنها صدرت منه في مقابل المجرمين في جزائهم على عدوانهم، والانتقام من الظالم بمثل ما فعل حق ومدح، وإن عفا فهو أهل الفضل عز وجل 

وفي حديث ابن عباس المروي عنه أن النبي ﷺ بين أن من الكبائر: ( اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله).فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك.

وهكذا ما جاء في أثر ابن مسعود: [ أكبر الكبائر اليأس من رحمة الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روحه عز وجل ].والأمن من مكره جل وعلا، كل هذه كبائر يجب الحذر منها: الأمن والقنوط واليأس من رحمة الله، والمكر، والخداع، يجب على المؤمن أن يكون ذا إنصاف، وذا عدل، وذا عناية بالحق، ورحمة وعطف، وأن يكون عظيم الخوف من الله، شديد الحذر من عقابه جل وعلا، بعيدًا عن صفات المنافقين من الخداع والاستهزاء والمكر ".انتهى ؛[ من كلام الامام ابن باز رحمه اللهُ تعالى من موقعه الرسمي ].

وإتماما لموضوع رسالتنا نذكر طرفا من الشعر المملوء حكمة وفيه قوة لفظ وجزالة معنى فمن هذا الشعر قصيدة هذا نصها :

صِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ


فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ


واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً


إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ


واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ


بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا


ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً


إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحبُ


وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ


ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ


واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ


فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ


والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ


إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ


وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوه


نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ


لا تحرِصَنْ الحِرصُ ليسَ بزائدٍ


في الرِّزق بل يشقى الحريصُ ويتعبُ


ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً


والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ


كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ


رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ


وارعَ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ


واعدِلْ ولاتظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ


وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا


مـن ذا رأيـتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ


وإذارُميتَ من الزمانِ بريبـة


أو نالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ


فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ


يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ


كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ


إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ


واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ


يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ


واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً


واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ


وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ


وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ


فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا


طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ


فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي


فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـبُ


ومن شعره ايضاً :

متى يَبْلُغُ البُنْيانُ يَومًا تَمامَه اِذا كُنْتَ تَبْنِيهِ وَغَيْرُك يَهْدِمُ؟

متى يفْضل المُثْرِي اِذا ظَنَّ أنَّهُ إذا جادَ بِالشيءِ القَليلِ سَيُعْدِمُ؟


ومنه:

اِذا ما خَلَوْتَ الدهرَ يومًا فَلا تَقُلْ: خَلَوْتُ، وَلكِنْ قُلْ: عَلَيَّ رَقيبُ

فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ ساعَةً ولا أن ما يُخْفَى عليه يغيبُ.

 وجميع هذه الابيات للشاعر صالح بن عبدالقدوس الذي ولد في القرن الأول من القرون المفضلة فأدرك الدولة الأموية ثم الدولة العباسية

كان واعظا مذكرا للناس

وقد صاحب المتكلمة المناطقة اذناب الفلاسفة فكان من جلسائه كبار المعتزلة مثل ابي الهذيل العلاف وغيرهم .

قال عنه فيمن كتب عنه انه كان يميل إلى الديانة المانوية الثنوية وهم الذين يقولون بالهين اثنين ( اله خير واله شر واله نور واله ظلمة ) .

رجح بعض اهل العلم ان القصيدة الزينبية منسوبة اليه ولعل منها ماسبق من ابيات وفيها يقول :

صَرَمتْ حبالَكَ بعـــدَ وصلكِ زينبُ

والدهـرُ فيه تصرُّمٌ وتقلبُ

ذهب الشبابُ فما له مــن عَودة

وأتى المشيب فأين منـه المهرب؟

لا تأمنِ الدهـر الخَئونَ فإنه

لا زال قِدمًا للرجــال يؤدِّب

واقنع ففي بعض القناعة راحـــةٌ

واليأس مما فات فهـو المطلب

واذا طمعتَ كُسيتَ ثــــوبَ مذلة

فلقــد كُسي ثوبَ المذلة أشعبُ

إن الحقــود وإن تقادم عهده

فالحقد باق في الصــــــــدور مغَيَّب

لا خير في ودّ امــــرئ متملق

حـلو اللسان وقلبه يتلهب

يلقاك يحلف أنه بك واثقٌ

وإذا توارى عنك فهــو العقرب

يعطيك من طرف اللسان حـلاوة

ويـــــروغ عنك كما يروغ الثعلب

وصِلِ الكرامَ وإن رمَوكَ بجَفْوة

فالصفحُ عنهم بالتجاوزِ أصوب

واختر قرينك تصطفيه تفاخـرًا

إن القرين إلى المقـــارَن يُنسب

إن الغنيَّ من الرجـــال مكرَّم

وتراه يُرجى مــا لديه ويُرهب

ويُبشُّ بالترحيب عند قـدومه

ويقام عند سـلامه ويُقرّب

ودع الكـذوب فلا يكن لك صاحبًا

إن الكـذوب يَشين حرًّا يصحب

وزنِ الكـلام اذا نطقت ولا تكن

ثرثارة في كـــل نادٍ تخطب

واحفـظ لسانك واحترز من لفظه

فالمرء يسلم باللسـان ويعطب

واحرص على حفظ القلوب من الأذى

فرجوعها بعـد التنافر يصعب

إن القـلـوب إذا تنافر ودُّها

شِبه الزجــاجة كسرُها لا يُشعب

كن ما استطعت عـن الأنام بمعزِل

إن الكثير من الــورى لا يُصحب

واحذر مصاحبة اللئيم فإنه

يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ

واحذر من المظلوم سهمًا صائبًا

واعلم بأن دعــاءه لا يُحْجَب

فلقـد نصحتك إن قبلت نصيحتي

فالنصح أغلى ما يبـاع ويوهب .

وهذه القصيدة نسبت إلى الصحابي الجليل امير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللهُ عنه لكن في ثنايا القصيدة ذكر شخصية معروفة وهي شخصية اشعب والذي ولد بعد وفاة الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيها يقول :( وإذا طمعت كسبت ثوب مذلة .

فلقد كسي ثوب المذلة اشعب )

ومن إشعاره التي تدل على انحرافه العقدي وخاصة 

فى قضاء الله وقدره :

لَم تَخْلُ أَفعالُنا اللاتي نُذَمّ بها إِحدى ثلاث خِصالٍ في مَعَانيها:

إِما تَفَرُّد مَوْلانا بصنعتها فاللومُ يَسْقُط عَنّا حينَ نأتيها

أو كانَ يَشْرَكُنا فَاللَّوْمُ يَلْحَقُه إِن كانَ يَلْحَقُنا من لائِمٍ فيها

أَوْ لَمْ يَكُنْ لِإِلهي في جِنَايَتِها صُنْعٌ فَمَا الصُّنْعُ إِلا ذَنْبُ جانيها

ومما كتب عنه :

انه يخلط في وعظه فيدس السم بالدسم فيذكر طرفا من المعتقد المانوي الثنوي الفارسي قتله قيل المهدي وقيل هارون الرشيد على الزندقة ؛ فالله اعلم بحاله 

ومآله .

وفي كتاب وفيات الوفيات لابن خلكان رحمه الله تعالى [ ( ٢ / ٤٩٣ ) الشاملة ] : قال أحمد بن عبد الرحمن المعبر: " رأيت صالح بن عبد القدوس في المنام ضاحكاً مستبشراً فقلت له: ما فعل بك ربك، وكيف نجوت مما كنت ترمى به قال: إني وردت على رب لا تخفى عليه خافية، فاستقبلني برحمته وقال: لقد علمت براءتك مما كنت تقذف به. وكان قتله سنة سبع وستين ومائة" .

وفي ختام رسالتي :

أوجه نصيحة إلى الاخوة والأبناء الكرام طلاب العلم وذلك في طلب العلم الشرعي المبني على كلام الله المنزل وعلي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عز وجل فيه :{ وما ينطق عن الهوي . ان هو الا وحي يوحى } [ سورة النجم : الآية ٣ ] وفق فهم وهدي السلف الصالح والأخذ عن علماء السنة اتباع السلف الصالح الذين عرفوا بها - تعلما وتعليما وفهما ونصرا لها ولأهلها ودعوة اليها - والحذر من اهل المتشابه والشبهات والبعد عن رموز الفرق الضالة والجماعات التكفيرية اهل الشذوذ والبدع والخرافات والانحرافات ؛ واهل التفرق والاختلافات ؛{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }. 

( يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك ).( اللَّهمَّ اصرِفْ قلوبَنا إلى طاعتِكَ ).

وفقنا الله وإياكم الى مايحبه ويرضاه ورزقنا الله واياكم علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا 

وثبتنا الله على التوحيد والسنة في الحياة وعند الممات ورزقنا الله وإياكم رؤيته في الفردوس الأعلى من الجنة وأحسن الله لنا ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات الخاتمة انه ولي ذلك والقادر عليه والله اعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

••••••••••

كتبه واملاه الفقير إلى الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .