الجمعة، 16 مايو 2025

شرح عبارة :( معرفة تعلق الوجود خلقا وأمرا بالأسماء الحسنى …)



بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

اما بعد 


فإن من معاني العبارة السابقة وهي :( معرفة تعلق الوجود خلقا وأمرا بالأسماء الحسنى….)والتي ذكرها الامام ابن القيم رحمه الله تعالى في تفسيره عن ( فضل المشهد الثامن مشهد الأسماء والصفات ) ثم تحدث عن ( معرفة تعلق الوجود خلقا وأمرا ) ومعلوم أن الخلق غير الأمر استدلالا بقول الله تعالى وتقدس :{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}

قال الامام البغوي رحمه اللهُ تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة:" { ألا له الخلق والأمر }له الخلق لأنه خلقهم وله الأمر ، يأمر في خلقه بما يشاء . قال سفيان بن عيينة : فرق الله بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فقد كفر  ".قال الامام السعدي رحمه اللهُ تعالى:" له. { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } أي: له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها، أعيانها وأوصافها وأفعالها والأمر المتضمن للشرائع والنبوات، فالخلق: يتضمن أحكامه الكونية القدرية، والأمر: يتضمن أحكامه الدينية الشرعية، وثم أحكام الجزاء، وذلك يكون في دار البقاء ".

والتفكر في ايات الله الكونية المشاهدة ( خلقا )و الفقه في ايات الله الشرعية ( الكتاب العزيز والسنة النبوية)( امراً ).

فمعرفة ذلك تثمر - بعد ربطهما في بعض على جهة التفكر - الايمان بالله وتوحيده ونبذ الند والشريك عنه تعالى ربنا وتقدس  اذ ان توحيد الربوبية وهو توحيد الله بافعال الله ومن ذلك خلق الكون  الذي نشاهده  يدل على توحيد الالوهية وهذا التوحيد هو الذي انزلت به الكتب وارسلت به الرسل وأنكرته الأمم المكذبة  ؛ لهذا  مدح الله عباده المؤمنين : { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض  } قائلين { ربنا ما خلقت هذا باطلا  } أي : ما خلقت هذا الخلق عبثا ، بل بالحق لتجزي الذين أساءوا بما عملوا ، وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، ثم نزهوه عن العبث وخلق الباطل فقالوا : { سبحانك } أي : عن أن تخلق شيئا باطلا { فقنا عذاب النار } أي : يا من خلق الخلق بالحق والعدل ، يا من هو منزه عن النقائص والعيب والعبث ، قنا من عذاب النار بحولك وقوتك وقيضنا لأعمال ترضى بها عنا ، ووفقنا لعمل صالح تهدينا به إلى جنات النعيم ، وتجيرنا به من عذابك الأليم .

وقد ذم الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته ، فقال : { وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون . وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون }

ومن معرفة تعلق الوجود خلقا ماذكره  قس بن ساعدة الإيادي رحمه الله تعالى بسوق عكاظ في الجاهلية قبل بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فكان قس يقول :

" أيها الناس: اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة. إن في السماء لخبرًا، وإن في الأرض لعبرًا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا فأقاموا، أم تركوا فناموا؟ يقسم قس بالله قسمًا لا إثم فيه، إن لله دينًا هو أرضى له، وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكرًا ".

ويريد ب( ان لله دينا هو أرضى له …) الايات الشرعية التي انزلت على الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام .

وكل ما سبق من ايات كونية وايات شرعية  يدل على عميق ارتباط تعلق أنواع التوحيد الثلاثة ببعضها فتوحيدُ الرُّبوبيَّةِ مُستَلزِمٌ لتَوحيدِ الأُلوهيَّةِ؛( فمن عَلِمَ أنَّ الله سُبحانَه هو الرَّبُّ وَحْدَه لا شَريكَ له في رُبوبيَّتِه، لَزِمَه من ذلك الإقرارُ بوجوبِ إفرادِ اللهِ بالعبادةِ وَحْدَه؛ لأنَّه لا يستحِقُّ العبادةَ إلَّا من كان ربًّا خالقًا مالِكًا مُدَبِّرًا، فما دام أنَّ ذلك كُلَّه لله وَحْدَه وَجَب أن يكونَ هو المعبودَ وَحْدَه).

وتوحيدُ الأُلوهيَّةِ متضَمِّنٌ لتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ ؛ (  لأنَّ مَن عَبَد اللهَ ولم يُشرِكْ به شَيئًا، يَستَلزِمُ إيمانُه بأنَّ اللهَ هو ربُّه ومالِكُه الذي لا ربَّ غَيرُه).

وتوحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ شامِلٌ للنَّوعَينِ معًا؛(لأنَّه يقومُ على إفرادِ اللهِ تعالى بكلِّ ما له من الأسماءِ الحُسنى، والصِّفاتِ العُلا التي لا تنبغي إلَّا له سُبحانَه وتعالى، والتي من جُملتِها: الرَّبُّ - الخالِقُ - الرَّازِقُ - المَلِكُ، وهذا هو توحيدُ الرُّبوبيَّةِ، ومن جملتِها: اللهُ - الغفورُ - الرَّحيمُ - التَّوَّابُ، وهذا هو توحيدُ الأُلوهيَّةِ ).

هذا هذا مااحببنا بيانه وإيضاحه بشأن هذه العبارة رزقنا الله وإياكم العلم النافع والرزق الطيب والعمل المتقبل والله اعلى واعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .