بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد
فقد تحدثنا في رسالتنا السابقة والتي جاءت بهذا العنوان :[ تقوى الله سبحانه وتعالى وتوحيده وطاعته ومن ذلك صلة الرحم والبعد عن قطيعة الرحم سبب في زيادة العمر والبركة فيه ]
وهذا رابطها :
https://ghazialarmani.blogspot.com/2023/12/blog-post_6.html?m=1
لذا أحببنا زيادة الإيضاح والتنبيه على مسألة مهمة موضوعها يتبع رسالتنا السابقة وللأسف رأيت كثيرا من أهل العلم خفيت عليه فَوقع بهذه الفاقرة العقدية العظيمة
فرأيت هؤلاء المشايخ يقولون في دعائهم في مؤلفاتهم:[ اللهم لا تقطع علينا أجلنا ] وهذا عين دعاء ومعتقد المعتزلة الجهمية ولنا رسالة عن هذه النحلة الضالة أحببنا إتحافكم بها :
[[ من هم المعتزلة ؟ وماهي أفكارهم الإعتزالية التي خالفوا فيها دين الإسلام؟ وماهو عظيم خطرهم على المسلمين حكاما ومحكومين]]
https://ghazialarmani.blogspot.com/2019/10/blog-post_23.html
وأثناء بحثي في هذا الموضوع لفت نظري كلاما نفيسا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قام بكشف شبهاتهم وتفنيد ايراداتهم الفاسدة
فرأيت هذا الإمام الجليل كفى ووفى وأحيلكم عليه
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :( وإذا أُحِيلَ أحدُكُم عَلَى مَلِئٍ فليَحْتَلْ) هذا جزء من حديث وهو لفظ أورده البيهقي رحمه الله وقريب من معناه أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.
و إجابة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيها بيان ضلال المعتزلة وفساد معتقدهم بالقضاء والقدر [ وهم نفاة القدر] فقد :" سئل شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله :
عن المقتول: هل مات بأجله؟ أم قطع القاتل أجلَه؟.
فأجاب:
المقتول كغيره من الموتى لا يموت أحدٌ قبل أجله ولا يتأخر أحد عن أجله، بل سائر الحيوان والأشجار لها آجال لا تتقدم ولا تتأخر، فإن أجل الشيء هو نهاية عُمُره، وعمره: مدة بقائه، فالعمُر: مدة البقاء، والأجل: نهاية العمر بالانقضاء، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)، وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ )، وفي لَفْظٍ ( ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ )، وقَد قَالَ تَعَالَى { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} والله يعلم ما كان قبل أن يكون، وقد كتب ذلك فهو يعلم أن هذا يموت بالبطن أو ذات الجنب أو الهدم أو الغرق أو غير ذلك من الأسباب وهذا يموت مقتولًا : إما بالسم وإما بالسيف وإما بالحجر وإما بغير ذلك من أسباب القتل، وعلْم الله بذلك وكتابتُه له بل مشيئته لكل شيء وخلقه لكل شيء لا يمنع المدح والذم والثواب والعقاب؛ بل القاتل إن قتل قتيلًا أمر الله به ورسوله كالمجاهد في سبيل الله : أثابه الله على ذلك، وإن قتل قتيلًا حرَّمه الله ورسوله كقتل القطاع والمعتدين : عاقبه الله على ذلك، وإن قتل قتيلًا مباحًا كقتيل المقتص : لم يُثب ولم يعاقب إلا أن يكون له نية حسنة أو سيئة في أحدهما.
والأجل أجلان: [ أجل مطلق ] يعلمه الله [ وأجل مقيد ] وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلًا وقال: [ إن وصل رحمه زدته كذا وكذا ] والملك لا يعلم أيزداد أم لا؛ لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر.
ولو لم يُقتل المقتول: فقد قال بعض القدرية: إنه كان يعيش! وقال بعض نفاة الأسباب: إنه يموت وكلاهما خطأ؛ فإن الله علم أنه يموت بالقتل فإذا قدر خلاف معلومه كان تقديرًا لما لا يكون لو كان كيف كان يكون، وهذا قد يعلمه بعض الناس وقد لا يعلمه، فلو فرضنا أن الله علم أنه لا يُقتل أمكن أن يكون قدر موته في هذا الوقت وأمكن أن يكون قدر حياته إلى وقت آخر، فالجزم بأحد هذين على التقدير الذي لا يكون: جهل، وهذا كمن قال: لو لم يأكل هذا ما قُدر له من الرزق: كان يموت أو يرزق شيئًا آخر، وبمنزلة من قال: لو لم يحبل هذا الرجل هذه المرأة هل تكون عقيمًا أو يحبلها رجل آخر؟ ولو لم تزرع هذه الأرض هل كان يزرعها غيره أم كانت تكون مواتًا لا يزرع فيها؟ وهذا الذي تعلم القرآن من هذا لو لم يعلمه : هل كان يتعلم من غيره أم لم يكن يتعلم القرآن ألبتة؟ ومثل هذا كثير ".انتهى كلامه رحمه الله. [ مجموع الفتاوى ( ٨ / ٥١٦ - ٦١٨ )] .
والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
°°°°°°°°°°°°°°°°
كتبه : غازي بن عوض العرماني.