بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد
فقد شدني حديثا جرى في مدرستي المباركة إذ وجدت أخوين فاضلين من معلمي المدرسة يتجاذبان الحديث عن لغة العرب وأهميتها وأهمية التحدث بها.
فخطر في مخيلتي الكتابة عن لغتنا العربية الجميلة.
واللغة العربية محفوظة بحفظ الله سبحانه وتعالى لكلامه المنزل غير مخلوق وهو القرآن الكريم وحفظه لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ذكر أهل العلم ان تفسير الذكر في قوله تعالى :{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }
إذ أن لفظ الذكر في هذه الآية المباركة يشمل الكتاب العزيز والسنةالنبوية
فلا خوف على لغة العرب فإنها محفوظة بحفظ الله لها؛ نقول ذلك تفاؤلا بحمد الله.
وهنا أمر يجدر التنبيه عليه
ألا وهو اننا في المملكة العربية السعودية أو قل سكان الدول العربية الأخرى قد يتقن معاني كثيرة من لغة العرب حتى العوام يدركون هذا الأمر ويعرفونه وهذا أمر مشاهد
فالألفاظ العربية التي يتحدث بها مجتمعنا لا تخرج عن ألفاظ ومعاني اللغة العربية.
والمجتمع السعودي يتكون من مناطق عدة لها لغة تختلف عن المنطقة الأخرى [ تسمى الآن لهجة ] و قبائل مختلفة كل قبيلة لها لسان يختلف عن الأخرى.
وقد ألف العالم العلامة أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله كتابا بعنوان [ لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم]
و" الكتاب يتكلم عن اللغات الواردة في كلمات القرآن الكريم، ويعد من أقدم الكتب المؤلفة في هذا الباب ، والمؤلف يذكر السورة ثم يذكر كلمة كلمة فيها مما كانت من لغة قبيلة مشهورة، فيذكر معناها، ويقول مثلا:" رجزا " يعني العذاب بلغة طيء،" بغيا "حسدا بلغة تميم".
ومثلا في منطقة القصيم نجد تحويل الكاف في بعض الألفاظ الي قريب من نطق الزاء أو السين وهي ما يعرف ب"[ الكَسْكَسَة] وهي ظاهرة صوتية لغوية قديمة والكسكسة قلب كاف المخاطبة سينًا، أو إلحاقها سينًا. ذكرها علماء اللغة، وما زالت مسموعة في عصرنا الحاضر لا سيما في الجزيرة العربية. تنسب هذه الظاهرة إلى بكر بن وائل، وهوازن، وحي من تميم. ولها ثلاث صيغ: إلحاق الكاف.... "
وفي منطقة حائل
تنطق [الرياضيات] الي [الرياضاه]
وهذه لغة طي ولازالت باقية الي الآن في قبيلة شمر.
وأما قلب الجيم ياءً فهي لغة تميم وبني أسد يقال : الرجل والريل.
وعند التمعن في لغتنا نجد أن هنا ثمت قرب في اللفظ والمعنى بين لغة العرب الفصحى وبين اللغة العامية في الغالب.وان كان دخلها بعض الألفاظ الأعجمية ؛ فحينما نأت الي معنى التقوى فنقول في لغتنا العامية :( أتقى فلان خلف السيارة أو خلف الجبل)
ولو عرضنا معناها في لغة العرب بل وفي الشرع نجد أن المعنى واحد لايختلف
وما ذكرناه من مثال قريب من التعريف الشرعي للتقوى فنجد ان تعريفها شرعا : هو ان تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل المأمور وترك المحظور ).
وقد لاحظت ان الألفاظ العربية ومعانيها في لغتنا العربية المعاصرة جيدة في الغالب.
لكن يلاحظ بشكل كبير ومشاهد عدم الاهتمام بدراسة النحو أو إتقانه وذلك في عدم تطبيق لغة العرب الفصحى عند حديث الناس في مجتمعنا.
فكلام اغلب الناس أتى بلغة عربية ركيكة بعيدة عن القواعد العلمية لفن النحو العربي ؛ وهذا لعله ما يسبب إشكالية ويعتبرونه مرضا يجب علاجه عند المهتمين بلغتنا العربية الجميلة وهذا ما جعل بعض شعراء الضاد يرثونها أدبيا كما في قصيدة الشاعر محمد بن حافظ ابراهيم وهذه القصيدة تعتبر من عيون الشعر الفصيح فيقول رحمه الله [ سقناها كاملة لجمالها وروعتها] :
رَجَـعْـتُ لِـنَـفْـسِـي فَـاتَّـهَـمْـتُ حَصَاتِي
وَنَـادَيْـتُ قَـوْمِـي فَـاحْـتَـسَبْتُ حَيَاتِي
رَمَـوْنِـي بِـعُـقْـمٍ فِـي الـشَّـبَابِ وَلَيْتَنِي عَــقِــمْـتُ فَـلَـمْ أَجْـزَعْ لِـقَـوْلِ عُـدَاتِـي
وَلَــدْتُ وَلَــمَّــا لَــمْ أَجِــدْ لِــعَــرَائِـسِـي رِجَــــالًا وَأَكْــــفَـــاءً وَأَدْتُ بَـــنَـــاتِـــي
وَسِــعْــتُ كِــتَـابَ اللـهِ لَـفْـظًـا وَغَـايَـةً وَمَــا ضِــقْــتُ عَــنْ آيٍ بِــهِ وَعِــظَــاتِ
فَـكَـيْـفَ أَضِـيـقُ الْـيَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ وَتَــنْــسِــيــقِ أَسْــمَــاءٍ لِــمُـخْـتَـرَعَـاتِ
أَنَـا الْـبَـحْـرُ فِـي أَحْـشَـائِـهِ الـدُّرُّ كَـامِنٌ فَـهَـلْ سَـاءَلُـوا الْـغَـوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي
فَـيَـا وَيْـحَـكُـمْ أَبْـلَـى وَتَـبْلَى مَحَاسِنِي وَمِــنْــكُــمْ وَإِنْ عَــزَّ الــدَّوَاءُ أَسَــاتِــي
فَــلَا تَــكِــلُــونِــي لِلــزَّمَــانِ فَــإِنَّــنِــي أَخَــافُ عَــلَــيْـكُـمْ أَنْ تَـحِـيـنَ وَفَـاتِـي
أَرَى لِــرِجَــالِ الْــغَــرْبِ عِــزًّا وَمَــنْـعَـةً وَكَــــمْ عَـــزَّ أَقْـــوَامٌ بِـــعِـــزِّ لُـــغَـــاتِ
أَتَــوْا أَهْــلَــهُــمْ بِـالْـمُـعْـجِـزَاتِ تَـفَـنُّـنًـا فَــيَــا لَــيْــتَــكُــمْ تَـأْتُـونَ بِـالْـكَـلِـمَـاتِ
أَيُـطْـرِبُـكُـمْ مِـنْ جَـانِـبِ الْـغَـرْبِ نَاعِبٌ يُــنَــادِي بِــوَأْدِي فِــي رَبِـيـعِ حَـيَـاتِـي
وَلَـوْ تَـزْجُـرُونَ الـطَّـيْـرَ يَـوْمًـا عَـلِـمْـتُمُ بِــمَــا تَــحْــتَــهُ مِــنْ عَــثْـرَةٍ وَشَـتَـاتِ
سَـقَـى اللـهُ فِـي بَـطْنِ الْجَزِيرَةِ أَعْظُمًا يَــعِــزُّ عَــلَــيْــهَــا أَنْ تَــلِــيــنَ قَـنَـاتِـي
حَـفِـظْـنَ وِدَادِي فِـي الْـبِـلَـى وَحَفِظْتُهُ لَـــهُـــنَّ بِــقَــلْــبٍ دَائِــمِ الْــحَــسَــرَاتِ
وَفَـاخَـرْتُ أَهْلَ الْغَرْبِ وَالشَّرْقُ مُطْرِقٌ حَــيَــاءً بِــتِــلْــكَ الْأَعْـظُـمِ الـنَّـخِـرَاتِ
أَرَى كُــلَّ يَــوْمٍ بِــالْــجَــرَائِــدِ مَــزْلَــقًـا مِــنَ الْــقَــبْــرِ يُــدْنِــيـنِـي بِـغَـيْـرِ أَنَـاةِ
وَأَسْــمَـعُ لِلْـكُـتَّـابِ فِـي مِـصْـرَ ضَـجَّـةً فَــأَعْــلَــمُ أَنَّ الــصَّــائِــحِــيـنَ نُـعَـاتِـي
أَيَـهْـجُـرُنِـي قَـوْمِـي عَـفَـا اللـهُ عَـنْـهُـمُ إِلَـــى لُـــغَـــةٍ لَـــمْ تَـــتَّـــصِـــلْ بِــرُوَاةِ
سَـرَتْ لَـوْثَـةُ الْإِفْـرِنْـجِ فِـيهَا كَمَا سَرَى لُــعَــابُ الْأَفَـاعِـي فِـي مَـسِـيـلِ فُـرَاتِ
فَـجَـاءَتْ كَـثَـوْبٍ ضَـمَّ سَـبْـعِـينَ رُقْعَةً
مُـــشَــكَّــلَــةَ الْأَلْــوَانِ مُــخْــتَــلِــفَــاتِ
إِلَـى مَـعْـشَـرِ الْـكُـتَّـابِ وَالْـجَـمْعُ حَافِلٌ بَـسَـطْـتُ
رَجَـائِـي بَـعْـدَ بَـسْطِ شَكَاتِي
فَـإِمَّـا حَـيَـاةٌ تَـبْـعَـثُ
الْـمَيْتَ فِي الْبِلَى وَتُــنْـبِـتُ فِـي تِـلْـكَ الـرُّمُـوسِ رُفَـاتِـي
وَإِمَّـــا مَـــمَـــاتٌ لَا قِـــيَــامَــةَ بَــعْــدَهُ مَــمَــاتٌ
لَــعَـمْـرِي لَـمْ يُـقَـسْ بِـمَـمَـاتِ.
انتهي لفظ القصيدة رحم الله شاعرها.
واللغات الأجنبية لغات تختلف عن لغة العرب فالعربية واسعة فضفاصة إذ أن اللفظ له عدة معاني
والمعنى له عدة ألفاظ.
بخلاف اللغات الأخرى فهي جامدة وهنا وفي هذا يتبين إعجاز القرآن الكريم
فهل من مهتم في لغة القرآن الكريم
ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته النبوية
ولغة سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان الي يوم الدين.
وفقنا الله واياكم للعلم النافع والعمل الصالح والرزق الطيب الحلال وحسن الخاتمه.
والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
.............
كتبه : غازي بن عوض العرماني.