الثلاثاء، 5 ديسمبر 2023

[ شرح مسألة في توحيد الأسماء والصفات تطرق إليها الإمام محمد بن امان الجامي رحمه الله في شرحه لجزئية من متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ]




بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } أما بعد:

فإن من رحمة الله سبحانه وتعالى وفضله على عباده أن أنزل كتبه المطهرة وبعث أنبياءه ورسله الكرام عليهم الصلاة والسلام بالبراهين الواضحة  والحجج الدامغة وهم كما وصفهم الله سبحانه وتعالى :{رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}  

ومع هذا البيان الباهر والأسلوب الواضح الظاهر 

و الإتقان القاهر ؛ أنزل على  الأنبياء والرسل الكرام  المعجزات تصديقا لهم لزيادة إيمان المؤمنين وحجة على الكفرة المعاندين ؛ ومن أهل الضلال من سولت له نفسه تزيين الأعمال السيئة له فرآها حسنة وتكبر عن قبول الحق بعد وضوحه وبيانه وطعن في حملة الحق وأهله فحال هؤلاء الضلال أتى وصفها في سنة الرسول بقوله صلى الله عليه وسلم :( الكبر بطر الحق وغمط الناس). رواه مسلم رحمه الله من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. 

ومن هذه الملل الضالة الكافرة اليهود اخزاهم الله 

و ملاحدة الفلاسفة و من أتى بعدهم واقتفى أثرهم وحذى حذوهم فكان من أذنابهم مايعرف بالمعطلة الجهمية وهم فرق متنوعة 

تيارات فكرية مختلفة

وفساد معتقدهم ظاهر لتقديمهم عقلهم المنحرف على كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. 

علما بأن بطلان قولهم ثابت في الكتاب العزيز والسنةالنبوية

 وإجماع المسلمين ؛ 

والعقل الصريح يؤيد النقل الصحيح  مع سلامة الفطر التي فطر الله الناس عليها فإنها مع الحق  فلله الحمد والمنة. 

والمعطلة الجهمية تشربتها فكريا جماعة الإخوان الخوارج فأتفقوا على حرب السنة وهدي السلف الصالح و اشتهروا على أنهم من الدعاة الإسلاميين 

وهم حرب على أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح ومن أشهر دعاتهم محمد راتب النابلسي وسعيد الكملي و محمد حسن الددو وغيرهم كثير كفى الله المسلمين شرهم. 

و شرح الإمام محمد بن امان الجامي رحمه الله

متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فمن ضمن فقرات شرحه للعقيدة الواسطية 

يتساءل الإمام محمد بن أمان الجامي رحمه الله قائلا : " لماذا قال لا يقاس الخالق بالمخلوق ؟ " 

وفي رسالتنا هذه أحببنا إضافة بعض الايضاح مع وضوح كلام الشارح رحمه الله تعالى فنقول وبالله التوفيق وهو المستعان وعليه التكلان :

الجواب :

عندما يثبت أهل الإسلام الصحيح وهم أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح أسماء الله الحسنى ويثبتون صفات الله العلياء 

التي أتى إثباتها في كلام الله سبحانه وتعالى وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى 

من غير تمثيل ولا تحريف ولا تشبيه باطل ولاتأويل ولاتعطيل فيثبتون المعنى ويوفضون الكيف امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى في قوله عز وجل :{ ليس كمثله شئ وهو السميع البصير } . 

فبسبب ضلال وانحراف مع قلة تقوى وإيمان أهل الباطل من المعطلة الجهمية أتت شبهاتهم على أهل الإسلام الصحيح أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح والتي منها قولهم : ان هذه  الصفات مثلها صفات المخلوق ؛ فإذا أثبتناها أثبتنا مخلوقا. 

و لو تدبروا معنى  كلام الله سبحانه وتعالى وفق هدي سلفنا الصالح لعلموا انه :{ ليس كمثله شئ } ؛ لهذا قال علماء السنة اتباع السلف الصالح :" لا يقاس الخالق سبحانه وتعالى بالمخلوق". 

و " لا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى ". 

فمع دلالة نصوص الوحيين وثبتت دلالة الخبر قطعيا - في الكتاب العزيز والسنةالنبوية - على إثبات هذه الأسماء الحسنى والصفات الجليلة لله سبحانه وتعالى فإنه مع هذه الأدلة النقلية التي تؤيدها الحجج العقلية. 

إذ أن هذا أمر واقع ومشاهد فإن البشر مع قرب تشابهم في الخلق إلا أنه يشاهد اختلاف في اللون وفي القوة والضعف وفي الصحة والمرض وفي الطول والقصر وهذا فيها شعر وهذه بلا شعر ولوذهبنا نحصي الإختلاف بين خلق وصفات بني آدم وهم أبناء رجل واحد وأمرأة واحدة عليهما الصلاة والسلام لطال الأمر. 

ثم هل صفات الإنسان مثل صفات الحيوان؟ 

وهل صفات الطيور مثل صفات الحيوان أو هل هي تتماثل مع بعضها ؟ الإختلاف واضح والفرق شاسع والبون واسع.

فكيف بصفات ربنا عز وجل التي لا يعلم كنهها ولاصفتها الا هو سبحانه وتعالى:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة[ طه  : ١١٠] :" ولا يحيط خلقه به علما. ومعنى الكلام: أنه محيط بعباده علما، ولا يحيط عباده به". قال الإمام ابن كثير رحمه الله :" كقوله : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )". [ البقرة : ٢٥٥ ] .

وصفات الجنة التي هي جزاء لأهل الإيمان والتقوى من المسلمين فضلا من الله ورحمة لا يعلم صفات هذه الجنان إلا الله سبحانه وتعالى قال الله تعالى وتقدس :{ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } وفي الآيات الأخرى يقول سبحانه وتعالى :{ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ. بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ. لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ. وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} 

فنعرف معنى الفاكهة والنخل والرمان والاكواب والاباريق والكأس ولحم الطير ونحوها لكن مع نفى مماثلة مافي الدنيا مما في الجنة لأننا نجهل صفاتها فلانعرف شيئا عنها إلا الأسماء الواردة في نصوص الوحيين فقط فنعرف معنى الاسم وأما ادراك  الكيفية فلا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى وهذا في صفة خلق من خلقه وهي الجنة فكيف بصفات الله تبارك وتعالى. 

جعلنا الله وإياكم من أهلها ومن أهل الفردوس الأعلى من الجنة يدل على صحة قولنا هذه ما ثبت في صحيح البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) . قال أبو هريرة رضي الله عنه : فاقرءوا إن شئتم : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} .

وقد ثبت عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما قوله  : [ ليسَ في الجنَّةِ شيءٌ مِمَّا في الدُّنيا إلَّا الأسماء ]. صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب رقم ( ٣٧٦٩ ).

ويظهر شبهة المعطلة الجهمية تبين تأثرهم الواضح في ملاحدة الفلاسفة حينما نفوا عن الإله الصفات فهم يعبدون الها مجردا عن الصفات. 

مع تكذيبهم لخبر الله تبارك وتعالى وتكذيب لخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وكان عليهم الإيمان والتسليم بما جاء في نصوص الوحيين و ذلك

إنه يعلم ذات الله تبارك وتعالى أو صفاته الا هو كما في كثير من آيات الله الشرعية ومنها الآيات التي ذكرناها سابقا ومثل ذلك حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( ما أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حَزَنٌ فقال اللهمَّ إني عبدُك ابنُ عبدِك ابنُ أمَتِك ناصيَتي بيدِك ماضٍ فيَّ حُكمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أوْ علَّمْتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو أنزلته في كتابِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حُزني وذهابَ هَمِّي إلا أذهب اللهُ همَّه وحُزْنَه وأبدله مكانه فَرَجًا) قال : فقيل : يا رسولَ اللهِ ألا نتعلمُها فقال : (بلى ينبغي لِمَنْ سمِعها أنْ يتعلمها)

رواه أحمد وابن حبان رحمهما الله تعالى وصححه الإمام الألباني رحمه الله.

والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم :( أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أوْ علَّمْتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو أنزلته في كتابِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندك). 

فأسماء الحسنى لا تحصى وصفات الله لا تعد لكن منها ماأتي في القرآن الكريم أو أتى في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها ماأستأثر الله بعلمه فالبشر لا يستقلون بمعرفة ربهم وخالقهم على جهة التفصيل الا بوحي من الله سبحانه وتعالى الي رسله المبعوثة رحمة للعالمين مبشرة بالجنة لمن أطاع الله وأطاع رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام ولأجل هذا ارسل الرسل عليهم الصلاة والسلام وانزل عليهم الكتب المطهرةوهذا يوافق العقول الصحيحة  والفطر السليمة ويؤيدها ولا يرد ذلك الا كل ضال منحرف.

والمخلوق قدرته حادثة ومحدودة وخلقه حادث ومحدود؛ لأن المخلوق وجد بعد أن لم يكن موجودا

فهو مخلوق حادث

وقدرته حادثه

 فذات المخلوق حادثة وصفاته حادثه 

 وذاته وصفاته محدودة ضعيفة قال الله تعالى وتقدس في بيان صفة خلق الإنسان وضعفه :{ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}{ وهنا على وهن} { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه. قال من يحيى العظيم وهي رميم} {خلق من دافق يخرج من بين الصلب والترائب} {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى}. 

وأما ذات الله المقدسة وصفاته العلية فهو كما وصف نفسه سبحانه وتعالى :{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

ومن صفات الخالق ما ثبت وصفه العليه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح الإمام مسلم رحمه مرفوعاً  وفيه يقول  الرسول صلى الله عليه وسلم :( رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيءٍ، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ كُلِّ شَيءٍ أَنْتَ آخِذٌ بنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شَيءٌ ).

والآيات والأحاديث في إثبات ذات الله وصفاته كثيرة متواترة ذكر طرفا منها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية. 

وإثبات إله مجرد من الصفات هو إثبات للعدم 

إذ أن إثبات الذات يلزم منه إثبات الصفات إذ إنها من الذات .

نسأل الله الحي القيوم ذا الجلال والإكرام أن يمن علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات والهدى والتقى والعفاف والغنى 

وأن يرزقنا وإياكم الاستقامة والعلم النافع والرزق الطيب والعمل الصالح والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. 

°°°°°°°°°°°

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه  : غازي بن عوض العرماني.