الثلاثاء، 19 ديسمبر 2023

[ إيضاح مسألة في توحيد الأسماء والصفات ]


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً

أما بعد

فقد حدثت إشكالية عند مجموعة من طلاب العلم في مسألة مختصة في قواعد ومنهج أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في توحيد الأسماء والصفات

 هذه الإشكالية صورتها مايلي   :

 أحد العلماء قال  :

 " أما ما لم يدل على نفيه ولا على إثباته دليل بوجه من الوجوه ، لا بالنص ولا بطريق التضمن ولا بطريق اللزوم ، فإنه يجب التوقف فيه". 

ثم وضح معنى التوقف الذي أوجبه بغير دليل بقوله :

 " ومن الأمثلة في هذا: [ الأُذُن ] لله - تعالى - : فهذه مما يجب التوقف فيها، فلا تنفى ولا تثبت ، لأنه ليس عندنا ما يدل على إثباتها نصًا ولا لزومًا ولا تضمنًا ".

انتهى كلامه عفا الله عنا وعنه. 

فنقول في إجابة لهذه الإشكالية  سائلين الله السداد و التوفيق في الإجابة والله المستعان ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم :

ان كلام هذا الشيخ فيه إيهام يحتاج إيضاح ولعل هذا الايضاح يحتاج إلى عدة  نقاط مهمة حسب رأيي المتواضع منها  :


           (   أولا  ) 

عبارة  :" يتوقف فيه فلا نثبت ولاننفي".

فهل إسم أو صفة لله سبحانه وتعالى قال بها رجل في هذا العصر وكانت غير مذكورة في الكتاب والسنة نتبع هذه الطريقة فيتوقف فيها.  

هذا أمر عجب ؛ فقد انقطع الوحي بوفاة الرسول محمد بن عبدالله  صلى  الله عليه وسلم. 


          (  ثانيا  ) 

 عند الرجوع إلى كلام الله سبحانه وتعالى الموجود بين أيدينا وهو القرآن الكريم أو عند الرجوع كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وهي سنته صلى الله عليه وسلم المدونة   فهاهو كلام الله سبحانه وتعالى وهاهو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوجد فيهما هذا اللفظ أو قل هذه الصفة .

فهل يسري مفعول التوقف هكذا بلا دليل. 

ثم  ان هذا اللفظ لو كان موجودا  لتعين علينا وجوبا إثبات هذه الصفة ولا نتوقف في إثباتها ؛ فالتوقف والحال ماذكر هو عين أو قريب من كلام المعطلة الجهمية. 


          (  ثالثا ) 

ان ايضاحنا لهذه المسألة جرى بعد الرجوع إلى  قواعد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في إثبات اسماء الله وصفاته أو نفيها والمتبع فيها أدلة الكتاب العزيز والسنةالنبوية وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في إثبات توحيد الأسماء والصفات

لاخلاف بينهم في ذلك

بل هو إجماع على صحة الأمر ولهذا نصوا على العمل بهذه القاعدة قائلين  :" لا يجوزُ تسميةُ اللهِ تعالى أو وَصْفُه بما لم يأتِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ، وقد قال اللهُ تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٣٣] ، وقال: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: ٣٦]"[ من تقريب التدمرية].


            ( رابعا ) 

القول بهذا القول والعمل بهذه الطريقة ثمرته حصول إيهام واضطراب عند طلاب العلم كما هو في مسألتنا هذه. 

 ومن ذلك نسف قواعد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في توحيد الأسماء والصفات.


            (  خامسا ) 

 ان عبارة :" عدم نفيها أو إثباتها " ؛ قول بلا دليل ويضاد قواعد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في طريقتهم في إثبات توحيد الأسماء والصفات بل ويضادها. 


           (  سادسا ) 


هل يوجد دليل ثابت صحيح من كلام الله سبحانه وتعالى أو من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم على يدل على صحة إثبات صفة الأذن لله سبحانه وتعالى  ؟ 

فإذا لم يوجد هذا الدليل فهل يقال بجواز  العمل بهذه الطريقة التي ذكرتها ؟

خاصة ان معلوم ان أسماء الله الحسنى وصفاته العلا توقيفية ؛ لا مجال للإجتهاد والرأي والقياسات العقلية في إحداث اسم أو صفة لله سبحانه وتعالى إذ أن ذلك وقف على الكتاب العزيز والسنةالنبوية . 


         (  سابعا ) 


 الواقع المشاهد أنه لا دليل يدل  على صحة هذه الطريقة وهل قال بها احد من السلف الصالح ؟ 


         (   ثامنا ) 

ان السؤال بهذه الصيغة   :" هل نفى الله عن نفسه الأذن؟

الجواب : لا". 

يقابله سؤال ضده وهو 

 :" فهل أثبت الله لنفسه هذه الصفة ؟ 

الجواب : لا. 


وهل  هذه الطريقة حجة للتوقف في إثبات أو نفى  اي اسم أو صفة لله سبحانه وتعالى ؟ 

الجواب :

لا  ؛  لأن الحجة ماأتي في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فأسماء الله وصفاته توقيفية مصدرها الكتاب والسنة. 


         (   تاسعا  ) 

 سيتخذ هذه الطريقة أي محدث أو مخترع أو ملحد في أسماء الله الحسنى وصفاته من المبتدعة الضالين  بهذه الشبهة 

وذلك في تجويز الأسماء والصفات العقلية المخترعة التي يريدون مضاهاة الوحي بها  وهذا هو عين الإلحاد في أسماء الله الحسنى وصفاته. 


          (  عاشرا ) 

ثم سيترتب على الاحتجاج بها في النيل من القواعد العلمية لمعتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح وهكذا الحال  بالشبهة الأخرى وهي :

" كل مايتعلق بأسماء الله وصفاته ؛ لا يجوز نفيه أو إثباته الا بدليل ".

بعدم نفيها أو إحداثها

وفي هذه الطريقة نسف وهدم وتمييع للقواعد العلمية لمعتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في توحيد الأسماء والصفات وهي ان أسماء الله وصفاته الحسنى توقيفية وذلك في إحداث طريقة وسط بين معتقد أهل الإسلام الصحيح أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح وبين معتقد أهل البدع والأهواء

و لا شك في بطلان هذه الطريقة. 


       (  الحادي عشر ) 

ثم إن هنا طريقة اخرى فيها زيادة إيضاح لهذه المسألة ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم رحمهما الله تعالى في حديث شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف يوم القيامة من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم  :( فأسْتَأْذِنُ علَى رَبِّي، فيُؤْذَنُ لِي، ويُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أحْمَدُهُ بهَا لا تَحْضُرُنِي الآنَ، فأحْمَدُهُ بتِلْكَ المَحَامِدِ، وأَخِرُّ له سَاجِدًا، فيَقولُ: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ ).

وحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم  : (.... أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك ، أو أنزلتَه في كتابِك ، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك ، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ، و نورَ صدري ، و جلاءَ حزني ، و ذَهابَ همِّي...... الحديث ). أخرجه الإمام أحمد وابن حبان رحمهما الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة حديث رقم ( ١٩٩ ). 

ووجه الاستدلال  في الحديثين السابقين ؛ إثبات أن لله سبحانه وتعالى أسماء وصفات لا تحصر بعدد وهذا ما ندين الله به ونعتقده عملا بهذه الأحاديث الصحيحة . فهل  يصح الاستدلال بها على جواز التوقف في منع أي إسم أو صفة لله سبحانه وتعالى عند إحداثها

 وتكون سببا لنشر الأسماء والصفات المخترعة المبتدعة التي يقول بها أهل الأهواء والبدع

 ام نقول كما هو معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح بأنه :" لا يجوزُ تسميةُ اللهِ تعالى أو وَصْفُه بما لم يأتِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ، وقد قال اللهُ تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٣٣] ، وقال: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: ٣٦]"[ من تقريب التدمرية].وقد أعدنا ذكرها 

للإيضاح. 


         (  الثاني عشر ) 

هنا فائدة علمية نحاول التنبيه عليها فنقول :

 في هذه المسألة أو في ما يماثلها هل يقال: ان التوقف هو طريقة في منع أو تجويز الأمر  في آن واحد  ؛ فإذا كان مراد من أطلق  التوقف هو المنع فهذا  القول هو القول الصحيح الموافق لأدلة الكتاب العزيز والسنةالنبوية. 

واذا كان مراد من أطلقه هو التوقف بأنه تجويز مشروط بإثبات نص  الوحي  الدال  على صحة نسبة هذا الإسم او هذه الصفة  الي الله سبحانه وتعالى ؛ فهذا القول الآخر هو قول صحيح موافق لأدلة الكتاب العزيز والسنةالنبوية. 

والصحيح :

الذي يظهر لي ان البيان والايضاح وترك الإجمال هو طريقة شرعية عليها معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح فيثبتون لله سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه  وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم وينفون عنه مانفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم 

وإثبات الأسماء والصفات الواردة في الكتاب العزير والسنة النبوية يكون ما يليق بالله العلي العظيم من غير تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تأويل باطل 

فالمعنى معقول والكيف مجهول. 

والحذر من أساليب وطرق فيها ينال من الحق وأهله َويؤيد فيها الباطل وأهله فلاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم استغفر الله الحي القيوم ذا الجلال والإكرام وأتوب إليه{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 

رزقنا الله وإياكم رؤية الله سبحانه وتعالى في الفردوس الأعلى من الجنه.

ووهب لنا ولكم واسع رزقه وفضله ورحمته وجوده و إحسانه والعلم النافع والعمل الصالح والرزق الحلال الطيب وحسن الخاتمه.

والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

°°°°°°°°°°°°°°°

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه  : غازي بن عوض العرماني.