بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فالله ربنا سبحانه وتعالى يفعل مايشاء في خلقه : {ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلاَ هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ، وَلاَ مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، وَرَحْمَتِكَ، وَفَضْلِكَ، وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنَا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزِيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ ).[ خرجه الامام أحمد رحمه الله تعالى والحاكم رحمه الله تعالى والنسائي رحمه الله تعالى في الكبرى والبزار رحمه الله تعالى والبخاري رحمه الله تعالى في الأدب المفرد وأبو نعيم رحمه الله تعالى في معرفة الصحابة وصححه الامام الألباني رحمه الله تعالى في تخريج فقه السنة ( ٢٨٤ )
وفي صحيح الأدب المفرد حديث رقم ( ٥٣٨ )وهذا التخريج استفدته من احد الإخوة طلاب العلم ]
فأفعال الله سبحانه وتعالى دائرة بين الفضل والرحمة وبين الحكمة والعدل ؛ فيهدي ويوفق الله سبحانه وتعالى من يشاء إلى صراطه المستقيم فضلا ورحمة .
ويضل من يشاء عنه عدلا وحكمة ؛ قال الله تعالى:{ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }
"الهداية بيده -جل وعلا- يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ليست بيد العبد، العبد ليس بيده إلا دعاء الله، والضراعة إليه، والعمل بطاعته، والجد في الطاعة، والله الموفق، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، له الحكمة البالغة سبحانه وتعالى.
ولكن العبد يسأل ربه الهداية، كما قال -جل وعلا- في سورة الفاتحة: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }والله يقول -جل وعلا-: ( كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم )هكذا جاء في الحديث الصحيح القدسي، فالمؤمن، والعبد يسأل ربه الهداية، والتوفيق، والصلاح، ويحرص على أسباب الخير، ويصحب الأخيار.. هكذا، ويسأل ربه الهداية، ربنا هو الذي يهدي من يشاء "وقوله تعالى : { فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } أي : بعد البيان وإقامة الحجة عليهم يضل تعالى من يشاء عن وجه الهدى ، ويهدي من يشاء إلى الحق ، { وهو العزيز } الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، { الحكيم } في أفعاله ، فيضل من يستحق الإضلال " عدلا وحكمة "، ويهدي من هو أهل لذلك " فضلا ورحمة ".
فالدعاء سلاح المؤمن قال الله تعالى وتقدس" :{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } أي : لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم ، ودينك القويم { وهب لنا من لدنك } أي : من عندك { رحمة }تثبت بها قلوبنا ، وتجمع بها شملنا ، وتزيدنا بها إيمانا وإيقانا { إنك أنت الوهاب }
قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي - وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب - قالا جميعا : حدثنا وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ، رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )ثم قرأ : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } رواه ابن مردويه من طريق محمد بن بكار ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ، وهي أسماء بنت يزيد بن السكن ، سمعها تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه : ( اللهم مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك ) قالت : قلت : يا رسول الله ، وإن القلب ليتقلب ؟ قال : ( نعم ، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع الله عز وجل ، فإن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه ) . فنسأل الله ربنا ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة ، إنه هو الوهاب ".
"وقد روى أبو داود والنسائي وابن مردويه ، من حديث أبي عبد الرحمن المقرئ - زاد النسائي وابن حبان : وعبد الله بن وهب ، كلاهما عن سعيد بن أبي أيوب حدثني عبد الله بن الوليد التجيبي ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال : ( لا إله إلا أنت سبحانك ، اللهم إني أستغفرك لذنبي ، وأسألك رحمة ، اللهم زدني علما ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ).لفظ ابن مردويه ".[ من الامام ابن كثير رحمه الله تعالى بتصرف يسير ].
قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى في قوله سبحانه وتعالى :"
{. .له الخلق والأمر }له الخلق لأنه خلقهم وله الأمر ، يأمر في خلقه بما يشاء . قال سفيان بن عيينة [ رحمه الله تعالى]: فرق الله بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فقد كفر " .
قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى:" { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } أي: له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها، أعيانها وأوصافها وأفعالها والأمر المتضمن للشرائع والنبوات، فالخلق: يتضمن أحكامه الكونية القدرية، والأمر: يتضمن أحكامه الدينية الشرعية، وثم أحكام الجزاء، وذلك يكون في دار البقاء، { تَبَارَكَ اللَّهُ } أي: عظم وتعالى وكثر خيره وإحسانه، فتبارك في نفسه لعظمة أوصافه وكمالها، وبارك في غيره بإحلال الخير الجزيل والبر الكثير، فكل بركة في الكون، فمن آثار رحمته، ولهذا قال: فـ { تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } ولما ذكر من عظمته وجلاله ما يدل ذوي الألباب على أنه وحده، المعبود المقصود في الحوائج كلها أمر بما يترتب على ذلك، فقال: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }".
واصحاب المذاهب الضالة الباطله يقولون :" الخلق والأمر معناهما واحد ".
ليتسنى لهم القول بنفي الأسماء والصفات ومن ذلك منع كلام الله سبحانه وتعالى ومن ثم ظهرت فتنتهم وهي القول بخلق القرآن .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية :"
ولقد أتى الفرقان بين الخلق وال ... أمر الصريح وذاك في الفرقان
وكلاهما عند المنازع واحد ... والكل خلق ما هنا شيئان
والعطف عندهم كعطف الفرد من ... نوع عليه وذاك في القرآن
فيقال هذا ذو امتناع ظاهر ... في آية التفريق ذو تبيان
فالله بعد الخلق أخبر أنها ... قد سخرت بالأمر للجريان
وأبان عن تسخيرها سبحانه ... بالأمر بعد الخلق بالتبيان
والأمر إما مصدر أو كان مفعـ ... ـولا هما في ذاك مستويان
مأموره هو قابل للأمر ... كالمصنوع قابل صنعة الرحمن
فإذا انتفى الأمر انتفى المأمور ... كالمخلوق ينفى لانتفا الحدثان
وانظر إلى نظم السياق تجد به ... سرا عجيبا واضح البرهان
ذكر الخصوص وبعده متقدما ... والوصف والتعميم في ذا الثاني
فأتى بنوعي خلقه وبأمره ... فعلا ووصفا موجزا ببيان
فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآن ".
فالله سبحانه وتعالى رحمة منه وفضلا انزل سورة الفاتحة تقرا في كل ركعة من كل صلاة وفيها :{ إياك نعبد وإياك نستعين}
ليدعو العباد الله
ويذكرهم بدعائه سبحانه وتعالى كل ذلك فضلا منه ورحمة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
والعبادة والاستعانة من أنواع توحيد الألوهية الذي لا يصرف إلا لله عز وجل.
فنعم الله علينا كثيرة لا تعد ولاتحصى.{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}
( يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك ).
( اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ).
والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
••••••••••••
كتبه : غازي بن عوض العرماني .