الثلاثاء، 23 يوليو 2024

( الفائدة العلمية الثالثة )


ذكر الحافظ ابن كثير رحمه اللهُ تعالى في كتابه [البداية والنهاية ] في حوادث  ٧٠٥ هـ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قد سجن مظلوما بسبب مسائل علمية هو مصيب فيها لأن معه أدلة الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة وإجماع السلف الصالح وهي في مسألة العرش، ومسألة الكلام، ومسألة النزول.

فعندما أخرجوا من السجن دعا أخوه عبد الله الملقب بالشرف على من تسبب في حبسه ظلماً وعدواناً، فمنعه شيخ الإسلام، وقال له: بل قل: اللهم هب لهم نوراً يهتدون به إلى الحق.

وفي هذه القصة فوائد علمية 

فهذا الخلق الطيب وحسن الخلق من الإمام ابن تيميه رحمه اللهُ تعالى تدل على رسوخه في العلم وإمامته وفضله ورحمته في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وشفقته عليهم وهذا منه اتباع لطريقة الانبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام في رحمتهم وشفقتهم على الناس فحينما أتى ملك الجبال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم في ان يطبق على أهل الطايف الأخشبين وذلك بعد أذيةتهم له قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:( بل أدعو الله ان يخرج من أصلابهم من يعبد الله)

وصاحب ياسين قال بعد ان قتله قومه وخرج قصبه مع دبره :{ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }.

قال قتادة رحمه اللهُ تعالى : " لا تلقى المؤمن إلا ناصحا ، لا تلقاه غاشا ..".

وفي قوله تعالى وتقدس :{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.

قال الإمام السعدي رحمه اللهُ تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة:" وهذا من نصحه عليه الصلاة والسلام وشفقته عليهم، حيث خاف عليهم العذاب الأبدي، والشقاء السرمدي، كإخوانه من المرسلين الذين يشفقون على الخلق أعظم من شفقة آبائهم وأمهاتهم، فلما قال لهم هذه المقالة، ردوا عليه أقبح رد ".

وأما نهج وخلق أهل البدعة والضلالة وجماعات الضلال فمبنية على سوء الخلق ورديئه وعلى العنف والغلظة والشدة 

لهذا وصف الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم الأمين صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم}

وفي حديث أم المؤمنين عائشة الطاهرة المبرأة رضي الله عنها وعن والدها قالت :( لم يَكُن فاحِشًا ولا مُتفَحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواقِ ، ولا يَجزي بالسَّيِّئةِ السَّيِّئةَ ، ولَكِن يَعفو ويَصفَحُ ).

رواه الترمذي رحمه اللهُ تعالى في سننه وصححه الإمام الألباني رحمه اللهُ تعالى في صحيح الترمذي .

وفي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كُنْتُ أمْشِي مع رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ برِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ أثَّرَتْ بهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِن شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ له بعَطَاءٍ.

وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: كأَنِّي أَنظُرُ إِلَى رسولِ اللَّه ﷺ يَحْكِي نَبِيًّا مِن الأَنْبياءِ صلوَاتُ اللَّهِ وَسلامُه عَلَيهم ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدْمَوهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجهِهِ ويقول: ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَومي فَإِنَّهُم لا يَعْلَمُونَ ).متفقٌ عليه.

وعن أبي هريرة  رضي اللهُ عنه قال : أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: ( لَيس الشَّديدُ بِالصُّرعَةِ، إِنَّما الشَّديدُ الَّذِي يَملِكُ نفسَهُ عِندَ الغضبِ متفقٌ عليه)

و"  من أسباب هداية البشر: الصفح، والعفو، والإعراض عن الجاهلين، والحلم من أسباب توفيق الله للعبد، ومن أسباب رضا الله عنه، ومن أسباب هداية الآخرين على يديه، كما قال الله جلَّ وعلا: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. [الأعراف:١٩٩]، وقال جلَّ وعلا في كتابه العظيم: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}. [آل عمران:١٥٩]."

رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح والحلم وحسن الخلق وحسن الخاتمة .