السبت، 15 يونيو 2024

[ الجمع بين اخبار شرعية ثابتة في الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة ]


بسم الله الرحمن الرحيم 






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 


أما بعد 


فقد ورد من أحد طلاب العلم استفسارا عن كيفية الجمع بين قول الله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ }


وفي معنى الاية قوله صلى الله عليه وسلم :( هل تدرى أينَ تغربُ هذِهِ؟ قلتُ: اللَّهُ ورسولُهُ أعلم. قالَ: فإنَّها تغربُ في عينِ حاميةٍ ).رواه أبو ذر رضي الله عنه وهو في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود رحمهما الله تعالى وصححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن أبي داود رحمه الله تعالى حديث رقم ( ٤٠٠٢ ).


وكيف تجمع الاية والحديث مع حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: ( أتدري أين تذهب؟)


قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ( فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يُؤْذَن لها يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}) .[سورة يس: الآية ٣٨].


متفق عليه.


والجمع سهل يسير فلا بينهما تعارض فقول الله تعالى في ذكره سبحانه وتعالى لأمر ذي القرنين عليه الصلاة والسلام : {وجدها تغرب في عين حمئة } فقد بين اهل العلم السني السلفي ومنهم أئمة التفسير مثل الإمام ابن كثير رحمه في تفسيره لهذه الآية الكريمة حيث قال :" أي : رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط ، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله ، يراها كأنها تغرب فيه ، وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه ".وهذا المعنى ساقه الامام السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة حيث قال:"رأى الشمس في مرأى العين، كأنها تغرب في عين حمئة، أي: سوداء، وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس الغربي ماء، رآها تغرب في نفس الماء وإن كانت في غاية الارتفاع".


فلا تعارض بينهم فالآية الكريمة والحديث النبوي واضح معناهما كما بين ذلك أئمة السلف الصالح في تفسيرهم كما مضى لقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ }


وأما سجود الشمس تحت العرش لله سبحانه وتعالى 


فقد فسر :"الرسول ﷺ لأبي ذر رضي الله عنه، وهو قوله: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }ذكر النبي ﷺ لأبي ذر، قال: ( يا أبا ذر، أتدري ما مستقرها؟ ).


فقال أبو ذر: الله ورسوله أعلم، قال ﷺ: مستقرها أنها تسجد تحت عرش ربها عز وجل ذاهبة وآيبة بأمره سبحانه وتعالى سجودًا الله أعلم بكيفيته سبحانه وتعالى.


وهذه المخلوقات كلها تسجد لله وتسبح له جل وعلا تسبيحا وسجودا يعلمه سبحانه، وإن كنا لا نعلمه ولا نفقهه كما قال :{ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}. [سورة الإسراء: الآية ٤٤ ].


وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ }الآية [سورة الحج: الآية ١٨ ] هذا السجود يليق به لا يعلم كيفيته إلا الله سبحانه، ومن هذا قوله تعالى في سورة الرعد: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}.[سورة الرعد: الآية ١٥ ].


 فالشمس تجري كما أمرها الله تطلع من المشرق وتغيب من المغرب إلى آخر الزمان، فإذا قرب قيام الساعة طلعت من مغربها، وذلك من أشراط الساعة العظمى كما تواترت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ، فإذا انتهى هذا العالم وقامت القيامة كورت كما قال تعالى: { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }.[سورة التكوير: الآية ١ ]فتكور ويذهب نورها وتطرح هي والقمر في جهنم؛ لأنهما قد ذهبت الحاجة إليهما بزوال هذه الدنيا.


والمقصود: أنها تجري لمستقر لها ذاهبة وآيبة، ومستقرها سجودها تحت العرش في سيرها طالعة وغاربة كما تقدم ذكر ذلك في الحديث الصحيح، ذلك بتقدير العزيز العليم، وهو الذي قدر عز وجل لها ذلك.


العزيز، ومعناه: المنيع الجناب الغالب لكل شيء، العليم: بأحوال خلقه سبحانه وتعالى. والله ولي التوفيق ".من كلام الإمام ابن باز رحمه الله تعالى.


[مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ( ٨ / ٢٩٤ )].


والله أعلم وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.


٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠


كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني .