بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}أما بعد:
فإن الصحيح الذي عليه جمهور العلماء انه يصام أيام عشر ذي الحجه ؛ امتثالا لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ )، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ( وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ (رواه البخاري رحمه الله وغيره من اهل السنن و" الصيام من الأعمال الصالحة التي يشرع فعلها في هذه الأيام الفاضلة تَقَدَّمَت أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الْعُمُومِ , وَالصَّوْمُ مُنْدَرِجٌ تَحْتِهَا ".[ نيل الأوطار ( ٤ / ٢٨٣ )].
وقد ثبت في صحيح مسلم رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر ).
وثبت خلاف أثر عائشة رضي الله عنها ما روته هنيدة بن خالد رحمها الله عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر ).رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي رحمهم الله وصححه الامام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود رحمه الله تعالى.
ولأهل العلم قول قوي فيه استحباب الصيام أيام عشر ذي الحجة لمرجحات علمية منها :
( المرجح الأول )
" مُتَأَوِّلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكُونُ عِنْدَهَا فِي يَوْمٍ مِنْ تِسْعَةِ أَيَّامٍ؛ وَالْبَاقِي عِنْدَ بَاقِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهن، أَوْ لَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَكُلَّهُ فِي بَعْضِهَا , وَيَتْرُكُهُ فِي بَعْضِهَا لِعَارِضِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ".وهذا اختيار الحافظ النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب ( ٦ / ٤٤١ ).
( المرجح الثاني )
" أحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ"قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ( ٢ / ٤٦٠ ).
(المرجح الثالث )
"قال الإمام أحمد رحمه الله في التعارض بين هذين الحديثين: إن المثبت مقدم على النافي." [ الشرح الممتع( ٦ / ١٥٤ )].
( المرجح الرابع )
القاعدة الشرعية تنص على ان :( القول مقدم على الفعل ).
وذلك ان حديث ابن عباس رضي الله عنهما من القول، وحديث عائشة رضي الله عنها من الفعل ؛ فيقدم القول لإحتمال خصوصية الفعل، أو لحصول عذر . وغير ذلك
فالذي دلت عليه الأدلة فضيلة صيام عشر ذي الحجة
وقد ورد للإمام ابن باز رحمه الله سؤال هذا نصه :
" ما رأي سماحتكم في رأي من يقول: صيام عشر ذي الحجة بدعة؟ ".
وهذا جواب الإمام ابن باز رحمه الله تعالى:
" هذا جاهل يُعلَّم، فالرسول ﷺ حض على العمل الصالح فيها، والصيام من العمل الصالح لقول النبي ﷺ: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر). قالوا: يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ( ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري في الصحيح.
ولو كان النبي ﷺ ما صام هذه الأيام، فقد روي عنه ﷺ أنه صامها، وروي عنه أنه لم يصمها؛ لكن العمدة على القول، القول أعظم من الفعل، وإذا اجتمع القول والفعل كان آكد للسنة؛ فالقول يعتبر لوحده، والفعل لوحده، والتقرير وحده، فإذا قال النبي ﷺ قولًا أو عملًا أو أقر فعلًا كله سنة، لكن القول هو أعظمها وأقواها، ثم الفعل، ثم التقرير، والنبي ﷺ قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام )يعني العشر.
فإذا صامها أو تصدق فيها فهو على خير عظيم، وهكذا يشرع فيها التكبير والتحميد والتهليل؛ لقوله ﷺ: ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ).
وفق الله الجميع".
انتهى كلامه رحمه الله تعالى [ مجموع فتاوى الإمام ابن باز رحمه الله تعالى ( ١٥ / ٤١٨ )].
والله اعلم وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
…………..
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني .