بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ
سلمك الله
هنا مئة رجل دفع كل واحد منهم قرابة ٢٥٠ ريالا في مسابقة
فأصبح المبلغ قدره ٢٥ الف ريالا . والفائز رجل واحد من هؤلاء العدد.
فهل هذا العمل يصح ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فنقول جوابا لهذا السؤال بعد طلبنا التوفيق والسداد والإعانة من الله فلا حول ولاقوةالابالله :
إذا كان الأمر المتسابق عليه والذي تم الرهان عليه مشروعا في دين الإسلام وفيه منفعة للمسلم في بدنه معينا له على طاعة الله سبحانه وتعالى
فيباح للإدلة التالية :
( أولا )
حديث ركانة رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صارعه وكان شديداً، فقال: شاة بشاة، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، ورد عليه غنمه . رواه أبو داود والترمذي والبيهقي رحمهم الله
وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود رحمه الله .
( ثانيا )
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت قريش لأبي بكر رضي الله : زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارساً في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟. قال: بلى، فارتهن أبوبكر والمشركون، وتواضعوا على الرهان. رواه الترمذي رحمه الله وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي رحمه الله.
( ثالثا )
من قال بالمنع جمع من أهل العلم والأدلة التي اعتمدوا عليها في صحتها نظر ولا تقابل قوة ادلة هذا القول وصحتها وقول المانع بالنسخ قول كذلك فيه نظر ؛ لعدم وجود ما ينسخ هذه الإدلة أو يبطلها .
( رابعا )
احتج من قال بجواز هذا القول بالإجماع وإلى هذا القول مال الإمام ابن القيم رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: " وما علمت بين الصحابة خلافاً في عدم اشتراط المحلل، فإن الصحابة لا يحفظ عن أحد منهم قط أنه اشترط المحلل، أو راهن به، مع كثرة تناضلهم ورهانهم، بل المحفوظ عنهم خلافه " [ مجموع الفتاوى( ١٨ / ٦٤ )]
وانتصر لهذا القول ابن القيم رحمه الله في كتابه الفروسية وبسط القول فيها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومحلل السباق لا أصل له في الشريعة، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بمحلل السباق، وقد روي عن أبي عبيدة بن الجراح وغيره: أنهم كانوا يتسابقون بجعل ولا يدخلون بينهم محللاً. والذين قالوا: هذا من الفقهاء ظنوا أنه يكون قماراً، ثم منهم من قال بالمحلل يخرج عن شبه القمار، وليس الأمر كما قالوه. بل بالمحلل من المخاطرة وفي المحلل ظلم؛ لأنه إذا سبق أخذ؛ وإذا سبق لم يعط، وغيره إذا سبق أعطي، فدخول المحلل ظلم لا تأتي به الشريعة، والكلام على هذا مبسوط في مواضع أخر ".انتهى كلامه رحمه الله[ مجموع الفتاوى ( ١٨ / ٦٤ )].
وقبل أن نختم هذا الجواب فيوجد هنا ألفاظ وردت في ثنايا جوابنا احببنا التنبيه على معناها دفعا للاشتباه ؛ فنقول ان [ الرهان ] هنا : وضع جائزة أو جعل من جميع المتسابقين على أن الفائز تدفع له هذه الجائزة أو يسلم هذا المبلغ ..
وأما الرهان المذكور في قوله تعالى وتقدس : { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } ذكر الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره لهذه معنى الرهان فقال رحمه الله : " قرأ ابن كثير وأبو عمرو فرهن بضم الهاء والراء وقرأ الباقون فرهان وهو جمع رهن مثل بغل وبغال وجبل وجبال والرهن جمع الرهان جمع الجمع قاله الفراء والكسائي وقال أبو عبيد وغيره : هو جمع الرهن أيضا مثل سقف وسقف وقال أبو عمرو وإنما قرأنا فرهن ليكون فرقا بينهما وبين رهان الخيل وقرأ عكرمة فرهن بضم الراء وسكون الهاء والتخفيف والتثقيل في الرهن لغتان مثل كتب وكتب ورسل ورسل ومعنى الآية : وإن كنتم على سفر ولم تجدوا آلات الكاتبة فارتهنوا ممن تداينونه رهونا لتكون وثيقة لكم بأموالكم واتفقوا على أن الرهن لا يتم إلا بالقبض " . انتهى كلامه رحمه الله.
و [ المحلل هنا ] ليس المحلل بين الزوجين والذي فيه إرجاع الزوجة إلى زوجها بحيلة محرمة فهذا هو التيس المستعار والذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أَلَا أُخْبِرُكَ بالتيسِ المستعارِ ؟ هو الْمُحِلُّ ، فلَعَنَ اللهُ الْمُحِلَّ والْمُحَلَّلَ لَهُ )
صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع حديث رقم ( ٢٥٩٦ ).
ونكاح التحليل نكاح محرم يماثل نكاح المتعه لتحديده بوقت وتوعد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صاحبه بالرجم ؛ فقال رضي الله عنه ولعن الله من لعنه : ( لا أُوتى بمُحِلٍّ ولا مُحَلَّلٍ له إلَّا رجَمْتُهما ) رواه ابن أبي شيبه وعبدالرزاق رحمهما الله وصحح هذا الأثر جمع من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه الإمام ابن القيم رحمه الله.
ومرادنا هنا ب[ المحلل ]
رجل أو عدة رجال لا يدفعون شيئا من المال فيدخلهم من قام بوضع السباق فيدفع لهم الجائزة إذا فازوا فيها .
وهذا فيه غنم فقط وفيه ظلم .
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
••••••••••••••••
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني .