السبت، 27 نوفمبر 2021

《 إيضاح الحق بالادلة الشرعية مفصلة لمقال سلك فيه صاحبه الاجمال وعدم الوضوح وتفضيل أماكن بغير دليل شرعي من الكتاب والسنة 》


       بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها وبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثِيرًا ونِساءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمالَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أما بعد

فوظيفة العلماء عظيمة في بيان دين الإسلام المحض بالادلة وايضاح ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم وفق كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الوجه الصحيح ومن ذلك اقتفاء نهج السلف الصالح في فهمهم للكتاب والسنة .

وذلك ان عامة المسلمين وخاصتهم تستفتيهم في أمور دينهم  امتثالا لقول الله  تعالى وتقدس:{ فأسالوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون } .

وتثق فيهم وتأخذ دينهم عنهم 

وأما أن ضل هذا  أو زل هذا العالم "فزلته تهدم الإسلام " كما ذكر الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وقد قال أهل العلم :" من تتبع زلات العلماء تزندق ".

ومعلوم أن سبيل العلماء:الصادقين ونهج المخلصين هو البيان والايضاح وترك الاجمال والغموض  مع الحرص البالغ على اتباع كلام رب العالمين وسنة أشرف الأنبياء والمرسلين وفق هدي السلف الصالحين وترك الخوض في المتشابه اواتباع الرأي الضعيف المتروك المخالف لشريعة الله سبحانه وتعالى ؛ وقد أطلعت على كلام للدكتور علي جمعة مفتي جمهورية مصر سابقا بعد تعميم نشره من خلال موقعه الرسمي حيث قال في صفحته الرسمية في وسيلة التواصل الاجتماعي [ فيس بوك]: "تكلمنا في مقالات سابقة عن المدينة المنورة وأهم أماكنها المباركة، وقد أجلنا الكلام عن المسجد النبوي الشريف لعظم شأنه، وها نحن نفرد له مجموعة مقالات خاصة به، فالمسجد النبوي الشريف أفضل بقعة على وجه الأرض، بل هو أفضل مكان في الوجود، وذلك لأن المسجد النبوي الآن يحتوي على القبر الشريف الذي يضم الجسد الطاهر للنبي صلى الله عليه وسلم، والمكان الذي يضم جسد أعظم المخلوقات هو أفضل الأمكنة على الإطلاق، قال العلماء: إنه أفضل بقاع الأرض حتى المسجد الحرام، وحتى الكعبة المشرفة، وإنه أفضل من السماوات حتى العرش والكرسي، فمن ذلك ما ذكره الإمام السبكي، حيث يقول (أما المدفن الشريف فلا يشمله حكم المسجد، بل هو أشرف من المسجد، وأشرف من مسجد مكة (يعني بيت الله الحرام) وأشرف من كل البقاع، كما حكى القاضي عياض الإجماع على ذلك، أن الموضع الذي ضم أعضاء النبي صلى الله عليه وسلم لا خلاف في كونه أفضل".انتهى كلامه. 

وحيث إن مسألة التفضيل في هذه المسائل  ينبني على إدلة شرعية خبرية توقيفية فلا بد والحال ما ذكر من  دليل ياخذ من  كتاب الله سبحانه وتعالى أو  من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

 وكاتب المقال  لم يتبع هذين المصدرين النقيين الصافيين  بل أتى بإجتهاد خالفهما و زل فيه ولم يحالفه الصواب ولم تعضده الادلة النقلية أو توافقه الحجج العقلية  بل الصواب والحق والصدق والانصاف والأدلة تقف ضده وقد أتى بأقوال ليس له سلف ؛ من ذلك قوله : " أفضل من السموات حتى العرش والكرسي " وهذا قول عظيم بلا دليل شرعي .وتخبطات فكرية وكان يسعه القول وفق الكتاب والسنة. ولزوم جادة أهل العلم الصحيح  وقد اشتمل كلامه على مسائل عدة خلط فيها وخبط وجعلها مسألة واحدة ؛ جهلا وضلالا  والا فكل مسألة تختلف عن الأخرى في :

صيغتها 

وفي نوعها

 وفي ادلتها .

 فشرق وغرب وأتى بعجيب القول وغريبه وفاحشه  .

ثم اعلموا أيها الإخوة الكرام:

أن سبب الرد والايضاح والبيان في رسالتنا  هذه هو حماية جناب التوحيد في أصله أو كماله ابتغاء ما عند الله من عفو وغفران ورفع درجة وفردوس أعلى فلا ينال ماعند الله إلا برحمة الله وفضله .  

جعل الله هذه الرسالة خالصة صوابا متقبلة ونفع الله فيها الكاتب والقارئ ومن أعان على نسخها ونشرها . آمين .   

وعودا على بدء اقول :

قد ذكرنا هذه المسائل ؛ كل مسألة على حدة بإدلتها الشرعية وبيانها وايضاحها وفق الكتاب والسنة وهدي سلف الأمة الصالح .


            (  المسالة الاولى  )


[ افضل البشر والخلق هو رسولنا الكريم وخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ] 


 فقد  روى الامام مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٤٢٢٣) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ) .

ومن هذا الحديث وغيره من الادلة الشرعية التي تدل على فضل الرسول صلى الله عليه فهم أهل العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم منهم 

 الشافعي وعبدالرزاق الصنعاني والنووي  وابن تيميه وابن القيم وابن حجر والمرداوي   والالوسي والطاهر بن عاشور 

 والشنقيطي صاحب اضواء البيان و السعدي وابن باز رحمهم الله وإلى هذا مال  علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، وقد سئلوا : هل نقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم خير البشر أو خير الخلق ؟ وهل هناك دليل على أنه خير الخلق ، كما يقول كثير من الناس؟

فأجابوا :

"جاء في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة بيان عظم قـدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته عند ربه تعالى من خلال الفضائل الجليلـة والخصائص الكريمة التي خصه الله بها ، مما يدل على أنه أفضل الخلق وأكرمهم على الله وأعظمهم جاها عنده سبحانه ، قال الله سبحانه : {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء/١١٣] ، وأجنـاس الفضل التي فضله الله بها يصعب استقصاؤها ؛ فمن ذلك : أن الله عز وجل اتخذه خليلا ، وجعله خاتم رسله ، وأنزل عليه أفضل كتبه ، وجعل رسالته عامة للثقلين إلى يوم القيامة ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأجرى على يديه من الآيات ما فاق به جميع الأنبياء قبله ، وهو سيد ولد آدم ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع ، وبيده لواء الحمد يوم القيامة ، وأول من يجوز الصراط، وأول من يقرع باب الجنة ، وأول مـن يدخلها . . . إلى غير ذلك مـن الخصائص والكرامات الواردة في الكتاب والسنة ، مما جعل العلماء يتفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أعظم الخلق جاها عند الله تعالى ، قـال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاها عند الله ، لا جاه لمخلوق أعظم من جاهه ، ولا شفاعة أعظم من شفاعته" .

فمما ذُكر وغيره يتبين أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء ، بل وأفضل الخلق ، وأعظمهم منزلة عند الله تعالى ، ولكن مع هذه الفضائل والخصائص العظيمة فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرقى عن درجة البشرية ، فلا يجـوز دعاؤه والاستغاثة به من دون الله عز وجل ، كما قـال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف/١١٠]، وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى . [فتاوى اللجنة الدائمة( ٣٥ / ٢٥ )]  .



       ( المسألة الثانية )

[ معتقد  أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح؛ تفضيل صالحي البشر ي على الملائكة عليهم الصلاة والسلام  ]


ينقل الإمام ابن القيم رحمه الله 

عقيدة اهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح  في الصواعق المرسلة ( ٣ / ١٠٢ ) فيقول :" 

ومذهب أهل السنة أن صالحي البشر أفضل من الملائكة ، وإن كانت مادتهم نورا ، ومادة البشر ترابا ".وقد سُئِلَ شَيخ الإسلاَم ابن تيميه رحمه الله [ مجموع الفتاوى ( ٤ / ٣٤٤ )] : عَنْ الْمُطِيعِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ؟

فَأَجَابَ :

" قَدْ ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ : " إنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ : يَا رَبِّ جَعَلْت بَنِي آدَمَ يَأْكُلُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَشْرَبُونَ وَيَتَمَتَّعُونَ ، فَاجْعَلْ لَنَا الْآخِرَةَ كَمَا جَعَلْت لَهُمْ الدُّنْيَا ؟ قَالَ : لَا أَفْعَلُ ثُمَّ أَعَادُوا عَلَيْهِ قَالَ : لَا أَفْعَلُ ثُمَّ أَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ : وَعِزَّتِي لَا أَجْعَلُ صَالِحَ ذَرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْت بِيَدَيَّ ، كَمَنْ قُلْت لَهُ : كُنْ فَكَانَ " ذَكَرَهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدارمي .

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ . فَقِيلَ لَهُ : وَلَا جِبْرِيلُ وَلَا ميكائيل فَقَالَ لِلسَّائِلِ : " أَتَدْرِي مَا جِبْرِيلُ وَمَا ميكائيل ؟ إنَّمَا جِبْرِيلُ وميكائيل خَلْقٌ مُسَخَّرٌ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .

وَمَا عَلِمْت عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ . وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ : أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ "

انتهى كلامه رحمه الله. 

ويرى الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بقوله أن :" القول الراجح أن يقال : إن الصالحين من البشر أفضل من الملائكة باعتبار النهاية ، فإن الله سبحانه وتعالى يؤدي لهم من الثواب ما لا يحصل مثله للملائكة فيما نعلم ، بل إن الملائكة في مقرهم- أي : في مقر الصالحين ، وهو الجنة - يدخلون عليهم من كل باب يهنئونهم : ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) .

أما باعتبار البداية فإن الملائكة أفضل ؛ لأنهم خلقوا من نور ، وجبلوا على طاعة الله عز وجل والقوة عليها ، كما قال الله تعالى في الملائكة ملائكة النار : {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ، وقال عز وجل : {وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} هذا هو القول الفصل في هذه المسألة " [ فتاوى نور على الدرب( ٨ / ٦ )].


         ( المسألة الثالثة )


          [ أفضل البقاع ]


التفضيل أمر توقيفي يحتاج الى دليل من الكتاب أو السنة 

وقلنا مكة أفضل من المدينة 

وذلك لما ثبت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم  عن عبد الله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمكة وهو واقف بالحزورة‏:‏ ‏(‏والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت‏)‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث صحيح‏.‏ وصححه الإمام الالباني رحمه الله  في صحيح الترمذي حديث رقم ( ٣٩٢٥) وفي رواية‏:‏ ‏(‏إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله‏)‏‏.‏

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَكَّةَ: ( مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأَحبَّكِ إلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ) رواه ابن حبان والبزار . والتِّرْمِذِيُّ رحمهم الله أجمعين وَصَحَّحَهُ الترمذي  وصححه الإمام الألباني في صحيح الترمذي ( ٣٦٢٩) .

 والى هذا التفضيل ذهب جمهور الفقهاء من الاحناف والشافعية والحنابلة وقول عند المالكية 

واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن باز رحمهما الله. 

 " فقد ثبت أنها خير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله وإلى رسوله‏.‏ وهذا صريح في فضلها‏.‏ وأما الحديث الذي يروي‏:‏ ‏(‏أخرجتني من أحب البقاع إلى فاسكنى أحب البقاع إليك‏)‏، فهذا حديث موضوع كذب لم يروه أحد من أهل العلم [ مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله( ٦ /١٩٧)].‏

قال الإمام ابن باز  رحمه الله  :" مكة هي أفضل البقاع، وأفضل أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ومن ذلك حديث عبدالله بن عدي بن حمراء أن النبي ﷺ لما وقف في الحزورة، الحزورة قال صاحب النهاية بزنة قسورة فتح الحاء والواو وتسكين الزاي بينهما حزورة، وبعض الناس ينطقها بالتشديد حزورة، والصواب التخفيف، وهكذا الحديبية بعض الناس ينطقها بالتشديد وهي بالتخفيف حديبية، وهكذا قال الشافعي: الناس يشددون وهي بالتخفيف حزورة وحديبية كذا في النهاية، وقال: إنكِ لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن قومك أخرجوني منك لما خرجت وهذا يدل على فضلها وأنها أفضل البقاع، ومن هذا أن الصلاة فيها بمائة ألف صلاة، هذا يدل على أنها أفضل البقاع، فيها الكعبة المشرفة التي هي بيت الله يحجه الناس، قد فرض الله على الناس حج البيت فهي أفضل البقاع وخير البقاع، ثم تليها المدينة " [ من موقع الإمام ابن باز رحمه الله الرسمي بتصرف يسير ] .


       (  المسألة الرابعة )


[ تعظيم قبور الأنبياء والمرسلين والناس الصالحين  على الأماكن المقدسة مثل مكة وتعظيمها تعظيما لا دليل عليه من الشرع    ]



وَسُئِلَ [ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ] عن التربة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل هي أفضل من المسجد الحرام‏؟‏

فأجاب‏:‏

وأما ‏[‏التربة‏]‏ التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا أعلم أحدا من الناس قال‏:‏ إنها أفضل من المسجد الحرام، أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى، إلا القاضي عياض، فذكر ذلك إجماعا، وهو قول لم يسبقه إليه أحد فيما علمناه‏.‏ ولا حجة عليه، بل بدن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المساجد‏.‏

وأما ما فيه خلق أو ما فيه دفن، فلا يلزم إذا كان هو أفضل أن يكون ما منه خلق أفضل؛ فإن أحدا لا يقول‏:‏ إن بدن عبد الله أبيه أفضل من أبدان الأنبياء، فإن الله يخرج الحي من الميت، والميت من الحي‏.‏ ونوح نبى كريم، وابنه المغرق كافر، وإبراهيم خليل الرحمن، وأبوه آزر كافر‏.‏

والنصوص الدالة على تفضيل المساجد مطلقة، لم يستثن منها قبور الأنبياء، ولا قبور الصالحين‏.‏ ولو كان ما ذكره حقا لكان مدفن كل نبى، بل وكل صالح، أفضل من المساجد التي هي بيوت الله، فيكون بيوت المخلوقين أفضل من بيوت الخالق التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وهذا قول مبتدع في الدين، مخالف لأصول الإسلام‏."[ مجموع الفتاوى ( ٦ / ١٩٨)].

وسئل أيضا عن رجلين تجادلا فقال أحدهما : إن تربة محمد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من السموات والأرض وقال الآخر : الكعبة أفضل . فمع من الصواب ؟

الجواب

فأجاب : الحمد لله . أما نفس محمد صلى الله عليه وسلم فما خلق الله خلقا أكرم عليه منه . وأما نفس التراب فليس هو أفضل من الكعبة البيت الحرام بل الكعبة أفضل منه ولا يعرف أحد من العلماء فضل تراب القبر على الكعبة إلا القاضي عياض ولم يسبقه أحد إليه ولا وافقه أحد عليه . والله أعلم [ مجموع الفتاوى ( ٦ / ١٩٩ )].



          (   الخاتمة    )


قال الإمام ابن باز رحمه الله  : 

" فإن البناء على القبور وتخصيص يوم معين لزيارتها واتخاذها أعياد أمر منكر، النبي عليه السلام قال: ( لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً ) فلا يجوز أن تعظم القبور بالبناء عليها واتخاذها مساجد ولا باتخاذها أعياداً يجتمع إليها في السنة مرة أو مرتين، كل هذا مما أحدثه الناس، وإنما المشروع أن تزار فيما يسر الله من الأيام، من غير تحديد يوم معين، تزار ويدعى للميت ويترحم عليه، كما قال النبي ﷺ:(  زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة ) فلا بد من تذكر الموت، فيزورها المؤمن  يزورها الرجل ويسلم على المقبور ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة هذا هو المشروع، من دون شد رحل، أما شد الرحال فلا يجوز شد الرحال إلى القبور، وإنما تشد الرحال إلى المساجد الثلاثة فقط، مسجد الحرام، ومسجد النبي ﷺ والمسجد الأقصى، هكذا بين النبي ﷺ قال: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) أما شد الرحال لقبرٍ معين أو لقبور معينة هذا منكر وخلاف السنة.

ثم قصد القبور للدعاء عندها أو الصلاة عندها أو القراءة عندها أيضاً منكر ومن وسائل الشرك، فلا تتخذ محلاً للدعاء والصلاة والقراءة، بل هذا من نوع اتخاذها مساجد، فلا يجوز، ولا يجوز البناء عليها لا بقبة ولا بسقف لا يتخذ قبر مصلى ولا يبنى عليه قبة ولا يفرش ولا يطيب، لأن هذه من وسائل الشرك ووسائل الغلو فيه، فلا يجوز هذا العمل الذي ذكره السائل، من قصد القبر وتغسيله وتعظيمه والاجتماع عنده والتبرك به كلها من المنكرات التي حرمها الله عز وجل، والنبي ﷺ قال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وقال:(  ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) .

فلا يجوز أن تتخذ مساجد ولا أن يبنى عليها ولا أن يصلى عندها، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة). فدل على أن القبور ما هي محل مساجد ولا محل قراءة.

وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام فيما رواه جابر .. روى جابر عن النبي ﷺ: (أنه نهى عن تشييد القبور، وعن القعود عليها وعن البناء عليها). رواه مسلم في الصحيح.

فالقبور لا يبنى عليها لا قبة ولا غيرها ولا يبنى عليها مسجد، ولا تتخذ محلاً للدعاء والصلاة والقراءة، ولكن تزار من البلد من دون شد رحل، يزورها أهل البلد أو المار عليها فيسلم عليهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، وفيها عبرة وذكرى، بالزيارة يذكر الموت ويذكر الآخرة ويذكر ما صار إليه هؤلاء الأموات فيستعد للقاء الله عز وجل.

هذا هو المشروع فينبغي الحذر مما أحدثه الجهال ومما يفعله الجهال من الغلو في القبور ودعاء أهلها والاستغاثة بهم والنذر لهم وطلب منهم المدد فإن هذا من الشرك الأكبر، كونه يقول: يا سيدي فلان المدد المدد، الغوث الغوث، اشف مريضي انصرنا على أعدائنا هذا من الكفر الأكبر، من الكفر والشرك الأكبر، إنما يطلب من الله هو الذي يمد العباد، هو الذي ينصرهم، هو الذي يشفي المرضى سبحانه وتعالى، أما الميت فليس عنده قدرة، لا يشفي نفسه ولا يشفي غيره، فدعاؤه والاستغاثة به والنذر له والذبح له وطلبه المدد كل هذا من أعمال الجاهلية ومن الشرك الأكبر، فيجب الحذر من ذلك، والله المستعان""التعلق بالقبور ورجاء نفعها ودفع الضرر منها بدعائها أو التمسح بها أو الاستغاثة بها أو الطواف بها كله كفر أكبر، هذا شرك المشركين، هذا ضلال الأولين.

لا يجوز التعلق بالقبور، لا بقبور الصالحين، ولا بقبور الأنبياء ولا غيرهم، فالذي يتعلق بها يطوف بها يرجو نفعها أو يستغيث بأهلها، أو ينذر لهم، أو يتمسح بقبورهم يرجو منهم النفع، أو يستعين بهم أو يذبح لهم، أو يسجد لهم، كل هذا من الكفر بإجماع أهل السنة والجماعة، بإجماع أهل العلم، وهذا شرك المشركين الأولين، الله يقول جل وعلا: { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } سماهم كفار، وقال جل وعلا: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، وقال سبحانه: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ . إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} سموه شرك دعاهم.قال النبي ﷺ: ( الدعاء هو العبادة) ، فالذي يدعوهم قد عبدهم، فإذا قال: يا سيدي! انصرني أو اشف مريضي، أو اشفع لي، أو أنا في جوارك، أو أنا في حسبك، أنا متوكل عليك، أنا أرجوك، أنا أخافك، هذا شرك أكبر، هذا ما يفعل إلا مع الله جل وعلا، يخاطب الله، يا رب! انصرني .. اشف مريضي .. أنا أخاف..... مع الله سبحانه، أما مع المخلوق هذا الشرك الأكبر، أو مع النجوم، أو مع الجن، أو مع الأصنام، كل هذا كفر أكبر، هذا شرك المشركين، وهكذا ما يفعله عباد الحسين، أو عباد الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهما، أو عباد العيدروس أو .... زينب أو غير ذلك، كل هذا كفر أكبر، إذا دعاه دعا العيدروس، أو دعا الحسين، أو الحسن، أو استغاث بـعلي رضي الله عنه، أو بالنبي ﷺ، أو استعان به، أو قال: يا رسول الله! انصرني، أو اشفع لي، أو اشف مريضي، أو ثبتني على الدين، هذا كله كفر أكبر.

الشفاعة تطلب منه يوم القيامة بعد البعث والنشور، وفي حياته قبل الموت يقال: اشفع لي يا رسول الله، لا بأس، أما بعد الموت لا، لا يطلب منه لا شفاعة ولا غيرها، لكن حين كان حيًا يقول الصحابي: يا رسول الله! اشفع لنا، استغث لنا، لا بأس؛ لأنه قادر، ويوم القيامة كذلك بعدما يبعث الله الناس وعند شدة الهول يذهب المؤمنون إلى آدم يقولون: اشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من كرب الموقف، يقضي بيننا فيتعذر آدم ويحيلهم إلى نوح، ويتعذر نوح ويحيلهم إلى إبراهيم، ويتعذر إبراهيم ويحيلهم إلى موسى، فيتعذر موسى ويحليهم إلى عيسى فيتعذر عيسى ويقول: اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال ﷺ: فيأتوني -يأتيه الناس- فأقول: أنا لها أنا لها، ثم يذهب عليه الصلاة والسلام فيسجد بين يدي ربه -يسجد بين يدي الله تحت العرش، ويحمد الله بمحامد يفتحها عليه، يثني عليه كثيرًا حتى يقال له: يا محمد! ارفع رأسك وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع  لا يشفع إلا بعد الإذن؛ لأن الله يقول: { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ }فإذا أذن له شفع في الناس أن يقضى بينهم، ويشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، ويشفع في أناس من العصاة دخلوا النار أن يخرجوا منها شفاعات كثيرة عليه الصلاة والسلام.

وهكذا يشفع المؤمنون في العصاة.. تشفع الملائكة.. يشفع الأفراط، هذا جاءت به النصوص عن النبي ﷺ " [ من الموقع الرسمي للإمام ابن باز رحمه الله  بتصرف يسير ].

رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة 

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. 

----------------------------------------

كتبه وأملاه من يرجو عفو مولاه  : غازي بن عوض العرماني.