بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فقد وردني سؤال من أحد طلاب العلم عن معنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ونصه :
" وأسماء الله وصفاته تتفاضل, فصفته التي هي الرحمة تفضل على صفته التي هي الغضب وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم: ( إن الله كتب في كتاب موضوع عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي) و في رواية: ( تسبق غضبي) .
وفي الدعاء المأثور: "أسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر" .. وفى الحديث: ( لقد دعا الله باسمه العظيم)وفي رواية: ( الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى) [صححه الإمام الألباني رحمه الله ] ثم قال رحمه الله : " و كذلك فأن الصفة الواحدة قد تتفاضل, فالأمر بمأمور يكون أكمل من الأمر بمأمور آخر, والرضا عن النبيين أعظم من الرضا عمن دونهم, والرحمة لهم أكمل من الرحمة لغيرهم, وتكليم الله لبعض عباده أكمل من تكليمه لبعض, وكذلك سائر هذا الباب و كما أن أسماءه و صفاته متنوعة فهي أيضا متفاضلة كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع "
[ مجموع الفتاوى( ١٧ / ٢١١ )].
وكما في المرفق من صورة أوراق فتاوى الشيخ رحمه الله
فالاجابة عن هذا الأمر بإيضاح المقصود من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأن كان واضحا لكن نزول عند رغبة طلاب العلم فالاجابة من أمور منها :
( أولا )
ان معتقد اهل الإسلام الصحيح وهم أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح هو اعتقاد ان كل أسماء الله حسنى وأن صفاته علا وأنها توقيفية مصدرها الكتاب والسنة فقط .
وتفاضلها كذلك توقيفي يؤخذ من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح
الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله( ٧٤٥٣) والإمام مسلم رحمه الله( ٢٧٥١)
عَنْ الصحابي الجليل أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ) والمراد ب" السبق " هنا الغلبة كما دل الحديث الصحيح ( لما قضى اللهُ الخلقَ ، كتب في كتابِه ، فهو عندَهُ فوقَ العرشِ : إِنَّ رحمتي غلبتْ[وفي لفظ : تغلب ] غضَبِي ) .وهو في صحيح البخاري ومسلم رحمهما الله.
وصفة الغضب ليست مدحا بإطلاق وليست ذما بإطلاق فتمدح في موضع المدح وتذم في موضع الذم
ولذلك اشتق الله لنفسه أسماء من الرحمة والرأفة والود ونحوها، ولم يشتق لنفسه اسما من الغضب .
والغضب صفة اختيارية متعلقة بمشيئته وقدرته قائمة بذاته وهي صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلال ربنا تعالى وتقدس وهي على ظاهرها فنثبت المعنى ونفوض الكيف ، وغضبه غضبا يليق بجلاله لا يماثله غضب المخلوقين .
وصفة الرحمة ثابتة لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق بربنا الله تعالى وتقدس من غير تحريف ولاتمثيل ولا تعطيل ولا تكييف وهي صفة ذاتية .
و رحمة الله منها ماهو صفة فعليه
والصفة الذاتية والفعلية من صفة الرحمة قد سبقت الغضب والذي هو صفة فعلية فقط تتعلق بمشيئة الله وهذا السبق دل عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم السابق
هذا من جهة ؛ ومن جهة أخرى فإن آثار رحمة الله شاملة عامة كما قال تعالى :{ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } ورحمة الله وسعت كل شئ فقد أتت صفات الرحمة { الرحمن الرحيم } بعد إثبات سعة ربوبية الله سبحانه وتعالى على جميع خلقه :{ الحمد لله رب العالمين } .
وغضب الله على خلقه موجب عدله وحكمته قال الله تعالى وتقدس : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ }
بخلاف الغضب فإن صفة الرحمة موجب فضل الله وسعة هذه الرحمة وتعدد الائه ونعمه كما قال الله تعالى وتقدس : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } .
والأمر الآخر الدال على التفضيل :
( ثانيا )
ما ثبت في السنة وفيها :
سَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو وهو يقولُ: اللهم إني أسألُك بأني أشهدُ أنك أنت اللهُ لا إلَه إلا أنتَ الأحدُ الصمدُ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ. قال : فقال : ( والذي نفسي بيدِه لقد سألَ اللهُ باسمِه الأعظمِ الذي إذا دُعيَ به أجابَ وإذا سُئِلَ به أعطى )
أخرجه احمد والترمذي والنسائي وابوداود وابن ماجه رحمهم الله وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي ( ٣٤٧٥ ) .
ومثل ذلك مارواه الصحابي الجليل انس رضي الله عنه انه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي ثم دعا :. اللهم اني أسالك بان لك الحمد لااله الا انت المنان بديع السماوات و الارض ياذا الجلال و الاكرام ياحي ياقيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم
:( لقد دعا الله تعالى باسمه العظيم الذي اذا دعي به اجاب واذا سئل به اعطى ) .
رواه أحمد و البخاري في الادب المفرد وأبو داود وغيرهم .
وقد صححه ابن حبان والحاكم و الذهبي و الالباني .
( ثالثا )
من الادلة كذلك :
أن الصفة الواحدة قد تتفاضل فالرضا والرحمة عن الرسل عليهم الصلاة والسلام هي اكمل فيهم من غيرهم .
وكلام الله لبعض الرسل عليهم الصلاة والسلام اكمل من تكليمه لبعض .
( رابعا )
من الادلة كذلك :
أن شبهة المانع لتفاضل الأسماء والصفات من جنس شبهة من منع تعدد الأسماء والصفات ؛ وذلك يرجع إلى نفي الصفات كما زعمت الجهمية المعطلة من منع التركيب وارادوا من ذلك منع تعدد أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ...
انتهى المقصود والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
----------------------------------------
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني .