الحديث إنما قاله الرسول ﷺ على سبيل العموم؛ فلا نخاطب هذا بالتصريح، ونقول لشخص رأينا عليه تميمة: لا أتم الله لك، وذلك لأن مخاطبتنا الفاعل بالتصريح والتعيين؛ سوف يكون سببا لنفوره.
من [ القول المفيد شرح كتاب التوحيد ( ١ / ١٧٧ )].
قلت :
هنا فائدة علمية أحببت اتحافكم فيها :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
" كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ - وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ - فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَتِيمَةَ فَقَالَ : ( آنْتِ هِيَهْ ، لَقَدْ كَبِرْتِ لَا كَبِرَ سِنُّكِ ) ، فَرَجَعَتْ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ ! قَالَتْ الْجَارِيَةُ : دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي ، فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا ، فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :َ ( ما لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟! ) ، فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي ؟ ، قَالَ : ( وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟!) ، قَالَتْ : زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا ، قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : ( يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ! أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم رحمه الله (٢٦٠٣) .وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ : أَيُّ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا ) رواه مسلم رحمه الله ( ٢٦٠٢ ) .
وفي الحديث الصحيح:
( اللَّهمَّ إنَّما أنا بشَرٌ أغضَبُ كما يغضبُ البشرُ فأيُّما مسلِمٍ سببتُه أو لعنتُه وليسَ لذلِكَ بأَهلٍ فاجعل ذلِكَ لَهُ صلاةً وزَكاةً وقربةً تقرِّبُهُ إليكَ يومَ القيامةِ ).
وقد وجه أهل العلم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المقام بأمور منها :
هذه الأدعية لها أسباب ظاهرة
اقتضى الدعاء عليه وان لم يكن يستحقه باطنا دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:( إنما أنا بشر ) و ( ايما مؤمن سببته اولعنته ) .
وهنا وجه آخر:
فقد تكون هذه الالفاظ " مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة ، كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينك ، عَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيث ( لَا كَبِرَتْ سِنّك ) وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة ( لَا أَشْبَعَ اللَّه بَطْنك ) وَنَحْو ذَلِكَ ، لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء ، فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة ، فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة ، وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا ".[ شرح الحافظ النووي رحمه الله على صحيح الإمام مسلم رحمه الله( ١٦ / ١٥٢)].
وهذا فعل شاذ ونادر في هدي الرسول صلى الله عليه وسلم
والا فهو رحمه مهداة فقد
تظافرت
وتوافرت
وتواترت الادلة من الكتاب والسنة وعليه إجماع صحبه رضي الله عنهم بذلك
وشهادة ربه بتمام خلقه وكمال هديه : { وانك لعلى خلق عظيم } .
ولعل هذا الإنكار باليد من الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل لعظيم جرم فعله لتعلقه في جناب التوحيد - اصلا أو كمالا -
ولكونه صلى الله عليه وسلم ممن له صلاحية الإنكار باليد
ثم كون - المنكر عليه - من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لانت قلوبهم لطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبوها وأن كان ظاهرها مما يبدو للناس فيه شدة لكنها رحمة وخير وابعادا لهذا المنكر عليه من شر أعظم وحصول سعادة له في الدارين .