بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أما بعد:
فمن خلال معاجم اللغة العربية يتبين أن تعريف الشهرة هو :"كَوْنُ اسْمٍ أو شخص أو شَيْء مَعْروفًا لدى النَّاس مَعْرِفةً واسِعة بَعيدة المدى، ظُهورُ شيء وانْتِشارُه "
او سُمْعة وذكر معروف عند الناس " او صاحب " صِيت ذائع ". ومن ذلك ان يحب بعضهم اشتهار ذكره و ذيوع صيته وقد يدخل حب الشهرة الرياء والسمعة والرياء" مصدر راءى يرائي رياءً فهو مرائي، والمعنى: أنه يفعل العمل ليراه الناس، يصلي ليراه الناس، يتصدق ليراه الناس، قصده أن يمدحوه وأن يثنوا عليه وأن يعرفوا أنه يتصدق أو أنه يصلي أو يحج لذلك أو يعتمر لذلك، أو ما أشبه ذلك، وهكذا إذا قرأ ليمدحوه ويسمى السمعة، إن كان بالأقوال تسمى السمعة، أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر يمدح ويثنى عليه لا لله وحده سبحانه وتعالى فهذا من الرياء في الأفعال، ويقال لما يسمع: سمعة، ويقول النبي ﷺ: ( من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به).
ويقول عليه الصلاة والسلام: ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه؟ فقال: الرياء، يقول الله يوم القيامة للمرائين: اذهبوا إلى من كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء)[صححه الامام الالباني رحمه الله تعالى في صحيح الترغيب (٣٢).
ويقول عليه الصلاة والسلام: ( يقول الله عز وجل : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه).[ رواه الامام مسلم رحمه اللهُ تعالى في صحيحه].
فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن تكون أعماله لله وحده، يصلي لله يصوم لله يتصدق لله، يرجو ثوابه يرجو مغفرته سبحانه، وهكذا يأمر بالمعروف ينهى عن المنكر.. يحج.. يعتمر.. يعود المريض، يطلب ما عند الله من الأجر، لا رياء الناس ولا حمد الناس ولا سمعتهم، هذا هو الواجب على المؤمن كما قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.[الكهف:١١٠].
نسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية والتوفيق"
و" الإخلاص: هو قصد الرب -جل وعلا- بالعمل، هذا هو الإخلاص، أن يقصد المسلم بعمله وجه الله، والدار الآخرة، هذا المخلص، قال الله -جل وعلا-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥] وقال سبحانه: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }[غافر:١٤].
فالمخلص هو الذي يقصد بعمله وجه الله، بصلاته .. بصومه .. بصدقاته .. بحجه.. بغير ذلك من العبادات يقصد وجه الله، يقصد التقرب إلى الله لا لغيره، لا رياء ولا سمعة، ولا لقصد الدنيا، وإنما يفعل ما يفعل يرجو ثواب الله، ويرجو إحسانه عز وجل هذا هو الإخلاص.وأما الرياء كونه يفعل لأجل يرائي الناس لأجل يمدحه الناس هذا منكر، ومن الشرك، قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:١٤٢].
فالرياء منكر ومن الشرك يجب الحذر منه، كون الإنسان يصلي حتى يمدح، أو يتصدق حتى يمدح، أو يقرأ حتى يمدح هذا الرياء لا يجوز هذا، يجب الحذر من ذلك، والواجب عليك الحذر من الوساوس، دائمًا دائمًا، يجب عليك إخلاص العمل لله، وأن يكون قصدك وجه الله في صلاتك وقراءتك وصومك وغير ذلك، وتجاهدي نفسك في ذلك، وتتعوذي بالله من الشيطان.كل ما خطر شيء من الوساوس، أو الرياء قولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، صدقًا وإذا فعلت هذا صدقًا؛ كفاك الله شر الشيطان، وأعانك عليه.ومحبة السمعة والرياء" يفسد العمل الذي قارنه، إذا صلى يرائي، أو تصدق يرائي، أو قرأ حزبًا من القرآن يرائي به؛ بطل هذا العمل؛ لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال: الرياء يقول الله يوم القيامة للمرائين: اذهبوا إلى من كنتم تراؤون في الدنيا، هل تجدون عندهم من جزاء )يقول الله عز وجل :( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري؛ تركته وشركه).
فالذي يقرأ ليُحمد، ويُثنى عليه ذلك الشيء الذي قرأه بهذه النية ثمن، أو ثمنين، أو جزء، أو أكثر بهذه النية قد حبط عمله فيه لا ثواب له، وعليه إثم، وهكذا أمر بمعروف، أو نهى عن منكر، أو سبح وهلل يرائي لا ثواب له، بل عليه وزر، نسأل الله العافية".انتهى من كلام الامام ابن باز رحمه الله تعالى.
قال الامام الالباني رحمه الله تعالى[ سلسلة الهدى والنور
سلسلة الهدى والنو( ١٩١)متحدثا عن أهمية الإخلاص لله تعالى ]ما نصه :" قلت بأن الرجل الذي يشار إليه بالبنان فهو في الحقيقة على خطر ، ما هو الخطر الذي قد يتعرض له ، والإشارة إليه كما قلنا قبل أن يأتي سائر إخواننا هو صالح ، هو عالم ، هو مصلح يفيد الأمة ، ولإفادته بنوع من هذه الفوائد أو غيرها أشير إليه بالبنان وهو من أجل ذلك على خطر ، لماذا ؟ لأنه معرض ليفسد عمله الصالح بأن لا يبتغي بذلك وجه الله تبارك وتعالى ، وبقدر ما هو في خطر بقدر ما هو في أجر بالغ كبير جدا فيما لو ثبت وحفظ نفسه من أن يفسد عمله بأن يحب الظهور وأن يحب الكلام من الناس بأن يقولوا فلان كذا وكذا ، فبذلك يفسد عمله وإلا كان له حسنات تزن جبال الدنيا وتفوقها كثرة ووزنا ، أما الخشية التي أشرت إليها آنفا فيكفي في ذلك قول ربنا تبارك وتعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ، والإخلاص في العبادة تستوجب أن لا يقصد بذلك شيئا من أمور الدنيا أو حطامها ، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أول من تسعر بهم النار يوم القيمة ثلاثة عالم ومجاهد وغني ) هنا تمكن خطورة المشهور بشيء من هذه الأوساط الطيبة العلم والإنفاق في سبيل الله والجهاد كذلك في سبيل الله ، مع ذلك الخطورة تتجلى لنا في هذا الحديث الصحيح ( أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة : عالم ، ومجاهد ، وغني، يؤتى بالعالم يوم القيامة فيقال له أي عبدي ماذا فعلت فيما علمت ؟ يقول يا رب نشتره بين الناس في سبيلك فيقال له كذبت إنما فعلت ذلك ليقول الناس فلان عالم وقد قيل ) وقد قيل أي إن الذي ابتغيته من وراء عملك وبثك ونشرك إياه بين الناس قد حصلته ، وهو الظهور والإشارة إليه بالبنان كما يقولون عندنا في بلاد الشام وفي سوريا بصورة خاصة " فلان العالم مثل الصحن الصيني من أين ترنه بجاوب "، ما شاء الله ، في هذا العالم تمكن الخطورة لأنه يخشى قد يكون هو في بادئ أمره قصد العلم لوجه ربه ولكن بسبب تحدث الناس عنه فقد تميل به نفسه إلى حب الظهور ، وقديما قال بعض الصوفية " حب الظهور يقطع الظهور " وأنا أقول بعض الصوفية لأنه ليس كل ما يقوله الصوفية هو خلاف الشريعة الإسلامية بل فيها ما هو موافق لها وفيها ما هو مخالف لها ، لأن الصوفية كمذهب من المذاهب أو طريقة من الطرق لم تنزل من السماء وحيا من الله على شيخ الطريقة وإنما هو رأي واجتهاد وسعي منه إلى إصلاح الناس بطريقة أو بأخرى ، فهذه الكلمة فيها من الحكمة ما شاء الله " حب الظهور يقطع الظهور " معنى مجازي وجميل وجميل جدا ، لذلك أول من ذكرهم الرسول عليه السلام هو العالم لأن مركزه حساس وخطر جدا أن تميل به الأهواء والشهوات وأخطرها ليس حب المال فقط وإنما كمان حب الظهور والجاه والمنزلة ونحو ذلك ... لما قال هذا الرجل ما قال ليقال له وقيل له كذبت ، إنما فعلت ذلك ليقول الناس فلان عالم وقد قيل ، وقد قيل له أو عنه ، ( خذوا به إلى النار ) والعياذ بالله ، من هو ؟ هو العالم ، المفروض أن يكون كما قال الله عزوجل في الآية الكريمة :{ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }. وإذا هذا العالم يصبح بعلمه في الدركات من النار والعياذ بالله ، قال في الحديث ( ثم يؤتى بالمجاهد فيقال له ماذا فعلت بما أنعمت عليك من قوة فيقول يا رب قاتلت في سبيلك فيقال - والعياذ بالله - له كذبت إنما جاهدت ليقول الناس فلان بطل ، فلان شجاع وقد قيل - أيضا في حق هذا الرجل الثاني إنه فعلا شجاع وهو الذي رمى إليه شجاعته - فقيل ، خذوا به إلى النار )، ولذلك نقف هنا قليلا عند هذا الحديث أن المسلم المجاهد حقا هو الذي لا يبتغي بجهاده كالعالم حقا كلاهما لا يبتغي بعلمه جزاء ولا شكورا إنما كل منهم يجاهد في سبيل الله ، هذا بعلمه وهذا بشجاعته وقوته وبطولته ، فإذا ما انحرف بهم القصد والنية كان عاقبتهم أسوء من عاقبة الجاهل ، لذلك جاء في بعض الآثار وليس في بعض الأحاديث المرفوعة وإنما في بعض الآثار عن السلف الصالح وهو فيما أذكر أبو الدرداء رضي الله عنه قال " ويل للجاهل مرة وويل للعالم سبع مرات " طبعا التسبيع هنا هو للتكثير وليس للتحديد ، لكن المقصود ويل للجاهل مرة لأنه قد يكون معذورا ، وويل للعالم سبع مرات لأنه يكون على خطر ، نعود إلى تمام الحديث ( ثم يؤتى بالغني فيقال له ماذا عملت فيما أنعمت عليك من مال ؟ فيقول يا رب أنفقته في سبيلك ، فيقال له كذبت إنما أنفقت ليقول الناس فلان كريم وقد قيل خذوا به إلى النار )، ولذلك قال عليه السلام، انتهى الحديث إلى هنا ، عطفا عليه أقول قال عليه السلام في الحديث الصحيح المتفق عليه بين علماء المسلمين والذي قال فيه بعض العلماء إنه ثلث الدين ، ثلث الإسلام قائم على هذا الحديث المشهور : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )، فإنما الأعمال بالنيات ، أعود إلى أول الكلام فمن كان صالحا ويشار إليه بالبنان فهو على خطر من هذه الحيثية أنه لا يشار عادة لإنسان بالبنان إلا بعد أن ظهر ، وهذا الظهور قد يقسم الظهور ويكسرها بسبب أن يغلب عليه حب الدنيا وأن يغلب عليه كراهية الموت فحينئذ يفسد عمله كله وعلى العكس من ذلك ، فإذا ثبت بعد أن نبت وظهر ولم يتأثر بثناء الناس عليه وبظهوره بينهم فإن له أجرا لا يحصيه أكبر كمبيوتر معروف اليوم في الدنيا ، ذلك لقوله عليه السلام : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ) ذلك لأن العالم حينما يدل الناس على الخير فكما جاء في الحديث في صحيح مسلم أيضا : ( الدال على الخير كفاعله ) وفي الحديث الآخر : ( من دعا إلى هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء )، فتصوروا معي كم يكون أجر هذا الإنسان الداعي إلى الله المخلص في دعوته إلى الله ، لا يحصيها إلا الله عز وجل عددا ، ومن هنا قال العلماء إن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو أكثر الأنبياء والرسل أجرا وثوابا لأنه هو الذي كان سبب هداية الأمة ، هداية الأمة والأمة في لغة العلماء تنقسم إلى قسمين : أمة دعوة ، وأمة إجابة ، فكل من جاء بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم داخل في أمة الدعوة ، فمن استجاب لدعوة الرسول عليه السلام دخل في القسم الثاني وهو أمة الإجابة أي أجاب الرسول عليه السلام وخضع له ، فتصوروا منذ بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام بدعوته للناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإلى تفصيل هذه الكلمة الطيبة علما وتطبيقا عملا ، تصوروا كم وكم جاء من بعده من الملايين الملايين حسنات هؤلاء ربما يكون الواحد منهم له حسنات كالجبال ، كل هذه الحسنات من كل هؤلاء الأفراد تكتب في صحيفة الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومن هنا يظهر أهمية العالم العامل بعلمه والمخلص في دعوته إلى الله إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكنّ هذا العالم كما يشترط فيه أن يكون عاملا في علمه وأن لا يكون قوالا ليس فعالا ، كذلك يشترط فيه أن يكون علمه مستقا فقط من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مع الإخلاص الذي أشرت إليه آنفا ، ولهذا قال الله عز وجل في كتابه :{ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }، على بصيرة أنا ، ليس الرسول فقط بل ومن اتبعه عليه الصلاة والسلام ، ولا تكون البصيرة إلا كما قال الل تعال أيضا في القرآن الكريم :{ فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }، فقد قال العلماء علماء التفسير في هذه الآية أنها دلت على أن النجاة عند الله عز وجل إنما يكون بشرطين اثنين : أن يكون عمله صالحا ، وأن يكون لوجه الله خالصا ، أما أن يكون عمله صالحا فواضح في الآية ، أما أن يكون لوجه الله خالصا فهو قوله تعالى في آخرها : { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } لأن الشرك ليس كما يظن بعض الناس أن تقول إن مع الله خالقا آخر وليس أيضا الشرك فقط أن تعتقد أن فلانا من الأولياء أو الصالحين يستحق شيئا من الخضوع والعبادة من دون الله عز وجل ، ليس هذا وذاك فقط هو الشرك بل أيضا أن تقصد بعمل صالح تقوم به بينك وبين الله ، إنما تقصد به غير وجه الله تبارك وتعالى كما سبق إلى ذكره آنفا وأضيف إلى ذلك أخيرا لأني أخشى أن أكون قد أطلت عليكم ، ليكون الحديث بعد ذلك بيننا سجالا ألا وهو قوله عليه السلام : ( بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والمجد والتمكين في الأرض ومن عمل منهم عملا للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب )، نسأل الله عزوجل أن يجعل عملنا خالصا وأن يجعله لوجه الله خالصا وأن لا يشّرك أحدا في عملنا هذا الصالح وإنما لوجه الله تبارك وتعالى ، هذا ما عنّ في الخاطر الكليل ذكره بتلك المناسبة مناسبة الإشارة بالبنان والشهرة بين الأنام والحمد لله رب العالمين ، والآن مدونا بمددكم ." انتهى كلامه رحمه تعالى .
و عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي اللهُ عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ) رواه الترمذي رحمه الله تعالى وصححه وصححه الامام الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الترمذي وفي صحيح الجامع ( ٥٦٢٠).
وعن مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ ) رواه احمد وابن ماجه رحمهما الله تعالى وصححه الامام الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن ابن ماجه وفي صحيح الجامع(٢٦٧٤).
وعن سعد بن أبي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ ، فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ : أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ : اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ ) .رواه الامام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ رحمه اللهُ تعالى فِي سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ ( ٢ / ٤٧١ ): " وَرَوَى: مُقَاتِلُ بنُ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ، وَكُنْتُ فِيْمَنْ صَعِدَ الثُّلْمَةَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى رُئِيَ مَكَانِي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ أَحْمَرُ، فَمَا أَعْلَمُ أَنِّي رَكِبْتُ فِي الإِسْلاَمِ ذَنْباً أَعْظَمَ عَلَيَّ مِنْهُ أَيْ: الشُّهْرَةَ "
قَالَ الذَّهَبِيُّ رحمه اللهُ تعالى فِي سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ ( ٧ / ٣٩٤): " عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ طَالُوْتَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَم يَقُوْلُ: مَا صَدَقَ اللهَ عَبْدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ.
قُلْتُ: عَلاَمَةُ المُخْلِصِ الَّذِي قَدْ يُحبُّ شُهرَةً، وَلاَ يَشعُرُ بِهَا، أَنَّهُ إِذَا عُوتِبَ فِي ذَلِكَ، لاَ يَحرَدُ وَلاَ يُبرِّئُ نَفْسَه، بَلْ يَعترِفُ، وَيَقُوْلُ: رَحِمَ اللهُ مَنْ أَهدَى إِلَيَّ عُيُوبِي، وَلاَ يَكُنْ مُعجَباً بِنَفْسِهِ؛ لاَ يَشعرُ بِعُيُوبِهَا، بَلْ لاَ يَشعرُ أَنَّهُ لاَ يَشعرُ، فَإِنَّ هَذَا دَاءٌ مُزْمِنٌ ".انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وقال ابن المبارك رحمه اللهُ تعالى: قال لي سفيان: إياك والشهرة، فما أتيت أحداً إلا وقد نهى عن الشهرة " [ السير ( ٧/ ٢٦٠)].
وقال عاصم الأحول رحمه الله تعالى : "كان أبوالعالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام فتركهم " [ السير ( ٤/٢١٠)].
قال مخلد بن الحسين رحمه اللهُ تعالى قال أيوب رحمه اللهُ تعالى: " ما صدق عبد قط، فأحب الشهرة " [ السير ( ٦ / ٢٠ )].
وفي قول الله تعالى وتقدس :{ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.[ال عمران : ١٨٨ ]
قال الامام ابن كثير رحمه اللهُ تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة :" يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا ، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة ) وفي الصحيح : ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ) .
واما قول الله تعالى وتقدس :{ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ }[الشعراء : ٨٤].
فلا يستدل بها على محبة الشهرة فمعنى هذه الاية كما فسرها سلفنا الصالح :" أي : واجعل لي ذكرا جميلا بعدي أذكر به ، ويقتدى بي في الخير ، كما قال تعالى : { وتركنا عليه في الآخرين . سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين }[ الصافات : ١٠٨ - ١١٠ ] .
قال مجاهد ، وقتادة : { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } يعني : الثناء الحسن . قال مجاهد : وهو كقوله تعالى : { وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين }[ العنكبوت : ٢٧] ، وكقوله : { وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين }[ النحل : ١٢٢] .
قال ليث بن أبي سليم : كل ملة تحبه وتتولاه . وكذا قال عكرمة ".انتهى كلام الامام ابن كثير رحمه اللهُ تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة.
ولأن امر الشهرة وحب الظهور من أنواع الرياء والسمعة وهذا العمل يخل في توحيد الله ذكره الامام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في كتابه النفيس [ التوحيد] حيث قال :"باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا
وقوله تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٥ - ١٦ ].
وقال رسول الله ﷺ: ( تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط؛ تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع) [ أخرجه الامام البخاري في صحيحه].
قال الإمام ابن باز رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الباب من كتاب التوحيد :
" الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد
فهذه الترجمة عقدها المؤلف في الحث على الإخلاص في الأعمال، وأن يراد بالأعمال وجه الله والدار الآخرة لا الدنيا وحطامها، ولهذا قال رحمه الله: "باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا" يعني عمله الأخروي عمله الطاعات، ينبغي له بل الواجب عليه الإخلاص في عمله من صلاة وصيام وقراءة وجهاد وغير ذلك، قال تعالى:؛{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠]،
وقال تعالى: { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ٨٨]
وقال جل وعلا: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود: ١٥] يعني لا ينقصون { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٦] ففي هذا الحث على الإخلاص في الأعمال سواء جهاد أو صلاة أو قراءة أو صيام أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو غير هذا يجب أن يفعلها العبد لله وحده لا للدنيا أو 1 الرياء، بل يفعلها لله وحده، ولهذا قال جل وعلا محذرًا من العمل السيئ: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود: ١٥] يعني لا ينقصون: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٦] والآية الأخرى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: ٢٠ ] فالواجب الإخلاص في الأعمال لله وحده، فيصلي لله ويصوم لله ويتصدق لله لا لمراءة الناس، ويحج لله ويعتمر لله لا لمراءة الناس وحمدهم وثنائهم".انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ومما ينتبه له ماذكره الامام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرحه لكتاب رياض الصالحين ( ٦٢٩ ) حيث قال رحمه الله :
" إذا دار الأمر بين أن يلمع نفسه ويظهر نفسه ويبين نفسه ، وبين أن يخفيها ، فحينئذ يختار الخفاء ، أما إذا كان لابد من إظهار نفسه فلابد أن يظهرها وذلك عن طريق نشر علمه في الناس وإقامة دروس العلم وحلقاته في كل مكان ، وكذلك عن طريق الخطابة في يوم الجمعة والعيد وغير ذلك ، فهذا مما يحبه الله عز وجل " .
انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
الخاتمة :
من علاج محبة الشهرة والرياء والسمعة ما ثبت من حديث مَعقِلُ بنُ يَسارٍ رضي الله عنه : أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لِأبي بَكرٍ: ( يا أبا بكرٍ، لَلشِّركُ فيكم أخْفى من دبيبِ النَّملِ، والذي نفسي بيدِه لَلشِّركُ أخْفى من دَبيبِ النَّملِ، ألا أدُلُّك على شيءٍ إذا فعلتَه ذهب عنك قليلهُ وكثيرهُ؟ قل: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك أن أُشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفِرُك لما لا أَعلمُ ) اخرجه الامام البخاري رحمه الله تعالى في الادب المفرد وصححه الامام الالباني رحمه الله تعالى في صحيح الادب المفرد حديث رقم ( ٥٥١ ).
جعل الله ماكتبته في هذه الرسالة نافعا مباركا خالصا صوابا متقبلا ؛ ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل المتقبل والرزق الحلال الحلال الوفير الكثير الطيب المبارك .
والله اعلى واعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
٠٠٠٠٠٠٠
كتبه واملاه الفقير الى عفو الله مولاه: غازي بن عوض بن حاتم العرماني .