بسم الله الرحمن الرحيم
ن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أما بعد
فإن مجادلة الاخوانية الخوارج في بيان الحق في أي مسألة مجادلة في الغالب الأعم عقيمة وهذا له مثل كما ورد في كلام الله تعالى وتقدس : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾[ الحج : ٨ ٨ ].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في " تفسيره لهذه الآية الكريمة: لما ذكر تعالى حال الضلال الجهال المقلدين في قوله: ﴿ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد ﴾[الحج : ٣ ] ذكر في هذه حال الدعاة إلى الضلال من رءوس الكفر والبدع، فقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾؛ أي: بلا عقل صحيح، ولا نقل صحيح صريح، بل بمجرد الرأي والهوى ".
ومن ذلك مسألة اقامة الحجة والعذر بالجهل دلَّ عليها الكتاب العزيز والسنة النبوية، وعلى القول بتأييدها وفق الضوابط الشرعية كبار علماء الإسلام، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال: (كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ) .[أخرجه البخاري رحمه الله تعالى (٣٤٨١)ومسلم رحمه اللهُ تعالى (٢٧٥٦)باختلاف يسير .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح لهذا الحديث: " فَهَذَا الرَّجُلُ ظَنَّ أن اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إذَا تَفَرَّقَ هَذَا التَّفَرُّقَ فَظَنَّ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ إذَا صَارَ كَذَلِكَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ إنْكَارِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْكَارِ مَعَادِ الْأَبْدَانِ، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ كَفَرَ، لَكِنَّهُ كَانَ مَعَ إيمَانِهِ بِاَللَّهِ، وَإِيمَانِهِ بِأَمْرِهِ وَخَشْيَتِهِ مِنْهُ جَاهِلًا بِذَلِكَ ضَالًّا فِي هَذَا الظَّنِّ مُخْطِئًا، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أن الرَّجُلَ طَمِعَ أن لَا يُعِيدَهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَأَدْنَى هَذَا أن يَكُونَ شَاكًّا فِي الْمَعَادِ وَذَلِكَ كُفْرٌ - إذَا قَامَتْ حُجَّةُ النُّبُوَّةِ عَلَى مُنْكِرِهِ حُكِمَ بِكُفْرِهِ ".[ مجموع الفتاوى ( ١١ / ٤٠٩)].
وهذا شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كما في [الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأجوبة النجدية يقول: " وإذا كنَّا لا نُكَفِّرُ مَن عبدَ الصنمَ الذي على عبدِ القادرِ؛ والصنمَ الذي على قبرِ أحمدِ البدويِّ وأمثالِهما لِأجل جهلِهم وعدمِ مَن يُنبِّههُم! فكيف نُكَفِّرُ مَن لم يُشْرِكْ باللهِ إذا لم يُهاجرٍ إلينا، أو لم يَكْفُرْ ويُقاتِلْ؟ سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ ".[ الدرر السنية في الأجوبة النجدية ( ١ / ١٠٤ )].
قال الإمام العثيمين رحمه الله: " العذر بالجهل ثابت بالقرآن وثابت بالسنة أيضًا، وهو مقتضى حكمة الله عَزَّ وَجَل ورحمته، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾[ القصص:٥٩].ويقول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ إِلَى قوله: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾.[النساء : ١٦٣-١٦٥].
ويقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾.[الإسراء : ١٥ ].
ويقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ أن اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.[التوبة : ١١٥ ].
والآيات في هذا عديدة، كلها تدل على أنه لا كفر إلا بعد علم، وهذا مقتضى حكمة الله ورحمته، إذ أن الجاهل معذور، وكيف يؤاخذه الله عَزَّ وَجَل -وهو أرحم الراحمين، وهو أرحم بالعبد من الوالدة بولدها- على شيء لم يعلمه؟
فمن شرط التكفير بما يكفر من قول أو عمل أن يكون عن علم، وأن يكون عن قصد أيضًا، فلو لم يقصده الإنسان، بل سبق لسانه إليه لشدة غضب أو لشدة فرح أو لتأويل تأوله، فإنه لا يكون كافرًا عند الله عَزَّ وَجَل، ومما يدل على هذا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال: (لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة من الأرض ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فأضلها- أي: ضاعت منه- فطلبها فلم يجدها، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت وهو آيس منها، فإذا براحلته عنده فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).
.[ أخرجه الامام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه (٢٧٤٧ )].
وهذا خطأ عظيم هو في نفسه كفر، لكن الرجل ما قصده، لكن لشدة الفرح سبق لسانه إلى هذا، ولم يكن بذلك كافرًا؛ لأنه لم يقصد ما يقول.
وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن رجل كان مسرفًا على نفسه، وخاف من الله تعالى أن يعاقبه، فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه ويذروه في اليم، ظنًّا منه أنه يتغيب عن عذاب الله، ولكن الله تعالى جمعه بعده وسأله: لم فعل هذا؟ قال: يا ربي خوفًا منك؛ فغفر الله له، مع أنه كان شاكًّا في قدرة الله، والشك في قدرة الله كفر، لكنه متأول وجاهل فعفا الله عنه، وليعلم أن مسألة التكفير أصلها وشروطها لا يأخذها الإنسان من عقله وفكره وذوقه فيكفر من شاء ويعصم من شاء، الأمر في التكفير وعدم التكفير إلى الله عَزَّ وَجَل، كما أن الحكم بالوجوب أو التحريم أو التحليل إلى الله وحده، كما قال تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾.[النحل : ١١٦ ].
فالأمر في التكفير والعصمة إلى الله تبارك وتعالى، وأعني بالعصمة: يعني الإسلام الذي يعصم الإنسان به دمه وماله، هو إلى الله، إلى الله وحده، فلا يجوز إطلاق الكفر على شخص لم تثبت في حقه شروط التكفير، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من دعا رجلًا بالكفر أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك؛ فإنه يعود هذا الكلام على قائله يكون هو الكافر وهو عدو الله، فليحذر الإنسان من إطلاق التكفير على من لم يكفره الله ورسوله، وليحذر من إطلاق عداوة الله على من لم يكن عدوًّا لله ورسوله، وليحبس لسانه فإنَّ اللسان آفة الآفات؛ ولهذا لما حدَّث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ معاذ بن جبل بما حدثه به عن الإسلام قال له عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟) قال: بلى يا رسول الله، فأمسك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بلسان نفسه وقال: (كف عليك هذا، كف عليك هذا)؛ يعني: لا تطلقه، احبسه قيده، فقال: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني: هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم- أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟) .
[ صححه الامام الالباني رحمه اللهُ تعالى في صحيح سنن الترمذي (٢٦١٦)].
، ولهذا يجب على الإنسان أن يكف لسانه عن ما حرم الله، وأن لا يقول إذا قال إلا خيرًا؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت).
.[ أخرجه الامام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه ( ٤٧ )].
والخلاصة: أن مسألة التكفير والعصمة ليست إلينا، بل هي إلى الله ورسوله، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر، ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر، حتى وإن عظمت ذنوبه في مفهومنا وفي أذواقنا، الأمر ليس إلينا، الأمر في هذه الأمور إلى الله ورسوله، فلا بد للتكفير من شروط معلومة عند أهل العلم، ومن أوسع ما قرأت في هذا ما كتبه شيخ الإسلام رحمه في فتاويه وفي كتبه المستقلة، فأنصح السائل وغير السائل أن يرجع إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه- وأقولها شهادة عند الله- أوفى ما رأيت كلامًا في هذه المسألة العظيمة ".[ من كلام الامام محمد بن صالح العثيمين رحمه اللهُ تعالى في رسالة له عن مسألة العذر بالجهل ].
ويتبع مسألة اقامة الحجة او العذر بالجهل قيام رموز الفرق التكفيرية بوصف علماء دين الإسلام الصحيح، وهم أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح بالمرجئة أو مرجئة العصر؛بـ( الإرجاء أو المرجئة)؛ فهذا علامة من علامات الخوارج التي عرفوا بها على مر التاريخ الإسلامي وعرفتهم به علماء الإسلام، فقد ذكر العلامة حرب الكرماني رحمه الله في عقيدته صفحة ( ١٠٩ ) عن الإمام أحمد رحمه الله قوله: "وأما الخوارج فإنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة، وكذبت الخوارج، بل هم المرجئة يزعمون أنهم على إيمان دون الناس ومن خالفهم كفار ". انتهى كلامه رحمه الله.
فالصحيح: أن أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح، أطلقوا هذا الوصف وهو الإرجاء أو المرجئة على أشخاص عرف عنهم يقينا بأنهم" أخروا العمل عن الإيمان ولم يدخلوه في مسمى الإيمان "، اذ ان معنى الإرجاء هو التأخير، ومنه قوله تعالى: ﴿ قَالُوا أَرْجِه وَأَخَاهُ ﴾.[الشعراء : ٣٦ )].
و( فرقة المرجئة):
هم أنواع شتى ومذاهب مختلفة متنوعة متعددة، حتى قيل: أن عددهم أكثر من عشرين فرقة تجتمع كلها في تأخير العمل عن مسمى الإيمان، ومن ( أشهر فرقهم ):
[المذهب الأول للمرجئة]
غلاة المرجئة: وهم من الجهمية المعطلة، وهذه الفرقة على نوعين :
(١):
منهم من قال: [الأيمان المعرفة فقط ]، فألغوا قول اللسان والعمل بأنواعه، فعندهم الكفار مثل المؤمنين فالأيمان عندهم مجرد المعرفة فقط.
(٢):
ومنهم من قال: (أن الإيمان التصديق بالقلب فقط).
[ المذهب الثاني للمرجئة ]
من قال: أن الإيمان قول اللسان دون تصديق الجنان؛ وهذا مذهب الكرامية.
[المذهب الثالث للمرجئة ]
مرجئة الفقهاء: وهم من قالوا بتأخير العمل عن مسمى الإيمان.
وجل فرق الارجاء تتفق في إخراج العمل عن مسمى الإيمان، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن إيمان أفجر الناس مثل إيمان الملائكة والرسل عليهم الصلاة والسلام.
أعاذنا الله وإياكم من الأهواء والبدع والضلالة، ومن معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح: أن الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهذا دليل على كذب اهل التكفير ، ومعتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في الإيمان مدون في مؤلفتهم في كتبهم ورسائلهم وأشرطتهم الصوتية الثابتة عنهم ؛ ومن قال بهذا القول سلم من الإرجاء قليله وكثيره.
وفي جميع مؤلفات أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح من رسائل وكتب ومقالات وصوتيات يذمون الإرجاء وأهله، ويذمون مذهب المرجئة، ويذكرون معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في الإيمان، وينصرونه، ويأمرون به، ويوصون فيه، ويعتقدونه، وهذه مؤلفاتهم - بجميع أنواعها - مسطورة مشهورة وأشرطة صوتياتهم منشورة، اذ ان الواقع يكذب أي جاهل أو ضال خارجي أن يأت بمسألة جرت من علماء السنة والجماعة اتباع السلف الصالح تخالف معتقد أهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح في الإيمان أو في جميع مسائله، وأما الكذب فلا يحسنه إلا من قل إيمانه مثل هؤلاء الفجرة الخوارج.
كما أن الواقع يكذب أي شخص جاهل أو ضال خارجي أن يأت بمسألة لهم وافقوا فيها أحد من المرجئة أو وافقوا فيه عموم مذهب المرجئة في أي مسألة من مسائل الإيمان، فلا يصح أن يقال عنهم مرجئة أو أنهم من غلاة مذهب الإرجاء أو أنهم السبب في نشر مذهب الإرجاء.
وفرق الخوارج من حدادية وسرورية وعموم جماعة الإخوان؛ وهي الأم التي تفرع منها فرق الخوارج، يرون عدم العذر بالجهل فرأوا تبديع وتكفير من لم يعتقد رأيهم ورميه بالإرجاء، وهذه أحد النقاط التي رمت فرق الخوارج جميعها أهل العلم بالإرجاء، وخالفوا فيه معتقد أهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح، وذلك أن الخلاف في هذه المسألة لا يلزم منه تبديع أو رمي بالإرجاء أو إخراج من الملة؛ كما أن هذه المسألة ليس لها ثمرة، إذ أن القاضي الشرعي لا بد له من استتابة من وقع في الخطأ، وذلك ليعلم أهليته وسلامة عقله المعتبرة شرعا، وهل هو فاقد له؟
أم لا؟
مثل المجنون أو السكران حال شروعه بالفعل أو القول المحرم.
ثم ينظر هل كان جاهلًا أو صغيرًا أو أصمًا أو أبكمًا؟
أم لا؟
بحيث يعي ما يقوله أو يفعله ويدرك من حوله، ثم ينظر نوع الفعل، وهل هو ما بدر منه مكفر بنصوص الشرع أم لا؟
وهل يصح انطباق شروط التكفير عليه؟ أم لا؟
ثم إن القول بإقامة الحجة والعذر بالجهل أتى امتثالا لكلام الله وفق شرع الله، وفيه السماحة والرحمة، فبسبب توحيد الله سبحانه وتعالى ونبذ الشرك عنه؛ أرسلت الرسل والأنبياء وأنزل الله كلامه على رسله عليهم الصلاة والسلام لإقامة الحجة على عباده، قال الله تعالى وتقدس: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾.[ الإسراء: ١٥ ].
ويقول الله تعالى وتقدس: ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾.[النساء : ١٦٥ ].
قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "يقول: أرسلتهم رسلا إلى خلقي وعبادي، مبشرين بثوابي من أطاعني واتبع أمري وصدَّق رسلي، ومنذرين عقابي من عصاني وخالف أمري وكذب رسلي" لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "، يقول: أرسلت رسلي إلى عبادي مبشرين ومنذرين، لئلا يحتجّ من كفر بي وعبد الأنداد من دوني، أو ضل عن سبيلي بأن يقول أن أردتُ عقابه: ﴿لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أن نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾.[طه : ١٣٤ ]."، انتهى كلامه رحمه الله.
وفي صحيح البخاري ومسلم رحمهما من حديث الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول الرسول الكريم الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (ليسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِن أَجْلِ ذلكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَليسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِن أَجْلِ ذلكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ، وَليسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ، مِن أَجْلِ ذلكَ أَنْزَلَ الكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ) .[أخرجه البخاري رحمه الله تعالى ( ٤٦٣٤)ومسلم رحمه اللهُ تعالى ( ٢٧٦٠ ).
؛ وهذه الادلة الشرعية من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وماعليه هدي السلف الكرام من الصحابة رضي اللهُ عنهم والتابعين لهم بإحسان رحمهم الله تعالى هو المعتقد الصحيح الذي عليه كبار علماء الإسلام.
ولا يلزم من قال بإقامة الحجة او العذر بالجهل تكفير أو تضليل أو رمي بالإرجاء لمن قال بها من أهل العلم، مما يظهر لكل ذي لب بأن ظاهرة التبديع والتكفير بالإرجاء في هذه المسألة، يقف خلفه رموز جماعات تكفيرية خارجية لهم أهداف دنيوية سياسية، ورأوا أن من المصلحة الدنيوية لحزبهم التكفيري نشر فرية رمي هؤلاء الأئمة الأعلام بالإرجاء؛ ليتسنى لهم إبطال حجج من خالفهم من علماء الأمة الناصحين المخلصين المحذرين من أساليبهم ومن حزبهم الضال ومن أهدافهم ومن رموزهم المنحرفة.
رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل المتقبل والرزق الحلال الطيب المبارك الواسع وأحسن الله الينا واليكم وجميع المسلمين الخاتمة ؛ والله اعلى واعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وزوجه وسلم تسليما.
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
كتبه واملاه الفقير الى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .