بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
اما بعد
فنقول وبالله التوفيق إجابة لهذا السؤال :
هم طائفة من المنتسبين الي الإسلام المتأثرين بفلاسفة اليونان ظهرت في عهد الدولة العباسية ايام حكم المأمون وقد اشتغلوا بنشرفكر الفلاسفة اليونانيين بين المسلمين بعد ترجمة كتبهم إلى اللغة العربية مع عدم اهتمامهم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يرفعوا رأسا بعلم الكتاب والسنة وان تعلموها علموها كما يظهر للناس فغلب على هؤلاء المتكلمة الاحتجاج بالمنطق وترك الكتاب والسنة؛
وعُرفوا عند أهل الإسلام بالمتكلمة أو أهل الكلام.
وعلم الكلام هو : " الاستدلال بالحجج العقلية في إثبات الألوهية وترك ما ثبت في الكتب المنزلة والرسل المرسلة وهو أحد اجزاء ما يعرف بالمنطق الارسطي الذي يشمل دخوله في الفيزياء والجبر والرياضيات وغيرها..
وغيرها من علوم افتراضية
وكان علم الكلام سببا رئيسا في ظهور فرق التعطيل والتجهم والاعتزال والتمشعر والقول بالجبر والقدر..
وعلم المنطق: كما قال علماء الإسلام: لاينفع الذكي ولايستفيد منه الغبي .
ومن نتائج زبالة فكرهم : ما جرى من امتحان علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم في مسألة القول بخلق القرآن بل وفي مسائل عقدية كثيرة من مسائل أصول الدين مخالفة لدين الله الذي ارتضاه وهو دين الإسلام.
وللعلم :
فقد دخل هذا الشر مذاهب انتسبت الي الإسلام فأينما تجد معتزليا أو أشعريا أو رافضيا أو زيديا أو إباضيا (أو صوفيا) فهو المعني بعبارة(المتكلمة) في الغالب لأنّ الأوائل من ضلال المتكلمة ماتوا وبقى فكرهم حيا في هذه النحل الضالة…
قال في متن الطحاوية متحدثا عن الكلام وأهله: " فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوسا تائها، شاكا زائغا، لا مؤمنا مصدقا، ولا جاحدا مكذبا".
قال ابن أبي العز رحمه الله تعالى في شرحه للطحاوية : " يتذبذب: يضطرب ويتردد. وهذه الحالة التي وصفها الشيخ رحمه الله حال كل من عدل عن الكتاب والسنة إلى علم الكلام المذموم، أو أراد أن يجمع بينه وبين الكتاب والسنة، وعند التعارض يتأول النص ويرده إلى الرأي والآراء المختلفة، فيئول أمره إلى الحيرة والضلال والشك، كما قال ابن رشد الحفيد، وهو من أعلم الناس بمذاهب الفلاسفة ومقالاتهم، في كتابه (تهافت التهافت): ومن الذي قال في الإلهيات شيئا يعتد به ؟.
وكذلك الآمدي، أفضل أهل زمانه، واقف في المسائل الكبار حائر. وكذلك الغزالي رحمه الله، انتهى آخر أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية، ثم أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فمات والبخاري على صدره. وكذلك أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، قال في كتابه الذي صنفه في أقسام اللذات:
نهاية إقدام العقول عقال
وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه: قيل وقالوا
فكم ند رأينا من رجال ودولة
فبادوا جميعا مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها رجال،
فزالوا والجبال جبال.
لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: {الرحمن على العرش استوى} (طه: ٥)، {إليه يصعد الكلم الطيب} (فاطر: ١٠)، واقرأ في النفي: {ليس كمثله شيء} (الشورى: ١١ )، {ولا يحيطون به علما} (طه: ١١٠).
ثم قال: " ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي" .
وكذلك قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، أنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والندم، حيث قال:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها
وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر
على ذقن أو قارعا سن نادم .
وكذلك قال أبو المعالي الجويني : يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به.
وقال عند موته : لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي، أو قال : على عقيدة عجائز نيسابور. وكذلك قال شمس الدين الخسروشاهي، وكان من أجل تلامذة فخر الدين الرازي، لبعض الفضلاء، وقد دخل عليه يوما، فقال: ما تعتقد ؟
قال: ما يعتقده المسلمون،
فقال: وأنت منشرح الصدر لذلك مستيقن به ؟ أو كما قال،
فقال: نعم،
فقال: أشكر الله على هذه النعمة، لكني والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، وبكى حتى أخضل لحيته.
ولابن أبي الحديد الفاضل المشهور بالعراق:
فيك يا أغلوطة الفكر
حار أمري وانقضى عمري
سافرت فيك العقول
فما ربحت إلا أذى السفر
فلحى الله الألى
زعموا أنك المعروف بالنظر
كذبوا إن الذي ذكروا
خارج عن قوة البشر.
وقال الخونجي عند موته: ما عرفت مما حصلته شيئا سوى أن الممكن يفتقر إلى المرجح، ثم قال:
الافتقار وصف سلبي، أموت وما عرفت شيئا وقال آخر: أضطجع على فراشي وأضع الملحفة على وجهي، وأقابل بين حجج هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجر، ولم يترجح عندي منها شيء.
ومن يصل إلى مثل هذه الحال إن لم يتداركه الله برحمته وإلا تزندق، كما قال أبو يوسف: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غريب الحديث كذب.
وقال الشافعي رحمه الله: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام. وقال: لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننت مسلما يقوله، ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه -ما خلا الشرك بالله- خير له من أن يبتلى بالكلام. انتهى.
وتجد أحد هؤلاء عند الموت يرجع إلى مذهب العجائز، فيقر بما أقروا به ويعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك، التي كان يقطع بها، ثم تبين له فسادها، أو لم يتبين له صحتها، فيكونون في نهاياتهم إذا سلموا من العذاب بمنزلة أتباع أهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب.
والدواء النافع لمثل هذا المرض، ما كان طبيب القلوب صلوات الله وسلامه عليه يقوله إذا قام من الليل يفتتح صلاته: ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) . خرجه مسلم .
توسل صلى الله عليه وسلم إلى ربه ربوبيته [ ل]جبريل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إذ حياة القلب بالهداية.
وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الثلاثة بالحياة : فجبريل موكل بالوحي الذي هو سبب حياة القلوب، وميكائيل بالقطر الذي هو سبب حياة الأبدان وسائر الحيوان، وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى أجسادها.
فالتوسل إلى الله سبحانه بربوبيته لهذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة، له تأثير عظيم في حصول المطلوب. والله المستعان ".انتهى من شرح الطحاوية
ثم هنا أمر نجد أن المتكلمة ادخلوا علم الكلام في" قضية الألوهية، وقضية الرسالة، وقضية الجزاء في اليوم الآخر وغير ذلك"
ومعني هذا تقديم العقل البشري المعرض للآفات والنقص والمرض والهرم والنسيان والضعف
والذي لا يعلم كيف خلق روحه على كلام الله سبحانه وتعالى فيتحدثون في أمور يقف العقل البشري عاجزا عنها الا بكتاب منزل أو بنبي مرسل
فجعلوا كلام الفلاسفة حاكما قاضيا في تعيين دين لهم وترك أوامر الله تبارك وتعالى التي كرم بها البشر هداية ورحمة لهم لعلم خالقهم بعجزهم وضعفهم عن أمور الغيب بل والشهادة فمن رحمة الله إنزال الله لكتبه وإرساله لرسله مبشرين ومنذرين وهادين مهديين الي صراط الله المستقيم ومن المصائب الجمة ان علم الكلام البشري جعله المتكلمة اذناب الفلاسفة علم أصول الدين حيث قال أحدهم في تعظيمه لعلم الكلام البشري الناقص : " وعلم التوحيد والصفات، ثلاثة أسماء مترادفة لمسمى واحد، وسُمِّي بعلم التوحيد؛ لأن مبحث الوحدانية أشهر مباحثه، وسمي بعلم أصول الدين؛ لابتناء الدين عليه" .
فهل علم توحيد الله وأسمائه وصفاته والوهيته وعبادته تؤخذ من ملاحدة البشر؟.
وهل رسالة الأنبياء والمرسلين تستمد من قول ارسطو وأفلاطون وبقراط؟
وهل أصول دين الإسلام تؤخذ من الملاحدة؟
دين الله الإسلام
مصدره كلام الله سبحانه وتعالى المنزل غير مخلوق
ومصدره سنة الرسول صلى الله عليه وسلم{ وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحي} كل ذلك وفق هدي سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم ومن التابعين وتابعيهم رحمهم الله جميعا.
فلا دخل لعقل البشر
أو كلام البشر
فالله خلق الثقلين لتوحيده وعبادته وطاعته وطاعة رسله الكرام الذين ينزل علبهم الوحي الكريم وليس لأحد إنشاء دين من زبالة فكره وأمر الناس بذلك
فهذا هو عين دين علم الكلام.
ومذهب المتكلمة في تقديمهم للعقل ومغرافه لسان البشر يصدق كلام الكفرة السابقين ويجري مجراهم بقولهم : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ }.
ودين أهل الكلام اذناب الفلاسفة ليس هو كلام الله تعالى ربنا وتقدس ، بل هو عين كلام البشر، " وليس أيضا كلام البشر الأخيار، بل كلام الفجار منهم والأشرار، من كل كاذب سحار.فتبا له، ما أبعده من الصواب، وأحراه بالخسارة والتباب
كيف يدور في الأذهان، أو يتصوره ضمير كل إنسان، أن يكون أعلى الكلام وأعظمه، كلام الرب العظيم، الماجد الكريم، يشبه كلام المخلوقين الفقراء الناقصين؟!
أم كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد، على وصفه كلام المبدئ المعيد " انتهى من كلام الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة .
والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
....................
كتبه واملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني.
في يوم السبت ١٤ جمادى الأولى من ١٤٣٨ من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم.