بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فقد ثبت في الكتاب العزيز والسنة النبوية أن لربنا الله تعالى وتقدس أسماء حسنى وصفات علا تدل على واسع رحمته وعظيم مغفرته فهو الرحمن الرحيم الغفور الغفار الودود العفو التواب ؛ وثبت في الوحي :( أن رحمة الله سبقت غضبه ) ( والله يفرح بتوبة عبده ..... )
وثبتت صفة الضحك لله سبحانه في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث وصفة ضحك الله سبحانه وتعالى من الصفات الخبرية الفعلية الاختيارية القائمة بذات الله[ اغاظة ورد على المعتزلة لأنهم ينكرون صفات الله ] المتعلقة بمشيئة سبحانه وتعالى وقدرته[ اغاظة وردا على الأشاعرة لأنهم ينكرون هاتين الصفتين] فنثبت هذه الصفة على الوجه اللائق لله سبحانه وتعالى ؛ فالمعنى معقول والكيف مجهول . وإثبات هذه الصفة يكون من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف ولا تشبيه باطل ولاتأويل فاسد :{ ليس كمثله شى وهو السميع البصير } .
قَالَ الإمام مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجري رَحِمَهُ اللَّهُ في كتابه الشريعة ( ٢ / ١٠٥١ ) :
" اعْلَمُوا ، وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِلرَّشَادِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ :
أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ يَصِفُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ ، مِمَّنِ اتَّبَعَ وَلَمْ يَبْتَدِعْ .وَلَا يُقَالُ فِيهِ: كَيْفَ؟ بَلِ التَّسْلِيمُ لَهُ , وَالْإِيمَانُ بِهِ : أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَضْحَكُ . كَذَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَنْ صَحَابَتِهِ . وَلَا يُنْكِرُ هَذَا إِلَا مَنْ لَا يُحْمَدُ حَالُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ .
وَسَنَذْكُرُ مِنْهُ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ ، وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ " .
انتهى كلامه رحمه الله .
ومن الأحاديث التي وردت في صفة الضحك لله تعالى ربنا وتقدس ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم رحمهما الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا ؟)
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ .فَلَمَّا أَصْبَحَ ، غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
( ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا ؛ ) فأَنْزَلَ اللَّهُ : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }
وفي صحيح البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث أبي هريرة رضي الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَضْحَكُ اللَّهُ لِرَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أحَدُهُما الآخَرَ كِلاهُما يَدْخُلُ الجَنَّةَ)، قالوا: كيفَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: ( يُقْتَلُ هذا فَيَلِجُ الجَنَّةَ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ علَى الآخَرِ، فَيَهْدِيهِ إلى الإسْلامِ، ثُمَّ يُجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ، فيُسْتَشْهَدُ ).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( ثَلَاثَة يُحِبهُمْ الله ، ويضحك إِلَيْهِم ، ويستبشر بهم :
الَّذِي إِذا انكشفت فِئَة ، قَاتل وَرَاءَهَا بِنَفسِهِ لله عز وَجل ؛ فإمَّا أَن يُقتل ، وَإِمَّا أَن ينصره الله عز وَجل ، ويكفيه ؛ فَيَقُول : انْظُرُوا إِلَى عَبدِي هَذَا ، كَيفَ صَبر لي بِنَفسِهِ . وَالَّذِي لَهُ امْرَأَة حَسَنَة ، وفراش لين حسن ؛ فَيقوم من اللَّيْل ، فَيَقُول : يذر شَهْوَته ، ويذكرني ، وَلَو شَاءَ رقد . وَالَّذِي إِذا كَانَ فِي سفر ، وَكَانَ مَعَه ركب ، فسهروا ، ثمَّ هجعوا ؛ فَقَامَ من السحر ، فِي ضراء وسراء ) رواه الطبراني رحمه الله في الكبير والبيهقي رحمه الله في الأسماء والصفات والحاكم رحمه الله في المستدرك ومال إلى تحسينه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة(٣٤٧٨ )
وفي حديث آخر في قصة الرجل الذي ورد في السنة انه آخر من يدخل الجنة وقد اكتفينا بذكر الشاهد من الحديث وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أَيْ رَبِّ، لاَ أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ .فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ .فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ ). رواه البخاري ومسلم رحمهما الله. ومن الادلة حديث أَبِي رَزِينٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ ) قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ يَضْحَكُ الرَّبُّ، قَالَ: ( نَعَمْ ) ، قُلْتُ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا .وفي رواية عَنْ عَائِشَةَ بنت الصديق رضي الله عنهما قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَضْحَكُ مِنْ إِيَاسَةِ الْعِبَادِ وَقُنُوطِهِمْ ، وَقُرْبِهِ مِنْهُمْ ) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، أَوَ يَضْحَكُ رَبُّنَا؟ قَالَ: (أَيْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهُ لَيَضْحَكُ) ، قَالَ: فَقُلْتُ إِذًا لَا يَعْدِمُنَا مِنْهُ خَيْرًا إِذَا ضَحِكَ " .
رواه احمد رحمه الله في المسند وابن ماجه رحمه الله في سننه والطبراني رحمه الله في المعجم الكبير وابن خزيمة رحمه الله في التوحيد وعبدالرزاق الصنعاني رحمه الله في مصنفه والحاكم رحمه الله في المستدرك وعبد الله بن أحمد رحمه الله في زوائد المسند وحسنه ابن تيميه رحمه الله في مجموع الفتاوى( ٣ / ١٩٣ ) وابن القيم رحمه الله رحمه الله في زاد المعاد ( ٣ /٥٩١ ) و مال بل وانتصر الى صحة هذا الحديث حيث قال رحمه الله: " هَذَا حَدِيثٌ كَبِيرٌ جَلِيلٌ ، تُنَادِي جَلَالَتُهُ وَفَخَامَتُهُ وَعَظَمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ ، لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني ، وَرَوَاهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُتُبِهِمْ ، وَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ ، وَقَابَلُوهُ بِالتَّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ ، وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ ، وَلَا فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ.وَقَالَ ابن منده : رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعِرَاقِ بِمَجْمَعِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الدِّينِ : جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ ، وأبو حاتم ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يُتَكَلَّمْ فِي إِسْنَادِهِ ، بَلْ رَوَوْهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ ، وَلَا يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا جَاحِدٌ أَوْ جَاهِلٌ أَوْ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ " . انتهى كلامه رحمه الله. وحسنه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ( ٢٨١٠ ) .
ومما أيدني في المضي قدما في الكتابة في هذا الموضوع بعد توفيق الله وفضله ورحمته امران هما :
أولا:
بيان أهمية صفة الضحك لله سبحانه وتعالى .
ثانيا :
قول الصحابي الجليل رضي الله عنه: [ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، أَوَ يَضْحَكُ رَبُّنَا؟ ].
قَالَ: (أَيْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهُ لَيَضْحَكُ) ، قَالَ: [ فَقُلْتُ إِذًا لَا يَعْدِمُنَا مِنْهُ خَيْرًا إِذَا ضَحِكَ ]. وفي رواية : [ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ يَضْحَكُ الرَّبُّ ] ، قَالَ: ( نَعَمْ ) ، قُلْتُ: [ لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ ].وفي حاشية السندي رحمه الله شرح سنن ابن ماجه رحمه( ١ / ٧٨ ) يقول السندي رحمه الله :
" الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَضْحَكُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ مَأْيُوسًا مِنَ الْخَيْرِ بِأَدْنَى شَرٍّ وَقَعَ عَلَيْهِ ، مَعَ قُرْبِ تَغْيِيرِهِ تَعَالَى الْحَالَ مِنْ شَرٍّ إِلَى خَيْرٍ وَمِنْ مَرَضٍ إِلَى عَافِيَةٍ وَمِنْ بَلَاءٍ وَمِحْنَةٍ إِلَى سُرُورٍ وَفَرْحَةٍ " "وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي خَلْقِهِ أَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأَنَّ الْيُسْرَ مَعَ الْعُسْرِ، وَأَنَّ الشِّدَّةَ لَا تَدُومُ ، فَإِذَا انضمَّ إِلَى ذَلِكَ قُوَّةُ الْتِجَاءٍ وَطَمَعٍ فِي فَضْلِ اللَّهِ ، وَتَضَرُّعٌ إِلَيْهِ ودعاء ؛ فتح اللهم عَلَيْهِمْ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لَا يَخْطُرُ عَلَى الْبَالِ "[ شرح خليل هراس رحمه الله لكتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله( ١٧١ ) ].
وفقنا الله وإياكم إلى ما يحبه الله ويرضاه ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة ؛ اللَّهمَّ مالِكَ الملْكِ تُؤتي الملكَ من تشاءُ وتنزِعُ الملكَ ممَّن تشاءُ وتُعِزُّ من تشاءُ وتُذِلُّ من تشاءُ بيدِك الخيرُ إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ رحمنَ الدُّنيا والآخرةِ ورحيمَهما تعطيهما من تشاءُ وتمنعُ منهما من تشاءُ ارحَمْني رحمةً تُغنيني بها عن رحمةِ من سواك ..اللَّهُمَّ اكْفِني بحلالِك عن حرامِك، وأغْنِني بفَضْلِك عمَّن سِواك...اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل ومن غلبة الدين وقهر الرجال .. اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شئ فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ اقض عنا الدين وأغننا من الفقر ...اللهم إني عبدُك ، وابنُ عبدِك وابنُ أمتِك ، ناصيتي بيدِك ، ماضٍ فيّ حكمُك ، عدلٌ فيّ قضاؤُك ، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك ، سميتَ به نفسَك ، أو علمته أحدًا من خلقِك ، أو استأثرت به في علمِ الغيبِ عندك أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ، ونورَ صدري ، وجلاءَ حزني ، وذهابَ همي وغمي ...
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
""""""""""""""""""""""""""""""
كتب هذه الرسالة : غازي بن عوض العرماني كان الله في عونه وعفا عنه وغفر له ورحمه .