الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه وأقتفى
أما بعد
فتأتيني أسئلة واستفسارات من بعض طلاب العلم عن سبب انقراض كثير من قبائل العرب التي كانت موجودة في بداية ظهور الإسلام بل قد تكون هذه الأسئلة عبارة عن إيرادات تأتي النفس بعد الإطلاع على السير و التاريخ وكتب الأنساب القديمة أو التي صدرت حديثا ثم يقارنه بالواقع المشاهد لذا يجد ظهور كثير من القبائل العربية في هذا العصر لم تكن معروفة في بداية ظهور الإسلام ( وقت القرون المفضلة ) أو في عهد بني أمية أو عهد العباسيين
.
ولعل هذا الأمر
يحدث وفق الطبيعة البشرية وكل ذلك بقضاء الله وقدره
مثل ما حدث في تقسيم قبائل العرب إلى عاربة ومستعربة .
وقبل ذلك:
انقراض القبائل العاربة مثل طسم وجديس وجرهم واياد وسبأ وقبائل أخرى وهذا الأمر يحتاج الى دراسة مستفيضة من ذوي الاختصاص بعلم النسب واظن والله أعلم أن هذا العلم من العلوم التي لا تنفع . فكلنا من بني آدم عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام ......والمقياس الصحيح والميزان الحق هو تقوى الله سبحانه وتعالى و الحرص على اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفق هدي السلف الصالح فلم ينفع اباطالب وابا لهب نسبهم فهم من بني هاشم وانظر علو منزلة سلمان الفارسي و بلال الحبشي وصهيب الرومي رضي الله عنهم وعن جميع صاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم
ومن خلال اطلاعي على كثير من كتب الأنساب وقراءة مئات من كتب التاريخ كنت أتعجب من عدم وجود ذكر هذه القبائل أو ذكر لاسباب ظهورها . ومر في مخيلتي كثير من الإيرادات والاسئلة التي احتاج الى إجابات علمية تاريخية فلم أجد مايشفي ولا يكفي مؤملا من دارس هذا الموضوع النظر في نقاط مهمة لعلها من الأسباب منها على سبيل المثال لا الحصر :
( اولا )
ما سبب انقراض القبائل العربية السابقة مثل طي وبكر وتغلب وهوازن وغيرها من قبائل كثيرة ؟
( ثانيا )
ماسبب تسمية هذه القبائل الحادثة بهذا الأسماء ؟
( ثالثا )
تاريخ انقراض القبائل العربية السابقة التقريبي.
( رابعا )
ماهو تاريخ ظهور هذا القبائل الحادثة ؟
( خامسا )
هل هناك علاقة قرب ونسب بين القبائل السابقة والقبائل التي حدثت بعدها ؟
( سادسا )
المذاهب المنتسبة لدين الإسلام وهو برئ منها مثل الباطنية من رافضة وقرامطة وخوارج وزيدية ؛ هل لها سبب في انقراض أو أحداث قبائل في جزيرة العرب بعد افراطها في استحلال دماء المسلمين ؟
( سابعا )
هل لتولي العجم مقاليد الحكم في مصر والشام والعراق وغيرها من بلاد الإسلام مثل حكم المماليك وغيرهم سببا في سكوت بعضهم عن إظهار نسبه مداراة لهؤلاء الحكام الاعاجم مع مراعاته لمصالح دنيوية يرجوها .
( ثامنا )
هل لغزو التتار المغول ثم حكم الدولة المغولية التركية الدموي سبب في انقراض الأنساب العربية وكذلك ضعف لغة العرب ؟.
( تاسعا )
هل لضعف المسلمين عقديا وتنوع الفرق والمذاهب واختلاط العرب المسلمين بغيرهم من الشعوب المسلمة داعم قوي في تغيير المسميات؟
الى غير ذلك من أسئلة تحتاج إجابات تاريخية.
( عاشرا )
هل للتحالفات بين عدة قبائل أو اسر له أثر ؟
( الحادي عشر )
هل دخلت هذه القبائل تحت مسمى احد افخاذها نظرا لقوة افراده وكثرتهم .
( الثاني عشر )
هل الطبيعة البدوية وغلبة حرفة الرعي على ذويها وكثرة الترحال تبعا للماء والكلأ والمشاهد ان أكثر اقاليم جزيرة العرب مناخهت قاري وقسوته صيفا وشتاء مع قلة الربيع ومن ثم انتقالها إلى أماكن وجود العشب خارج جزيرة العرب واختلاط هذه القبائل العربية بشعوب أخرى سبب في ذوبانها في هذا المجتمعات .
فكل ما سبق :
مجموعة من النقاط لزاما على المهتم في علم الأنساب أخذها بعين الاعتبار عند حديثها عن هذا الأمر
وصدق الله القائل :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة : " وقال مقاتل : لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا حتى علا ظهر الكعبة وأذن ، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم ، وقال الحارث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ، وقال سهيل بن عمرو : إن يرد الله شيئا يغيره . وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء ، فأتى جبريل فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قالوا ، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزراء بالفقراء فقال :
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) يعني آدم وحواء أي إنكم متساوون في النسب . ( وجعلناكم شعوبا ) جمع شعب بفتح الشين ، وهي رءوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج ، سموا شعوبا لتشعبهم واجتماعهم ، كشعب أغصان الشجر ، والشعب من الأضداد يقال : شعب ، أي : جمع ، وشعب أي : فرق . ( وقبائل ) وهي دون الشعوب ، واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة وتميم من مضر ، ودون القبائل العمائر ، واحدتها عمارة ، بفتح العين ، وهم كشيبان من بكر ، ودارم من تميم ، ودون العمائر البطون ، واحدتها بطن ، وهم كبني غالب ولؤي من قريش ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذ ، وهم كبني هاشم وأمية من بني لؤي ، ثم الفصائل والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة ، وليس بعد العشيرة حي يوصف به .
وقيل : الشعوب من العجم ، والقبائل من العرب ، والأسباط من بني إسرائيل " [ انتهى كلامه رحمه الله بتصرف يسير ]
" فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية ، وهي طاعة الله ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ; ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضا ، منبها على تساويهم في البشرية "
"وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
قال البخاري رحمه الله : حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا عبدة ، عن عبيد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الناس أكرم ؟ قال : ( أكرمهم عند الله أتقاهم )قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : ( فأكرم الناس يوسف نبي الله ، ابن نبي الله ، ابن خليل الله ). قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : ( فعن معادن العرب تسألوني ؟) " قالوا : نعم . قال : ( فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ) .
وقد رواه البخاري في غير موضع من طرق عن عبدة بن سليمان . ورواه النسائي في التفسير من حديث عبيد الله - وهو ابن عمر العمري - به .
حديث آخر : قال مسلم ، رحمه الله : حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) .
ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سنان ، عن كثير بن هشام ، به .
حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن أبي هلال ، عن بكر ، عن أبي ذر قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : ( انظر ، فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى) . تفرد به أحمد .
حديث آخر : وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أبو عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم العسكري ، حدثنا عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة ، حدثنا عبيد بن حنين الطائي ، سمعت محمد بن حبيب بن خراش العصري ، يحدث عن أبيه : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :( المسلمون إخوة ، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى )
حديث آخر : قال أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا أحمد بن يحيى الكوفي ، حدثنا الحسن بن الحسين ، حدثنا قيس - يعني ابن الربيع - عن شبيب بن غرقدة ، عن المستظل بن حصين ، عن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( كلكم بنو آدم . وآدم خلق من تراب ، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان ).
ثم قال : لا نعرفه عن حذيفة إلا من هذا الوجه .
حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا يحيى بن زكريا القطان ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده ، فما وجد لها مناخا في المسجد حتى نزل - صلى الله عليه وسلم - على أيدي الرجال ، فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت . ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبهم على راحلته ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال : ( يا أيها الناس ، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله . إن الله يقول : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } ثم قال : ( أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ) .
هكذا رواه عبد بن حميد ، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد ، عن موسى بن عبيدة ، به .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحد ، كلكم بنو آدم طف الصاع لم يملأه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين وتقوى ، وكفى بالرجل أن يكون بذيا بخيلا فاحشا ) .
وقد رواه ابن جرير ، عن يونس ، عن ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، به ولفظه : ( الناس لآدم وحواء ، طف الصاع لم يملئوه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
وليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عبد الله بن عميرة زوج درة ابنة أبي لهب ، عن درة بنت أبي لهب قالت : قام رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر ، فقال : يا رسول الله ، أي الناس خير ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( خير الناس أقرؤهم ، وأتقاهم لله عز وجل ، وآمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأوصلهم للرحم ).
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو الأسود ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : ما أعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء من الدنيا ، ولا أعجبه أحد قط ، إلا ذو تقى . تفرد به أحمد رحمه الله .
وقوله : { إن الله عليم خبير } أي : عليم بكم ، خبير بأموركم ، فيهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، ويرحم من يشاء ، ويعذب من يشاء ، ويفضل من يشاء على من يشاء ، وهو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله "[انتهى كلام ابن كثير رحمه الله بتصرف]
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
كتبه : غازي بن عوض العرماني.