الأحد، 27 فبراير 2022

《 هل ثواب الأعمال الصالحة بما فيها إهداء ثواب تلاوة القرآن الكريم يصل إلى الميت ؟ 》


لأهل العلم أقوال ثلاثة  في هذه المسألة  :


          [[  القول الأول  ]]

وهو القول بالجواز  وهذا 

إختيار جمع من أهل العلم منهم  شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح ( ١ / ١١٧ ) إلى وصول ثواب ذلك ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية: كالصوم والصلاة وقراءة القرآن، والصواب أن الجميع يصل إليه، أي يصل ثوابها إلى الميت ".

[ مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله( ٢٤ /٣١٥ ) .


 

             [[ القول الثاني  ]] 


 التوسط وهو اختيار الإمام الألباني رحمه الله وهو قوله في جواز تخصيص الولد بذلك حيث قال رحمه الله : " 

أنا ما أقول يا أخي بالجواز مطلقاً، أنا أقول: بأن كسب الولد .. كما قال عليه السلام: ( أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده، وإن أولادكم من كسبكم وقال تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [.يس: ١٢ ].

وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( إذا مات الإنسان )وفي رواية: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فهذا الولد الصالح فعله الصالح ينفع والديه؛ لأنه أثر من آثار الوالدين، {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [ يس: ١٢ ] ولا أقول بأن القراءة هذه تفيد غير الوالدين أو أي يعني: فعل صالح يفيد غير الوالدين، ولعلكم تذكرون أن بعض العلماء المتقدمين يقولون: بأن صدقة المتصدق عن بعض المسلمين تصلهم هذه الصدقة ولو كانوا غير الوالدين، نحن في هذا الموقف نحدد الوصول للوالدين، فصدقة الولد تصل إلى الوالدين، وكل عمل صالح كعتق الرقاب والعبادات بصورة عامة تصل إلى الوالدين لما ذكرنا آنفاً من عموم الأدلة.

أما أن ينتفع من هذه المبرات أو هذه العبادات غير الوالدين ومنها تلاوة قرآن نحن ما نقول بهذا العموم؛ ولذلك فينبغي إعادة النظر في ذالك الكلام حتى لا ينسب إلينا ما لا نقول به، نحن نقول فقط بهذا التحديد الضيق ".انتهى كلامه رحمه الله. 

[ سلسلة الهدى والنور شريط رقم ( ٣٦٦ ) ] .


       [[   القول الثالث   ]]


المنع لعدم الدليل وهذا إختيار الإمام ابن باز رحمه الله  

وفي منع هذه المسألة يقول رحمه الله : 

" هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم:

من أهل العلم من يقول: إن قراءة القرآن تصل إلى الميت، إذا قرأ وثوبها للميت تصل إليه، كما يصل إليه الصدقة والدعاء والحج عنه والعمرة وأداء الدين ينتفع بهذا كله، فقالوا: إن هذا مثل هذا، إن قراءة القرآن أو كونه يصلي له، أنه يلحقه كما تلحقه الصدقة وتنفعه الصدقة والحج عنه والعمرة والدعاء.

وقال آخرون: لا؛ لعدم الدليل؛ لأن العبادات توقيفية لا يفعل منها شيء إلا بالدليل، لا مجال للرأي فيها، فالعبادات توقيفية بمعنى أنها تتلقى عن الله وعن الرسول ﷺ لا بالرأي والهوى والقياسات لا، العبادات توقيفية قال الله قال رسوله، ما شرعه الله في كتابه أو رسوله ﷺ في السنة فهذا هو الذي يؤخذ به ويعمل به، وما لا فلا، وهذا هو الصواب أن القراءة لا تهدى هذا هو الصواب، لا يشرع أن تهدى وهكذا الصلاة لا يصلي أحد عن أحد؛ لعدم الدليل، لأنه ما كان النبي ﷺ يفعل هذا عن أقاربه، وما فعله الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عن أقاربهم.

فالمشروع لنا أن نتبع طريقهم وسبيلهم فلا نقرأ عن الميت ولا لغير الميت، يعني: نثوب القراءة له ولا نصلي له ولا نصوم له؛ لأنه لم يرد إلا إذا كان عليه دين صوم رمضان ولم يقضه يصام عنه، كما قال ﷺ: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، لكن لا يقاس عليه الصلاة ولا تقاس عليه القراءة، العبادات ما هي بمحل قياس، القياس في أمور أخرى غير العبادات.

فالمؤمن حق عليه أن يلتزم بما شرعه الله ويؤدي العبادة كما شرعه الله، ولا يحدث شيئاً لم يشرعه الله؛ لقول النبي ﷺ: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).رواه مسلم في الصحيح؛ ولقوله ﷺ: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق على صحته، وقوله ﷺ في خطبة الجمعة: ( إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ).رواه مسلم أيضاً.

فالمؤمن يتبع ولا يبتدع فيقرأ لنفسه ويصلي لنفسه يرجو ثواب الله، أما أنه يهدي صلاته أو قراءته إلى حي أو ميت فهذا ليس بمشروع على الصواب فينبغي تركه، وإن قال آخرون من أهل العلم: إنه يفعل، فالاعتبار بالأدلة الشرعية لا بأقوال الناس، يقول الله عز وجل : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }. [النساء: ٥٩ ]، ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى: ١٠ ] فهذه المسألة إذا رددناها إلى الله وإلى رسوله لم نجد في الكتاب العزيز ولا في السنة المطهرة ما يدل على أننا نصلي عن فلان أو نقرأ عن فلان، ونهدي له ثواب قراءتنا وصلاتنا، ولا صومنا، لكن جاء في السنة تصدق الصدقة عن الميت نافعة، والدعاء له بالمغفرة والرحمة نافع بإجماع المسلمين، هكذا الحج عنه والعمرة عنه، إذا كان ميتاً أو عايشاً لا يستطيع الحج لهرمه أو لمرض لا يرجى برؤه لا بأس أن يحج عنه ويعتمر، وهكذا إذا كان عليه دين قضاه أخوه المسلم ينفعه، أما أن يصام عنه تطوع أو يصلى عنه أو يقرأ عنه هذا ليس عليه دليل، فلا ينبغي أن يفعل ولا يشرع، عملاً بالأدلة الشرعية ووقوفاً عندها، والله ولي التوفيق " .[ من الموقع الرسمي للإمام ابن باز رحمه الله ].


 الترجيح:

الذي يظهر لي بعد  الرجوع إلى دواوين شيوخ الإسلام وعلماء السنة وأئمة السلف الصالح رحمهم الله ومااستنبطوه من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم رجحان القول الثالث اختيار الإمام ابن باز رحمه الله وهو القول :[  بمنع وصول ثواب  الأعمال الصالحة إلى الميت بما فيها القرآن الكريم إلا ما دل الدليل  من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على وصوله ] ومعلوم بداهة ان العبادات توقيف تؤخذ من  الكتاب والسنة ولا يصح القياس فيها .والذي يظهر لي قوة قول الإمام ابن باز رحمه الله وذلك لاعتماده على الأدلة النقلية والحجج العقلية التي لامناص  من الرجوع إليها والاعتماد عليها وترك ما سواها فهذا هو دين الإسلام و أئمتنا وشيوخنا نحبهم في الله لكن والله إن الحق أحب إلينا فإذا وجد الدليل الشرعي الذي يثبت صحة العبادة  فهذا هو دين الإسلام فدين الله مبني على كلام الله سبحانه وتعالى وعلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ومعلوم بداهة بل هذا المتفق عليه: ان العبادات توقيف تؤخذ من  الكتاب والسنة ولا يصح القياس فيها .والأصل في العبادات المنع إلا لنص ، والأصل في العادات الإباحة إلا لنص ؛ قال الإمام الألباني رحمه الله :

" ندور مع الدليل حيث دار ، ولا نتعصب للرجال ، ولا ننحاز لأحد إلا للحق ، احفظ هذا فإنه هام جداً ".[ التوسل أنواعه وأحكامه(  ٤٨ )بتصرف]

. رحم الله شيوخ الإسلام وأئمة السنة واعلام الهدى ومصابيح الدجى ابن تيمية وابن القيم والالباني وابن باز وغيرهم ممن لم نذكر  وجمعنا الله واياهم وإياكم في الفردوس الأعلى من الجنة. 

ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا  .

••••••••••••••••••••••••••••••

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه  : غازي بن عوض العرماني  .