السبت، 26 فبراير 2022

《 بيان جواز إثبات عقد النكاح اليكترونيا عن طريق ابشر للتوثيق ومناقشة من منع ذلك 》



بسم الله الرحمن الرحيم 

فقد اطلعت على رسالة للشيخ ................... والذي يعمل في كلية الشريعة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة ورأيت فيها امورا تحتاج إيضاح وعبارات مجملة تحتاج تبيين وقد جعلت رسالته بين معكوفتين هكذا[[ ]] كما سيأت و رسالته التي نريد الرد عليها ومناقشة صاحبها في أقواله هذا نصها : 

[[ حكم ضغط الزر بالموافقة في الإيجاب والقبول بدلاً من اللفظ في عقد النكاح لفضيلة الشيخ د. ...............

——————

استحدث في هذا العصر عقد النكاح عن طريق برامج مراسلات الإلكترونية تصل إلى الولي والزوج والزوجة والشهود  بالموافقة من عدمها مع تحديد المهر والشروط، فتكون الموافقة من هذه الأطراف عن طريق الضغط على  أزرة الموافقة ، فهل يغني ذلك عن التلفظ بالإيجاب والقبول ؟

————-

النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول  من طرفي العقد ، وهو الولي والزوج ، وللزوجة الفسخ إذا لم ترض بالعقد ، ولا يصح النكاح بغير التلفظ ، ولا تجزيء فيه الإشارة إلا لمن كان معذوراً في النطق كالأخرس، وذلك للأسباب التالية :


١ -  لقوله صلى الله عليه وسلم :( واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى ) والكلمة لا تكون كلمة في أصل الوضع اللغوي إلا باللفظ، لا بالإشارة والحركة على الأزرة  ونحوهما.

والقاعدة : ما لا يحتاج إلى إضمار ، أولى مما يحتاج إلى إضمار - كما سبق تقريره في القواعد -.


فإن قيل : إن كلمة الله : تحتمل أن المراد هو ما ذكر : الكلمة التي أمر الله تعالى بها وهي لفظ النكاح - الإيجاب والقبول -.


و قيل كلمة الله أي القرآن .

وقيل : هي إباحته وحكمه.

وقيل : كلمة الله هي كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم.


والقاعدة : إذا جاء الاحتمال بطل به الاستدلال، إذا كان راجحاً أو مساوياً.


والجواب : أن الاحتمال الأول هو الراجح وغيره مرجوح .

وذلك : لأن الاحتمال الأول هو الظاهر من اللفظ ، لأنه لا يحتاج إلى تأويل .

والقاعدة : تفسير الشيء بمادته أولى من تفسيره بغير مادته - كما سبق في القواعد -.

ولأن القرينة تدل على المعنى الأول : فالاستحلال بالزواج لا يكون إلا بلفظ الإيجاب والقبول الصادر من أهله .


ولأن ( كلمة الله ) وإن أطلقت على معان متعددة، فإن القاعدة : الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم - كما تقدم في القواعد -.


ولأن القاعدة : لا يجوز فرض العمومات في المضمرات.

والقاعدة : النص إذا كان يحتمل أكثر من معنى بحسب أوضاع متعددة لا يحمل على جميع تلك المعاني. - وكل هذه القواعد تقدم تقريرها في القواعد -.


فإن قيل :  الإيجاب والقبول يكون حقيقة وحكمًا.

حقيقيٌّ بالتلفظ به، وحكميٌّ بكل ما دل على القبول والإيجاب من إشارة ونحوها .


فالجواب : نحن نتكلم على ما علق النص الحكم على الاستحلال به وهو الكلمة .

فما اشترط فيه الشارع الكلام لا ينعقد إلا به، وما لم يشترط فيه الكلام ، فإن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.


٢ - ولأن ضغط الزر بالموافقة لا تستلزم الموالاة بين الإيجاب والقبول ، وقد يتقدم القبول على الإيجاب، وقد يكون الفاصل طويلاً فلا ينعقد به العقد كعقد البيع ، بجامع المعاوضة في كل .

فإن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما فرق بين المتلاعنين ، قال الرجل : يارسول الله مالي، قال : ( إن كنت صادقاً فما استحللت من فرجها، وإن كنت كاذباً فذاك لك أبعد ).

هذا دل على أن المهر في مقابلة الاستمتاع بالبضع.


٣ - ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر ) فالبكر وجود المانع من نطقها وهو الحياء، ولم يتوفر في الثيب المانع - غالباً- فلا بد من نطقها بالموافقة أو أمرها به ، مما يدل على اعتبار اللفظ في عقد النكاح عند عدم وجود المانع .


٤ - ولأن عقد النكاح يحتوي على الخطاب اللفظي، والخطاب الوضعي.


والقاعدة : أن الإشارة تنزل منزلة المقول في خطاب التكليف عند وجود العذر، و تنزل منزلة  المقول في خطاب الوضع ولو من غير عذر.       - إذا كانت مفهمة  -  وقد تم توضيحها في القواعد الفقهية والأصولية - .

والأمر بإنكاح الأيامى - من لم يتزوج - خطاب تكليف ، فلا يكون بالإشارة والضغط بدون لفظ إلا من عذر كالأخرس.

(وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)


٥ - ولعدم حضور الشهود للإيجاب والقبول - عند من يشترط الشهادة في عقد النكاح .


٦ - ولأن هذه الضغطة تحتمل أن تكون من الولي أو من غيره، ويحتمل أن تكون من الزوجة أو غيرها، وتحتمل ممن عرف موافقتهم فضغط عنهم ولم يحصل من طرفي العقد ، فكانت محتملة ، وعقد النكاح لا ينعقد بالاحتمال، لأن اليقين لا يزول إلا بيقين مثله.

والقاعدة : الأصل في الأبضاع التحريم .


وذهب جمع من أهل العلم : أن عقد النكاح سائر العقود : ينعقد بما دل عليه من لفظ أو فعل ، لأن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.

فكل ما اعتبره الناس نكاحاً بأي فعل أو قول فهو عقد صحيح.

والجواب : أن الأدلة السابقة تدل على استثناء عقد النكاح من سائر العقود ، فلا ينعقد إلا باللفظ، والله تعالى أعلم .


تنبيه :  ذهب الجمهور إلى عدم انعقاد الإيجاب والقبول  بالكتابة للغائب، لكونها كناية، والنكاح لا ينعقد بالكناية .


والقول الثاني: ينعقد الإيجاب والقبول بالكتابة للغائب، وهو مذهب الحنفية وقول عند الشافعية والحنابلة وهو ظاهر اختيار ابن تيمية = ، والشوكاني ؛ وذلك لأن الكتاب للغائب كالخطاب للحاضر.

ومذهب الجمهور أرجح بناء على ما سبق في توضيح أصل المسألة .والله أعلم .

كتبه / د . .................../ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة ]] انتهى كلامه وفقنا الله وإياكم وإياه إلى مايحبه الله ويرضاه وهذا ردنا عليه فنقول إجابة عن الاحتمال الذي وجد في رسالته وايضاح لها وتبيين لبعض ما ورد فيها من اجمال : 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا  

أما بعد 

فقد أطلعت على رسالة الشيخ .......... كما ذكرناها في مقدمة رسالتنا هذه . وقد نشرها في مدونة له خاصة فيه فأقول :

 يفترض من فضيلته دفعا للاشكال ورفعا للإيهام وبعدا عن نشر المسائل العلمية المجملة المحتملة أن يأت بهذه المسألة مفصلة ف[ الحكم على الشئ فرع عن تصوره ]:


                 ( أولا )

 بيان الحكم في استخدام التقنية الإلكترونية عن طريق نظام ابشر في إثبات العقود وحفظ الحقوق فهذه المسألة التي ذكرها من أردنا الرد عليه لها صورتان :


الصورة الأولى وهي ماذكرها بقوله : 

[[ استحدث في هذا العصر عقد النكاح عن طريق برامج مراسلات الإلكترونية تصل إلى الولي والزوج والزوجة والشهود  بالموافقة من عدمها مع تحديد المهر والشروط، فتكون الموافقة من هذه الأطراف عن طريق الضغط على  أزرة الموافقة ]] فما حكم هذه الطريقة اذا كان فيها ايجاب وقبول يسبق هذه العملية لتوثيق الزواج وهذا هو الذي يحصل في واقع المجتمعات المسلمة ؟

.واستخدام التقنية الحديثة جرى بناء على توجيه ولي الأمر في توثيق العقود وإثبات الحقوق لرعيته

فهنا المسألة لها حكم  

ولا يتصور إحسان الظن منا في المجتمع المسلم وافراده أن يأت أحد من الشارع فيقوم بهذا الزواج الوهمي والمفترض حدوثه تصورا لا واقعا ولا شرعا ولا عقلا فلا بد أن يسبق ذلك ما تعارف المجتمع بحصوله من رغبة الزوجين ببعضهما وحدوث الرؤية الشرعية ومن ثم وجوب موافقة ولي الأمر وتحديد المهر والشروط ومن ثم معرفة الشهود وتحديد أسمائهم وبهذا جرى العرف وعليه عمل المسلمين ف" الإيجاب و القبول يتم في مجلس العقد بعد ان تتم المصادقة من اطراف العقد يحضر المأذون للمجلس و يتاكد من وثائقهم و يتحقق من الشروط و المهر لان البعض يصادق ولا يعلم ماذا دون في العقد .. لكن اذا حضر الماذون يقرأ عليهم العقد كامل واذا تمت الموافقه من الكل على ماتم تدوينه مسبقا . اجرى لهم العقد وبعض الاحيان و نحن في مجلس العقد يختلفون على المهر او الشروط ويعاد العقد للوزاره للتعديل " [ افادنا بذلك الشيخ أبوسليمان حفظه الله من ماذوني عقود المحكمة في محكمة بريدة ].


ثم 

               ( ثانيا )

ان يذكر المسألة الأخرى التي لها حكم آخر مختلف وهي الصورة الثانية بحيث تكون هكذا كما ذكرها برسالته ونصها :

[[هل تغني هذه الطريقة عن التلفظ بالايجاب والقبول ؟]] فهنا :

فرق بين المسألتين كما يشاهد وإعطاء الفهم الحق لكل مسالة هو سبيل أهل العلم وقد يكون لمؤلف الرسالة وجه لبحثها بين طلابه وليس له :

              [ أ ]

  دمجهما او إعلانها في حكم واحد .


               [ ب ] 

ومن ثم يأت إلى جهة حكومية مختصة معلنا رأيه في هذه القضية التي هي من صميم عملهم ومن أوليات اختصاصهم 

وكان المفترض أن يكون سرا ابتعادا عن اللغط والغلط وعن اثارة الرأي العام في أمور أجمل فيها الحكم ولم يبينه ؛ ولأن طريق النصح والتوجيه الشرعي الصحيح لولي الأمر ونوابه المبني على ادلة الشرع والذي يجب عليه وعلى كل مسلم سلوكه لتبعية هذه الجهة المراد الإنكار العلني عليها لولاة الأمر .

ولأن في منع هذه التقنية بعد بيان الفرق بين الصورتين واختلاف الحكمين فيهما إنما هو منع أمر يراد به توثيق العقود وحفظها وعدم تضييعها ومثله مثل عقود النكاح الورقي للتوثيق وهذا الاخير من الأمور المتفق على جواز العمل فيه بين الجميع . 

وقد حدثت في منع التقنية الحديثة سابقا فتن وقتال بين ولي امر المسلمين حينما أراد إدخالها اقتضاء للمصلحة الشرعية التي يعرفها ويقدرها وينفذها ويرعاها ويدركها ولاة الأمر وبين عوام عباد جهلة يرون منع هذه الأجهزة تورعا جهلا منهم بجواز استخدامها مع أن أهل العلم اباحوها بعد النظر في جوازها شرعا لما لها من فوائد جليلة لخدمة الإسلام وأهله. 

والالفاظ المجملة التي تحتمل عدة معاني لا ينبغي الحكم عليها جملة إلا بعد بيان الفرق بينها والاستفصال عن كل معنى فإن كان حقا قبل وإن كان باطلا رد ؛ يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى( ١٢ / ١١٤ ) :

"ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو إجمال عبر بغيرها أو بين مراده بها بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي، فإن كثيرا من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره فضلا عن أن يعرف دليله ولو عرف دليله لم يلزم أن من خالفه يكون مخطئا بل يكون قوله نوع من الصواب وقد يكون هذا مصيبا من وجه وهذا مصيبا من وجه وقد يكون الصواب في قول ثالث".

وقال أيضا رحمه الله في موضع آخر من الفتاوى( ١٢ / ٤ ) : "ليس لأحد أن يبتدع اسما مجملا يحتمل معاني مختلفة لم ينطق به الشرع ويعلق به دين المسلمين ولو كان قد نطق باللغة العربية كيف إذا أحدث اللفظ معنى آخر"

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في نونيته :

" وعـلـيك بالتفصيل والتبيين فالإجمال والإطلاق دون بيان

قد أفسدا هذا الوجود وخبـطا الأذهان والآراء كل زمـان".


فالموافقة عن طريق الإقرار الالكتروني بنظام أبشر حاله كحال التوقيع في العقد الورقي او في دفتر الضبط وهذا إجراء نظامي للتوثيق فقط ؛ و يسبقه الايجاب والقبول والموافقة في مجلس العقد بحضور جميع الأطراف والذين بهم يصح عقد نكاح الزوجين .

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. 

.....................................

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني .