بسم الله الرحمن الرحيم
《 المقدمة 》
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد :
فالمطلع على علم الجغرافيا والفلك وما يدور على ألسنة عامة الناس الذين لهم باع في علم الفلك أو نشاط تجاري أو هواية تتمثل في تربية الماشية من ابل أو غنم أو من الإخوة أصحاب طلعات البر والرحلات فلا بد ماتسمع منهم معلومات عن الأنواء والنجوم .
وحيث ان هذه الأيام كثر الغيث بحمد الله وفضله ورحمته لا شريك له .
فتجدهم يتحدثون عن الوسم وبعضهم هدانا الله وإياه ينسب هذا الغيث و نعمة المطر إلى " الوسم " وبعضهم جهلا يقول :" امطار الوسم " .
فأحببنا معرفة " نوء الوسم "
وحكم " نسبة الأمطار إلى النوء أو قول مطرنا بنوء الوسم أو قول مطر الوسم أو أمطار الوسم " . مقرونا كلامنا بإدلة الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة الصالحين ومنهم كبار علماء الاسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى.
سائلا الله الحي القيوم ذا الجلال والإكرام التوفيق والإعانة والسداد في القول والعمل والإخلاص والصواب وأن يتقبل منا صالح الأعمال والأقوال وأن يغفر لنا التقصير والزلات .
وعلى المسلم النبيه الذي يريد الله والدار الاخرة أن يتفقه في مسائل العقيدة والتوحيد
ففي صحة العقيدة وسلامة التوحيد وحسن الاتباع للسنة بعد فضل الله ورحمته تكون السعادة ويصل إلى رضوان الله ورحمته وجنته مع سعادة في الدارين .
《 الفصل الأول: فوائد علمية عن نوء الوسم 》
[ نوء الوسم ]
هو النوء الذي يحل بعد نوء سهيل مباشرة، ويأتي بعده نوء المربعانية. وسمي الوسم، لأنه يسم الأرض ويحييها. أما الوسم في اللغة فهو أثر الكي. والوسام، والوسمة ما وسم به الحيوان من ضروب النقوش، والصور.
منازل الوسم :
ويشتمل نوء الوسم على أربعة منازل من منازل الشمس، والقمر وهي، منازل : العواء، السماك، الغفر
(مجموعة نجوم من برج العذراء) ومنزلة الزبانا (إحدى كفتي برج الميزان). وأولى تلك المنازل، منزلة (العواء).
ونوء الوسم (ليس نجما) ؛ انما هي صفة، اتصفت بها مجموعة الأيام التي (ينزل فيها المطر) ؛ حيث أن ذلك المطر النازل فيها (يسم) الأرض بالاخضرار ؛ فينبتج عنه أن ينبت : الفقع، والشيح، والروض، والنفل، وكافة الأعشاب البرية.[ ما سبق من مصادر فلكية متنوعة ].
《 الفصل الثاني : إدلة الكتاب والسنة في تحريم الإستسقاء بالانواء 》
( أولا )
من كلام سبحانه و تعالى قوله عز وجل : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } .[ سورة الواقعة : ٢٨ ] .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية:" قال بعضهم : يعني : وتجعلون رزقكم بمعنى شكركم أنكم تكذبون ، أي : تكذبون بدل الشكر .
وقد روي عن علي ، وابن عباس أنهما قرآها : " وتجعلون شكركم أنكم تكذبون " كما سيأتي .
وقال ابن جرير : وقد ذكر عن الهيثم بن عدي : أن من لغة أزد شنوءة : ما رزق فلان بمعنى : ما شكر فلان .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وتجعلون رزقكم ) يقول : " شكركم( أنكم تكذبون ) تقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، بنجم كذا وكذا " .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن مخول بن إبراهيم النهدي - وابن جرير ، عن محمد بن المثنى ، عن عبيد الله بن موسى ، وعن يعقوب بن إبراهيم ، عن يحيى بن أبي بكير ، ثلاثتهم عن إسرائيل به مرفوعا . وكذا رواه الترمذي ، عن أحمد بن منيع ، عن حسين بن محمد - وهو المروزي - به ، وقال : " حسن غريب " . وقد رواه سفيان ، عن عبد الأعلى ، ولم يرفعه .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ما مطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرا يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا . وقرأ ابن عباس : " وتجعلون شكركم أنكم تكذبون " .
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس " [ بتصرف ] .
قال السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : "
{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ }أي: تجعلون مقابلة منة الله عليكم بالرزق التكذيب والكفر لنعمة الله، فتقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها، فهلا شكرتم الله تعالى على إحسانه، إذ أنزله الله إليكم ليزيدكم من فضله، فإن التكذيب والكفر داع لرفع النعم وحلول النقم ".
( ثانيا )
من سنةالرسول صلى الله عليه وسلم :
( ١ )
فقد روى البخاري رحمه الله ( ٨٤٦ ) ومسلم رحمه الله( ٧١ ) عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب )
( ٢ )
روى مسلم رحمه الله في صحيحه ( ٧٣ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
: (أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا ).
( ٣ )
روى مسلم رحمه الله في صحيحه ( ٩٣٤ ) عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً
: ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة).
واهل العلم يجمعون على تحريم نسبة الأمطار إلى غير الله عملا بما أتى في كلام الله سبحانه و تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
《 الفصل الثالث : أقسام الإستسقاء بالأنواء 》
الاستسقاء بالأنواء ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
( القسم الأول )
شرك أكبر وله صورتان:
[ الصورة الأولى ]:
أن يدعو الأنواء بالسقيا، كأن يقول: يا نوء كذا أسقنا أو أغثنا وما أشبه ذلك، فهذا شرك أكبر قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[المؤمنون: ١١٧] وقال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾[الجن: ١٨ ] وقال -عز وجل-: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[يونس: ١٠٦ ] وهذا شرك في العبادة والربوبية.
[ الصورة الثانية]:
أن ينسب حصول الأمطار إلى هذا النوء ولو لم يدعها على أنها هي الفاعلة لنفسها دون الله، بأن يعتقد أنها هي التي تنزل المطر دون الله فهذا شرك أكبر في الربوبية.وهو ما يعرف ب" نسبة إيجاد المطر " وأن الأنواء هي السبب في إيجاد الغيث والمطر فهذا شرك أكبر .
( القسم الثاني )
شرك أصغر وهو أن يجعل هذه الأنواء سببًا، وهو ما يعرف ب" نسبة سبب إيجاد الغيث " والله هو الخالق الفاعل، وإنما كان شركًا أصغر؛ لأن كل من جعل سببًا لم يجعله الله سببًا لا بوحيه ولا بقدره، فهو مشرك شركًا أصغر .
( القسم الثالث )
نسبة وقت [ أي قال : مطرنا في وقت نوء كذا ] :
وهذا القسم فيه خلاف فمن أهل العلم من قال :
بالجواز بأن يريد بقوله: مطرنا بنوء كذا، ويجوز مطرنا في نوء كذا، وفرقوا بنيهما أن الباء للسببية، و(في) للظرفية، ومن ثم قال أهل العلم: إنه إذا قال: مطرنا بنوء كذا وجعل الباء للظرفية فهذا جائز، وهذا وإن كان له وجه من حيث المعنى، لكن لا وجه له من حيث اللفظ، لأن لفظ الحديث: (من قال: مطرنا بنوء كذا)، والباء للسببية أظهر منها للظرفية، وهي وإن جاءت للظرفية كما في قوله تعالى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الصافات: ١٣٧ - ١٣٨]، لكن كونها للسببية أظهر، والعكس بالعكس، (في) للظرفية أظهر منها للسببية وإن جاءت للسببية، كما في قوله صلى الله عليه وسلم (دخلت امرأة النار في هرة ) [ رواه البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٣٣١٨ ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ورواه مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٢٦١٩ ) من طريق أبي هريرة رضي الله عنه]
والحاصل أن الأقرب المنع ولو قصد الظرفية، لكن إذا كان المتكلم لا يعرف من الباء إلا الظرفية مطلقاً، ولا يظن أنها تأتى سببية، فهذا جائز، ومع ذلك فالأولى أن يقال لهم: قولوا: في نوء كذا. [ ماسبق استفدناه من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ( ٢ / ١٩١ - ١٩٣) ومن القول المفيد شرح كتاب التوحيد ( ٤٥٩ - ٤٦٠ )].
《 الفصل الرابع : هل الشرك الأصغر يخرج من الملة 》
على قولين
القول الأول:
من أهل من قال :إن الشرك الأصغر لا يخرج من الملة و : إنه داخل تحت المشيئة: إن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له.
والقول الثاني :
من أهل العلم من قال: إنه ليس بداخل تحت المشيئة، وإنه لابد أن يعاقب، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه لإطلاق قوله تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ }[النساء: ١١٦ ]، فقال: والشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، وبهذا نعرف عظم سيئة الشرك، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقاً)
[ جامع الرسائل ( ٢ / ٢٥٤ ) والقول المفيد شرح كتاب التوحيد( ٤٥٦ ) ]
《 الفصل الخامس : ألفاظ شركية يجب الحذر منها وتركها 》
مثل :
١ -
مطرنا بنوء الوسم .
٢ -
مطر الوسمي
٣ -
أمطار الوسم .
والصواب كما جاء في الحديث الصحيح:( مطرنا بفضل الله ورحمته ).او ( صيبا نافعا ).
《 الخاتمة : نسأل الله حسنها 》
الغيث نعمة من الله والنعمة تستمر بشكر الله قال الله تعالى وتقدس: { لئن شكرتم لأزيدنكم}.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية:" أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، { ولئن كفرتم} أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها، { إن عذابي لشديد} وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها، وقد جاء الحديث: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) وقوله تعالى: { وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن اللّه لغني حميد} أي هو غني عن شكر عباده، وهو الحميد المحمود وإن كفره من كفره" إنتهى كلامه رحمه الله .
فصرف الشكر عن الله
إلى عباده وخلقه ومن ذلك النجوم ومواقعها وانوائها
بألفاظ شركية فهذا
خطأ لايقره المسلم حينما يعلم بذلك
فوجب على المسلم :
اولا :
حمد الله وشكره بالفاظ صريحة جاءت بالسنة وبينتها حرصا من الرسول صلى الله عليه وسلم على سلامة امته مما يخدش توحيد الله في أصله أو كماله .
ثانيا :
تعلم العقيدة الصحيحة وتعلم التوحيد والسنة ليسلم للمرء دينه وعقيدته .
وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة
-------------------------------------‐-
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني
يوم الخميس الموافق ١٨ ربيع الأول ١٤٤٢ هجري.