الثلاثاء، 8 يوليو 2025

( الادلة الشرعية على تحريم استحلال دماء الأبرياء المعصومة )



بسم الله الرحمن الرحيم 


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}أما بعد:

فإن استحلال دماء الأبرياء المعصومة بغير حق له علاقة وطيدة ونتيجة طبعية معروفة لمن يرون  تكفير المسلمين بغير حق وبلا ضوابط شرعية وقد تطرقنا برسالة مستقلة عن تكفير المسلمين بغير حق في رسالة مستقلة سبق نشرها .

واستحلال دماء الأبرياء المعصومة من مسلمين وذميين ومعاهدين ومستأمنين، عمل مشين إجرامي يأخذ صور شتى عند أهل التكفير منها على سبيل المثال لا الحصر:

غزو بلاد المسلمين؛ مثل: مدنهم أو قراهم وانتهاك أعراضهم وجعل أموالهم غنائم وسبي نسائهم بسبب التكفير المخالف للشرع، ومن ذلك:

▪ الاغتيالات لأهل العلم أو رجال الأمن أو لأي مسلم أو للأبرياء من أهل العهد والذمة والمستأمنين.

▪ والتصفيات الجسدية لمن خالفهم فكريًّا وتعذيبهم، ويتبع ذلك التفجيرات في البيوت، أو الأماكن العامة، أو في المرافق الخاصة، أو وضع ألغام في سيارة الأبرياء، أو في طريقهم، أو عن طريق الأحزمة الناسفة.

كل هذه الصور الإجرامية، تولدت من فكر سيء، وعقيدة منحرفة، نتج عنها التكفير وما تولد منه وعنه من قتل واستحلال دماء الأبرياء المعصومة، التي دلَّ على تحريمها الكتاب والسنة والإجماع، فمن ذلك قول الله تعالى وتقدس: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾[ الإسراء : ٣٣ ].

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾[ النساء : ٩٣ ].

وقال تعالى وتقدس: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ أن كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾[ المائدة : ٣٢ ].

قال الامام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة:" هذا تعظيم لتعاطي القتل - قال قتادة: عظم والله وزرها، وعظم والله أجرها.

وقال ابن المبارك عن سلام بن مسكين عن سليمان بن علي الربعي قال: قلت للحسن: هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: إي والذي لا إله غيره، كما كانت لبني إسرائيل، وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا "انتهى كلامه رحمه الله.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال: (مَن خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وفارَقَ الجَماعَةَ فَماتَ، ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً، ومَن قاتَلَ تَحْتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أو يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ، أو يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فقِتْلَةٌ جاهِلِيَّةٌ، ومَن خَرَجَ علَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّها وفاجِرَها، ولا يَتَحاشَى -وفي رواية:( لا يَتَحاشَ) مِن مُؤْمِنِها، ولا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فليسَ مِنِّي ولَسْتُ منه) [ رواه الامام مسلم رحمه اللهُ تعالى في صحيحه حديث رقم ( ١٨٤٨) ].

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)  [ رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٦٨٦٢) ].

وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ أن أهل السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ) [ رواه الترمذي رحمه الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي حديث رقم( ١٣٩٨ ) ].

وعن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أن يَغْفِرَهُ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أو مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) [ رواه أبو داود والنسائي رحمها الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود حديث رقم ( ٤٢٧٠ ) ].

وفي اقامة حد القتل له أسباب شرعية، بذلك ورد الخبر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ حيث قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه الإمامان الجليلان البخاري ( ٦٨٧٨)ومسلم ( ١٦٧٦)رحمهما الله في صحيحيهما.

وروى الإمام البخاري رحمه في صحيحه ( ٣٠١٧)عن أيوب عن عكرمة، أن عليًّا رضي الله عنه حرق قومًا، فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قال: (لا تعذبوا بعذاب الله) ، ولقتلتهم كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (من بدل دينه فاقتلوه) .

ولا يقوم بتطبيق حد القتل إلا ولاة الأمر، كما مر معنا سابقًا في رسالتنا  عن التكفير، فلا يجوز الافتئات على مقامهم، والتقدم عليهم في أمر هو من صلب اختصاصهم وشأنهم، ولأن اقامة الحدود لا بد فيها من علم وعدل وإنصاف وفق ضوابط شرعية وسلامتهم من الحيف والظلم.

وأما تحريم التعرض لدماء أهل العهد والذمة، فمستند ذلك الإجماع المبنى على نصوص الوحيين، ومنها: حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)  [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله في صحيحه ( ٣١٦٦)].

ومن لطيف كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ قوله عن الخوارج: "ويكفرون من خالفهم، ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فيهم: (يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان) [ رواه الامام البخاري رحمه الله تعالى( ٣٣٤٤) والإمام مسلم رحمه اللهُ تعالى ( ١٧١٦)]"[مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه اللهُ تعالى ( ٢ / ٣٥٥ )].

" والخوارج هم أول من كفر المسلمين يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها، وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله؛ فيتبعون الحق، ويرحمون الخلق"[ مجموع الفتاوى ( ٢ / ٢٧٩ ) ].

ويصف ابن تيمية رحمه اللهُ تعالى الخوارج بأن:" لهم خاصتان مشهورتان، فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم:

أحدهما: 

خروجهم عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، أو ما ليس بحسنة حسنة، وهذا هو الذي أظهروه في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ حيث قال له ذو الخويصرة التميمي: اعدل؛ فإنك لم تعدل، حتى قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت أن لم أعدل) [ رواه الامام البخاري رحمه الله تعالى ( ٣٦١٠) والامام مسلم رحمه اللهُ تعالى ( ١٠٦٣)]


الفرق الثاني من صفات  الخوارج وأهل البدع: 

أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تفكيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب، ودارهم هي دار الإيمان ".[ مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللهُ تعالى ( ١٩ / ٧٢ - ٧٣ ) ].

وفي مسألة استحلال دماء الأبرياء المعصومة وما سبقه من التكفير ينظر فيها المؤلفات العلمية التي تحدثت عن معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح مثل:

١: 

جميع كتب تفاسير أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في هذا الباب ومنها تفسير ابن جرير الطبري والبغوي وابن كثير والسعدي رحمهم الله جميعا.

٢: 

من تطرق إلى شرح مسائل التكفير من أهل الحديث من شراح الصحيحين والسنن والمسانيد وكتب السنة الخاصة في العقيدة ومن خصص كتاب له في بيان العقيدة الصحيحة ممن عرف بسلامة المعتقد وحسن المنهج .

٣: 

كتاب مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله.

٤: 

كتاب شرح الطحاوية لابن أبي العز رحمه الله.

٥: 

كتاب مجموع فتاوى الإمام ابن باز رحمه الله.

٦: 

مجموع الفتاوى للإمام محمد العثيمين رحمه الله.

٧: 

بحوث علمية نفيسة صدرت عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية واللجنة الدائمة للإفتاء تحارب استحلال دماء الأبرياء المعصومة، وما سبق هذا الأعمال الإجرامية من تكفير.

٨:

كتب الامام الالباني رحمه الله تعالى.

٩:

كتب الامام محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى.

١٠:

كتب الامام ربيع المدخلي حفظه الله تعالى.

رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل المتقبل وحسن الخاتمة.

والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

•••••••

كتبه واملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .