بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فيذكر أهل الأهواء والبدعة والحزبية كلاما للإمام ابن القيم رحمه الله ونصه:
" ولا يتمكن المفتي، ولا الحاكم، من الفتوى، والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهْم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع، بالقرائن، والأمارات، والعلامات، حتى يحيط به علماً.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به، في كتابه، أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر "انتهى كلامه رحمه الله تعالى من [ كتاب اعلام الموقعين ( ١ / ٨٧ )].
فهؤلاء اصحاب الضلال والأهواء استشهد به على مشروعية ما يعرف بـ( فقه الواقع ).
وفقه الواقع لعل تعريفه : هو أن يقوم الشباب الجهلة بتتبع أحوال الناس وأخبار العالم والدخول في الشأن السياسي الخارجي لولاة الأمر، وترك العلم الشرعي والزهد فيه وماعلموا ان الاهتمام بـ(فقه الواقع ) عند تطبيقه على الأحكام الفقهية والنوازل خاص بأهل العلم ؛ وأما بحث الشؤون الخارجية لشؤون الدولة، فهو لذوي الاختصاص الذين جرى تعيينهم من قبل ولي الأمر في هذا الشأن.
وهذا الاصطلاح الحادث الذي أطلق عليه :( فقه الواقع )، هو عمل غير مشروع، وذلك أن أهل الضلالة أرادوا وضعه منهجا للدعاة، والشباب يتربون عليه ظانين أنه سبيل النجاة؛ فهذا خطأ ظاهر فاحش وغلط واضح وسبب ذلك انه خلاف هدي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وما عليه الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ إذ أن فهم الواقع والفقه فيه وهو الشرط الأول الذي ذكره ابن القيم رحمه الله في رسالته السابقة يعتبر تبعا وموضحًا للقاعدة الفقهية المعروفة عند أهل العلم وهي: ( الحكم على الشيء فرع عن تصوره).
وهذه القاعدة الجليلة مشهورة معروفة بين العلماء وقد تطرق إلى بيانها وإيضاحها جمع من أهل العلم منهم الإمام ابن تيميه رحمه الله في مجموع الفتاوى ( ٦ / ٢٩٥) وفي شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلي رحمه الله ( ١ / ٥٠) .
ومعناها والله أعلم هو: التصور العلمي الدقيق عن حكم هذا الشيء؛ لأن ذلك التصور هو الذي يضبط الذهنَ والفكر عن الخطأ، ويؤدي إلى تحديد مُحْكمٍ، وضبط علميٍّ منهجي لحقيقة الشيء وماهيَّتِه، فلا يحكم على شيء إلا بعد أن تدقق في فهمه وتتصوره تصوُّرًا تامًّا؛ حتى يكون حكمك صحيحا موافقا للحق مطابقًا للواقع وإلا كانت نتيجة حكمك خاطئة وثمراتها سيئة.
يدل على صحة هذا القول ذكره للشرط الثاني الذي قال عنه: " فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في هذا الواقع".
فـ" يُذكَرُ الشيءُ وتعريفه، ثم بعد ذلك يُذكَرُ حكمُه، حتى يكون الحكم منطبقًا على معرفة الصورة" انتهى من كلام الامام العثيمين رحمه اللهُ تعالى من [ كتابه الشرح الممتع( ٦ / ٥٠١ )].
وهذه خاصة لأهل العلم، وأما إقحام الجهلة وتشتيت أفكارهم وبعثرة جهودهم في مثل هذه المسائل البعيدة فعمل بعيد عن الفقه والحكمة، وأمر مجانب للحق والصواب ومن أحدثه أراد الشر في المجتمع المسلم وذلك في إدخال الشباب الجاهل بالعلم الشرعي في أعمال خاصة هي من صميم عمل ولاة الأمر؛ لإحداث الفتن بين المسلمين.
كفى الله المسلمين شر فتن اهل الأهواء والبدع والخرافات والحزبية .
والله اعلى واعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
•••••••••••
كتبه واملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .