الاثنين، 4 سبتمبر 2023

[[ دين الإسلام أتى في بيان وجوب أهمية التخلق بالأخلاق الحسنة والتعامل الطيب و لزوم السلوك الحميد في تعامل جميع البشر مع بعضهم ]]





بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

اما بعد

ف"عن سعد بن هشام رحمه الله : قال : أتيت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- فقلت لها : أخبريني بخلق النبي صلى لله عليه وسلم . فقالت : كان خلقه القرآن . أما تقرأ : { وإنك لعلى خلق عظيم} "ومعنى هذا أنه ، عليه السلام ، صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له ، وخلقا تطبعه ، وترك طبعه الجبلي ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه . هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم ، من الحياء ، والكرم والشجاعة ، والصفح ، والحلم ، وكل خلق جميل . كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال : خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي : " أف " قط ، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلته ؟ وكان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقا ، ولا مسست خزا ، ولا حريرا ، ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم "

[  تفسير ابن كثير رحمه الله لاية {وانك لعلي خلق عظيم}]

ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :( إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ) و في روايةٍ ( صالحَ ) الأخلاق) 

صححه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة حديث رقم ( ٤٥).

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :(  ألا أخبركم بأحبّكم إلى الله, وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة ؟ ) قالوا: بلى. قال: ( أحسنكم خلقاً) أخرجه الإمام أحمد 

و قوله صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيماناً: أحسنهم خلقاً )

وفي رواية :( إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل, صائم النهار )

أيها الإخوة في ظل كلام ربنا تعالى وتقدس وهدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم

تكون الحياة الطيبه وكما تعلمون؛ فإن طبيعة البشر في هذه الحياة الدنيا يرتبطون فيما بينهم بعلاقات؛ اما علاقة نسب مثل الاب او الأخ أو الإبن أو عم أو خال. 

أو علاقة سبب مثل صهر ورضاعة أوأو من ذوي الارحام الذين لهم حق وجوب صلة الرحم

أو الجار الذي له حق الجوار أو من تربطك به علاقة اجتماعية مثل زملاء العمل أو من تربطك به وجوب الطاعة الشرعية مثل ولي الأمر وذلك ان في ذمتك له بيعة شرعية يجب الوفاء بها دل على ذلك نصوص الوحيين واجماع المسلمين وبهذه الطاعة يكون تمام اجتماع كلمة المسلمين ووحدة صفهم ومن شذ عنهم شذ في النار.

وهكذا جميع العلاقات البشرية على اختلاف انواعها وصورها فهي مبنية على مصالح مشتركة عامة وعهود ومواثيق كل ذلك يدل على صحتها  ووجوب الوفاء  بها أدلة النقل وحجج العقل ...

أيها الإخوة كل ما سبق ذكره هو تمهيد للدخول في موضوع مهم وهو :

( هل علاقتنا في هؤلاء الذين تم ذكرهم علاقة صحيحة ؟)

هل اجتمع فيها الأعمال الصالحة الظاهرة مع النية السليمة الصادقة المخلصة تجاه هذه الفئات البشرية المهمة.

هل تعاملنا معهم يشوبه الصواب والصحة و الصدق والاخلاص والرحمة والعدل والانصاف و إرادة وجه الله وما عنده سبحانه وتعالى

واجتمع صلاح الظاهر مع سلامة الباطن؛ اما في القلوب غش لهم وحقد وحسد وغل ودغل وكراهة لهم .

فإذا كانت الحال هي ماجاء في النوع الأول ؛ فأبشر بالخير والسعادة واذا كانت الصورة الثانية فأنت في هذه الدنيا معذب ولو كنت تملك المال والبنون ولو كنت أعز جمعا. لأن السعادة والطمأنينة وموضع نظر الله لك هو القلب فإذا كان مكان غير سليم اذ فيه دغل وغش وفيه للقاذورات الحسية والمعنوية عش و حش ومرتع خصب لفيروسات حياة الشر والفساد كفى الله المسلمين شر من هذه صفته .

أيها الإخوة :. 

أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة ولا تجتمع على ضلالة لكن 

من خلال إلقاء نظرة تتبع لأحوال بعض شرائح المجتمع من حولك تجد نماذج سيئة للعلاقات الاجتماعية  من خلال التعامل فيما بينهم  وخاصة بين الأقارب بعضهم مع بعض او مع الجيران  بعضهم اذ يشوبها شئ من الكدر في صور تصرفات ظاهرة  تحزن المسلم وفيها معصية لله سبحانه وتعالى فانتشار :

 الكذب 

والكبر 

وحب الرفعة

 والتطاول 

والازدراء

والنبز 

والتعيير

 والاحتقار 

وغمط الحق 

وقلة صور الإيثار و اخذ ماليس له بحق ولو كان فيه أضرار بغيره.... 

ولاتنسى الفواقر الاجتماعية المفسدة للمجتمع مثل النميمة والغيبة حتى بين أقرب الأقارب وكراهتهم لبعضهم الي درجة تمنى الموت لبعضهم  ومحاولة الأضرار به كتعاطي تصرفات تخل بدين المسلم 

الى غير ذلك من أعمال وأقوال سيئة يأنف اي مؤمن من عملها أو مجرد التفكير بها. 

 فهل هذه التصرفات ترضى الله سبحانه وتعالى؟ 

هل هذه التصرفات الفاسدة تنشئ لنا مجتمعا قائما على المحبة والوئام بين أفراده 

ومحبة الخير لبعضهم 

أيها الإخوة الكرام :

تعلمون ان جميع  المخلوقات التي نشاهدها مثل السموات والأرض وما بينهما والجبال والبحر والرياح والبهائم وفي خلقنا { وفي أنفسكم أفلا تبصرون} 

{ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه} 

كل هذا من خلق الله سبحانه وتعالى وهذا هو توحيد الربوبية وهو توحيد الله سبحانه وتعالى بأفعاله الخلق والاحياء والاماتة والرزق وغير ذلك والاقرار بهذا التوحيد جرى من جميع البشر حتى الكفار يقرون بهذا التوحيد :{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} 

فالذي خلق البشر هو رب البشر. 

ومن أجل سعادتهم واسعادهم في الدنيا والآخرة 

انزل كلامه القرآن الكريم وارسل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لقيادة البشر الي سلوك الطريق المستقيم. 

ان سعادة البشرية

تكمن في اتباع الكتاب العزيز والسنةالنبوية. 

والاخلاص الذي به يكون التوحيد وبه تمام شهادة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله). 

فالعبادة الصحيحة لا بد لها من شرطين :

الاول : الإخلاص لوجه لله سبحانه وتعالى وهذا هو مقتضي كلمة التوحيد ( اشهد ان لااله الا الله) فتكون جميع أقوالك وافعالك ونياتك كلها لله وليست لحظ من حظوظ الدنيا أو التقرب لأي صنم أو وثن أو مخلوق 

الشرط الثاني :

ان يكون عملك وقولك وعبادتك صوابا وهذا ما دلت   كلمة ( اشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم )

 والإعراض عن هذين  الشرطين فيه تعاسة وشقاء العبد :{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}

 فإذا حسنت عبادة الإنسان بأن يأت بها كاملة تامة وفق الكتاب والسنة متبعا جادة السلف الصالح فقد أفلح

ثم يتبع هذا تهذيب الأخلاق والسلوك؛ فالقرآن الكريم والسنة النبوية جاءت في تحسين الأخلاق البشرية وتهذيب السلوك الإنسانية إذ الايات الكريمة والأحاديث الشريفة متواترة  على الإرشاد الصريح الي  كيفية التعامل الصحيح مع جميع فئات المجتمع وأفراده

فنصوص الوحيين تعظم وجوب بر الوالدين وقرن الأمر بذلك في وجوب توحيده  فقال الله تبارك :{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }

ثم انظر إلى  أمر الشرع بصلة الارحام وبيان الثمار الطيبه لنتيجة صلة الارحام  ففي السنة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)

وفي الشرع الحث على الإحسان إلى الجار والضيف  والي كل مسلم بل إلى العدل والصدق والامانه وعدم الخيانة مع غير المسلمين

ورحمة الخلق عموما انظر قوله صلى الله عليه وسلم :( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)

بل أوجب وأمر بالإحسان الي الحيوان والطير وعدم اذيتهم فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة ومن بنى لله مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة). 

رواه ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه وابن ماجه رحمه الله 

وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب حديث رقم ( ٢٧١ ).

ثم انظر بيان السنة لكيفية التعامل  الصحيح مع ولاة الأمر وذلك في وجوب الطاعة بالمعروف لهم فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }. 

وفي صحيح السنة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وإنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ). 

رواه مسلم رحمه الله في صحيحه.

وكيفية النصح للحاكم لم يجعلها الشارع الحكيم محلا للاجتهاد بل ارشد الرسول صلى الله عليه وسلم الي طريقة النصح الصحيحة فقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ ‌لِذِي ‌سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ ).

ان: "حسن الخلق فرض إذا قصّر فيه الإنسان حوسب يوم الحساب وعوقب على ذلك، لأنه خالف قول الله عز وجل : ( أدوا الأمانات إلى أهلها ) خالف أمراً نبوياً لكن المقصود بحسن الخلق ما هو أكثر من حسن الخلق الواجب على الإنسان، أن يعامل الناس بلطف أن يعفو عمن ظلمه وأن يتجاوز كما سمعتم في الحديث السابق عمن قصر في وفاء الدَّين له ، وما هنالك من خصال الأخلاق الحسنة التي لا يمكن للإنسان أن يأت بها كلها لأن ذلك مما خص الله  في البشر جميعا ألا وهو الرسول عليه السلام الذي وصفه الله عز وجل في القرآن بقوله: { وإنك لعلى خلق عظيم} ولكن على الإنسان أن يتطبّع وأن يتخلّق بالأخلاق الحسنة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، إذا كان يحس مثلاً من نفسه بأنه طُبع على شح وعلى بخل فيتكلّف بأن يتكرم وأن يتساخى وأن يجود كل بحسبه ، وإذا كان مطبوعا على شيء من الشدّة ومن الغلظة فيحاول أن يلين وأن يتواضع مع الناس وهكذا، من أجل ذلك جاء في الحديث الصحيح قوله عليه السلام :  ( إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار ) والسبب في هذا أن الذي يحسّن خلقه يحسنه وهو يجاهد نفسه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ) وتأكيداً لهذا المعنى الذي ندندن حوله وهو أن المسلم يجب أن يمرن نفسه وأن يدرّبها على حسن الخلق، قال عليه السلام تأكيداً لهذا المعنى بطريق السؤال والجواب لأصحابه يوماً : ( أتدرون من الصرعة ؟ أتدرون من الصرعة ؟ قالوا: الصرعة هو الذي يصارع الناس فيصرعهم -يغالبهم يصرعهم فيغلبهم- قال: لا ليس الشديد بالصرعة ،وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ) الذي يحاول أن يملك نفسه عند الغضب يتكلّف ذلك ولو بمشقة ، هذا الذي معناه أنه يحسّن نفسه وهذا الذي يطبق أمر النبي عليه السلام حينما قال لمعاذ : ( اتق الله حيثما كنت وخالق الناس بخلق حسن ) خالق الناس بخلق حسن ، فقال لهم : من البطل ؟ قالوا الذي يغالب الناس فيصرعهم قال لهم لا ، البطل هو الذي يملك نفسه عند الغضب، ومن هنا أخذ ابن الوردي قوله في قصيدته المشهورة :

[ ليس من يقطع طرقاً بطلا *** إنما من يتق الله البطل] 

على هذا الأسلوب من تنبيه الناس إلى ضرورة تحسين الخلق وتمرين النفس على الصبر"[ شرح كتاب الادب المفرد للإمام الألباني رحمه الله (١٧٦) ].

فالأخلاق الطيبة والسلوك الحسن واجبة لما فيها من استقامة الدين والدنياوصلاحهما 

واخيرا:

 الأخلاق الطيبة مع العلم والحلم والحكمة  واجبة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ ف" الحَقُّ ثَقِيلٌ، فلَا تُثقِلوه أكثَرَ بسُوءِ أخلاقِكُم، كُنتُ أَعتقِد أنَّ المُشكِلة فِي الأُمَّة مشكلة عقيدة، وتَبَيَّن لي أنَّها عَقِيدَةٌ وأَخلَاقٌ " .[ سلسلة الهدى والنور (٩٠٠) شريط : وصية إمام السنة لعموم الأمة ].

رزقنا الله وإياكم رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة 

ووهب لنا ولكم علما نافعا وعملا صالحا ودعوة مستجابة ورزقنا وإياكم حسن الخاتمة؛ والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

°°°°°°°°°°

كتبه : غازي بن عوض العرماني.