الأربعاء، 13 سبتمبر 2023

《 قصة متضمنة فائدة علمية مع بيان حكم مقاطعة منتجات الدول الكافرة 》




بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد:

 فقد قمت بزيارة لأحد المشايخ - لعل وقت الزيارة قبل أكثر من عقدين من الزمان - في مدينة قريبة من بلدتي وكان الهدف من الزيارة محبة هذا الشيخ في الله ولأن أهل العلم يستفاد منهم ولاتتم الاستفادة منهم والأخذ عنهم إلا بأمور منها شد الرحل إليهم زيارتهم. وقد وافق  زيارتي لهذا الشيخ  يوم جمعة مساء بعد صلاة المغرب. 

واستقبلنا افراد من اصحابه في غرفة استقبال الضيوف وانا بانتظار قدوم الشيخ علينا والسلام عليه وكانت أمامي  طاولة وضع فوقها ثلاث أوراق فقرأت هذه الورقات استغلالا للوقت لتأخر مجئ الشيخ 

فتبين لي من خلال اطلاعي عليها أن هذه الورقات عبارة عن خطبة الجمعة التي القاه الشيخ لهذا اليوم وكان موضوعها ( وجوب مقاطعة منتجات الدول الكافرة الغربية ) ومع انتهاء قراءتي قدم الشيخ وسلمنا على بعض و جرى مني سؤال لهذا الشيخ عن موضوع خطبته من اجل الاستفادة منه 

فسألته عن حكم مقاطعة المنتجات للدول الكافرة 

فافادني بأنه يرى وجوب المقاطعة ....ويخشى الكفر على من لم ير هذا الرأي

فسألته عن دليله من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة وخاصة أنه يرى الوجوب والتكفير والوجوب والتكفير احكام شرعية  فلابد لهما من ادلة شرعية تؤيد الحكم في هذه  او تنفيه  ؛ فقال : اول الأدلة اقتضاء المصلحة الشرعية  ...

فقلت له : من يقدر هذه المصلحة الشرعية الراجحة  العامة المسلمين  انت أو انا ام ولي الأمر ؟

فقال : بل ولي الأمر ...

فقلت : إذن بطل استدلالك بهذا الأمر .. اذ لابد من إذن ولي الأمر في هذه المسألة أو قل هذه النازلة ...

ثم استدرك قائلا : 

لكن هنا دليل عقلي 

قلت : تفضل هاته..

قال : إذا كان والدك هجر رجلا لأمر ما بينهما 

فدعاك هذا الرجل إلى وليمة 

فهل يجوز لك زيارة هذا الرجل ؟

ثم قلت له : انت ترى الوجوب والتكفير  بدليل عقلي لا يسلم لك صحته 

وهذه الأحكام الشرعية التي ذكرتها ؛ لاتؤخذ من الحجج العقلية بل من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ خصمك معه دليل من الكتاب العزيز والسنة النبوية وماعليه جرى عمل سلف الأمة بلا نكير؛ فمن أدلة الكتاب قوله تعالى:{ وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} 

وثبت في السنة اكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعام اليهود مع حربه لهم وتوفي بأبي وامي وروحي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونا عند يهودي واستفاض الخبر بحل هذا الأمر عن صحابة رسول الله صلى الله عليه ورضي الله عنهم واشتهر وانتشر بغير نكير فكان إجماعا  على جواز هذا الأمر 

وسؤالي لك ياشيخ : مااحله الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم هل لأحد تحريمه ؟

وماحرموه هل لأحد اباحته وتحليله ؟

فالجواب ان هذا افتئات وتقدمة وقول على الله بلاعلم 

ثم هنا سؤال آخر اوجه لفضيلتك وهو :

ان مااطلقه الله سبحانه وتعالى واطلقه رسوله صلى الله عليه وسلم .... فهل يجوز لأحد تقييده أو إذا كان حكم  الله سبحانه وتعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أتى تعميمه؛ فهل لأحد تخصيصه ؟

فقال : لا ...

ثم قلت له : ذكرت في خطبتك أن من لم ير وجوب المقاطعة يخشى عليه الكفر ...

وتكفير المسلمين يترتب عليه أحكام شرعية من حرمة ميراثه و تفريق زوجه ودفنه في غير مقابر المسلمين واستحلال دمه لردته من قبل ولي الامر؛ ثم قلت انت هذا الكلام وليس معك دليلا واحدا  من الكتاب والسنة أو اثر من  سلف الأمة الصالح يؤيد ماذهبت إليه من الحكم بالوجوب أو القول بتكفير مخالفك من اهل الاسلام وهذا توجه فكري خطير جدا لاعتمادك على مجرد آراء ظنية قابلة للرد عليها ومناقشتها ونقضها ورفضها 

مع  انك خالفت أدلة الشرع الصحيحة بأدلة عقلية تطرقها الاحتمال فبطل بها الاستدلال فلا تقابل بالادلة النقلية الصحيحة أو الحجج العقلية الصريحة؛ 

وأما مثالك الأخير والذي جعلته دليلا عقليا على الوجوب اوتكفير من خالفك فهو مجرد حجة عقلية أو مثال اتيت به من فكرك قد يتصور وجوده بالذهن وقد لايتصور حدوثه وامكانه 

مع ان هذا الرجل الذي ضربته لنا مثلا ودليلا عقليا : قد يكون ملكا أو أميرا أو رئيسا يخشى صولته فتأت إليه مكرها. 

والاكراه في حال الكفر لايكفر صاحبه إذا أجبر على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فكيف بغيره من أمور ليست مكفرة ...

وقد يكون هذا الرجل من أهل العلم المصلحين ومن الذين يكون الأخذ عنهم فيه مصلحة راجحة فيها سعادة العبد دنيا وآخرة وقد يكون الذي هجره من العوام الطالحين فهل مثل هذا العالم المصلح يهجر 

الجواب :

لا. 

وإذا كان معك دليل عقلي واحد فمع غيرك مئات بل آلاف الحجج العقلية التي تبين بطلان حكمك في هذه المسألة وفساد تصورك لها 

ثم يافضيلة الشيخ :

هل تقابل أدلة النقل الصحيحة القطعية الثبوت ( كتابا وسنة وقول صاحب استفاض بلانكير ) في أدلة عقلية فاسدة فتجعلها ندا لها بل تعارض نصوص الوحيين وما عليه جرى عمل سلف الأمة الإسلامية ..

فغضب هذا الشيخ علينا وأراد ضربنا والاعتداء علينا فلم نقابله بجهله فطالب العلم مشغول في العلم وبحث مسائله. 

ثم قال : انتم مثل الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم نخشى أن تفتنى نساء بني الأصفر ( وهذا منه قول ظاهر في رمينا بالنفاق ). فلم نؤاخذه على سفاهته؛ وكان عليه بيان إدلة النقل أو حجج العقل في إيضاحه وبيانه لهذه المسألة أو غيرها. 

وليس البحث عن عصى لضرب طلاب العلم الذين قاموا بزيارتك وشدوا الرحل للاستفادة من بضاعته العلمية المزجاة للأسف  ؛ فهذا اسلوب ينكره العلماء ويرفضه العقلاء فليس من حقوق الضيف وليس من حقوق طلاب العلم؛ فحق الضيف اكرامه وحق طلاب العلم إيضاح حكم المسائل بالأدلة الشرعية والحجج العقلية وبيانها وتوضيح المسائل العلمية المختلف فيها لطلاب العلم بعلم وحكمة وحلم وسعة صدر وحسن خلق فالله سبحانه وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم :{ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فسبيل الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سنته صلى الله عليه وسلم هو العلم ثم حسن الخلق قال تعالى واصفا رسوله صلى الله عليه وسلم : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}. 

ثم  خرجنا من بيته سالمين غانمين فالسلامة من مثله لايعدلها شئ وكفى الله المؤمنين القتال فبعد هذه الحادثة يسر الله لنا تأليف كتاب في بيان هذه المسألة بالأدلة بعنوان ( حكم مقاطعة المنتجات الكافرين مع بيان كيفية نصرة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم )

وبعد هذه الزيارة ببضع سنين رأيت هذا الشيخ يميل إلى رأي الحدادية[ الحدادية نسبة الى محمود الحداد مصري يرى تكفير كبار علماء الاسلام بلابينة ولابرهان وتعتبر هذه الفرقة الجناح الفكري للتنظيم الدموي الفاحش المسمى داعش وتنصر مذهبهم وتقعد لهم القواعد الباطلة] ...

وسأورد لكم مقتطفات من هذا الكتاب اتماما للفائدة


{ والراجح التفصيل في مسألة المُقاطعة اذ

المنتجات المقاطعة على نوعين :

أولهما :

ماكان في بلاد المسلمين وتملكوها بعقد صحيح وحازوه الى رحالهم فهذا لاينبغي بأي حال من الاحوال مقاطعتها لان هذه المنتجات اصبحت ملكا لمسلم وفي مقاطعتها أضرارا لهذا المسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (لا ضرر ولا ضرار)،

ولأن بعضها قد يدخل في تحريم ما أحل الله من الطيبات…

وهذا فيه «مخالفة للشرع الشريف» [زيد المدخلي رحمه الله تعالى ..الاجوبة الاثرية – بتصرف -]

ثانيهما :

لم تجلب وتستورد من بلاد الكفار، فأمر المقاطعة في هذه النوع يشترط فيه شروط منها  :


            (  الاول ) 

أن تكون هناك مصلحة راجحة للمسلمين في هذه المقاطعة.

         

             (   ثانيا  ) 

أن لا يعتقد تحريم المنتجات الغذائية لاهل الكتاب.


             (   ثالثا  ) 

أن لا يترتب عليها منكر أعظم منها أو فيها ضرر على المسلمين.


              (  رابعا  ) 

أن تكون البلاد المراد مقاطعتها محاربة للمسلمين [استفدتها من الامام ناصر الدين الالباني رحمه الله تعالى في شريط صوتي له]. 


           (  خامسا ) 

أن يتوفر البديل.


              (  سادسا  ) 

ألا تدعو الحاجة لمنتجاتهم.


            (   سابعا   ) 

يشترط إذن ولي الامر في كل ماسبق لانه أعلم بالمصلحة العامة لمن هم تحت ولايته، ويعرف مدى احتياجهم من عدمه، ولعلمه بما ينفعهم او يضرهم فالامر يرجع فيه الى ولاة الامر..

المصدر : [ كتاب القول المبين في الانتصار لمن بعثه الله رحمة للعالمين مع بيان حكم مقاطعة منتجات بعض الكافرين ...لمؤلفه : غازي بن عوض العرماني]

انتهى مااردنا ايضاحه وبيانه

رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمه. 

آمين. 

والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. 

°°°°°°°°°°

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني.