بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فحينما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أن يكون يوم الجمعة يوم عمل حكومي هاجت الاخوانية الخوارج وماجت واستنكر أفراد هذه الجماعة صنيع دولة الإمارات وتأثر بفكرها بعض الهوام العوام أتباع كل ناعق حتى مالوا إلى رمي ولاة امر هذه الدولة بالكبائر تحريضا وتهييجا عليهم ليزينوا الخروج عليهم وهذا الأمر رأيته في أغلب وسائل التواصل الاعلامي الاجتماعي ، وأي تصرف أو فعل يرى ولي الأمر فعله بناء على اقتضاء مصلحة شرعية يرعاها ويقدرها ويراها ويأمر بها لجلب نفع أو دفع ضر من هم تحت يده ترى هجوم أتباع جماعة هذا الفكر الضال على جهة الإنكار العلني مع رعونة في الأسلوب وقلة ادب وعدم مراعاة فقه جلب المصالح ودفع المفاسد لتشويه صورة ولي الأمر والتحريض عليه وفي مجموع الفتاوى( ٢٩ / ١٦ ) يبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة عظيمة نافعة ردا على هؤلاء الضلال حيث قال رحمه الله : " تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم.
فبإستقراء أصول الشريعة: نعلم أن العبادات التي أوجبها الله ، أو أحبها :
لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع.
وأما العادات :
فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يُحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى .
والعادات :
الأصل فيها العفو، فلا يُحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } . ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه " انتهى كلامه رحمه الله .
لكن تأبى الطريقة الاخوانية الخارجية إلا أن " تدخل عصها في أمر لا يخصها "[ العص : الذيل أو الذنب وهي عظمة اسفل العمود الفقري وهذا مثل يضرب حينما يتدخل انسان في أمر ليس له وليس من أهله ولامن اختصاصه] فرأوا اعلان النكير على ولاة الامور في دولة الإمارات العربية المتحدة المباركة ؛ واعلموا رحمنا الله وإياكم أن كل ضال ومبتدع يورد شبها يمني نفسه انه بها يتقوى على صحة مذهبه الباطل كما قال تعالى : { افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا } ثم تراه يلبس بشبهته على من قل علمه من افراد هذه الجماعة الضالة أو على من قل علمه في الشرع فلذا أوردوا قوله تعالى :{ :
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ سورة الجمعة : الآية ٩ ] على جهة الاحتجاج بها على صحة ما ذهبوا إليه من رأي فاسد وفقه معوج ...
والصواب الذي عليه الادلة الشرعية وعليه عمل سلفنا الصالح مشروعية العمل يوم الجمعة وذلك للإدلة التالية :
( أولا )
هذه الآية التي استدل بها هؤلاء الجهلة إنما هي دليل عليهم وليست دليلا لهم فهي حجة عليهم ؛ فإنهم لو اكملوا قراءة الآية التي بعدها لذهب الإشكال عن الجهلة والا فهم أهل شبه يقول الله سبحانه وتعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ سورة الجمعة : الآية ١٠ ] .
ففي هذه الآية الأمر بإباحة العمل ومن ذلك اباحة البيع والشراء بعد الفراغ من صلاة الجمعة ؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية :" وقوله: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ } أي: فُرِغ منها، { فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } لَمّا حَجر عليهم في التصرف بعد النداء ، وأمرهم بالاجتماع: أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض ، والابتغاء من فضل الله " انتهى كلامه رحمه الله .
فالاية حجة عليهم .
( ثانيا )
هدي سلفنا الصالح من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم - كراهة ترك العمل يوم الجمعة ففي المدونة للإمام مالك رحمه يقول : " قال مالك: كان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون أن يُترك يوم الجمعة العمل؛ لئلا يصنعوا فيه كما فعلت اليهود والنصارى في السبت والأحد " . ويتبع هذا
( ثالثا )
التعليل في الأثر السابق أن ترك العمل في يوم الجمعة الذي اختص الله بهذا اليوم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه ومسلم رحمه الله في صحيحه
من حديثُ أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ( نَحنُ الآخِرونَ الأوَّلون السَّابِقون يومَ القِيامةِ، بَيْدَ أنَّهم أُوتوا الكتابَ مِن قَبلِنا، ثمَّ هذا يومُهم الذي فَرَضَ اللهُ عليهم، فاخْتَلفوا فيه، فهَدَانا اللهُ له، والنَّاسُ لنا فيه تَبَعٌ؛ اليهودُ غدًا، والنَّصارَى بعدَ غدٍ ). وفي الحديث الآخر الصحيح الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة و حذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أضلَّ اللهُ عنِ الجُمُعة مَن كان قَبْلَنا، فكانَ لليهودِ يومُ السَّبت، وكان للنَّصارى يومُ الأحد، فجاءَ اللهُ بنا فهَدَانا ليومِ الجُمُعة، فجَعَل الجُمُعة والسَّبتَ والأَحَد، وكذلك هم تبعٌ لنا يومَ القيامَةِ، نحنُ الآخِرونَ من أهلِ الدُّنيا، والأَوَّلونَ يومَ القِيامَةِ، المقضيُّ لهم قبلَ الخلائقِ ) .
فهدي السلف الصالح كراهة تخصيص يوم الجمعة في ترك العمل فيها وذلك من أجل حكمة عظيمة لها أصل عظيم في الشرع وهو ترك مشابهة اليهود والنصارى في شئ من خصائصهم وعاداتهم واعمالهم امتثالا وعملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) وهو حديث صحيح صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود رحمه الله.
( رابعا )
من المسلمين من يريد استغلال وقت اجازة يوم الجمعة بالتنزه والقيام بالرحلات البرية أو البحرية أو قل زيارة قريب أو زيارة لا بد منها فقد يترك هذا السفر ويمتنع من استغلال وقت الاجازة في هذا اليوم والاستمتاع فيه إما حرصه على حضور صلاة الجمعة أو استماعه إلى فتاوى أهل العلم في المنع من السفر يوم الجمعة ؛ فيخشى الوقوع في الإثم وقد كثرت الأسئلة حول هذه المسألة وأتت أهل العلم استفسارات كثيرة بهذا الخصوص نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مايلي :
سئل الإمام ابن باز رحمه الله
هذا السؤال ونصه :
" ما حكم خروج كثيرٍ من الناس في يوم الجمعة للبرِّ من أجل النُّزهة، ويترتب على ذلك ترك صلاة الجمعة مع الجماعة؟
الجواب:
لا نعلم في ذلك شيئًا، إذا بعدوا عن البلد للنزهة وصلّوا ظهرًا فلا بأس؛ لأنَّ الجمعة إنما تجب على مَن حضر وصار يسمع النِّداء دون فرسخٍ، أما إذا بَعُد عن البلد صلوا ظهرًا.
ولكن يُشرع لهم ألا يفعلوا ذلك، أو يفعلوه تارةً وتارةً، حتى لا يحرموا أنفسَهم هذا الخير، يُشرع لهم المحافظة على الجمعة، حتى يسمعوا الفائدة، ويسمعوا الخطبة، ولكن لا تلزمهم الجمعة إذا بعدوا، وإنما يلزمهم الظّهر.
س: لو خرج يوم الجمعة بعد الزوال؟
الشيخ: لا يجوز بعد الزوال، إذا زالت الشمسُ؛ وجب عليه أن يُصلي مع الناس " انتهى كلامه رحمه [ الموقع الرسمي للإمام ابن باز رحمه الله ] .
وحول هذه المسألة يتحدث الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم السفر يوم الجمعة قائلا :
" السفر يوم الجمعة إن كان بعد أذان الجمعة الثاني فإنه لا يجوز؛ لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ }[ سورة الجمعة : الآية ٩ ]
فلا يجوز للإنسان أن يسافر في هذا الوقت؛ لأن الله قال: { فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [سورة الجمعة : الآية ٩ ].
وإذا كان السفر قبل ذلك: فإن كان سيصلي الجمعة في طريقه مثل أن يسافر من بلده وهو يعلم أنه سيمر على بلد آخر في طريقه ويعرج عليه ويصلي الجمعة فيه، فهذا لا بأس به، وإن كان لا يأتي بها في طريقه، فمن العلماء من كرهه، ومن العلماء من حرمه، ومن العلماء من أباحه، وقال: إن الله تعالى لم يوجب علينا الحضور إلا بعد الأذان.
والأحسن ألا يسافر إلا إذا كان يخشى من فوات رفقته أو مثل أن يكون موعد الطائرة في وقتٍ لا يسمح له بالحضور أو ما أشبه ذلك، وإلا فالأفضل أن يبقى" انتهى كلامه رحمه الله[ لقاءات الباب المفتوح ( ٣ / ١٠٤)].
وسئل رحمه الله عن "شباب خرجوا في رحلة إلى منطقة بعيدة ونزلوا في مكان بعيد من البلد لكنهم ما زالوا يسمعون الأذان بسبب وجود المكبرات، فهل تلزمهم الجمعة والجماعة مع أهل ذلك البلد؟
فأجاب:
لا تلزمهم، يعني: إذا بعدوا عن البلد بحيث لا يسمعون صوت المؤذنين ولولا وجود مكبر الصوت فلا تلزمهم، وأما إذا كانوا قريبين من البلد بحيث لو كان المؤذنون يؤذنون بغير مكبر لسمعوه فإنه يلزمهم" انتهى كلامه رحمه الله.
[ لقاء الباب المفتوح( ٢٧ / ١٤٩ )].
( الخاتمة نسأل الله حسنها ):
أنبه طلاب العلم وأحذرهم من شبهات المشوشين المشبوهين من جماعات التكفير واتباعهم فكريا من الذين يريدون الشر في :
دينكم
وفي مجتمعكم
وفي ولاة أمركم
وفي اسرتكم
وفي ذواتكم.
فكونوا منهم على حذر .
رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة؛ والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
كتبه واملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني .