الثلاثاء، 25 يناير 2022

《 قبيلة حِمْيَر 》



يقول الله سبحانه وتعالى  :

{ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ أَهْلَكْنَاهُمْ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }

قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية  :"

قال تعالى: { أَهُمْ خَيْرٌ } أي: هؤلاء المخاطبون { أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }  أي ليسوا خيرا منهم ، يعني أقوى وأشد وأكثر من قوم تبع . قال قتادة : هو تبع الحميري ، وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة ، وبنى سمرقند وكان من ملوك اليمن ، سمي تبعا لكثرة أتباعه ، وكل واحد منهم يسمى : " تبعا " لأنه يتبع صاحبه ، وكان هذا يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حمير "،انتهى كلامه رحمه الله. وعن ذي مخمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان هذا الأمر في حمير , فنزعه الله عز وجل منهم فجعله في قريش , و س ي ع و د إ ل ي ه م " , قال عبد الله بن الإمام أحمد: كذا كان في كتاب أبي مقطعا , وحيث حدثنا به تكلم على الاستواء " صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( ٤٤٦٣).

وحمير من سبأ ؛ وسبأ من قحطان [ الأولى ] :

أخرج الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ).

وتتمة الفائدة  :

جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله من حديث أبي هريرة مرفوعاً  : ( يُوشِكُ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِمَامًا مَهْدِيًّا وَحَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَتُوضَعُ الْجِزْيَةَ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ).

.......................................

كتبه : غازي بن عوض العرماني

《 جمع الصلاة بسبب شدة البرد 》



الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا 

أما بعد 

فقد ثبت في صحيح  البخاري رحمه الله أنه :أَذَّنَ ابنُ عُمَرَ في لَيْلَةٍ بارِدَةٍ بضَجْنانَ، ثُمَّ قالَ: صَلُّوا في رِحالِكُمْ، فأخْبَرَنا أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يقولُ علَى إثْرِهِ: ( ألا صَلُّوا في الرِّحالِ في اللَّيْلَةِ البارِدَةِ، أوِ المَطِيرَةِ في السَّفَرِ)وفي الجمع من شدة البرد قال به جمع من كبار العلماء منهم الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فقد قال الإمام احمد بن حنبل رحمه الله في رواية الميموني رحمه الله:[ إنَّ ابن عمر كان يجمع في الليلة الباردة].

ثم هنا أمور يتنبه لها   : 


                 ( أولا )

المعتمد على هذه الرخصة أصل صحيح وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح مسلم رضي الله عنه وفيه :( صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بالمَدِينَةِ، في غيرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ. قالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا: لِمَ فَعَلَ ذلكَ؟ فَقالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كما سَأَلْتَنِي، فَقالَ: أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أَحَدًا مِن أُمَّتِهِ).

والشاهد:( أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أَحَدًا مِن أُمَّتِهِ).

                   ( ثانيا )

حديث( أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يقولُ علَى إثْرِهِ: ( ألا صَلُّوا في الرِّحالِ في اللَّيْلَةِ البارِدَةِ، أوِ المَطِيرَةِ في السَّفَرِ)

 ) تقال في الأذان وهذا دليل صحيح على إباحة الصلاة في البيت بسبب البرد .


              ( ثالثا  )


قال الإمام احمد بن حنبل رحمه الله في رواية الميموني رحمه الله:[ إنَّ ابن عمر كان يجمع في الليلة الباردة]أثر ابن عمر رضي الله عنهما السابق  قول صاحب معتمد على نص الرسول صلى الله عليه وسلم ولا مخالف له .


              ( رابعا  )

الجمع بسبب شدة البرد قد يكون نادر الحدوث ولظروف جماعة إمام المسجد وتقديرهم لهذه الرخصة قال الإمام الألباني رحمه الله : " إذا نظرنا إلى جواب ابن عباس على سؤال السائل له القائل : ( ماذا أراد رسول الله بهذا الجمع ؟ قال : أراد ألا يحرج أمته ) نفهم من هذا الجواب أن الجمع يجوز جمع تقديم أو جمع تأخير لأن الهدف والعلة هو رفع الحرج وهذا بلا شك من يسر الإسلام الذي هو من قواعده كما قال عز وجل في كتابه : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ونحن نعلم بالتجربة أن كثيراً من المسلمين يجدون حرجا في بعض المناسبات في المحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها الخمس كما هو المأمور في السنة بل وفي الكتاب فجاءت هذه الرخصة ليسمح لمن يجد الحرج في المحافظة على هذه الصلوات في أوقاتها أن يجمع بين وقتين ووقتين بين الظهر والعصر معاً وبين المغرب والعشاء معاً فبعض الأحوال يجد الإنسان نفسه مضطراً أن يقدم العصر إلى الظهر فيجمعهما جمع تقديم وأحياناً يجد أنه مضطر إلى أن يؤخر الظهر إلى العصر فيجمعهما جمع تأخير ليس في هذا الحديث نوعية الجمع الذي جمعه الرسول عليه السلام لكن جواب ابن عباس ( أراد بذلك ألا يحرج أمته ) يعطينا فسحة بأن نختار الجمع الذي يرفع عنا الحرج سواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير علماً بأن كلا من الجمعين أي سواء كان جمع تقديم أو جمع تأخير كلاهما ثبت في السنة الصحيحة بالنسبة للمسافر فالرسول عليه السلام في الغالب من أحيانه كان يجمع في السفر جمع تأخير وأحياناً ثبت عنه عليه السلام أنه جمع جمع تقديم فإذا وجد المقيم في حالة يجد حرجاً أن يؤدي مثلا صلاة الظهر في وقتها فإذًا ليقصد الجمع جمع الظهر إلى العصر جمع تأخير أو وجد نفسه أن في وقت العصر سوف لا يتمكن من أداء صلاة العصر في وقتها فيدخل عليه وقت المغرب إذًا يصلي الظهر في وقتها ويقدم إليها صلاة العصر فيجمعهما جمع تقديم"[ فتاوى عبر السيارة والهاتف للإمام الألباني رحمه الله( ١٧٢) بتصرف يسير ].

ولعل هذه الأمور كلها ولله الحمد لا بد أن تكون مقررة معلومة عند طالب العلم ؛ والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. 

▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه  :  غازي بن عوض العرماني.

الاثنين، 24 يناير 2022

《 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة تؤدى وفق الشرع المطهر بعيدا عن امزجة أهل الأهواء والبدع والفرق الضالة 》



بسم الله الرحمن الرحيم 


إلى من لا يسعني ترك اجابته من الإخوة طلاب العلم ........

سلمكم الله وبارك فيكم   

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  .

أما بعد :

فقد أطلعت على رسالة المدعو د : سالم بن سعيد ....... والتي تحدث فيها عن  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق هواه وتوجهات حزبه فرأيتُ أنها قد اشتملت على قلة فقه وبعد عن الحكمة وجهل وتخبط في كيفية معرفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطريقة الشرعية في كيفية تأدية هذه الشعيرة الفاضلة وأشكر غيرة فضيلتكم على السنة وذلك في حرصك على اهمية اتباعها  وحثك على لزوم هدي السلف الصالح وأن كان بعض الجهلة أو من في قلبه مرض لا يعلمون خطر التمادي في مخالفة السنة أو مشاققة سبيل المؤمنين إذ أن همهم الأول هو : ( إنكار المنكر بأي طريقة كانت ولو ترتب على هذا الإنكار منكر أعظم منه  ) ناهيك عن بعدهم عن الفقه والحكمة وتقدير عواقب الأمور وبغير نظر للنتائج  والمآلات  أوملاحظة ادراك المصالح وجلبها وابعاد المفاسد ودرأها فقد يترتب على هذا  المنكر منكر أعظم منه لهذا قال الله سبحانه وتعالى :{ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }

قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية  : " فظاهر الآية ، وإن كان نهيا عن سب الأصنام ، فحقيقته النهي عن سب الله ، لأنه سبب لذلك " .

انتهى كلامه رحمه الله بتصرف .

اقول : فنتيجة إنكار اي منكر جهلا بغير ضوابط شرعية يكون هو المنكر بل قد يكون منكر أعظم من المنكر الأول ؛ وقد رأى الناس من نتائج أفعال هذه الجماعات التكفيرية - التي نسبت نفسها إلى الإسلام ظلما والاسلام برئ منها - في طريقة انكارها على الولاة منكرا أعظم من المنكر الذي يدعون انكاره  وذلك في صدهم عن سبيل الله سبحانه وتعالى ومنع علماء السنة من نشر التوحيد والسنة في اقطار العالم بسبب التصرفات الرعناء لهؤلاء الحمقاء . و بعض  الجهات الحكومية والوزارات الحيوية ومرافق نفعية واماكن خدمية في العالم -  مع انه تم إنشاؤها لخدمة البشر من بر او فاجر بل لخدمة كل ذات كبد رطبة من إنسان أو حيوان أو طائر - فتشاهدا ما حولها أمرا عجبا ؛ فمابال المصدات الاسمنتية والصبات الخرسانية وضعت وكثرة الاحترازات الأمنية في المطارات ونقاط العبور   ؟

الجواب : 

بسبب هؤلاء الذين اظهروا الملامح إسلامية وهم يحاربون الإسلام وأهله . سلمت منهم إيران الفرس المجوس ولم تسلم منهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم  ؛ شوهوا دين الإسلام بأفعالهم الإجرامية 

فما بين 

تكفير

وتفجير 

واغتيال

وتصفيات جسدية 

وثورات 

واضرابات 

ومضاربات 

ومظاهرات 

وتهييج وتحريض كل ذلك من أجل مايسمونه عودة الخلافة الإسلامية بجهاد مزعوم ينكره كبار علماء الإسلام 

وهذه الخلافة المزعومة مفادها طلب عودة حكم دولة القرامطة والحشاشين والعبيديين والدواعش والقاعدة  ...

ان الإسلام دين رحمة وعطف ومحبة ودعوة الى علم الكتاب والسنة وفق هدي سلف الامة الصالح . وهو يحرم ويجرم الفوضى والهمجية وقانون الغاب .

والجهاد في الإسلام وسيلة لإعلاء شأنه ونشر محاسنه وفضائله بالحجة والبرهان 

وهذا هو الجهاد الأكبر جهاد الخاصة بالعلم وايضاح الحق  وكشف الشبهات وتفنيد المشتبهات بالادلة الواضحات البينات والحجج الباهرات 

فهذا العصر عصر العلم وعامة الناس من مسلم وكافر يحتاجون إلى علماء 

يوضحون للمسلمين  الإسلام الصحيح بالادلة من الكتاب والسنة وفق هدي السلف الصالح  ويحذرونهم من البدع والاهواء والفرق والجماعات المنحرفة  ..

ويكشفون لهم الشبه .

وأما اهل الكفر فيدعونهم إلى الاسلام الصحيح إلى  الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة الصالح  ..

ويبينوا لهم براءة الإسلام من هذه الجماعات التكفيرية الإخوانية الخوارج. 

فالبشرية في هذا العصر بحاجة ماسة إلى ما يربطهم بربهم وخالقهم فهم  يعانون من خواء روحي ومرض نفسي... فمع توفر المادة والرفاهية  وكثرة الاختراعات وتحسن حياة البشر ومظاهرها إلا انهم تعساء باطنيا .

فهم يحتاجون إلى دواء الوحي يريدون العلاج الرباني الذي يؤيده العقل السليم والفطرة السوية وهذا مصداقا لقوله تعالى وتقدس  : {  وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى  قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا  قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى }

ولا يكون كشف هذا الداء وعلاجه إلا على يد من وفقهم الله ورزقهم العلم النافع والعمل الصالح وهم علماء السنة السلفيين ف"الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم.

ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين "

وقد كثر دعاة الاخوانية الخوارج وتنوعت فرقهم واختلفت مذاهبهم والقاسم المشترك بينهم 

التكفير 

واستحلال دماء الأبرياء 

وايراد الشبه 

ونشر البدع والاهواء 

؛ يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويحاربون أهله ، فهم " عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مخالفة الكتاب يقولون على الله تعالى وفي الله تعالى وفي كتاب الله تعالى بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون الجهال بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين "[ من خطبة الامام احمد بن حنبل رحمه الله في مقدمة رسالته الرد على الجهمية  ] 

وعودا على بدء:

بشأن الرسالة الحماسية العاطفية السابقة والتي خلت من العلم والحلم والحكمة فإن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام فإن " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هو القطب الأعظم في الدين ، والمهم الذي ابتعث الله له الأنبياء والمرسلين ، فلو طوي بساطه ، وأهمل علمه وعمله ، لفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ، قال الله تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } فنعوذ بالله من اندراس هذا المهم العظيم ، واستيلاء المداهنة على القلوب ، وذهاب الغيرة الدينية"

من أكبر الكبائر وأعظم العظائم : التهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعدم القيام لهما بما يشترط ويفتقر إليه في حصوله على الوجه الذي تبرأ به الذمة ويحصل به المقصود ، قال الله تعالى : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } وقال صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة : ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) .

" .[ الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ؛ من كتاب الدرر السنية] 

 و " لا بد من هذه الثلاثة : العلم ، والرفق ، والصبر ، العلم قبل الأمر والنهي ، والرفق معه ، والصبر بعده ، وإن كان كل من الثلاثة مستصحباً في هذه الأحوال ، وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً ، ذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد : " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به ، فقيهاً فيما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه " .وليعلم أن الأمر بهذه الخصال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مما يوجب صعوبة على كثير من النفوس ، فيظن أنه بذلك يسقط عنه ، فيدعه ، وذلك مما يضره أكثر مما يضره الأمر بدون هذه الخصال أو أقل ، فإن ترك الأمر الواجب معصية ، فالمنتقل من معصية إلى معصية أكبر منها كالمستجير من الرمضاء بالنار ، والمنتقل من معصية إلى معصية كالمنتقل من دين باطل إلى دين باطل ، وقد يكون الثاني شراً من الأول ، وقد يكون دونه ، وقد يكونان سواء ، فهكذا تجد المقصر في الأمر والنهي والمعتدي فيه قد يكون ذنب هذا أعظم ، وقد يكون ذنب هذا أعظم ، وقد يكونان سواء .[ مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله( ٢٨ / ١٣٧ - ١٣٨ )]

ومعلوم أنه"لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه ، ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمر بالسيف ، لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن ما يحصل بذلك من فعل المحرمات ، وترك واجب ، أعظم مما يحصل بفعلهم المنكر والذنوب ، وإذا كان قوم على بدعة أو فجور ، ولو نهوا عن ذلك وقع بسبب ذلك شر أعظم مما هم عليه من ذلك ، ولم يمكن منعهم منه ، ولم يحصل بالنهي مصلحة راجحة ، لم ينهوا عنه . [مجموع فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله( ١٤ / ٤٧٢)].

و " إنكار المنكر أربع درجات :

الأولى : أن يزول ويخلفه ضده [ وضده هو المعروف] .

الثانية : أن يقل وإن لم يزل بجملته .

الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله .

الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه .

فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة .

فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله ، كرمي النشاب (السهام) ، وسباق الخيل ، ونحو ذلك .

وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء وتصدية ، فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد ، وإلا كان تركهم على ذلك خيرا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك ، فكان ما هم فيه شاغلا لهم عن ذلك .وكما إذا كان الرجل مشتغلا بكتب المجون ونحوها وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر ، فدعه وكتبه الأولى . وهذا باب واسع .

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول : مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي ، فأنكرت عليه ، وقلت له : إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال ، فدعهم .

والمثال الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تقطع الأيدي في الغزو) رواه أبو داود . فهذا حد من حدود الله تعالى ، وقد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا ، كما قاله عمر وأبو الدرداء وحذيفة وغيرهم " [ من كلام الإمام ابن القيم من كتاب إعلام الموقعين ( ١٢ / ٣ - ١٣ )]. " و " الأمر والنهي - وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة - فينظر في المعارض له ؛

فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به ؛ بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته "[مجموع فتاوى شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله ( ٢٨ / ١٢٩ )]" 

 فهذا المتحدث سمع بمنكر فجرى انكاره وفق طريقة اخوانية خارجية ومذهبهم مبني على التهييج والإثارة والتحريض وارادة الشر بولاة أمور المسلمين .

وطريقة كبار علماءالسنة  أنهم ينكرون  كل على حسب قدرته  ويعتمدون على[  الإسرار في الانكار  ] بعدا عن الرياء والسمعه ولئلا يترتب على عملهم مفاسد عظيمة كما ذكرنا في ثنايا هذه الرسالة مع حرصهم على أتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم  القائل: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه وإلا كان قد أدى ما عليه)

وفي مسند الإمام  أحمد رحمه الله  عن سعيد بن جهمان رحمه الله قال: [ أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمت عليه.. قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم. قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: ويحك يا ابن جهمان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه ] .

قال الإمام ابن باز رحمه الله:

" ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه: قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه : ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.

ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله  عنه  وأنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه "[ موقع الإمام ابن باز رحمه الله   الرسمي ] 

و هالايات والاحاديث التي يذكرها هذا او غيره النصح له ابواب 

لان النصح الدعاء ، الدعاء لأي مسلم 

الدعاء لولي الامر

 الدعاء لمن وقع في المعصية 

ثم ان هناك مسألة عظيمة احببت التنبيه عليها هذه المسأله بارك الله فيكم 

هي ان هذه المعاصي على عظيم جرمها وكبير اثمها وخطرها لا تساوي شيء عند البدع واهل البدع من قوم هذا الواعض فلا مقارنه 

كان السلف الصالح يحذرون من البدعة أعظم من تحذيرهم من المعاصي وذلك ان المعاصي يتاب منها بخلاف البدعة فقد ثبت في السنة : ( إن الله حجز أو حجب التوبة عن كل مبتدع ) 

وفي سير أعلام النبلاء وغيرها من تراجم أهل العلم عن:

سَعِيْدُ بنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا حَرْبُ بنُ مَيْمُوْنٍ الصَّدُوْقُ المُسْلِمُ, عَنْ خُوَيلٍ -يَعْنِي: خَتَنَ شُعْبَةَ- قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ يُوْنُسَ فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ تَنْهَانَا عَنْ مُجَالَسَةِ عَمْرِو بنِ عُبَيْدٍ, وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُكَ? قَالَ: ابْنِي؟! قَالَ: نَعَمْ فَتَغَيَّظَ الشَّيخُ, فَلَمْ أَبرَحْ حَتَّى جَاءَ ابْنُه, فَقَالَ: يَا بُنَيَّ قَدْ عَرَفْتَ رَأْيِي فِي عَمْرٍو ثُمَّ تَدخُلُ عَلَيْهِ قَالَ: كَانَ مَعِي فُلاَنٌ, وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ. قَالَ: "أَنْهَاكَ عَنِ الزِّنَى, وَالسَّرِقَةِ, وَشُربِ الخَمْرِ, وَلأَنْ تَلْقَى اللهَ بِهنَّ, أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَلقَاهُ بِرَأْيِ عَمْرٍو, وَأَصْحَابِ عَمْرٍو".

قال العوام بن حوشب رحمه الله فى حق ابنه عيسى : " والله لأن أرى عيسى يجالس من أصحاب البرابط والأشربة والباطل أحب إلى من أراه يجالس أصحاب الخصومات أهل البدع " .

و قال سعيد بن جبير رحمه الله : " لأن يصحب ابنى فاسقا ، شاطرا ، سنيا ، أحب إلى من أن يصحب عابدا مبتدعا

قال الإمام أحمد  رحمه الله :

 " قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة ، وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة فساق أهل السنة أولياء الله ، وزهاد أهل البدعة أعداء الله " .

وأخيرا:

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال له بعض الناس: هلكت إن لم آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.. فقال له رضي الله عنه: (هلكت إن لم يعرف قلبك المعروف وينكر المنكر).

وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

كتبه: غازي بن عوض العرماني.

الأحد، 16 يناير 2022

مسألة : [هل يشترط و يلزم قيام عبادة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحققها من إزالة المنكر ؟ ]



الجواب :

 [  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ] عبادة شرعية تؤدى وفق الشرع علم في أولها وحلم في أثنائها وصبر في آخرها 

فإذا أديت هذه العبادة الجليلة وفق شرطي صحة العبادة [ الإخلاص والصواب ] فالحمد لله  لأن المراد تأدية هذه العبادة وفق الشرع المنزل

فالسلطان ونوابه لهم من القدرة والتمكين مالا يتوفر في غيرهم فلهم من القوة و بسط اليد و نفوذ الأمر على من تحت يدهم ماليس لغيرهم ويجري ذلك إن شاء الله وفق المصلحة الشرعية التي يعرفها ويقدرها ويراها وينفذها ولاة الأمر مالم يترتب على إنكارهم منكر أعظم من أمرهم فيرى ولي الأمر أو نائبه تركه درأ للمفاسد وفيه جلب للمصالح ؛ اذ أن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح كما هو مقرر عند أهل العلم والفقه  ف"إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما، لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة، وإن سمى ذلك ترك واجب وسمى هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر، ويقال في مثل هذا: ترك الواجب لعذر، وفعل المحرم للمصلحة الراجحة، أو للضرورة، أو لدفع ما هو أحرم، وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها إنه صلاها في غير الوقت المطلق قضاء... وهذا –باب التعارض- باب واسع جداً لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم، فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة، أو يتبين لهم فلا يجدون من يغنيهم العمل بالحسنات وترك السيئات، لكون الأهواء قارنت الآراء.

فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل، وقد يكون الواجب في بعضها العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط؛ مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلاً لمعصية أكبر منها، فيترك الأمر بها دفعاً لوقوع تلك المعصية، مثل أن ترفع مذنبا إلى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضرراً من ذنبه، ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركاً لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات، فيسكت عن النهي خوفاً أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر.

فالعالم تارة يأمر وتارة ينهى وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر والنهي أو الإباحة . فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه "[ مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله( ٢٠ / ٥٧ - ٦١ ) بتصرف ] .

فالضرر لايزال بضرر أعظم منه  

يدل على صحة هذا الأصول الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث ام المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

( يا عائِشَةُ، لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَديثُو عَهْدٍ بشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ، فألْزَقْتُها بالأرْضِ، وجَعَلْتُ لها بابَيْنِ: بابًا شَرْقِيًّا، وبابًا غَرْبِيًّا، وزِدْتُ فيها سِتَّةَ أذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، فإنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْها حَيْثُ بَنَتِ الكَعْبَةَ )

"وهذا يبين أنه يجوز لولي الأمر أن يؤخر أو يدعم قول إذا كان في ذلك مصلحة كبرى وترك أسباب الفتنة، ولهذا ترك إرجاع البيت على قواعد إبراهيم... تأليفًا لقلوبهم لئلا[ يرجعوا إلى ]الكفر "[ من الموقع الرسمي للإمام ابن باز رحمه الله بتصرف يسير ] .

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا 

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

كتبه : غازي بن عوض العرماني

[ إهداء إلى كل محب للتوحيد والسنة وأهلها ]

بسم الله الرحمن الرحيم 

طريقتنا المتواضعة 

 تتمثل في أمور منها  :

                    ( أولا  )

التأكيد على أهمية التوحيد وتصفية العقيدة مما نسب إليها من شركيات  ومحدثات وبيان عظيم خطر وانحراف عقيدة من قام  بعملها من رموز الجماعات المنحرفة والفرق الضالة والتاكيد على بيان السنة والتحذير  من البدع وأهلها متضمنا ذلك إيضاح أصل وجوب السمع والطاعة لولاة الامر مدللا ماذكر ذكر أدلة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. 

              (  ثانيا  )

محاربة الإرهاب وذلك في تفنيد الشبهات التكفيرية ودراسة أفكارهم الشاذة وبيان فسادها  والتحذير من رموز الجماعات المنحرفة مثل جماعة الإخوان الخوارج. 


والآلية المستخدمة في إبراز طريقتنا هذه تتمثل في أمور منها :

              (   ١   )

التركيز على وجوب طاعة ولاة الأمر قربة وعبادة وذلك في 

القاء الدروس والمحاضرات والدعوة في الملتقيات العامة وفي خطب الجمعة .


               (   ٢    )

بفضل الله كثرة مؤلفاتنا مابين كتب ورسائل حتى وصلت اكثر من [ ٥٠٠ كتابا ورسالة] .


                (   ٣   )

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من وتسب و تويتر وفيسبوك وغيرها .


                (   ٤   ) 

استخدام القنوات التلفزيونية وقنوات اليوتيوب ولنا قناة خاصة باسمنا على اليوتيوب .


                 (   ٥   ) 

استخدام الشبكة العنكبوتية[  النت  ] فلنا مدونة وموقع .

واشكر الإخوة المحبين للتوحيد والسنة وأهلها الذين لهم جهود طيبه فشاركوا معنا اما في الرأي أو في المساهمة في انشاء هذه الجهود المباركة منهم كل من فضيلة الشيخ هديبان العرماني و فضيلة الشيخ محمد الوهيبي والشيخ عبدالعزيز المري بارك الله في جهودهم .

 وكل ما سبق من جهود ومن آليةجرت بفضل الله وحده ونحن في دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية ننعم بنعم لاتحصى منها بل أعظمها واجلها  نعمة التوحيد والسنة ونعمة الأمن والأمان في ظل قيادة حكيمة رحيمة فهم لنا نعمة من الله سبحانه وتعالى 

وكل ما سبق وفاء لجميل و فضائل ولاة أمرنا آل سعود حفظهم الله واياديهم البيضاء علينا فقد تعلمنا بفضل الله ثم فضلهم التوحيد والسنة على مشايخ فضلاء .

وهذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية في مراحلها الثلاث قامت في جهود عظيمة مباركة بقيادتها آل سعود  وشيوخها علماء السنة أتباع السلف الصالح وذلك جرى بعد المبايعة التاريخية بين الامامين الجليلين الأمير محمد بن سعود وشيخ الاسلام محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله وقد ثبت في السنة من حديث  أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ )

رواه أحمد وأبوداود رحمهما الله  وصححه  الالباني رحمه الله .

ففضلهم - بعد فضل الله  -  علينا كبير  .

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 



كتبه وأملاه الفقير إلى عفومولاه :

غازي بن عوض بن حاتم العرماني .

الجمعة، 14 يناير 2022

《 من ضلال المدعو سعيد الكملي في توحيد الأسماء والصفات 》[ الجزء الثاني ]

《 من ضلال المدعو سعيد الكملي في توحيد الأسماء والصفات 》[ الجزء الثاني ]


سعيد الكملي (saeedalkamali11@) غرَّد: *ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر* https://t.co/PYv4IRdEd3 https://twitter.com/saeedalkamali11/status/1245753394020712448?s=20

 👆🏻

اقول :

هذه طريقة بارعة - فكونوا على حذر منها - لها أتت من المدعو  سعيد الكملي في تعطيل صفة النزول لله سبحانه وتعالى وتهميش معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في إثبات الصفات الاختيارية لله سبحانه وتعالى وفي شرح لنا  [ بفضل الله قمنا بشرحه وتم  نشره]  لكتاب الصفات الاختيارية لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تجد فيهما  إيضاح لها وتعريف ؛ فهي الصفات القائمة بذات الله سبحانه وتعالى[ رد على غلاة الجهمية والمعتزلة وذلك أنهم ينكرون اتصاف الله بالصفات العلى الثابتة له في  الكتاب والسنة على ما يليق بربنا  ]  المتعلقة بمشيئته وقدرته [ رد على الكلابية  لأنهم ينكرون ذلك وهم الآن  يسمون كذبا وزورا بالاشاعرة فالاشعري رحمه الله أعلن تبرأه من هذا المعتقد]  ..

 واخوانية هذا العصر تجدهم أشد خبثا من الجهمية المعطلة إذ لهم طرق خفية خبيثة تتخذ اسلوب الدبلوماسية والتي أتت وفق توجهات فكر حزبهم السياسي لنشر باطلهم والتلبيس  على العوام ممن يحسن الظن بهم ولم يعلم سوء مذهبهم أو من خفيت عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح لجهله.

وتعريف الصفات الاختيارية مع ذكر امثله لها  :

هي الأمور التي يتصف بها الرب عز وجل فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته؛ كما ذكرنا سابقا مثل :

كلامه، وسمعه، وبصره، وإرادته، ومحبته، ورضاه، ورحمته، وغضبه، وسخطه، ومثل خلقه، وإحسانه، وعدله، ومثل استوائه، ومجيئه، وإتيانه، ونزوله، ونحو ذلك من الصفات التي أتت في كلام الله سبحانه وتعالى [ القرآن الكريم المنزل غير مخلوق ]وأتت في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم [ السنة ].

"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

كتبه : غازي بن عوض العرماني  .

الأحد، 9 يناير 2022

《 ذكر ما ورد في إثبات صفة الساق لله سبحانه وتعالى من إدلة الكتاب والسنة 》



        بسم الله الرحمن الرحيم 

الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه . { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًاكَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }

 أما بعد  :

فصفة الساق لربنا الله عز وجل تدخل في توحيد الله في أسمائه وصفاته وهذه الأسماء والصفات وقف على إدلة الكتاب والسنة فقط ؛ وقد أتى إثبات هذه الصفة في كلام الله سبحانه وتعالى وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وهي من الصفات الذاتية الخبرية التي يجب الإيمان بها وإمرارها كما جاءت على الوجه الذي يليق بالله سبحانه من غير أن يماثل خلقه في شئ من صفاته ؛ ومن غير تأويل باطل ولاتحريف منحرف ولاتعطيل جهمي عملا بقول الله سبحانه تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ 

فتبثت هذه الصفة على مايليق بربنا تعالى وتقدس فالمعنى  معقول  والكيف مجهول  ومن أدلة الكتاب والسنة على إثبات هذه الصفة ما ورد في كتاب الله يقول الله تعالى وتقدس : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ } و من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم  ما ثبت عن الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول   : ( يَكْشِفُ رَبُّنا عن ساقِهِ، فَيَسْجُدُ له كُلُّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنَةٍ، فَيَبْقَى كُلُّ مَن كانَ يَسْجُدُ في الدُّنْيا رِياءً وسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا واحِدًا ).رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه . وعنه رضي الله عنه قُلْنَا : يا رَسولَ اللَّهِ هلْ نَرَى رَبَّنَا يَومَ القِيَامَةِ؟ 

قالَ: ( هلْ تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ إذَا كَانَتْ صَحْوًا؟)، قُلْنَا: لَا، قالَ: ( فإنَّكُمْ لا تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَومَئذٍ، إلَّا كما تُضَارُونَ في رُؤْيَتِهِما) ثُمَّ قالَ:(  يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إلى ما كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أصْحَابُ الصَّلِيبِ مع صَلِيبِهِمْ، وأَصْحَابُ الأوْثَانِ مع أوْثَانِهِمْ، وأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مع آلِهَتِهِمْ، حتَّى يَبْقَى مَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، مِن بَرٍّ أوْ فَاجِرٍ، وغُبَّرَاتٌ مِن أهْلِ الكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأنَّهَا سَرَابٌ، فيُقَالُ لِلْيَهُودِ: ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ ولَا ولَدٌ، فَما تُرِيدُونَ؟ قالوا: نُرِيدُ أنْ تَسْقِيَنَا، فيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ في جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فيَقولونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ، ولَا ولَدٌ، فَما تُرِيدُونَ؟ فيَقولونَ: نُرِيدُ أنْ تَسْقِيَنَا، فيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ في جَهَنَّمَ، حتَّى يَبْقَى مَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِن بَرٍّ أوْ فَاجِرٍ، فيُقَالُ لهمْ: ما يَحْبِسُكُمْ وقدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فيَقولونَ: فَارَقْنَاهُمْ، ونَحْنُ أحْوَجُ مِنَّا إلَيْهِ اليَومَ، وإنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بما كَانُوا يَعْبُدُونَ، وإنَّما نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قالَ: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ في صُورَةٍ غيرِ صُورَتِهِ الَّتي رَأَوْهُ فِيهَا أوَّلَ مَرَّةٍ، فيَقولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فيَقولونَ: أنْتَ رَبُّنَا، فلا يُكَلِّمُهُ إلَّا الأنْبِيَاءُ، فيَقولُ: هلْ بيْنَكُمْ وبيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فيَقولونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عن سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ له كُلُّ مُؤْمِنٍ، ويَبْقَى مَن كانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْما يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا واحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بالجَسْرِ فيُجْعَلُ بيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، قُلْنَا: يا رَسولَ اللَّهِ، وما الجَسْرُ؟ قالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عليه خَطَاطِيفُ وكَلَالِيبُ، وحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وكَالْبَرْقِ وكَالرِّيحِ، وكأَجَاوِيدِ الخَيْلِ والرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، ونَاجٍ مَخْدُوشٌ، ومَكْدُوسٌ في نَارِ جَهَنَّمَ، حتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَما أنتُمْ بأَشَدَّ لي مُنَاشَدَةً في الحَقِّ، قدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَومَئذٍ لِلْجَبَّارِ، وإذَا رَأَوْا أنَّهُمْ قدْ نَجَوْا، في إخْوَانِهِمْ، يقولونَ: رَبَّنَا إخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ معنَا، ويَصُومُونَ معنَا، ويَعْمَلُونَ معنَا، فيَقولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فمَن وجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقالَ دِينَارٍ مِن إيمَانٍ فأخْرِجُوهُ، ويُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ علَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وبَعْضُهُمْ قدْ غَابَ في النَّارِ إلى قَدَمِهِ، وإلَى أنْصَافِ سَاقَيْهِ، فيُخْرِجُونَ مَن عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فيَقولُ: اذْهَبُوا فمَن وجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقالَ نِصْفِ دِينَارٍ فأخْرِجُوهُ، فيُخْرِجُونَ مَن عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فيَقولُ: اذْهَبُوا فمَن وجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقالَ ذَرَّةٍ مِن إيمَانٍ فأخْرِجُوهُ، فيُخْرِجُونَ مَن عَرَفُوا قالَ أبو سَعِيدٍ: فإنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَؤُوا: {إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} ، فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ والمَلَائِكَةُ والمُؤْمِنُونَ، فيَقولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فيُخْرِجُ أقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا، فيُلْقَوْنَ في نَهَرٍ بأَفْوَاهِ الجَنَّةِ، يُقَالُ له: مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ في حَافَتَيْهِ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، قدْ رَأَيْتُمُوهَا إلى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، وإلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَما كانَ إلى الشَّمْسِ منها كانَ أخْضَرَ، وما كانَ منها إلى الظِّلِّ كانَ أبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فيُجْعَلُ في رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فيَقولُ أهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بغيرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، ولَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فيُقَالُ لهمْ: لَكُمْ ما رَأَيْتُمْ ومِثْلَهُ معهُ ).

رواه البخاري رحمه الله في صحيحه  .

وأحب تنبيه طلاب العلم على أنه لاخلاف بين أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في إثبات صفة الساق لله سبحانه وتعالى وذلك لورودها  في  الكتاب والسنة وأما ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما  وعكرمة ومجاهد رحمهما الله في تفسيرهم للاية السابقة  ب"أن الكشف عن الساق هنا يعني :

 يوم الكرب

 أو دفع الكربة

 أو الشدة " فقول الصحابي او التابعي لا يعارض بقول الله سبحانه تعالى أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم و " يجب على كل طالب علم أن يكون منطلقه في الفهم وفي الفقه قائماً على القواعد العلمية الأصولية سواءٌ ما كان منها متعلق بأصول الحديث أو أصول الفقه، ليس من العلم عند أحدٍ من أهل العلم أن يعارض قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  بقول غيره ممن ليس معصوماً، ثم بالتالي ليس من العلم محاولة التوفيق بين الحديث المرفوع والقول الموقوف، ليس هناك حاجة لإعمال الفكر في سبيل التوفيق بين الحديث المرفوع والحديث الموقوف، فقول ابن عباس إن صح، لا ينبغي أن يعارض قول الرسول عليه السلام فتنتهي المشكلة؟ لماذا؟

 تفكرون أن تعالجوا قضية ليست هي في ذات نفسها مشكلة تريدون توفقوا بين قوله عليه السلام وقول ابن عباس! هذا ما ينبغي.

إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام

فإذا قال الرسول قولاً، فما ينبغي أن نلتفت إلى غيره ".

[ مابين "" من كلام الإمام الألباني رحمه الله من سلسلة الهدى والنور ( ٥٨٢) الدقيقة ( ٣٧ - ٣٩) بتصرف يسير ].

والله أعلم  ؛ وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا  .

••••••••••••••••••••••••••••••••

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني

الجمعة، 7 يناير 2022

《 مشروعية العمل يوم الجمعة 》



   بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

 أما بعد 


فحينما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أن يكون يوم الجمعة يوم عمل حكومي هاجت الاخوانية الخوارج وماجت واستنكر أفراد هذه الجماعة  صنيع دولة الإمارات وتأثر بفكرها بعض الهوام العوام أتباع كل ناعق حتى مالوا إلى رمي ولاة امر هذه الدولة بالكبائر تحريضا وتهييجا عليهم ليزينوا الخروج عليهم وهذا الأمر رأيته  في أغلب وسائل التواصل الاعلامي الاجتماعي ، وأي تصرف  أو فعل يرى ولي الأمر فعله بناء على اقتضاء مصلحة شرعية يرعاها ويقدرها ويراها ويأمر بها  لجلب نفع أو دفع ضر من هم تحت يده ترى هجوم أتباع جماعة هذا الفكر الضال على جهة الإنكار العلني مع رعونة في الأسلوب وقلة ادب وعدم مراعاة فقه جلب المصالح ودفع المفاسد لتشويه صورة ولي الأمر والتحريض عليه  وفي مجموع الفتاوى( ٢٩ / ١٦ ) يبين  شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة عظيمة نافعة ردا على هؤلاء الضلال حيث قال رحمه الله : "  تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم.

فبإستقراء أصول الشريعة: نعلم أن العبادات التي أوجبها الله ، أو أحبها : 

لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع.

وأما العادات : 

فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يُحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى .

والعادات : 

الأصل فيها العفو، فلا يُحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } . ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه "  انتهى كلامه رحمه الله .

لكن تأبى الطريقة الاخوانية الخارجية إلا أن " تدخل عصها في أمر لا يخصها "[ العص : الذيل أو الذنب وهي عظمة اسفل العمود الفقري وهذا مثل يضرب حينما يتدخل انسان في أمر ليس له وليس من أهله ولامن اختصاصه] فرأوا اعلان النكير على ولاة الامور في دولة الإمارات العربية المتحدة المباركة ؛ واعلموا رحمنا الله وإياكم أن كل ضال ومبتدع يورد شبها يمني نفسه انه بها يتقوى على صحة مذهبه الباطل كما قال تعالى : { افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا }  ثم تراه يلبس بشبهته على من قل علمه من افراد هذه الجماعة الضالة أو على من قل علمه في الشرع فلذا أوردوا قوله تعالى :{ :

 يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ سورة الجمعة : الآية  ٩ ] على جهة الاحتجاج بها على صحة ما ذهبوا إليه من رأي فاسد وفقه معوج  ...

والصواب الذي عليه الادلة الشرعية وعليه عمل سلفنا الصالح مشروعية العمل يوم الجمعة وذلك للإدلة التالية : 


              (   أولا   ) 

هذه الآية التي استدل بها هؤلاء الجهلة إنما هي دليل عليهم وليست دليلا لهم فهي حجة عليهم ؛ فإنهم لو اكملوا قراءة الآية التي بعدها لذهب الإشكال عن الجهلة والا فهم أهل شبه يقول الله سبحانه وتعالى  : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ سورة  الجمعة : الآية ١٠ ] .

ففي هذه الآية الأمر بإباحة العمل ومن ذلك اباحة البيع والشراء بعد الفراغ من صلاة الجمعة  ؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية  :" وقوله: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ } أي: فُرِغ منها، { فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ }  لَمّا حَجر عليهم في التصرف بعد النداء ، وأمرهم بالاجتماع: أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض ، والابتغاء من فضل الله " انتهى كلامه رحمه الله .

فالاية حجة عليهم .


             (   ثانيا  )


 هدي سلفنا الصالح من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم  - كراهة ترك العمل يوم الجمعة ففي المدونة للإمام مالك رحمه يقول : " قال مالك: كان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون أن يُترك يوم الجمعة العمل؛ لئلا يصنعوا فيه كما فعلت اليهود والنصارى في السبت والأحد " . ويتبع هذا 


                 (  ثالثا  )


التعليل في الأثر السابق  أن ترك العمل في يوم الجمعة الذي اختص الله بهذا اليوم  أمة محمد صلى الله عليه وسلم  كما في الحديث الذي أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه ومسلم رحمه الله في صحيحه 

من حديثُ أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ( نَحنُ الآخِرونَ الأوَّلون السَّابِقون يومَ القِيامةِ، بَيْدَ أنَّهم  أُوتوا الكتابَ مِن قَبلِنا، ثمَّ هذا يومُهم الذي فَرَضَ اللهُ عليهم، فاخْتَلفوا فيه، فهَدَانا اللهُ له، والنَّاسُ لنا فيه تَبَعٌ؛ اليهودُ غدًا، والنَّصارَى بعدَ غدٍ  ). وفي الحديث الآخر الصحيح الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة و حذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :( أضلَّ اللهُ عنِ الجُمُعة مَن كان قَبْلَنا، فكانَ لليهودِ يومُ السَّبت، وكان للنَّصارى يومُ الأحد، فجاءَ اللهُ بنا فهَدَانا ليومِ الجُمُعة، فجَعَل الجُمُعة والسَّبتَ والأَحَد، وكذلك هم تبعٌ لنا يومَ القيامَةِ، نحنُ الآخِرونَ من أهلِ الدُّنيا، والأَوَّلونَ يومَ القِيامَةِ، المقضيُّ لهم قبلَ الخلائقِ  ) .


فهدي السلف الصالح كراهة تخصيص يوم الجمعة في  ترك العمل فيها  وذلك من أجل حكمة عظيمة لها أصل عظيم في الشرع  وهو ترك مشابهة اليهود والنصارى في شئ من خصائصهم وعاداتهم واعمالهم  امتثالا  وعملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم  : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) وهو حديث صحيح صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود رحمه الله.

 

              ( رابعا  ) 


  من المسلمين من  يريد استغلال وقت اجازة يوم الجمعة بالتنزه والقيام بالرحلات البرية أو البحرية أو قل زيارة قريب أو زيارة  لا بد منها فقد يترك هذا السفر ويمتنع من استغلال وقت الاجازة في  هذا اليوم والاستمتاع فيه  إما حرصه على حضور صلاة الجمعة أو استماعه إلى فتاوى أهل العلم في المنع من السفر يوم الجمعة ؛ فيخشى الوقوع في الإثم  وقد كثرت الأسئلة  حول هذه المسألة وأتت أهل العلم استفسارات كثيرة بهذا الخصوص نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر  مايلي : 

سئل الإمام ابن باز رحمه الله 

   هذا السؤال ونصه :  

" ما حكم خروج كثيرٍ من الناس في يوم الجمعة للبرِّ من أجل النُّزهة، ويترتب على ذلك ترك صلاة الجمعة مع الجماعة؟

     الجواب:

لا نعلم في ذلك شيئًا، إذا بعدوا عن البلد للنزهة وصلّوا ظهرًا فلا بأس؛ لأنَّ الجمعة إنما تجب على مَن حضر وصار يسمع النِّداء دون فرسخٍ، أما إذا بَعُد عن البلد صلوا ظهرًا.

ولكن يُشرع لهم ألا يفعلوا ذلك، أو يفعلوه تارةً وتارةً، حتى لا يحرموا أنفسَهم هذا الخير، يُشرع لهم المحافظة على الجمعة، حتى يسمعوا الفائدة، ويسمعوا الخطبة، ولكن لا تلزمهم الجمعة إذا بعدوا، وإنما يلزمهم الظّهر.

س: لو خرج يوم الجمعة بعد الزوال؟

الشيخ: لا يجوز بعد الزوال، إذا زالت الشمسُ؛ وجب عليه أن يُصلي مع الناس " انتهى كلامه رحمه [ الموقع الرسمي للإمام ابن باز رحمه الله ] .

 وحول هذه المسألة يتحدث الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم السفر يوم الجمعة قائلا :

" السفر يوم الجمعة إن كان بعد أذان الجمعة الثاني فإنه لا يجوز؛ لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ }[ سورة الجمعة : الآية ٩ ]

فلا يجوز للإنسان أن يسافر في هذا الوقت؛ لأن الله قال: { فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [سورة الجمعة : الآية ٩ ].

وإذا كان السفر قبل ذلك: فإن كان سيصلي الجمعة في طريقه مثل أن يسافر من بلده وهو يعلم أنه سيمر على بلد آخر في طريقه ويعرج عليه ويصلي الجمعة فيه، فهذا لا بأس به، وإن كان لا يأتي بها في طريقه، فمن العلماء من كرهه، ومن العلماء من حرمه، ومن العلماء من أباحه، وقال: إن الله تعالى لم يوجب علينا الحضور إلا بعد الأذان.

والأحسن ألا يسافر إلا إذا كان يخشى من فوات رفقته أو مثل أن يكون موعد الطائرة في وقتٍ لا يسمح له بالحضور أو ما أشبه ذلك، وإلا فالأفضل أن يبقى" انتهى كلامه رحمه الله[ لقاءات الباب المفتوح ( ٣ / ١٠٤)].

وسئل  رحمه الله عن "شباب خرجوا في رحلة إلى منطقة بعيدة ونزلوا في مكان بعيد من البلد لكنهم ما زالوا يسمعون الأذان بسبب وجود المكبرات، فهل تلزمهم الجمعة والجماعة مع أهل ذلك البلد؟

فأجاب:

لا تلزمهم، يعني: إذا بعدوا عن البلد بحيث لا يسمعون صوت المؤذنين ولولا وجود مكبر الصوت فلا تلزمهم، وأما إذا كانوا قريبين من البلد بحيث لو كان المؤذنون يؤذنون بغير مكبر لسمعوه فإنه يلزمهم" انتهى كلامه رحمه الله. 

[ لقاء الباب المفتوح( ٢٧ / ١٤٩ )].

 

     

( الخاتمة نسأل الله حسنها ):

أنبه طلاب العلم وأحذرهم  من شبهات  المشوشين المشبوهين من جماعات التكفير واتباعهم فكريا من الذين يريدون الشر في :

 دينكم

 وفي مجتمعكم

 وفي ولاة أمركم 

وفي اسرتكم

وفي  ذواتكم.  

فكونوا منهم على حذر .

رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة؛ والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا  .

▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎

كتبه واملاه الفقير إلى عفو مولاه  : غازي بن عوض العرماني  .

الخميس، 6 يناير 2022

 

شرح

كتاب

الصفات الاختيارية

     للشيخ الإسلام ابن تيمية

الشيخ/

غازي بن عوض العرماني

غفر الله له

 

 

 

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، قال المؤلف رحمنا الله وإياه:

الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً:

هذا مقدمة شيخ الإسلام في رسالته «الصفات الاختيارية»، سبق أن تم شرحها، ففُقدَ الشرح، ونحن الآن نعيدها باختصار، يقول شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين ابن تيمية قدٍّسَ الله روحه، ونوَّر ضريحه:

[فصلٌ: في الصفات الاختيارية]

الإرادة عند أهل السنة والجماعة، إرادة الله متجددة، فما من شيءٍ يحدث في ملكوت الله إلا وقد شاءه الله جل وعلا، حال كونه، كما أنه -تَعَالَى وتَقَدَّس- شاءه في الأزل، فهي من حيث الصفة أزلية، لكن من حيث تعلقها بالمعين في متجددة، هذا مُعتقد أهل السنة والجماعة، وأما المذاهب الضالة فلهم أقوال، فالفلاسفة يرون أن حدوث الملكوت حدوث المُحدثات، فلم يكن عن إرادة؛ لأنه كالمعلول للعلة، فعندهم تلازم، مثل: وقوف الرجل في الشمس، فإذا وقف في ظل الشمس فلا بد من أن يظهرَ ظله، وهذا الظل بالنسبة للشخص هو المعلول، بالنسبة للعلة، وطريقتهم هذه ينفون الإرادة عن الله في حدوث العالم، ثم بعد ذلك الجهمية والمعتزلة وغيرهم ينفون إرادة الله الأزلية، ويثبتون إرادة حادثة متجددة، والمتجدد يقولون: لا محل له، يعني: لا يجوز أن يقوم بذات الله سبحانه، ينفون الإرادة، وأما الأشاعرة فالإرادة عندهم قديمة، وتعلق المُرادات قديم، وحُدوث الإرادة بالتنجيز، يعني: تنجيزٌ وإنفاذٌ للإرادة القديمة، عند المذاهب الكلامية أن الإرادة لا تنقسم، هي المشيئة، وأهل السنة يقولون: أن الإرادة تنقسم إلى: إرادة كونية وهي المشيئة، وإرادة شرعيةٌ دينية ........(سقط)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

ذكرنا سابقاً مقالة الجهمية والمعتزلة، يقولون في صفات الله: لا يقوم بذاته شيءٍ ٍمن هذه الصفات، أي: لا يتصف الله بهذه الصفات، فلَزِمَ من هذا القول تكذيب خير الله وخبر رسوله ، تعطيل الله عز وجل عن صفاته، التي ثبتت له، وهذا القول يتنزه عنه المخلوق الضعيف، فليست هذه الصفات كمال، حينما تسلب الله-تعالَ الله وتقدس- عن صفاته، وتقول لا تقوم بذاته شيءٌ من هذه الصفات، أنتم يا غلاة الجهمية والمعتزلة كان عليكم الإيمان والتسليم، كان عليكم أن لا تُقحموا العقولَ بأمورٍ تعجز عن إدراكها، إذ لو تستقل العقول بمعرفة الخالق لما أنزل الله الكتب ولما أرسل الرسل، وأنزل عليهم المعجزات القاهرة، والحُجج الباهرة، فالله أتى بما تحار فيه العقول، لا بما تحاربه العقول، وكان الواجب الإيمان والتسليم، فالمعتزلة وغلاة الجهمية يقولون: لا تقوم بذاته شيءٌ من هذه الصفات تعالى الله عما يقولون، طيب، ما هي مقالة الكلابية والسالمية؟ شيخ الإسلام يقول الكلابية، الكلابية الآن يُسمون الأشاعرة، غلط! لأن أبا الحسن الأشعري تراجع عن مقالته، ورجع إلى نهج ومُعتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته، فلا يُنسب له هذه المقالة، لهذا قال: الكلابية، نسبةً إلى ابن كلاب، وهو من رؤوس الجهمية المعطلة، وهم من يُسمون بالأشاعرة، والسالمية فرقة كذلك جهمية، وهي مُعطلة في توحيد الأسماء والصفات، مقالاتهم يقولون: نثبت أنها تقوم بذات الله صفاته، لكن بغير مشيئته وقدرته، يعني هؤلاء ضد غلاة الجهمية وضد المعتزلة ظاهراً، المعتزلة يقولون: لا تقوم بذات الله شيءٌ من هذه الصفات، الكلابية والسالمية يقولون: تقوم بذات الله صفاته لكن بغير مشيئته وقدرته، وكلا القولين صاحبه ذميم، مذموم، تجاوز حُدود الشرع والعقل والأدب، تعالى الله عما يقولون علواً كثيراً، المعتزلة والجهمية يقولون: إذا أثبتنا أنها تقوم بذاته أثبتنا مخلوق، لأن المخلوق تقع فيه الحوادث، هذا كلام باطل، كلام فلسفي لا يصدر من عاقل، كان عليهم إثبات الأسماء والصفات كما جاءت، إثبات المعنى وتفويض الكيف وغير تمثيله ولا تعطيله ولا تحريفه ولا تكييفه، ولا تشبيه، يُقال: فأما ما يكون بمشيئته وقدرته، يعني إذا أثبتنا أن له مشيئة وقدرة سبحان الله، أنت يا الإنسان الناقص لك مشيئة وقدرة، ثم تعطل الله عن مشيئته وقدرته، إذ المشيئة والقدرة صفات كمال، ثم تجعل في لسانك الضعيف، تُصرِّف العبارات وتُصرِّف المعاني هواء، بغير حق وعدل وإنصاف، بغير إيمانٍ في الكتاب والسنة، وردٍ لخبر الله وخبر رسول الله ، وتقول كذا وتقول كذا، كل هذه الأمور الهوى أعاذنا الله وإياكم، ثم التعالم، ثم التأثر بالفِرَق الكلامية، من الفلاسفة، يقولون: فإذا أثبتنا المشيئة والقدرة هذه أثبتنا مخلوق منفصلٌ عنه، لا يقوم بذات الرب، هذا قول الكلابية والسالمية، وقول الجهمية والمعتزلة لا تقوم بذاته شيءٌ من هذه الصفات، يقابل كلام الكلابية أنها تقوم بذاته لكن بغير مشيئة وإرادة، الأول تعطيل، والثاني تعطيل لكن بتأويل، وبتعطيلٍ آخر، وكلا هذه الأقوال باطلة مخالفة للكتاب والسنة الإجماع، ولغة العرب والعقل، وكان عليهم الإيمان والتسليم، كما قال تعالى: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فأثبت الصفات ومنع التمثيل، قد يقول قائل: أراد التنزيه، وأوقعوه في التعطيل، فعبدوا عدماً، والمُمَثل عبدَ صنماً، وسيأتي إن شاء الله إيضاح وتفصيل وبيان للآثار، لأنها في عهد وعصر المأمون وقبل كذلك بقليل انتشر ما يُعرف بعلم الكلام، وهو الاستدلال بالحجج العقلية على إثبات الألوهية، إلى زمن وعصر شيخ الإسلام ابن تيمية، فلهم ألفاظ وعبارات مُحدثة مخالفة للغة العرب، والألفاظ المُحدثة يُستفصل عنها، فإن كان حقاً قُبِل، وإن كان باطلاً رُد، وإلا المتعين هو التكلم بالألفاظ الشرعية، لكنهم خالفوا الشرع المُنزل، وخالفوا العقل السليم، فأحدثوا عبارات ورموز غامضة، لتكون لهم عند مناقشتهم ومناظرتهم سرداب سرية يهربون فيه أو معه، مثل: ألفاظ الحَدَاثة، كلٌ يُبدل المعنى الذي يريده، هكذا هم المُتكلمة، انقسمت فِرَقهم وكَثَرت، حتى من المذهب الواحد ينقسم إلى فِرَق عدة، وسبحان الله المذهب الواحد علماء ومشايخ ورموز هذا المذهب تجدهم مختلفين بينهم، كلٌ له رأي، وكلٌ له فكر مخالفٌ للآخر، لكن أهل السنة والجماعة والسلف الصالح في أصول الدين وفي العقيدة الإجماع على عقيدةٍ وعدم الخلاف فيما بينهم سبحان الله، لأنهم أخذوا عقيدتهم من الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله، مستدلين مستضيئين مستنيرين بكلام الله وسنة رسول الله .

وعلم الكلام هو جزء من علم المنطق، وهو تعطيل وإلحادٌ في أسماء الله تعالى العُلى، وأثناء قراءتنا لكتاب «الصفات الاختيارية» لشيخ الإسلام ابن تيمية، سيتعرض وسيتطرق إلى ألفاظٍ أحدثها المُتكلمون والفلاسفة، سيأتي إيضاح وتبيينٍ لها، ولمرادها، ولبيان فسادها إن شاء الله، وأما السلف وأئمة السنة والحديث، فيقولون: إنه متصفٌ بذلك كما نطق به الكتاب العزيز والسنة والنبوية، وهو قول كثيرٌ من أهل الكلام والفلسفة، أو أكثرهم كما ذكرنا أقوالهم بألفاظها في غير هذا الموضع، ثم تحدث رحمه الله عن صفة الكلام، وقال: (صفة الكلام ومثل هذا الكلام، فإن السلف وأئمة السنة والحديث يقولون أنه يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه ليس بمخلوق، بل كلامه صفةٌ له قائمةٌ بذاته، هذا هو الصحيح، وممن ذكر أن ذلك قول أئمة السنة أبو عبد الله بن مندة، وأبو عبدة ابن  حامد، وأبو بكر عبد العزيز، وأبو  إسماعيل الأنصاري، وغيرهم، وكذلك ذكر أبو عمْر بن عبد البر نظير هذا في الاستواء، وأئمة السنة، كعبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وعثمان بن سعيد الدارمي، ومن لا يُحصى من الأئمة رحمهم الله، وذكر حرب بن إسماعيل الكرماني عن سعيد بن منصور وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، وسائر أهل السنة والحديث متفقون على أنه يتكلم بمشيئته، وأنه لم يزل متكلماً إذا شاء وكيف شاء، وفي هذا ردٌ على الأشاعرة، وقد سمى الله القرآن العزيز حديثاً، هذه من الأدلة على تسمية الله القرآن العزيز حديثاً، فقال: ﴿الله نزل أحسن الحديث، وقال -تَعَالَى وتَقَدَّس-: ﴿ومن أحسن من الله حديثاً، وقال: ﴿ما يأتي من ذكرٍ من ربهم مُحدث، ويقول النبي : «إن الله يُحدث من أمره ما يشاء»، وهذا مما احتج به البخاري رحمه الله في صحيحه وفي غير صحيحه، واحتج به أيضاً غير البخاري، كنعيم بن حماد، وحمَّاد بن زيد، ومن المشهور عن السلف رحمهم الله أن القرآن العزيز كلام الله، غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

الآن الدرس الخامس من شرح كتاب «الصفات الاختيارية» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقفنا عند مقالة الرازي، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مقالة الرازي، ثم قال: وفُضلاؤهم المتأخرون، كالرازي والآمدي، والطوسي، والحُلي، وغيرهم، معترفون بأنه ليس لهم حجة عقلية في ذلك، يعني العقل يدل على خلاف ما ذكروا، بل ذكر الرازي واتباعه أن هذا القول يلزم جميع الطوائف، ونصره، يعني: أيد هذا القول في آخر كتبه، كـ «المطالب العالية»، سنتحدث نقف قليلاً عند الرازي، الرازي والآمدي من علماء الكلام، والطوسي والحُلي كذلك لكنهم روافض، والرافضة في توحيد الأسماء والصفات مع الطوام والفواقر التي يأتون بها هم يميلون إلى مذهب المعتزلة، الفخر الرازي أحد أئمة وكبار أئمة الكلابية، وهم من يُسمون بالأشاعرة، وكلامه هو المُعتمد عند متأخري الكلابية، وله سَقَطات وزلاتٍ عظيمة، كان رحمه كثير الحيرة والاضطراب والتناقض حتى وصل الأمر به إلى أن ألف كتاباً في السحر وعبادة النجوم، وسماه «السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم»، وهو الكتاب الذي حكم عليه بعض العلماء بسببه أنه كفر وارتد عن الإسلام، غير أنه قد تاب ورجع إلى الإسلام، وندم على ما كان منه من الدخول في علم الكلام والفلسفة، وأخبر في وصيته أنه يموت على العقيدة التي يقررها القرآن الكريم والسنة النبوية، يقول ابن صلاح رحمه الله: أخبرني قطب الطوعاني مرتين أنه سمع فخر الدين الرازي يقول: يا ليتني لم اشتغل بعلم الكلام، وبكى. انتهى ما سبق من «شذرات الذهب» (المجلد7/ص41)، وذكر عنه ابن كثير رحمه الله في «البداية والنهاية» (مجلد11/ص(12-17)) رجوعه إلى مذهب السلف، فقال: وقد ذكرت وصيته عند موته وأنه رجع فيها إلى طريقة السلف، وتسليم ما ورد على الوجه المراد اللائق بجلال الله تعالى. انتهى. وكذلك ابن القيم رحمه الله في أكثر من موضع من كتبه يذكر أن الرازي رجع إلى طريقة الوحي والآثار النبوية، كما في «الصواعق المرسلة»، و «اجتماع الجيوش الإسلامية»، وقال الحافظ الذهبي رحمه الله عن الفخر الرازي في ترجمته من السيَر: العلامة الكبير ذو الفنون، فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي البكري الطبرستاني الأصولي المُفسر، كبير الأذكياء والحكماء، والمصنفين، كان يتوقد ذكاءً، وقد بدت منه في تواليفه، أي: في كتبه ورسائله التي قام بتأليفها، بلايا وعظائم وسحرٌ وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه تُوفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله توبة الرازي وترحم عليه، ودعا له، يقول رحمه الله: ما سلكوا أهل البدع من أهل الفلسفة والكلام لا يصلون إلى علم ويقين، بل إنما غاية صحابه الشك والضلال، وهذا مما اعترفت به حُذاقهم، وممن اعترف به أبو عبد الله الرازي رحمه الله في غير موضع من كتبه، ولفظه في بعضها: لقد تأملت كتبه الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تُشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: ﴿الرحمن على العرش استوى، ﴿إليه يصعد الكَلِم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾، وفي النفي: ﴿ليس كمثله شيء﴾، وقوله تعالى: ﴿ولا يُحيطون به علما﴾، ومن جرب مثل تجربتي عرِفَ مثل معرفتي، وهذا قال في آخر عمره، وفي آخر ما صنفه، وهو كثير التناقض، ويقول القول ثم يرجع عنه، ويقول في آخر ما يُناقضه، كما يوجد هذا في عامة كتبه، تغمده الله برحمته وعفا عنه، وسائر المؤمنين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا في الإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم، وتوبته معروفة مشهورة. انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من «بيان تلبيس الجهمية» (المجلد 8/ص529-530)، وقوله: أن هذا القول يلزم جميع الطوائف-يعني في الرجوع إلى الحق- ونصره- أي: أيده- الفخر الرازي في آخر كتبه، كـ«المطالب العالية»، «المطالب العالية»، هذا طبعته جامعة الأزهر الأشعرية، وتعتبره من أمهات كتب الكلابية، هذا الكتاب يتكون من تسعة أجزاء، يتحدث عن الدلائل العقلية في إثبات الإله، كله كلام، كله دلائل عقلية باطلة، تركوا  كلام الله وسنة الرسول، ثم  يأتون بآراء من عندهم، الدالة على التوحيد والتنزيه، يعني توحيدهم وتنزيهم تعطيل الله عن أسمائه وصفاته التي ثبتت له في الكتاب والسنة، ومنزهاً عن التحيز والجهة، لا تقل إن الله في السماء، أو جهة العلو، وعن الضد، وعن الند، يعني كل هذا الأسماء ظاهرها حق، لكن حينما تعرف معناها يريدون فيها إنكار أسماء الله وصفاته، والمعاني الثابتة لله، وفي الجزء الثالث من كتابه هذا ذكر الصفات الإيجابية عن الأشاعرة، يقولون: سميع بصير حكيم متكلم الباطن...، وكل هذا يثبتونها على جهة التأويل، يعني تعطيل نسأل الله العفو والعافية، ثم في الجزء الرابع مباحث الحدوث والقِدَم وأسرار الدهر، كله كلام فاضي كما يُقال، كلها من زِبالة فكرهم، إذاً لماذا أرسل الله الرسول وأنزل الكتب؟ إلا للإيمان والتسليم، ما هي آراء، وفي الزمان والمكان وفي الهيولاء، الهيولاء، يعني: مادة الشيء، مثل: الخاتم صورة، وهيولاه: وأيش مادته؟ حديد فضة ذهب، هذه المادة يسمونها علماء المُتكلمة: هيولاء، ثم في الجزء السابع يتحدث عن الأرواح العالية والسافلة، وفي الجزء الثامن في النبوات وما يتعلق بها، وفي الجبر والقدر، أو القضاء والقدر، يعني الجبر: مجبرين، ضد المعتزلة، وأهل السنة وسط، بين هذه الفِرَق الضالة، نسأل الله السلامة والعفو والعافية، وكلها آراء لم تأتِ في الكتاب والسنة.

ونصره في كتبه كـ«المطالب العالية»، وهو من أكبر كتبه الكلامية، وخالف ذلك قوله في أَجلِّ ما صنفه في الكلام، وهو كتابه الذي سماه «نهاية العقول في دراية الأصول»، ولما عرف فساد قول النُفاة، لم يعتمد على ذلك في مسألة القرآن، فإن عمدتهم في مسألة القرآن، إذ قالوا لم يتكلم بمشيئته وقدرته، الآن هم يثبتون لأنفسهم مشيئة وينفونها عن الله، هوى من زبالة فكرهم المُنحرف، وهل الإنسان الذي يتكلم بغير مشيئة إلا المجنون؟! هذا منزه الله عنه ومنزه عنه المخلوق، فكيف بالله -تَعَالَى وتَقَدَّس- عن كلامهم، قالوا: لأن ذلك يستلزم حلول الحوادث، فلما عرِف فساد هذا الأصل لم يعتمد على ذلك في مسألة القرآن، لأن عمدتهم عليه، بل استدل بإجماع المركب وهو دليلٌ ضعيف إلى الغاية، يعني ليس معهم دليل، وهذا الإجماع المُركب كله إجماعٌ عقليٌ باطل، لكن لم يكن عنده في... قول الكلابية غيره، وهذا مما يُبين أنه وأمثاله تبين لهم فساد قول الكلابية، وهم الآن من يُسمون الأشاعرة، وقولهم حلول الحوادث، هذا من إطلاقات المُتكلمة، فمعنى حلول الحوادث يتكون أو يتركب من عبارتين: حلول، والحلول عبادة عن كون الجسمين ظرفاً للآخر، كحلول الماء في الكوز، يعني الماء في الكوب أو في الإبريق حلَّ فيه، ومعنى كلمة " الحوادث" : يعني جمع حادث، وهو الشيء المخلوق المسبوق بالعَدم، وهو يُسمى حدوثاً زمانياً، وقد يُعبر عن الحدوث بالحاجة عن الغير، ويُسمى حدوثاً ذاتياً، والحُدوث الذاتي هو كون الشيء مفتقراً في وجوده إلى الغير، والحدوث الزماني: هو كون الشيء مسبوقاً بالعدم، سبقاً زمانياً، ومعنى حلول الحوادث بالله تعالى، أي: قيامها بالله ووجودها فيه، تعالى الله وتقدس، ومقصود أهل التعطيل من هذا الإطلاق، أنهم ينفون اتصاف الله تعالى بالصفات الاختيارية الفعلية، وهي التي يفعلها متى وكيف يشاء، مثل: الاتيان لفصل القضاء، والضحك، والعُجب، والفرح، فينفون جميع الصفات الاختيارية، وحجتهم في ذلك أن قيام تلك الصفات بالله، يعني: قيام الحوادث المخلوقة الموجودة بالله، وإذا قامت أصبح الله حادثاً- -تَعَالَى وتَقَدَّس- عما يقولون- بعد أن لم يكن حادثاً، كفعل ذلك أن تكون المخلوقات حالةٌ فيه، وهذا ممتنع، فهذه حجتهم، ورد أهل السنة، يقولون: إن هذا الإطلاق لهذه الألفاظ لم ترد في الكتاب ولا في السنة، لا نفياً ولا إثباتاً، وهذه الألفاظ لم تكن معروفة عند سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، أما هذا المعنى الذي أتيتهم به، فيُستفصل عنه، يُبحث عن معناه، فإن أُريد به حقٌ قُبِّل، وإن أريد به باطلٌ رُد، فإن أُريد بنفي حلول الحوادث بالله أن لا يحل بالذات المقدسة شيءٌ من مخلوقات الله المُحدثة، أو لا يُحدث له وصفٌ متجدد لم يكن له من قبل، فهذا النفي صحيح، فالله عز وجل ليس محلاً لمخلوقاته، وليست موجودةً فيه، ولا يُحدث له وصفٌ متجدد لم يكن له من قَبل، أي: لم يكن ثابتاً له في الكتاب والسنة، وإن أُريد بالحوادث الأفعال الاختيارية التي يفعلها متى يشاء وكيف يشاء، كالنزول والاستواء والرضى، والغضب والمجيء لفصل القضاء ونحو ذلك، فهذا النفي باطلٌ مردود، بل يُقال لهؤلاء إن تلك الصفات ثابتة، كتاباً وسنة، أثبتها الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله ، وعليها إجماع سلفنا الصالح من الصحابة رضي عنهم والتابعين، هذا هو درسنا الخامس، وسيأتي بعد مقالة الآمدي، والله وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

هذا الدرس السادس من شرح كتاب «الصفات الاختيارية»، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقفنا عند مقالة الآمدي، الآمدي هو أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم سيف الدين الآمدي، ميلاده 551هـ، في بلدة آمد من ديار بكر، قَدِم إلى بغداد واشتغل في علم الكلام، قال الإمام الذهبي رحمه الله: ثم قرأ الفلسفة والمنطق بمصر بالجامع الظافري، وعاد بقبضة الشافعي، وصنف التصانيف، ثم قاموا عليه ورموه بالانحلال، وكتبوا محضراً بذلك، قال القاضي ابن خلكان في وفيات الأعيان: وضعوا خطوطهم بما يُستباح به الدم، فخرج مستخفياً ونزل حماة من بلاد الشام، يعني: كتبوا ما يُبين فساد عقيدته، وأنه حلال الدم، نسأل الله العفو والعافية، قال الإمام الذهبي رحمه الله: قال لي شيخنا ابن تيمية رحمه الله: يغلب على الآمدي الحيرة والوقف، حتى أنه أورد على نفسه سؤالاً في تسلسل العلل، وزعم أنه لا يعرف عنهم جواباً، وبنى إثبات الصانع على ذلك، فلا يقرر في كتبه إثبات الصانع، ولا حدوث العالم، ولا وحدانية الله، ولا النبوات، ولا شيءٌ من الأصول الكبار، قلت-أي: الذهبي-: هذا يدل على كمال ذهنه(يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله)، وفي «ميزان الاعتدال» و«لسان الميزان»، لابن حجر، نُفي من دمشق لسوء اعتقاده، وصح عنه أن كان يترك الصلاة- نسأل الله العافية- ويبدو أن أمر الآمدي في ترك الصلاة كان معروفاً، حيث ذكر الحافظ الذهبي في «السير»، ونقله الحافظ في «لسان الميزان»، أن القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة يحكي عن شيخه ابن أبي عمر، قال: كنا نتردد إلى السيف- يعني إلى الآمدي، لأن اسمه سيف الدين-  فشككنا، هل يصلي أم لا؟ فنام، فعلمنا على رجله بالحبر، يعني وضعوا حبر على رجله، ليتأكدوا هل هو يتوضأ أم لا؟ مما على أنه يصلي، فبقيت العلامة يومين مكانها، فعلمنا أنه ما توضأ-نسأل الله السلامة في الدين-. انتهى كلامه. ولقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

حتى أتى من أرض آمد آخرا    ثورٌ كبيرٌ حقير الشأنِ

هذا ما قيل عنه، وشيخ الإسلام ذكر مقالته؛ لأنه مؤيده للحق، في صفة كلام الله، والآمدي عفا الله عنا وعنه وعنكم، ينقض مذهب الكلابية، وهو ما يُسمى مذهب الأشاعرة، هذا غلط! يُسمون بالكلابية، فهو مثلاً: عن دليل الشهرستاني على حدوث العالم بعد أن نقله بطوله: وهو عند التحقيق سٌرابٌ غير حقيقي، كما أن في مسألة حلول الحوادث يستعرض جميع أدلة الكلابية ثم يُضعف واحداً واحدا، والآمدي يُلاحظ عليه ميله إلى التصوف الفلسفي، وله حيرة وإيراد إشكالات، نسأل الله العفو والعافية، وكذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «الصفات الاختيارية»: وكذلك الآمدي ذكر في «أبكار الأفكار»، هذا كتاب اسمه «أبكار الأفكار في أصول الدين»، يقصدون أصول الدين: علم الكلام، أبكار، يعني: أن هذه الأفكار بكر جديدة، ما يُبطل قولهم، وذكر أنه لا جواب عنه، يقول شيخ الإسلام: وقد كشفت هذه مواضع- في كتبه- رحمه الله، كلها إيضاح وانتصار للحق وأهله، وبيان للسنة المحمدية، وانتصار لشريعة الإسلام الحنيفية، ويقول شيخ الإسلام: وهذا معروفٌ عند عامة العلماء، حتى الحلي بن المطهر ذكر في كتبه، هذا الحلي رافضي، كما ذكرنا الروافض هم  في توحيد الأسماء والصفات معتزلة، ولهم أمر إشراك في توحيد الربوبية، نسأل من الله العفو والعافية ، ذكر في كتبه أن القول في بنفي حلول الحوادث، يعني: اتصاف الله بالصفات الفعلية المرتبطة بمشيئته، كا النزول والمجيء والاستواء، يقول: (فالمنازع جاهلٌ بالعقل)، أي: بأدلة العقل، و(الشرع)، أي: بأدلة الشرع، هذا إذا اجتمع الجهل بالأدلة النقلية الشرعية، والحدود العقلية، هذا يدل على جهل، نسأل الله العفو والعافية، يقول شيخ الإسلام: تدبرت عامة ما يذكره المتلفسفة والمتكلمة من الدلائل العقلية، فوجدت دلائل الكتاب والسنة تأتي بخلاصة الصافي عن الكدر، وتأتي بأشياء لم يهتدوا لها، وتحذف ما وقع منهم من الشبهات والأباطيل، مع ... واضطرابها [1]، يقول شيخ الإسلام[2]: لا ريب أن هذا موجودٌ في بعضهم، يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الفروع والأصول، وآثارٌ مفتعلةٌ، وحكاياتٌ غير صحيحه، ويذكرون من القرآن والحديث ما لم يفهمون معناه، وقد رأيت من هذا عجائب، لكنها بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل، فكل شرٍ في بعض المسلمين، فهو في غيرهم أكثر، وكلُ خيرٌ يكون في غيرهم، فهو في المسلمين أعظم، وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم، .. تكلموا أولئك بأحاديث لا يفهمون معناها، تكلف هؤلاء- يعني: المكلمة- من القول بغير علم ما أعظم من ذلك وأكثر، وما أحسن قول الإمام رحمه الله: ضعيف الحديث خيرٌ من الرأي، وقد أمر الشيخ أبو عمْر بن الصلاح بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الآمدي، وقال: أخذها منه أفضل من أخذ عكا، عكا: من[3] بلاد الشام، أي: أفضل من أخذ عكا من الإنفرنج والصليبين، أيام احتلالهم لبعض بلاد الشام ومصر في المائة السادسة، وهذا يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية لعظيم خطرهم.

ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله: ولقد عُقد مرةً لشيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله، فتكلم فيهم بعض أكابرهم المخالفين- يعني من المُتكلمة- وكان خطيب الجامع، فقال الشيخ شرف الدين عبد الله أخو شيخ الإسلام ابن تيمية: كلامنا مع أهل السنة- حينما رأى خطيب الجامع يتكلم- أما أنت فأنا أكتب لك أحاديث من الصحيحين وأحاديث من الموضوعات، وأظنه قال: وكلاماً من سيرة عنترة، فلا تميز بينهما، أو كما قال، فسكت الرجل، ونحو هذا ما قال أخوه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(مج4/ص17): فإن فُرض أن أحداً نقل مذهب السلف كما يذكره، فإما أن يكون قليل المعرفة بآثار السلف، كأبي المعالي وأبو حامد الغزالي، وابن الخطيب وأمثالهم، هؤلاء من علماء الكلام ممن لم يكن لهم من المعرفة بالحديث ما يُعدون به من عوام أهل الصناعة، فضلاً عن خواصها، ولم يكن الواحد من هؤلاء يُعرف بالبخاري ومسلماً وحديثهما إلا بالسماع، كما ذكر ذلك العامة، ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث، وبين الحديث المفترى المكذوب، وكتبهم أصدق شاهداً بذلك، ففيها عجائب، وتجد عامة هؤلاء الخارجين عن منهاج السلف، من المتكلمة والمتصوفة، يعترفون بذلك إما عند الموت، وإما قبل الموت، والحكايات في هذا كثيرة، ثم ذكر منها شيئاً رحمه الله، يقول الحافظ ابن قتيبة رحمه الله في «تأويل مُختَلف الحديث» (مج1/ص13)، يقول رحمه الله: وقد تدبرت مقالة أهل الكلام، فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويفتون الناس بما يأتون، ويُبصرون القذى في عيون الناس، وعيونهم تطرف على الأجذاع، ويتهمون غيرهم بالنقل، ولا يتهمون آرائهم في التأويل، ومعاني الكتاب والحديث، وما أودعاه من لطائف الحكمة، وغرائب اللغة، لا يدرك بالطفرة والتوليد والعَرَض والجوهر والكيفية، والكمية والأينية، هذا الألفاظ من ألفاظ المُتكلمة، أخذوها من المُناطقة، والفلاسفة، وبنوا عليها أصول ديناتهم، يقول رحمه الله: ولو ردوا المشكلة منهما إلى أهلا العلم بهما، وضح لهما المنهج، واتسع لهم المخرج، ولكن يمنعهم ذلك طلب الرئاسة، وحُب الإتباع، واعتقاد الإخوان بالمقالات، والناس أسراب طيرٍ يتبع بعضها بعضاً، ولو ظهر لهم من يدعي النبوة، مع معرفتهم بأن رسول الله خاتم الأنبياء، أو من يدعي الربوبية، لوجد على ذلك ابتاعاً وأشياعاً، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

للآمدي هذا كتاب في الأحكام، اسمه «الإحكام في أصول الأحكام»، حققه الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، ولنا تعليق عليه، وتخريج، أو حكم على درجة الحديث، في أحاديث موضوعة، وهذا معروف عند المُتكلمة، لا يهتمون بالأحاديث، وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وحسن الخاتمة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

هذا اليوم يوم الخميس الرابع عشر من شهر صفر من عام1442هـ، وهو الدرس السابع من شرح رسالة «الصفات الاختيارية»، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ذكر رحمه الله مقالة الجويني، قال: مقالة الجويني، وكذلك من قبل هؤلاء، كأبي المعالي وذويه-ذوي الأهل، ويقصد من انتسب إليه فكرياً، كالكلابية، وهم من يُسمون في هذا الوقت الأشاعرة، وأبو المعالي هو ضياء الدين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني الشافعي، المُلقب بإمام الحرمين، كان فقيهاً متكلماً على مذهب الكلابية، له تصانيف كثيرة في الفقه، وفي الأصلين، الأصلين، يعني: أصول الدين، وأصول الفقه، يقصدون أصول الدين، يعني: علم الكلام، له «البرهان والورقات»، في أصول الفقه، وله «نهاية المُضطرب في الفقه»، و«.. في الأحكام السلطانية»، توفي سنة 478هـ، له ترجمة كامل في «وفيات الأعيان»، لابن خلكان، و  «سير أعلام النبلاء»، «ودول الإسلام»، وفي «البداية والنهاية»، و «شذرات الذهب»، تحدث عنه الإمام العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله في كتابه «الصفات الإلهية»، (ص164)، قال رحمه الله: فإمام الحرمين عبد الملك قد سلك مسلك والده الإمام أبي محمد الجويني، في إعلانه أن فهم السلف هو الحق وحده، فيما يعتقد العبد نحو ربه سبحانه، وما سواه باطل، لا محالة؛ لأنه تشبيه أو تعطيل أو توقف، وهو يشبه أباه في هذا الموقف في الجملة، ومن شابه أبيه فما ظلم، وإن  لم يبلغ درجة أبيه، حيث يوجد في كلامه بعض الثغرات التي يستطيع أن ينفث منها بعض المغرضين المنحرفين بكلامه في التحريف فيه، وحمله على غير محمله، بخلاف كلام والده، فإنه لم يترك مُدَّخلاً لداخل، يُدرك ذلك من يقارن بين ما جاء في العقيدة النَّظامية للجويني الابن، جاء في رسالة «إثبات الاستواء والفوقية»، للأب، وعلى كل حال فإن إمام الحرمين بحرٌ لا ساحل له في علمه، تدل على ذلك كتب التراجم، ومؤلفاته المتنوعة، وكان رحمه الله يكره التقليد والتعصب، ومما نُقل عنه قوله: لقد قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً ثم خليت أهل الإسلام إسلامهم فيها، وعلومهم الطاهرة، وركبت البحر الخضم، وغُصت في الذي نُهي أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد. انتهى كلامه الإمام الجامي رحمه الله.

ذكر عنه من ترجمة له من الكتب السابقة، قال: أخبرني أبو جعفر الحافظ سمعت أبا المعالي وسُئل عن قوله: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾، فقال: كان الله ولا عرش، وجعل يتخبط، فقلت: هل عندك للضرورات ممن حيلة، فقال: ما معنى هذه الإشارة؟ قلت: ما عارفٌ قط يا رباه، إلا ق بل أن يتحرك لسانه، قام من باطنه قصدٌ لا يلتفت يمنةً ولا يسرة- يقصد حيهما يريد المسلم الدعاء، يشعر يرتفع وجه إلى السماء، ويرفع يديه إلى السماء وببصرة، سبحان الله- فهل لهذا القصد الضروي عندك من حيلة، فتنبؤنا نتخلص من الفوق، والتحت- لأن المعطلة الجهمية بما فيهم الكلابية ينكرون العلو، يقولون: بكيت وبكى الخق، وضرب بكفه على السرير وصاح بالحيرة، ومزق ما كان عليه، وصارت قيامةً في المسجد، ونزل يقول: يا حبيبي الحيرة الحيرة، والدهشة الدهشة، يقول أبو المعالي الجويني رحمه الله في كتابه «الرسالة النظامية»: وذهب أئمة السلف إلى الإنكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتوفيض معانيها إلى الرب تعالى، كلمة "نفويض المعنى" هذه فيها نظر، والصواب: المعنى معلوم، نعرف المعنى، لكن تفويض الكيفية، هذا هو الصواب، ثم قال: والذي نرتضيه رأياً ونُدين الله به عقداً، اتباع سلف الأمة، والأولى الاتباع، والدليل السمعي القطعي في ذلك، أن إجماع الأمة حجةٌ متبعةٌ، وهو مستند مُعظم الشريعة، وقد درج صحب الرسول ورضي الله عنهم على ترك التعرض لمعانيها، (كلامه عدم التعرض لمعانيها فيه نظر؛ لأن المعنى معقول، لكن الكيف مجهول) ودرك ما فيها، وهم صفوة الإسلام المستقلين بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهداً في ضبط قواعد الملة، والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منه، فلو كان تأويل هذه الظواهر مُصَوَّغاً، أو محتوماً لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا تَصرَّم عصرهم عصر التابعين للإضراب عن التأويل، كان ذلك قاطعاً بأنه الوجه المُتبع، وحقٌ على دين أن يعتقد تنزه الباري عن صفاتٍ ومُحدثين- يعني من الصفات التي أحدثها علماء المتكلمة، كالعرض والجوهر، ونحوها- ولا يخوضوا في تأويل المُشكلات، ويكلوا معناها إلى الرب- وهذا كذلك فيه نظر، المعنى واضح- فليُجري آية الاستواء المجيء، وقوله: ﴿لما خلقت بيدي﴾، ﴿ويبقى وجه ربك﴾، ﴿وتجري بأعيننا﴾، وما صح من أخبار الرسول، كخبر النزول وغيره على ما ذكرناه، قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعت أبا الحسن القيرواني الأديب، وكان يختلف إلى درس الأستاذ أبي المعالي في الكلام، وقال: سمعت أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام- يعني: في علم المنطق، في علم المُتكلمة- فلو عرفت أن الكلام يبلغ ما بلغ ما اشتغلت به، وحكى الفقيه أبو عبد الله الحسن ابن العباس الرستمي، قال: حكى لنا أبو .. الطبري الفقيه، قال: دخلت على أبو المعالي في مرضه، فقال: اشهدوا علي أني رجعت عن كل مقالةٍ تخالف السنة، وإني أموت على يموت عليه عجائز نيسابور، ثم قال ابن تيمية رحمه الله: وكذلك من قبل هؤلاء، كأبي المعالي وذويه، إنما عمدتهم أن الكرامية قالوا ذلك، وتناقضوا وتناقضوا، فيُبينون تناقض الكَرَّامية- يعني الكلابية كبارهم يبينون تناقض الكرامية، ومن أعلام الكلابية أبي المعالي، يقول: ويظنون إنهم إذا تناقض الكرامية، وهم منازعوهم خُصماء، فقد فلجوا، أي: أصبحوا منتصرين في خصوماتهم على الكرامية، وقد يُقال فقد فُلجوا- أي: الكرامية- وهُزموا في مناظراتهم، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ولم يعلموا أن السلف وأئمة السنة والحديث، بل من قبل الكرامية من الطوائف لم يكن يلتفت إلى الكرامية وأمثالهم، لضلالهم، والكرامية كما قال الأشعري رحمه الله، هذا أبو الحسن الأشعري الذي تنتسب إليه الأشعرية ظلماً وزراً وكذباً، وهو بريء منهم، تبرأ منهم، الصواب أنهم الكلابية، يقول الأشعري رحمه الله في مقالاته: والفرِقة الثانية عشرة من المرجئة الكرامية، أصحاب محمد بن كرام، يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب، وأنكروا أن تكون معرفة القلب أو شيءٌ غير التصديق باللسان إيماناً، وزعموا أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله كان مؤمنين على الحقيقة، وزعموا أن الكفر بالله هو الجحود والإنكار باللسان، يعني هؤلاء الكرامية، هم جهمية معطلة، ومع ذلك هم في الإيمان من كبار المُرجئة، فهم يقولون إن الإيمان هو الأقرار والتصديق باللسان دون القلب، نسأل الله السلامة، والكرامية تُنسب، هذا الفرقة الضالة إلى أبي عبد الله محمد بن كَرَّام السجستاني، وفاته سنة 255هـ، ويُنظر في هذا «سير أعلام النبلاء»، و «وميزان الاعتدال»، و «والبداية والنهاية»، و «والوفي بالوفيات»، يقول الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء»: المبتدع شيخ الكرامية، كان زاهداً عباداً ربانياً بعيد الصيت، كثير الأصحاب، لكن يروي الواهيات، يعني: الموضوعات، أعاذنا الله وإياكم من الضلال، ومن فِرَق الضلال، ثم قال شيخ الإسلام: لم يكن يُلتفت إلى الكرامية وأمثالهم، بل تكلموا بذلك قبل أن يُخلق الكرامية، فإن ابن كرام كان متأخراً بعد أحمد بن حنيل رحمه الله في زمن ابن الحجاج، صاحب الصحيح وطبقته، وأئمة السنة، والمتكلمون تكلموا بهذه قبل هؤلاء، وما زال السلف يقولون بموجب ذلك، لكن لما ظهرت الجهمية نسبةً إلى جهم ابن صفوان، وهم غلاة الجهمية، يقومون بتعطيل أسماء الله وصفاته، لكن لما ظهرت الجهمية النُفاة- أي: ينفون عن الله أسماءه وصفاته المُستحقة له بما ثبت في الكتاب والسنة- في أوائل المائة الثانية، بين علماء المسلمين ضلالهم وخطؤوهم، ثم ظهر محنة الجهمية في أوائل المائة الثالثة- في عهد المأمون العباسي،- وأُمتحن العلماء الإمام أحمد وغيره، فجردوا الرد على الجهمية، وكشف ضلالهم حتى جرد الإمام أحمد الآيات التي من القرآن تدل على بطلان قولهم، وهي كثيرة جداً، بل الآيات التي تدل على الصفات الاختيارية التي يسمونها حلول الحوادث كثيرة  جداً، وفي درسنا القادم سنتحدث عنها إن شاء الله، وفقنا الله وإياكم إلى العلم النافع، والعمل والصالح، وحسن الخاتمة، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فهذا الدرس الثامن بفضل الله وتوفيقة من شرح كتاب «الصفات الاختيارية» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقفنا على موضوع الآيات الدالة على صفة الكلام، قبل الشروع في الدخول في شرح صلب هذا الموضوع، لنا وقفات:

أولاً: الوقفة الأولى: يسأل سائل وقد تكرر، لماذا تتكلمون بهذه المذاهب، والفِرَق البائدة القديمة، فجواباً لاستفسار هذا السائل، نقول: إن هذه الفِرَق القديمة والمذاهب العقدية الفكرية، وإن تحدثنا عن رموز وعن أفكار قديمة، لكنها تعيش الآن، في جماعات، وفي أفراد، لهم ضررٌ بالغ تشويه الإسلام، وفي الإضرار بالمسلمين، حكاماً ومحكومين، يظهر هذا الفكر في جماعة الإخوان، جماعة الإخوان قد تقول إنهم من الخوارج، وبهذا القول قال الإمام الألباني رحمه، وضللها أئمة السنة، وهي إلى فكر القرامطة الباطنية أقرب، لتلونهم، وتتعدد أفكارهم الخطيرة، وتحريفهم للإسلام، وإظهارهم للسنة وإبطانهم لفكر الضلال والخروج، فالمظاهرات، الإضراب، استحلال دماء المسلمين، وقبل ذلك تكفيرهم، البيعات السرية، إنشاء الجماعات المتعددة التي ترى تكفير وقتل المسلمين، الآن في العراق في سوريا في ليبيا، حصل في مصر، في اليمن، وقد أنسى بل في جميع دول العالم، لهم ضرر وله شرٌ كبير، شوهوا الإسلام، ومُنعت الدعوة الإسلامية السنية السلفية بسبب لبسهم مِعطَف الدين، وإدعائهم الإسلام، والإسلام بريء منهم ومن تصرفاتهم، ثم استخدامهم للدين وسيلة لجلب الجهلة والبسطة، لأن عامة المسلمين يُحبون الإسلام، يحبون شعائر الإسلام، فهؤلاء يَلبسون صوف الظأن على قلوب الذِئاب، ثم يوجهون الشباب الذي يجهل العلوم، يجهل الدين الإسلامي الصحيح، يجهل مصلحته الدنيوية التي فيها سعادته دنيا وآخره، فيستخدمونهم في قيام  توجهاتهم الفكرية الضالة، ثم إن كلامنا على فِرَق القرامطة، على الخوارج، على المعتزلة، المعتزلة تدخل جميع هذه التوجهات؛ لأنه فكر معنوي عقدي، فيدخل الخوارج، لأنه فكر خارجي، يدخل الرافضة، يدخل الإباضية، يدخل الزيدية، ثم ظهر في دول الخليج، لأن دول الخليج دول سنة، ظهروا ما يُسمى فِرقَة السرورية، والحدادية، وهما فرقتان من فِرق الخوارج، والأصل والمنشأ بسبب الإخوانية، نتج عن هذه الأفكار ضعف الوازع الديني، زعزعة الأمن، ضعف العلاقة بين الراعي والرعية، بسبب هؤلاء الضُلَّال، السنة أتت بالحث والتشديد على الترابط بين الحاكم والمحكوم، وبين الراعي والرعية، هذا تاجر هذا عالم، هذا راعي، هذا ...، كلٌ له شَغلته، وله عمله، وله صَنعتَه وحرفته، فتجد هؤلاء يلبسون لب اس الدين ثم يُهيجون بفتاوى أو مقالات، أو رسائل أو يتخذون من عواصم أوربا وأمريكا مقر لبعث الأفكار الخارجية، وإرسالها إلى بلاد الإسلام، لزعزعة الروابط العميقة بين المسلمين، وأعظمها رابطة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فلا يزعمون تكفير الحاكم، ويُظهرون إنه لا دين ولا أخلاق، وأنهم هم أصحاب الديانة، وهم أهل خيانة، ويُظهرون أنهم أصحاب الأخلاق، وهم بعيدين، بل هم سيء الأخلاق، وزعميهم في ذلك وسلفهم في ذلك ذو الخويصرة، حينما أتى الرسول قال: اعدل يا محمد، الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إنك على خلقٍ عظيم﴾، رسول الله خاتم الأنبياء وسيدهم وأفضلهم، يقول: اعدل يا محمد، خرجوا على عثمان، خرجوا على علي، فكيف بمن دونهم من عباد الله، انتبهوا، كان السلف الصالح لا يقبلون حديث من تكلم بولي الأمر، والآن لا يُقبل حديثه، لأنه يرى الخروج، خاصةً كانت من دعاتهم، اكتب هذا الكلام أو أنطق وأتكلم بهذا الكلام، وبلاد ودول إسلامية كبيرة تشتعل الآن فيها الفتن، تُنتهك الأعراض، وتُنتهك الأموال، ويُقتل المسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، بدون أي سبب، هذا في وسائل الإعلام مقروء ومرئي، ومسموع، المسألة عظيمة نحن نتحدث عن عقيدة الإسلام المبينة على كلام وسنة الرسول ، ونُحذِّر من هؤلاء، نبين العقيدة الصحيحة ثم نُحذِّر من انحرف عنها، مثل هؤلاء المنحرفين، أمثال هؤلاء الضلال، ثم نجد من أصحاب الفكر الاعتزالي العقلاني من يميل إلى الإلحاد، ويُهيأ وينشر أفكار التسهيل وأعجز عن العبارة التي سأقولها، وهي توهين الإسلام، توهين العقيدة الإسلامي، توعين شعائر الإسلام، تحت كذا، تحت شعائر الحرية، تحت فصل الدين عن المجتمع أو عن الدولة وكذا، كذلك تحويل وإضعاف ولاة أمور المسلمين، تحويلهم دستوري إلى ديمقراطية، إلى كذا، يعني كأنهم لا شأنهم، هم الذين يتصرفون، وهم الذين ..، وهكذا يعمُّ الفساد، السنة أتت بتوحيد الله، أتت بـتعظيم أصول الدين، ومنها أصل السمع والطاعة لولي الأمر، وجوب السمع والطاعة لولي الأمر، ثم نجد هؤلاء يحاولون نقض الحكومات الإسلامية، والإرجافية، وتخذيلها، ورميها بالكفر والضلال، واستحلال رموزها، واستحلال أفرادها، بتكفيرهم ثم قتلهم ثم إنشاء الجماعات والتنظيمات العسكرية، التي ترى كفر وإباحة دماء المسلمين، فنحن لا نتحدث عن شيء غائب، نتحدث عن شيء موجود يعيش ضرره مجموعة كبيرة، دول كبيرة من دول الإسلام، بل وغير الإسلام، في أوربا قاتل ومقتول، كله ممن ينتسب إلى الإسلام، والإسلام بريء منه، الإسلام دين رحمة، دين عفو، وعجباً، انظروا من يقول ومن يتهم بسب الخلل الفكري دول أهل السنة، المملكة ودول الخليج، يتهمهم بأمور هي كاذبة، ويصفون عدو الله وعدو رسوله، وعدو الإسلام، الذي يريد قتل المسلمين، ويريد محو الدين الإسلامي، قاسم سليمان يقولون شهيد القدس، أي فكرٍ هذا أيها الأخوة، أي انحراف!! نسأل الله العفو والعافية، الإسلام أتى بما يحافظ فيه على النفس، والروح المال، العقل، العرض الشرف، ثم نجد هؤلاء يريدون القتل، وانتهاك الأموال، وانتهاك الأعراض، صارت دماء المسلمين رخيصة بسبب فتاوى هؤلاء الضُلَّال، وصاروا يتهمون شيوخ الإسلام بالتكفير، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والألباني، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، يتهمونه بالتشدد، وهو بريء من فكرهم، في عدة كُتب، رسائل، قل لا نُكفر إلا ما أتفق علماء الإسلام على تكفيره، وهو الشهادتان، ولا يُكفر أحد من المسلمين حتى تُقام عليه الرسالة، جزاه الله خير الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وجزاء الله خيراً هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية، علمتنا التوحيد، علمتنا سنة الرسول ، لهم فضل علينا، ولهم بيعةٌ في أعناقنا، فمحبتهم والدعاء لهم في ظهر الغيب وأن ينصرهم الله على عدو الإسلام  وعدوهم، وعدو التوحيد السنة، وأن يُمكِّن رقاب العباد والبلاد لأهل التوحيد والسنة، وأن ينصرهم على الحوثية الرافضة، وعلى إيران، فنحن لا نتحدث عن غائب يا أخوان، نتحدث عن فِرَق موجودة الآن، قد يختلف الاسم، لكن هي العقيدة واحدة، هو الفكر، اختلفوا في الاسم واجتمعوا في تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم، ورفع السيف على بعض على ولاة أمور المسلمين، فما تعلما هذا العلم إلا بفضل الله ثم بفضل ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية، علمونا التوحيد، توحيد الله بأقسامه، توحيد الربوبية، وهو توحيد الله بأفعاله، كالخلق والرزق والإحياء والإماتة، كل هذا، لكن المتكلمة وهؤلاء الضلال يُشركون في توحيد الربوبية، علمونا ولادة الأمر في المملكة العربية السعودية أقسام التوحيد، الربوبية، وعلمونا توحيد الألوهية، توحيد الله بأفعال العباد، الصلاة، والصيام، والذبح، والنذر، كلها لا تُصرف إلا لله سبحانه وتعالى، ثم نجد هذه الجماعات صوفية قبورية، يعبدون من دون الله ويُشركون في الله، ثم نجدهم ي تكلمون في السياسة، والسياسة من ثمرات التوحيد، وليست أصل يُهتم فيه، بل الاهتمام في التوحيد السنة، هذا أمر دنيوي لتنظيم حياة العباد، فيجب أن يُساعد ولي الأمر، يجب أن يُوقف معه، يجب أن يُدعى، لا أن يُحارب، وأن تُوضع العراقيل في وجهه، وتُوضع الفتاوى الضالة ضد تصرفاته المبنية على المصلحة العامة الراجحة، التي يراها بفكره الثاقب، الآن نحن أمام أفكار لها رموز، استغلت جهل الشباب في علوم الشرع، واستغلت حماسهم، وعاطفتهم، ثم لبست ملابس الدين لتحريك وتهييج الناس على ولاة أمورهم، الناس تبغي التوحيد تبغي السنة، تبغي تتعلم الصلاة، كيفية الصلاة، كيفية الوضوء، فهؤلاء أشغلوهم بأمور الدنيا، أُعيد وأكرر علمونا ولاة أمرنا في المملكة العربية السعودية بفضل الله ثم بفضل الاتفاق التاريخي بين الإمامين، الأمير محمد بن سعود جزاه الله خيراً، والله أننها ندعي له ولذريته، وللإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ندعي له وندعو لذريته كذلك، أخرجونا من عبادة العبادة إلى عبادة رب العباد، كان شرك في نجد، وصلت دعوتهم حتى الهند، تأثر الناس، وبقيت دولة التوحيد والسنة إلى الآن، بالرغم من الغزو الغاشم التركي على بلاد نجد، الدولة النقشدندية التركية، الصوفية، قُتل من آل سعود، وقُتل من آل الشيخ، أمراء وعلماء، وقُتل من مدن حولنا قريبة، ورُموا، بل في قرية حولنا رُمي في البئر قرابة مائتي شخص، بسبب الدولة العثمانية التركية، أطفال ونساء ورجال، بلدنا، هذا أعمال إجرامية يذكرنا بأعمال داعش، فهذه الدولة المباركة، تحب تعظيم التوحيد بأقسامه الثلاثة، توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، توحيد الأسماء الصفات، الآن توحيد الأسماء والصفات هو توحيد الله في إثبات ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله على الوجه اللائق فيه، إثبات المعنى، وتفويض الكيف من غيرتمثييل ولا تكييف ولا تعطيل، ولا تحريف، هذا المقدمة بارك الله فيكم أحببنا أن ننبه أن الأمر يدور حول العقيدة، فإذا صلحت عقيدة المرء، صلح سائر عمله، المنهج لا بد أن يكون على السنة، على سنة الرسول وما كان عليه سلفنا الصالح في اتباع فهم السلف الصالح، والصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الحرص على أخذ العقيدة، هذه العقيدة  المبنية على الكتاب والسنة، وفهم سلف الأمة، أخذها من الكتاب والسنة، من الصحابة رضي الله عنهم، ومن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، على مشايخ السنة المعروفين بذلك الذين انتصروا للسنة، الذين قمعوا البدعة، ووقفوا في وجه كل مبتدعٍ وضال، وقفوا في وجه الإخوانية، المد الإخواني الخارجي القرمطي، ووقفوا في وجه الإلحاد، فهم أهل علمٍ بالشرع، وسلامة عقل، وفتواهم لا تخرج عن الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.

أيها الأخوة ماذكرناه سابقاً ديانةً وتقرباً إلى الله تعالى، فنسأل الله أن يجعل ما قمنا فيه خالصاً صواباً متقبلاً، وما قمنا فيه أيها الأخوة هو استنار بنور الوحي من كتاب الله وسنة رسوله ، وفيه أخذٌ بنهج سلفنا الصالح، برد عادية أهل البدع، وإيقاف صائلهم، ولأن جهاد هؤلاء الذين انتسبوا ظلماً وزوراً إلى الإسلام، وهو بريءٌ منه من الجهاد الأكبر، قال تعالى: ﴿وجاهدهم به جهاداً كبيراً﴾، وفي ... في طريقتنا هذه، نسأل الله، إيضاح الإسلام  الصحيح المبني على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وإيضاح شبههم، وتفنيدها وفضحها وفضحهم، وبيان براءة الإسلام منه، يُضاف إلى ما سبق أن الرد على المخالف أصلٌ عظيم من أصول الإسلام، ومبانيه الكبار، وفي فضح هؤلاء الخوارج الإخوانية، هو سكب ماء السنة على نار فتنهم، التي عمت جميع بلاد العالم، لم يسلم من نار فتن هؤلاء العالم أجمع، في كل مكان، احرصوا أيها الإخوة أولاً على تعلم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، على مشايخ السنة، لما ذكرنا المعروفون بالسنة والانتصار لها، الذين عُرفوا بقمع البدع وأهلها وفضحهم، وتفنيد شبههم، وفي طريقتنا هذه، طريقة اتباعاً لكبار علمائنا، ولزوماً لغرزهم، فطلب العلم أيها الإخوة لا يكون تحت نار الفتن الحرب، وفتن القتل والمقتول، طلب العلم يحتاج هدوء وسكينة وطمأنينة، ولا يتم إلا في الوقوف في وجه هؤلاء الخوارج الإخوانية، والوقوف مع ولاة أمرنا بالحق، ورد الشبه عنهم، ورد الظلم الحيث الذي وقع عليهم، نسأل الله أن يتقبل كلامنا، وأن يجعله خالصاً صواباً متقبلاً، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

ثم نشرع أيها الإخوة في الآيات الدالة على صفة الكلام، وقبل الآيات ذكرها، سنأتي في درسٍ آخر إن شاء على بيان أهمية طريقة شيخ الإسلام في تفنيد شبه هؤلاء العقلانيين، هؤلاء الذين قدموا العقل الفاسد على النقل، وعلى كلام الله وسنة رسوله ، وعلى العقل الصحيح، وعلى الفطرة السليمة، الدرس القادم إن شاء الله، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

درسنا هذا اليوم، وهو يعتبر الدرس التاسع، وموضوعه الآيات الدالة على صفة الكلام، تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الصفات الاختيارية، وعرَّفها، وذكر أنها ما اتصف الله بها عز وجل، فتقوم بذاته بمشيئة وقدرته، فتقوم بذاته أزلاً، وبمشيئته وقدرته سبحانه، فمن حيث هي ذاتيه لاتصاف الله بها أزلاً، وعدم الانفكاك عنه بوجهٍ من الوجوه، ومن حيث وقوعها آحاداً متعلقةٌ بمشيئته وقدرته، مثل: الكلام والسمع، والبصر، والإرادة، والمحبة والرضى والرحمة والغضب والسخط، ومثل: خلقه وإحسانه وعدله، ومثل: الاستواء والمجئ، والإتيان ذلك، من الصفات التي جاءت في كلام الله، وفي سنة رسوله ، ثم ذكر معتقد أهل السنة والجماعة، ثم ذكر أقوال المذاهب الباطلة الضالة، كالجهمية، والمعتزلة، وأنهم قالوا لا تقوم بذات الله شيءٌ من هذه الصفات ولا غيره، ثم ذكر كلام الكلابية، وهم الأشاعرة، يسمون الآن الأشاعرة، والسالمية، وأثبتوا صفات بغير مشيئةٍ ولا إرادة، وكلا المذهبين مُؤداه تعطيل الله عن أسمائه وصفاته، وفي هذه المادة هذا اليوم، يقول رحمه الله: وهذا كقوله تعالى:  ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا﴾ [الأعراف:11]، خلق الله خلقه، خلق آدم فصوره، ثم التي تُفيد التعقيب والتراخي أمر ملائكته بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام، وهذا لم يقع في الأزل، هذا وقع كما أخبر بعد خلق آدم، وكذلك قوله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران:59] .

فإنما قال له: كن، بعد أن خلقه من تراب، لا في الأزل، وكذلك قوله في قصة موسى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل:8] .  وقال تعالى:﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص:30] . فهذا بين في أنه إنما ناداه حين جاء، لم يكن النداء في الأزل، يعني لم يكن سابقاً في الأزل، بل هو مناداة بعد المجيء، كما يقول الكلابية، يقولون: أن النداء قائمٌ بذات الله في الأزل، وهو لازمٌ لذاته، لم يزل ولا يزال منادياً له، لكنه لما أتى خلق فيه إدراكه، الآن أتى التأويل، ثم انقسموا الكلابية إلى مذاهب عدة، قالوا إدراك، ومنهم من قال: إن الكلام معنى واحدة، ومنهم من قال سمع ذلك المعنى بإذنه، كما يقول الأشعري، ومنهم من يقول: بل فهم، أي: أُفهم منه ما أُفهم، كما يقول القاضي أبو بكر وغيره، فقيل لهم-هذا الرد عليهم-: عندكم هو معنى واحد لا يتبعض، ولا يتعدد، فموسى فَهم المعنى كله أو بعضه، إن قلتم كله، فقد علِمَ علْم الله كله، وهذا لم يكن ولم يحدث، وإن قلتم بعضه، فقد تَبعَّض، وهذا يُضعف قولكم ويرده ويوهنه، وعندكم لا يَتبعَّض، ومن قال من اتباع الكلابية، بأن النداء وغيره من الكلام القديم حروف، أو حروفٌ وأصواتٌ لازمة لذات الرب كما يقوله السالمية، ومن وافقهم، يقولون: إنه يخلق له إدراكاً لتلك الحروف الأصوات، والقرآن والسنة وكلام السلف قاطبةً يقتضي إنما ناداه وناجاه حين أتى، لم يكن النداء موجوداً قبل ذلك، فضلاً عن أن يكون قديماً أزلياً، وقال تعالى:  ﴿﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأعراف:22]. وهذا يلد على أنه لما أكل منها، من الشجرة، نداهما، لم ينادِهما قبل أكلهما من الشجرة قبل ذلك، وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص:65] . وهذا يكون يوم القيامة، ليس أزلاً، وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص:62] . فالآية الأولى: ﴿مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾، هذا إثبات معنى لا إله إلا الله، ماذا أجبتم التوحيد الذي أرسلك به المرسلين؟ والآية الثانية: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾، هذا نفي الشريك عن الله، الآيتين أتت بمعنى لا إله إلا الله، إثبات العبادة لله، ونفي عبادة ما سواه، فجعل  النداء في يومٍ معين، وذلك اليوم حادث، كائن بعد أن لم يكن، وهو حينئٍذٍ يناديهم، لم ينادهم قبل ذلك، وقال تعالى:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة:1] . فبين سبحانه أنه يحكم ويحلل ما يريد، هذا رد على الكلابية، وعلى السالمية، الذين يقولون أنه مُتصف بهذه الصفات من غير إرادةٍ ولا مشيئة، فكذبهم خبر الله، كذبهم كلام الله سبحانه وتعالى، فبين أنه يحكم ويحلل ما يريد، ويأمر بما يريد، فجعل التحليل والتحريم والأمر والنهي متعلقاً بإرادته، وهذه أنواع الكلام تدل على أنه يُؤمر بإرادته، وينهى بإرادته، ويحلل بإرادته، ويُحرم بإرادته، والكلابية يقولون: ليس شيءٌ من ذلك بإرادته، فسبحان الله يُبتون الإرادة، معن نقصهم وضعفهم وهوانهم، ويُنفونها عن الله هوى، بغير بينة، تعطيلٌ لذات الله، تكذيبٌ لخبر الله تعالى عما يقولون علواً كبيراً، بل هو قديم لازم لذاته غير مرادٌ له ولا مقدور، والمُعتزلة مع الجهمية، يقولون كل ذلك مخلوقٌ منفصلٌ عنه، ليس له كلامٌ قائمٌ به، لا بإرادته ولا بغير إرادته، الإرادة ذكرنا سابقاً أنها تنقسم إلى نوعين: النوع الأول: بمعنى المشيئة، وهي الإرادة الكونية القدرية، وإرادة بمعنى المحبة، وهي إرادة دينية شرعية، المشيئة نوعٌ واحد لا ينقسم، وهي الإرادة الكونية القدرية، وسيأتي بيانٌ مختص، وتفصيل إن شاء الله في الدرس القادم، صفة الإرادة.[الدرس العاشر، حصله سقط، ليس موجود في التسجيل].

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

هذا الدرس الحادي من شرح كتاب «الصفات الاختيارية»، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقفنا على صفتا المحبة والرضا، تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سابقاً في الموضوع الذي قبل هذا:

[فصلٌ: صفة الإرادة]

وذكرنا معتقد أهل السنة والجماعة، واتباع السلف الصالح في صفة الإرادة، وأنها ثابتةٌ في الكتاب والسنة، وعليها إجماع المسلمين، أهل السنة والجماعة، ثم ذكرنا أقسام الإرادة، وأنها قسمان: قسمٌ كونيٌ قدري، وهي المشيئة، وهذا اعترفت به الكلابية الأشاعرة، وجعلوه من صفات المعاني، لكن اعترافاً أشبه بالتعطيل، ونفوا عن الله النوع الثاني من الإرادة، وهي الإرادة الشرعية الدينية، والتي تعني المحبة، وفي هذا الدرس، كأنه إلحاقٌ للدرس السابق، فذكر صفتي المحبة والرضى، وصفة المحبة من الصفات المُطلقة، من الصفات التي لم تأتِ مطلقةً، وإنما أتت صفة المحبة مضافة في مقامٍ مُختص، فإنها ما ذُكرت إلا في حق المؤمنين، ولهذا فإن معنى المحبة لله سبحانه وتعالى على الحقيقة أنه يحب المؤمنين محبةً تليق به سبحانه وتعالى، وليست كالمحبة التي تُضاف إلى المخلوق، وصفة المحبة ذُكرت مضافةً إليه -تَعَالَى وتَقَدَّس-، أي: أنها صفةٌ من صفاته، وهذه الصفة جاء ذكرها في القرآن الكريم مضافةً إلى عباده، وهذا واضح كما سيأتي في قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وقوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة:54]. ذكرٌ لصفة المحبة أضافها الله إلى نفسه بقوله: ﴿ يُحِبُّهُمْ﴾، وأضاف الصفة إلى عبده بقول: ﴿وَيُحِبُّونَهُ﴾، وهكذا، وإن كان لا يلزم أن كل صفة اتصف الرب بها سبحانه يصح أن تكون مضافةً إلى العبد، لكن لا شك أن قدراً من الصفات التي أتى تفصيلها في القرآن الكريم أُضيفت إلى الله في سياق، وأُضيفت إلى العبد في سياقٍ آخر، والسلف رحمهم الله معتقدهم إلى أن الإضافتين كليهما على الحقيقة، فهذه الصفة إذا أُضيفت إلى الله، صفة الله على الحقيقة، وإذا أُضيفت إلى العبد فهي صفةٌ للعبد على الحقيقة، ولا يلزم من ذلك التشابه والتماثل، لأن صفة الله أُضيفت إليه، فهي لائقةٌ به سبحانه، ولا يلزم من هذا التشابه التماثل، لا يلزم من التشابه في الصفة التماثل في الصفتين، وذلك لأن صفة الله إذا أُضيفت إليه فهي لائقةٌ به سبحانه وتعالى، وصفة العبد إذا أُضيفت إليه لائقةً كذلك بهذا العبد المخلوق، ومعلومٌ بإجماع أهل الفطرة ومن أقر بأصل وجود الله وربوبيته من المسلمين وغير المسلمين، أن ذات الله -تَعَالَى وتَقَدَّس- تختلف عن ذوات المخلوقين أجمين من بني آدم عليه الصلاة والسلام وغيرهم، فإذا كانت ذاته بالفطرة والعقل وإجماع عامة العُقلاء من المسلمين وغيرهم مباينة لذوات المخلوقين، فإن الصفات تكون تابعةً للذات، بل إن الذات لا يمكن أن تنفك بالعقل والوجود عن صفاتها، ولهذا يمتنع أن ذاتاً قائمةً بنفسها تكون موجودة إلا وهي متصفةٌ بجملةٍ من الصفات، ثم قال رحمه الله: (وكذلك في المحبة والرضا، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران:31]. فإن هذا يدل على أنهم إذا اتبعوه أحبهم الله، فإنه جزم قوله تعالى: ﴿يُحببْكم الله﴾، فجزمه جوابٌ للأمر، وهو في معنى الشرط، فتقدير: إن تتبعوني يُحببكم الله، ومعلومٌ أن جواب الشرط والأمر إنما يكون بعده لا قبله، يعني: أن اتباعكم سببٌ لمحبة الله لكم، وجواب الشرط والأمر إنما يكون بعده لا قبله، فمحبة الله إنما تكون بعد اتباعهم للرسول ، والمنازعون منهم من يقول- أي: من أنكر صفة المحبة والرضا-: ما ثَمَّ محبة، بل المراد ثواب المخلوق، هذا تأويل لصفة المحبة، ومنهم من يقول: بل ثَمَّ محبةٌ قديمة أزلية، إما الإرادة وإما غيرها، والقرآن يدل على قول السلف وأئمة المخالف للقولين، لأن الذي أتى القرآن الكريم، وفي سنة الرسول إثبات صفة المحبة وصفة الرضا لله سبحانه وتعالى، وهذا إجماع السلف الصالح، وأئمة السنة، وأما المخالف فليس معه دليل، بل الأدلة أدلة العقل والنقل والفِطَر، بخلاق ما ذهبوا إليه، وكذلك قوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾ [محمد:28] . فإنه يدل على أن أعمالهم أسخطتهم، فهي سببٌ لسخطه وسخطه عليهم بعد الأعمال لا قبلها، وكذلك قوله: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ [الزخرف:55] . وكذلك قوله: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر:7]. علق الرضى بشكرهم، وجعله مجزوماً جزاء له، وجزاء الشرط لا يكون إلا بعده، وكذلك قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:222] . وقوله تعالى: ﴿ويحب المتقين﴾، و﴿ ويُحب المقسطين﴾، ﴿ويُحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً﴾، ونحو ذلك، فإنه يدل على أن المحبة بسبب هذه الأعمال، وهي جزاءٌ لها، والجزاء إنما يكون بعد العمل والسبب، وهؤلاء المعطلة، من جهمية ومعتزلة، وكلابية، وسالمية، وغيرهم من الفلاسفة، ألحدوا في صفات الله وصفاته، ردوا خبر الله، وفيه تكذيبٌ لنصوص الشرع، بسبب فساد تصورهم، المبني على سوء عقيدتهم، التي أنتجت رد العقيدة الصحيحة المبنية على نصوص الوحيين، على كلام الله وسنة رسوله ، وصفات الله لا تُدرك إلا بخبرٍ عن الله، أو خبرٍ عن رسول الله ، كما في الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن مسعود، وفيه: «اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضائك، أسألك بكل اسمٍ لك سميت به نفسك»، «سميت به نفسك»، في القرآن أو الكريم، «أو علمته أحداً من خلقك»، في السنة، «أو استأثرت به فهي علم الغيب عندك»، هذا من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا هو سبحانه، فهذه أمور غيبية، لا نعلم عنها شيئاً إلا بإخبار الله عنها في كتابه أو في سنة رسوله ، وأما تحدث هؤلاء وردودهم وتأويلهم الباطل، هذا إلحادٌ في دين الله؛ لأنه تضمن تعطيل أسماء الله وصفاته، الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى:11] . نفى المماثلة، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، فأثبت الصفة على جهةٍ فيها نفي المماثلة، من غير تمثيل، يقول أهل السنة: من غير تمثيل ولا تعطيل، ولا تحريف، ولا تكييف، إثبات المعنى، وتفويض الكيف، هذا معتقد أهل السنة، والجماعة، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فهذا أحد الدروس من شرح كتاب «الصفات الاختيارية»، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقفنا على [فصل: صفة السمع والبصر]

قال رحمه الله: (وكذلك السمع والبصر، والنظر)، هذه من الصفات الاختيارية، الله متصفٌ بها أزلاً، وهي صفة ذاتيه لازمة أولية، لازمةٌ لذات الرب، لكن من حيث تجددها، ووقوعها آحاداً، وتعلقها بالمشيئة، فهي من الصفات الفعلية الاختيارية، وقال: (قال الله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة:105]. هذا في حق المنافقين، وقال في حق التائبين: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة:105]. فقوله: ﴿ فَسَيَرَى اللَّهُ﴾، دليلٌ على أنه يراه بعد نزول هذه الآية الكريمة، والمُنازع- أي: المخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة، المبني على كلام الله وكلام رسوله - وهذا حصل من غلاة الجهمية والمعتزلة، وإما أن يُثبت رؤية قديمة أزلية فقطن رؤية قديمة، كالمتقدمة، الأولى، بل الأصح الإتيان بقول: رؤيةٌ أولية، لأن القديم لم يأتِ في الكتاب ولا في السنة صفةٌ لله سبحانه وتعالى، لكن قد يجوز من جهة الإخبار، وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أتى بها على جهة الإخبار أزلية، الأزلي: الذي ليس لأوله ابتداء، ولا لآخرته انتهاء، وكذلك قوله: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس:14] . ولام كي، تقتضي أنما بعدها متأخر، عن المعلول، وقوله تعالى: ﴿لننظر﴾، هو بعد جعلهم خلائف، وكذلك: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة:1] . أخبر أنه يسمع تحاورهما حينما كانت تجادل وتشتكي إلى الله، وقال النبي : «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم»، فجعل سمعه لنا جزاءً وجواباً للحمد، فيكون ذلك بعد الحمد والسمع يتضمن مع سمع القول قبوله وإجابته، ومنه قول الخليل عليه الصلاة والسلام:  ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم:39]. وكذلك قوله: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران:181] . فهنا تجدون اليهود أثبتوا الصفة على جهة التنقص، والمُثبت مُقدم على النافي، وأفضل، أما هؤلاء فيقال لهم معطلة، يعني اليهود أفضل منهم أعوذ بالله، وقوله لموسى وهارون: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:46]. والعقل الصريح يدل على ذلك، فإن المعدوم لا يرى ولا يُسمع بصريح العقل واتفاق العُقلاء، العقل السليم الصحيح الصريح يدل على إثبات السمع والبصر والكلام، فالمعدوم لا يرى ولا يسمع، بدلالة العقل، وبشهادة واتفاق العُقلاء، ثم قال رحمه الله:  (لكن قال من قال من السالمية) الصفات الاختيارية2

وهي فرقة من المعطلة الجهمية- أنه يسمع ويرى موجوداً في علمه، لا موجوداً بائناً عنه)، هذه كله كلام فلسفة، كيف يرى موجوداً في علمه!؟ هل يتصور هذا، موجوداً في علمه، لا موجوداً بائناً عنه؟ أي: ليس منفصلاً عنه، يعني أن كلامه داخلي، فكأنه ينفون عنه الكلام، وكلام الله لأنبيائه ورسله، ولم يقل أحداً  أنه يسمع ويرى بائناً عنه الرب، هذا من العقل، فإذا خلق العباد، وعملوا وقالوا، يعني الله سبحانه وتعالى خلق العباد، العباد يعملون و يقولون، هذا القول والعمل نقول، أما نقول أنه يسمع أقوالهم ويرى أعمالهم، وإما لا يرى ولا يسمع، فإن قالوا: لا يرى ولا يسمع، ذلك تعطيلٌ لصفتي السمع والبصر، ويتضمن تكذيبٌ لكلام الله، وكلام رسول الله ، كما أن هذه الصفة هما صفة كمال لا نقص في ذلك، فمن يسمع ويُبصر أكمل من مَن لا يسمع ولا يُبصر، ثم انظر، ثم قال: والمخلوق يتصف بأنه يسمع ويُبصر، يعني هذا إذا كان المخلوق يسمع ويُبصر، فيمتنع اتصاف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق سبحانه وتعالى، وقد عاب الله سبحانه وتعالى من يعبد من لا يسمع ولا يبصر في غيرموضع، ولأنه حي، والحي إذا لم يتصف بالسمع والبصر اتصف بضد ذلك، وهو العمى والصمم، وذلك ممتنع وبسط هذا له موضعٌ آخر، رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، فكتبه كلها بيان وإيضاح ونصر وتفنيد وفضحٌ وكشفٌ للشبهات، أهل الضلال على اختلاف أنواع مذاهبهم، حياته كلها جهاد رحمه الله، ثم قال رحمه الله: (وإنما المقصود هنا أنه إذا يسمع ويُبصر الأقوال والأعمال بعد أن وجدت، فإما أن يقال أنه تجدد شيء، وإما أن يقال تجدد شيء، فإن كان لم يتجدد شيء يعني ما حصل شيء ولم يحدث مسموعٌ- وكان لا يسمعها ولا يُبصرها، فهو بعد أن خلقها لا يسمعها ولا يُبصرها- تعالى الله وتقدس- وإن تجدد شيء فإما أن يكون وجوداً أو عدماً، فإن كان عدماً فلم يتجدد شيء، وإن كان وجوداً فإما أن يكون قائماً بذات الله- يعني الله سبحانه وتعالى، هذه الصفات قائمةٌ بذات الله على وجهٍ يليق بذات الله على وجه يليق بالله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، وهي ذاتية أولية، السمع والبصر، فيسمع ويبصر- أو قائماً بذات غيره، والثاني_ يعني القائم بذات غيره- يستلزم أن يكون ذلك الغير هو الذي يُسمع ويرى ، سمع المرأة المجادلة، ويسمع ويُبصر -تَعَالَى وتَقَدَّس-، فيتعين وجوباً وعتقاداً أن ذلك السمع والرؤية الموجودة قائماً بذات الله، وهذا لا حيلة فيه)، فالعقل يثبته، فكيف أدلة الوحي من كلام الله وسنة الرسول ، والكلابية، يقول شيخ الإسلام اتيمية رحمه الله: (والكلابية يقولون في جميع هذا الباب)- يعني في صفة السمع والبصر والكلام- المتجدد، هو تعلق بين الأمر والمأمور-يعني إن هذه الصفات متعلقة، يعني يبغون يلفون ويدورون، ما هم مثبتين إثبات حقيقي على الوجه اللائق لله -تَعَالَى وتَقَدَّس- ( الإرادة والمراد، وبين السمع والبصر، والمسموع والمرئي) يعني بين سمع الله لخلقه، فالله يسمع خلقه ويُبصرهم، والمسموع هو المخلوق، والمرئي هو المخلوق، ثم يُقال لهم: هذا التعلق، إما أن يكون وجوداً وإما أن يكون تعلقاً معدوماً، وإما أن يكون عدماً، فإن كان عدماً فلم يتجدد شيء، فإن العدم لا شيء، المعدوم لا شيء، لأنه لم يكن، وإن كان وجوداً بطلَ قولهم، فمعنى ذلك وجود صفة السمع لله وسمعه لخلقه، وإبصاره لهم، وكلامه مع آحادهم، وهو الأنبياء والملائكة، عليهم الصلاة والسلام، هذا شيء موجود، فبطل قولهم، فالعقل يدل على إثبات هذه الصفات، بأنها صفات كمال، وقبل ذلك نطق نصوص أو كلام الله وكلام رسول الله ، الوحي يُبت هذه الصفات، السمع والبصر، والكلام لله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، وأيضاً قال رحمه الله شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأيضاً فحودث تعلق، هو نسبةٌ وإضافة، من غير حدوث ما يُوجب ذلك ممتنع، فلا تحدث نسبة وإضافة إلا بحدوث أمرٍ وجودي يقتضي ذلك، معنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن التعلق النسبي والإضافة من غير سبب، ممتنع عقلاً، الولد حينما ترى الولد لا بد أن هناك له والد، فعلاقة الأبوة والبنوة، علاقة نسبة وإضافة، فلا بد من حدوث أمرٌ وجودي يقتضي ذلك، حدوث الولد وكينونته ووجوده يدل على إثبات أن له والد، وطائفةٌ منهم- يعني من الكلابية الأشاعرة، يُسمون هذه النسب أحوالاً، يعني يغيرون الألفاظ إلى ألفاظ أخرى، وكان عليهم الرجوع إلى ألفاظ الشرع، أما تسمية أحوال أو حدوث أو تعلق أو نسبة، الإضافة: هي نسبة بين شيئين، يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر، كما قلنا سابقاً، فوجود الابن يقتضي وجوباً وجود الأب، وقول ابن عقيل: الحال: الحال: عبارة عن صفة إثباتية لموجودٌ غير متصفة بالوجود ولا بالعدم، هذا هو لا موجود ولا عدم، الصفة هذه لمخلوق، وهذه الصفة لا تُوصف بوجودٍ ولا بعدم، وهذا لا معنى له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والطوائف متفقون على حدوث نسبٍ)، النسب: هي العلاقة بين شيئين، وهكذا الإضافة: هي النسبة بين شيئين، يتقضي وجود أحدهما وجود الآخر، والتعلق نحوه، قال شيخ الإسلام: ( لكن حوادث النسب، بدون حدوثهما وجودها ممتنع)، يعني: ممتنع عقلاً، يعني: وجود ولد بدون أب ممنوع، هذا ممنوع عقلاً، يعني: العقل لا يثبته، فلا تكن نسبة وإضافة إلا تابعةٌ لصفةٌ ثبوتية، كالأبوة والبنوة، والفوقية والتحتية، والتيامن والتياسر، فإنها لا بد أن تستلزم أموراً ثبوتية، يعني هذه الصفات التي أثبتها الله لنفسه، لازمها علو الله على خلقه، وأن جميع الصفات الكمال لله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، فإذا ثبتت ثبت بعضها بحق المخلوق، ثم جاء النص الشرعي يُثبتها نثبتها لله -تَعَالَى وتَقَدَّس- على الصفة اللائقة بجلال الله، ونُبتها للمخلوق على ما يستحقه، من غير زيادةٍ أو نقص، فللمخلوق حياة لكنها حياةً ضعيفة مسبوقةٌ بعدم، ولله حياة أولية أزلية، فهو دائمٌ بلا انتهاء، قديم بلا ابتداء، دائمٌ بلا انتهاء، كما ذكر الطحاوي، والصواب أن يُخبر عنه بالأسماء والصفات التي ثبتت شرعاً، لسلامتها من العيوب وما يلحقها أو ما يشوبها، من نقائص معنوية، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن ا لرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

في الدرس السابق تحدثنا عن تعريف الحال: وقلنا الحال: عبارة عن صفة إثباتية لموجود غيرمتصفة بالوجود ولا بالعدم، هذا التعريف يدل على تناقض أهل الكلام، وأنهم عندهم خلل في العقيدة، كيف تُوجد صفة إثباتية؟ يعني: صفة تثبت لموجود غير متصفة بالوجود ولا بالعدم، هذا تناقض عجيب وغريب سبحان الله، مما يدل على بطلاب مُعتقد أهل الكلام، هذه الحال اشتهر فيها أبي هاشم، يقصد بكلامه الصفات المعنوية، انفرد بإثباتها المدعو أبو هاشم، وهو من كبار المعتزلة، انفرد بإثباتها دون المعتزلة، ذلك لنفيه صفات المعاني، ينفي العلم والقدرة، والإرادة، إلى آخر باقي الصفات، ثم يثبت كونه عالماً قادراً مريداً، شفتم الخلل، نسأل الله السلامة. هذه ألفاظهم ومصطلحاتهم، لا تنضبط في التاريخ، وهي وسيلة لهم لإدخال معتقدهم الفاسد، ونظريتهم الباطلة تحت هذه التعريفات المضطربة، التي لا يقول بها أحدٌ من عقلاء العوام، فكيف بمن نسبه إلى أهل العلم، وقد أبطلها شيخ الإسلام في كثيرٍ من كتبه، في «الرد على المنطقين»، «ومنهاج السنة»، وغيره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وصار الناس يقولون عجائب الكلام، طفرة النَّظام وأحوال أبي هاشم، وكسب الأشعري)؛ وهذا في عدة كتب من كتبه رحمه الله، ماذا يعنون بهذه الألفاظ؟ كسب الأشعري، أبو الحسن الأشعري ينتسب إلى الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري من قبيلة الأشاعرة، لها أحوال ثلاثة: الحالة الأولى-يعني في عقيدته-: أنه مشى وتربى على الاعتزال، على شيخه وزوج والدته، أبي علي الجبائي، الحالة الثانية: تحول إلى مذهب ابن كلاب، وهو ما يُعرف الآن بالأشعري، وهذا خطأ، بل نقول لهم الكلابية، والكلاب أفضل منهم، ألف بعضهم أحد الحنابلة- اسمه: خَلَف بن المرزب بان- كتاباً سماه «تفضيل الكلاب على بعض من لَبَس الثياب»، نقول أولا: أحواله معتزلي ثم أشعري ثم على منهج السلف الصالح في إثبات الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تحريف ولا تبديل، في هذه الحال ألف كتاب «الإبانة عن أصول الديانة»، وذكر فيه اعتقاده، وهو تفضيله لعقيدة السلف الصالح، في كسب الأشعري يحاولون الأشاعرة هم جبرية، أن الإنسان مجبور على فعله، نقول لكم إن أهل السنة وسط في القضاء والقدر، وفي كل شيء سبحان الله، الأشاعرة ضد المعتزلة، المعتزلة يُنفون القدر، نفاة القدر، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ( والمعتزلة استطالوا على الأشعرية ونحوهم من المثبتين للصفات والقدر، لما وافقوهم  عليه من نفي الأفعال القائمة بالله تعالى، فنقضوا بذلك أصلهم الذي استدلوا به عليهم، فأن كلام الله غير مخلوق، وأن الكلام وغيره من الأمور إذا خُلق بمحل عاده حكمه على ذلك المحل، واستطالوا عليهم بذلك في مسألة القدر، واضطروهم إلى أن جعلوا نفس ما يفعله العبد من القبيح فعلاً لله رب العالمين دون العبد، ثم أثبتوا كسباً لا حقيقة له، فإنه لا يُعقل من حيث تعلق القدرة بالمقدور، والفَرق بين الكسب والفعل، ولهذا صار الناس يسخرون بمن قال هذا، ويقولون ثلاثة أشياء لا حقيقة لها: طفرة النَّظام، وأحوال أبي هاشم، وكسب الأشعري) وهذه الكسب نوعٌ من الجبرية، لكن كما قلنا سابقاً قبل قليل أنهم يحاولون، يعني ليسوا منضبطين في تعريفهم لأي شيء، ويحاولون استخدام هذه الألفاظ لإمرار الباطل، كسب أحوال طفرة، ونحوها، وطفرة النظام، ثم هنا أمر وهو طفرة النَّظام، النَّظام يقال إبراهيم بن سيار بن هانئ، يُعرف بالنَّظام، وسُمي بالنَّظام؛ لأنه في شبابه كان ينظم الخرز، وله فِرقة اسمها النظامية، من المعتزلة، ميلاده في نهاية القرن الثاني(185هـ)، ووفاته(231هـ)، ما هي طرفته؟ دعواه أن الكائن الحي أو الجسم أو نحوه قد يكون في مكان، أو قد نقول في المكان الأول، ثم من المكان الأول يسير في المكان العاشر من غي مرور في الثاني والثالث إلى التاسع، ومعنى ذلك بأن الله خلق هذه الموجودات دفعةً واحدة على ما هي عليه، الآن النبات الحيوان الجبال البحار، ولم يتقدم خلق آدم على ذريته، غير أن الله أكمل بعضها في بعض، فالتقدم والتأخر إنما يقع في ظهور هذه الموجودات في أماكنها دون حدوثها ووجودها، وهذه طريقة من طُرق الفلاسفة، يُسمونها "الكُمون" لعلها الاختفاء، وقد أبطل هذه النظرية شيخ الإسلام ابن تيمية في عدة كتبه، منها: «منهاج السنة»، النَّظام هذا ذكره الحافظ الذهبي رحمه الله في «سير أعلام النبلاء»، قال عنه: شيخ المعتزلة، صاحب التصانيف، أبو إسحاق إبراهيم ابن سيار، مولى آل الحارث بن عبَّاد الضبعي البصري المُتكلم، تكلم في القدر، وانفرد بمسائل، وهو شيخ الجاحظ-الجاحظ هذا إليه تنسب فرقة من المعتزلة، يُقال لها الجاحظ، وهو ضالٌ مُضل- وكان يقول إن الله لا يقدر على الظلم ولا الشر، ولو كان قادراً لكنا لا نأمن وقوع ذلك، وأن الناس يقدرون على الظلم، وصَرَّح بأن الله لا يقدر على إخراج أحدٍ من جهنم، وإنما ليس يقدر على أصلح مما خُلق، لأن المعتزلة يفنون القدر، والأشعرية يقولون بالجبر، أي: مجبورين على أفعالهم، وهؤلاء يقولون: لا ليسوا مجبورين، ينفون قضاء الله وقدره، يقول الذهبي رحمه الله: القرآن، والعقل الصحيح يُكذبان هؤلاء، ويزجرانهم عن القول بلا علم، ولم يكن النَّظام ممن نفعه العلم والفَهم، وكفره جماعة، وقال بعضهم: كان النَّظام علىى دين البراهمة المنكرين للنبوة والبعث، ويُخفي ذلك، وله نظمٌ رائق، وتوسلٌ فائق، وتصانيف جمةً، منها: كتاب الطفرة، وكتاب الجواهر والأعراض، وكتاب حركات أهل الجنة، وكتاب الوعيد، وكتاب النبوة، وأشياء كثيرة لا تُوجد، وورد أنه سقط من غرفة وهو سكران، فمات في خلافة المُعتصم أو الواثق، سنة بضعٍ وعشرين ومائتين، ثم ذكرنا وتحدثنا في بداية درسنا هذا عن أبو هاشم، أبو هاشم هو عبد السلام أبي علي محمد بن سلام الجبائي المعتزلي، من كبا أذكياء المتكلمة، شيخه والده، وكان هو ووالده من رؤوس المعتزلة، ومن الجَهلة بآثار النبوة، يقوله الذهبي رحمه الله، يقول عنه وعن والده: من رؤوس المعتزلة ومن الجهلة بأثار النبوة، بَرعوا في الفلسفة والكلام، وما شموا رائحة الإسلام، ولو تغرر أبو سعيد-يعني أبو هاشم- بحلاوة الإسلام، لانتفع بالحديث، فنسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا وتوحيدنا، آمين، وقد مرت بنا سؤال عن الفرق بين الصفات الاختيارية، مثل: السمع، والبصر، والكلام، والاستواء والنزول، والمجيء، نقول أنها تجتمع في أن كلٍ منها صفاتٌ عليا ذاتيةٌ فعلية، متعلقةٌ بمشيئة الله وقدرته، اختيارية، وكلها صفاتٌ عليا أثبتها الله -تَعَالَى وتَقَدَّس- لنفسه، وأثبتها له رسوله ، وهذه الصفات وقف كالوحي، كلام وسنة رسوله ، هو المصدر الوحيد الشرعي للعقيدة الصحيحة، وأخذها بتوحيد الله، بتوحيد أسماء الله الحسنى، وصفاته العلاء، فنثبتها لربنا الله -تَعَالَى وتَقَدَّس- على الوجه اللائق به، بلا تمثيل ولا تعطيل، ولا تحريف ولا تكييف، فالمعنى معقول، والكيف مجهول، ﴿ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير﴾، هذه الصفات الفَرق بينها، منها ما متعدٍ، مثل: السمع والبصر والكلام، ومنها ما لازم، مثل: الاستواء والنزول والمجيء، وقد اجتمعت في قوله -تَعَالَى وتَقَدَّس-: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الفرقان:59]. خلق متعدي، استوى لازم، علماً بأن التعدي واللزوم لا يختص فقط في الصفات الفعلية، بل يشمل الصفات الذاتية، ومن الفُروق كذلك كما بينا سابقاً ما ثبت دليله في النقل أدلة الكتاب والسنة، واشترك العقل في إثباته، مثل: السمع والبصر والكلام، والخلق، ومنها ما ثبت دليله عقلاً [سقط في التسجيل]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فهذا درس من دروس شرح «الصفات الاختيارية»، لشيخ )لإسلام ابن تيمية، هذا فصل بعنوان: [أفعال الرب الاختيارية]

قال شيخ الإسلام رحمه الله: أفعال الرب الاختيارية، وسيتضح المعنى في المراد بهذه الأفعال، فقال رحمه الله: وكذلك كونه خالقاً ورازقاً ومُحسناً، وعادلاً، فإن هذه أفعالٌ فعلها بمشيئته وقدرته، إذ كان يخلق بمشيئته، ويرزق بمشيئته، ويعدل بمشيئته، ويُحسن بمشيئته، هذه الصفات لله رب العالمين، فهو الخالق الرازق المحيي المُحسن العادل، يرزق ويحسن ويعدل على الخلق، رحمةً وفضل، وكل شيءٌ كائنٌ بمشيئة الله وقدرته، فلا يحصل شيءٌ بغير أمره تعالى الله وتقدس، وهذا رد على المعتزلة الذين ينكرون هذه الصفات، جمعٌ كبير وطوائف أهل الكلام، أنهم وقعوا في أمرٍ ليس لعقولهم إدراكٌ لها، ولا تعلم، ولا يحيطون بشيءٍ من علمه، كما في الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن مسعود: «أسألك بكل اسمٍ لك سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»، فهذه الأسماء علمنا الله سبحانه وتعالى بإخبار الرسول في السنة، وبإخبار الله لها في كلامه، لا نعلم عن هذه الأشياء وهذه الأمور إلا بتعليم الله لنا، وإذ كان العقل يدل عليها على جهة الإجمال، ثم قال رحمه الله: والذي عليه جماهير المسلمين من السلف والخَلف أن الخلق غير المخلوق. هذا النقل والعقل يدل على أن هناك تباين وانفصال، أن المخلوق غير من خلقه، الخالق فاعل، فالخلق فعلٌ للخالق، والمخلوق مفعولٌ له، وأما السفهاء الذين جعلوا الخالق هو المخلوق، والعبد ربٌ والرب عبدٌ، وكلاهما سواء، هذا يخالف النقل ويخالف العقل، بل الذوات المخلوقة تختلف ومتباينة، فأحمد غير عبد الله، والأب غير الابن، والذكر غير الأنثى، والإنسان غير الحيوان، والحي غير الجماد، والهواء غير الماء، هذا معروفٌ عقلاً، ودل كلام الله وكلام رسوله ، ثم قال رحمه الله: ولهذا كان النبي يستعيذ بأفعال الرب وصفاته كما في قوله : «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك»، فاستعاذ الرسول بما خلقه الله فيهم من معافاة، من عافية، واستعاذ الرسول بالرضى من السخط، وبالمعافاة من العقوبة، وأما العافية المخلوقة فلا يُستعاذ بها، وإنما يُستعاذ بها، وبمعافاة الله، ثم هنا تأتي مسألة: هل تُدعى الصفة من دون الله، مثل: يا كلام الله، يا بصر الله، يا عين الله، اعطينا أو امنحينا، أو نحو ذلك، إجماع المسلمين، وعلماء أهل السنة على تحريم دعاء الصفة، ونقل هذا الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية، لعله في كتاب الاستغاثة، وأما سؤال الله بالصفة كما مر الآن: «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك منم عقوبتك»، وكذلك: «أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل منه»، هذا جائز باتفاق المسلمين، نقل الإجماع على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد استدل أئمة السنة كأحمد وغيره، على أن كلام الله غير مخلوق، بل هو منزلٌ من الله سبحانه وتعالى، وهو كلام الله، صفةٌ ذاتيةٌ فعلية، ذاتيةٌ؛ لتعلقها في الذات أزلاً، ولا تنفك عنه بوجهٍ من الوجوه، وأما فعلية؛ فلتجددها ووقوعها آحاداً، ولتعلقها بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وسبب هذا البيان الرد على المعطلة الجهمية، يعني هذا التعطيل فتنة أصبت بها أمة محمد ، بسبب أهل الضلال، وقعت هذه الفتنة في عهد المأمون الخليفة العباسي، فامتحن خلقاً كثيراً من أهل العلم، منهم الإمام أحمد، وصبروا وبينوا الحق، هذه الفتنة يُسألون: هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ من قال مخلوق عفو عنه، ومن قال غير مخلوق قتلوه وعذبوه وسجنوه، هل هذه حتى عند العُقلاء امتحان الناس بهذه المسألة، ليس فيها فائتة، ولا يترتب عليها ثمرة، ثمرةٌ فيها خيرٌ للإسلام وأهله، بل ابتلاء من هؤلاء الضُلال، لينفوا صفة الكلام عن الله ويجعلون صفة العدم له، ويُعطلونه عن أسمائه وصفاته المستحقة له شرعاً، الثابتة له في كتابه العزيز، وفي سنة الرسول ، أعوذ بالله من الفتن، على أن كلام الله غير مخلوق، لأنه استعاذ به، فقال: «من نزل منزلاً، فقال: أعوذ بكلمات الله التامة من شرِّ ما خلق، لم يضره شيءٌ حتى يرتحل منه»، فكذلك معافاته ورضاه غير مخلوق، لأنه استعاذ به، والعافية القائمة ببدن العبد مخلوقة، فإنها نتيجة معافاة الله له، وهذا فضلٌ من الله ورحمة، وإذا كان الخلق فعله، والمخلوق مفعوله، الآن فعلٌ وفاعلٌ ومفعول، فالفعل الخلق، والفاعل ربنا الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، والمفعول هو المخلوق، من حيٍ وجماد، وكل هذا بمشيئته، وقد خلق الخلق بمشيئته، دل على أن الخلق فعلٌ يحصل بمشيئته، ويمتنع قيامه بغيره، فدل على أن أفعاله قائمة بذاته، مع كونها حاصلةٌ بمشيئته وقدرته، وهذا كذلك رد على المعتزلة، وعلى غُلاة الجهمية، الذين يُفرقون بين الذات والصفات، يقولون: هذه الصفات قائمة بغيره، تعالى الله وتقدس، ثم قال رحمه الله: وقد حكى البخاري رحمه الله إجماع العلماء على الفَرق بين الخلق(الفعل) والمخلوق(المفعول)، وعلى هذا يدل صريح المعقول، عقلاً أن هناك ثلاثة أمور، فعل، وفاعل، ومفعول، خلق، وخالقٌ، ومخلوق، هذا العقل السليم، لكن عقول المعطلة الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية، عقولٌ فاسدة، عقولٌ غير صريحة، أعاذنا الله وإياكم من ذلك، أعوذ الله أعوذ بالله،(فإنه قد ثبت بالأدلة العقلية والسمعية أن كل ما سوى الله تعالى مخلوقٌ مُحدث كائن بعد أن لم يكن، وأن انفرد بالقَدَم والأزلية)، القدم والأزلية يدل عليها قوله تعالى: ﴿هو الأول﴾، وقول الرسول : «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيءٍ»، سبحانه، (وقد قال الله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [الفرقان:59]. وهو حين خلق السموات ابتداءً، إما أن يحصل منه، فهل يكون هو خلقاً للسموات والأرض؟ وإما لا يحصل منه فعل) بل حصل منه، هو الفاعل، لكن هذا يورده على جهة إجبار هؤلاء المعتزلة، وهؤلاء العقلانيين، على أثبات صفة الخلق لله، لأنهم ينكرون قاتلهم الله، إما أن يحصل منه فعل، وهو هذا الخلق للسموات والأرض، وإما لا يحصل منه فعل، يعني حيث وجدت هذه المخلوقات ولا فعل، ومعلومٌ أنه إذا كان الخالق قبل خلقها، ومع خلقها وبعد السماء، لم يجوز تخصيص خلقها بوقتٍ دون وقتٍ بلا سببٍ يُوجب التخصيص، وقول شيخ الإسلام رحمه الله: (إذا كان الخالق قبل خلقها، مع خلقها، وبعد السماء)، يعني بعد خلق السماء والأرض، هو الله الواحد الأحد، قبل خلق السماء والأرض، ومع خلق السماء والأرض، ثم بعد خلق السماء والأرض، وقوله: (لم يجوز تخصيصها بوقت دون وقت، ولا سبب يُوجب التخصيص)، أي: أنه خلقها الله لحكمة، خلقها الله في هذا الوقت لحكمة، وهذا الرد على بعض الماتريدية والأشاعرة، كذلك جميع المعطلة، الذين ينفون أول شيء الخلق، والماتريدية والأشاعرة ينفون الحكمة من الخلق، كل شيءٍ خلقه الله لحكمة، وقول شيخ الإسلام: (وأيضاً في حدوث المخلوق بلا سبب، حادث ممتنع في بداية العقد)، الله عز وجل لا يخلق شيءٍ إلا لحكمة، متنزه عن العبث، أفعاله وأقواله، ومخلوقاته خلقت لحكمة، يعني وقوله: (حدوث المخلوق بلا سبب حادث ممتنع في بداية العقل)، يعني: أن العقل السليم يمنع أن الله يخلق شيئاً بلا سبب، بل لابد من حكمة، وخلق الله سبحانه هذا الخلق، لماذا؟ ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، هذا في الجن والإنس، (وإذا قيل الإرادة والقدرة القديمة خُصَّصت، قيل نسبة الإرادة القديمة إلى جميع الأوقات سواء، وأيضاً فلا تُعقل إرادة تخصص أحداً)، يقولون: هناك تخصيص، يعني إن هذا الفعل وقت تخصيصاً، أما نفي الصفات ما هو المخصص؟ وما سبب تخصيص هذا الخلق  في هذا الوقت؟ لا يوجد، العقل يمنع إرادةً تخصص أحد ولا سبب، وهنا متماثلين، الإرادة لا تخصص أحداً إلا بسبب يُوجب التخصيص، فهل يُوجد سببٌ  عقلي، وقبل ذلك نقلي؟ لا، لكن أتوا بهذا الأمر لإيجاد مانع عقلي يُنكر الصفات الفعلية الاختيارية لله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وأيضاً فلا بد عند وجود المراد من سببٍ يقتضي حدوثه)، أي: لا بد عند وجود الخلق، من أسباب تقتضي حدوث هذا الخلق، أي: أنه لا بد من حكمة تقتضي وجود هذا الخلق، وإلا لو كان مجرد ما تقدم للإرادة والقدرة كافياً، يعني القدرة والإرادة موجودة، فهذا الخلق لماذا لم يتقدم قبل وقت خلقه؟ هنا مع الخلق حكمة، لأنهما الإرادة التامة والقدرة التامة يجب وجود المقدور، وهذه أدلة عقلية يذكرها لإفحام الخصم على فساد أدلتهم العقلية، لأن المُتكلمة يستدلون بالأدلة العقلية على إثبات الإلوهية، لا يعملون بنصوص، لا يعملون بالوحي كتاباً وسنة، بل ما دلت عليه عقولهم الفاسدة، وأثبتتها يعملون فيها، ثم قال رحمه الله: (وقد احتج من قال: الخلق هو المخلوق)، لا شك أن الخلق يعني الخلق: هو الأمر بإيجاد المخلوق، كأبي الحسن ومن اتبعه مثل ابن عقيل، بأن قالوا: لو كان غيره-هذه أدلتهم في الخلق والمخلوق، يعني أن الأمر بخلق الخلق، وهو المخلوق، جعلوا أمر الله وقوله: ﴿كن﴾، هو المخلوق، تعالى الله وتقدس، هذا معنى كلامهم، وهذا الذي يظهر لي، بأن قالوا: لو كان غيره، يعني لو اختفى الخلق عن المخلوق، الخالق هو المخلوق، لكن المراد هنا أن الأمر بالخلق يختلف عن المخلوق، لو كان غيره لكان إما قديماً، وإما حادثاً، فإن كان قديماً لزمَ قِدَم المخلوق؛ لأنهما متضايفان، وإن كان حادثاً لزم أن تقوم به الحوادث، ثم ذلك المخلوق يفتقر إلى خلقٍ آخر، ويلزم التسلسل، وقوله: (وقد احتج من قال الخلق هو المخلوق)، سنشرح هذه العبارة؛ لأن فيها داخل المنطق، فإذا دخل المنطق، أفسد العبارات، لأن المنطق عبارات وألفاظ مجملة، المراد منها إدخال الباطل على الحق، ومن وضعوه هم عباقرة، علماء الكلام عباقرة في اللغة، أرادوا نشر باطنهم في هذه الألفاظ، سنشرح كلام ونُوضح كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد احتج من قال: (الخلق هو المخلوق)، الآن عندنا خالقٌ وهو الله، وخلقٌ ومخلوق، الخلق فعل وأمرٌ له بإيجاد المخلوق "كن" من كلمات الله، ليست مخلوقة، وهو الثالث المخلوق، أبو الحسن الأشعري، هذا في مذهبه الأول، لأنه كان على ثلاثة أطوار، معتزلي وكلابي، ثم رجع إلى معتقد أهل السنة والجماعة، ومن اتبعه، مثل: ابن عقيل، كان ابن عقيل من الجهابذة، صاحب كتاب «الفنون»، من أذكياء بني آدم، يميل في الفقه وكما يقال في الفروع، إلى الحنابلة، لكنه جالس المعتزلة، فأفسدوا عليه عقيدته، نسأل الله العفو والعافية، هذا عاقبة جليس السوء، الحذر من هذه الجماعات الضالة، لأنها تُفسد العقل، وتُفسد التصور الصحيح، لأنهم يحملون طريقة استدلال خاطئة لنصوص الوحي، فيُفسدون المذاهب، والتصورات الصحيحة، هم جعلوا كلمات الله مخلوقة، يقولون أمر الله: كن، هو مثل المخلوق، وعين المخلوق، ثم قالوا: هل كلمة إما قديمة وإما حادثة؟ الصحيح أنها حادثة، طيب، فإن كانت قديمة يقولون: إذا كان هذا الأمر بقوله كن قديم، يلزم منه قدَم المخلوق، يعني المخلوق كذلك قديم، يعني كأنهم نوع إلزام عقلي، وهذا إلزام عقلي فاشل، سيأتي إيضاحه، لزم قِدَم المخلوق، لأنهما متضايفان، ما هو التضايف؟ التضايف هذا عبارة منطقية، لإدخال وإيلاج بالقوة، إيلاج الباطل على الحق، والحق حق والباطل باطل، الحق أبلج، والباطل لجلج، ومعنى هذه العبارة المنطقية متضايفان، يعني مثل بعضهم متقابلان، وهما في الوجود وجوديان، يعقل كلٌ منهما بالقياس، يُثبت بالقياس، يُبت بعضهم إلى بعض بالقياس، يُقاس إلى الآخر، الأبوة لا بد لها من بنوة، والبنوة لا بد لها من أبوة، كلام، وبالعكس، هذه أدلة عقلية لإثبات باطلهم، وهي أدلة فاسدة نسأل الله العفو والعافية، فحدوث هذه الكلمة، آحاد هذه الكلمة- بقوله: كن- حادث، لكن اتصاف الله بها أزلاً أولي أزلي، فالجنس أولي أنزلي، والنوع آحاد متجدد، فالله سبحانه يتكلم بما شاء كيف شاء، في أي وقتٍ شاء، تعالى الله وتقدس، وهم يقولون إذاً كان توه صائر الكلام فهو مخلوق، وهو مثل المخلوق، فإذاً المخلوق قديم، هذا كلام باطل، قديم يعني نحذفه، هنا فرْق بين الخالق والمخلوق، وأمر الله لا يلزم منه قِدَم المخلوق، فبينهما فرْق، ثم قالوا: وإن كان حادثاً، يعني كلمة "كن" أمر الله، لَزِم أن تقوم به الحوادث، هذا الكلام كله يرد على المعتزلة، لأنهم ينكرون الصفات، يقولون إن الصفات لا تقوم بالذات، الحوادث، يعني الصفات الفعلية الاختيارية، ينكرون أن تقوم بالله سبحانه وتعالى، ثم قالوا: المخلوق يفتقر إلى خلقٍ آخر، كلام باطل، ولا يلزم التسلسل، يعني أمرٌ وراء آخر، وراء آخر، وهكذا...، بحيث حجتكم يا أهل الحق تبطل، وهم كما يُرى وفي عرضهم، عند التحقق كلام باطل، لا تقوم فيه حجة، لدلالة كلام الله سبحانه وتعالى، على الفرْق بين الخالق والمخلوق، وبين العبد المعبود، وبين الرب وعباده، وأن هناك كلمات لله، «أعوذ بكلمات الله التامة»، لكن هذا في سعيهم الحثيث إلى تعطيل أسماء الله وصفاته، تعالى الله وتقدس، ثم قال رحمه الله: (فأجابهم الجمهور، كل طائفةٌ على أصلها، فطائفةٌ قالت: الخلق قديم، وإن كان المخلوق حادثاً)، كما بين، يعني: كلمات الله قديمة، والمخلوق حادث، كما يقول ذلك كثيراً من أهل المذاهب الأربعة، كلام الله أولية أزلية، لا تنفك عن الله بوجهٍ من الوجوه، لكن وقوع نوعها آحاداً، وتجددها، وتعلقها بالمشيئة، فعليٍ اختياري، هؤلاء أولاً يمنعون أن الله يتكلم بما شاء كيف يشاء، ثم يمنعون أصل صفة الكلام، تعالى الله وتقدس عما يقولون، هؤلاء المعطلة، لذا سماهم علماء السنة المعطلة، يعني ينكرون صفات الله ويُعطلونه عن الصفات المستحقة له، يعني أثبت له صفات في القرآن وفي السنة، سميع بصير، ونحوها، مما ثبت في الكتاب والسنة، فينكرون هذه الصفات، كما يقول ذلك كثير من أهل المذاهب الأربعة، وعليه أكثر الحنفية، قال هؤلاء: أنتم تُسلَّمون لنا أن الإرادة قديمة أزلية، يعني مشيئة الله، الإرادة الآن نوعان: إرادة كونية قدرية، وإرادية شرعية دينية، هنا المراد المشيئة، الإرادة الكونية القدرية، الإرادة قديمة أزلية، والمراد مُحدث، ونحن نقول في الخلق ما قلتم في الإرادة، يعني أن كلام الله بقوله: ﴿كن﴾، قديم، أو أنَّا نثبت هذه الصفة بحق الله سبحانه وتعالى، وأن الكلام هذا قديم، فكما أن إرادته أزليةٌ قديمة، ولو عُبَّر عن القديمة بالأولية أفضل، لأن التعبير بالألفاظ الشرعية هو المتعين واجب، إن الألفاظ المُحدثة قد يعتريها ما يعتريها، والمراد مُحدث، فنحن نقول في الخلق كما قلتم في الإرادة، أنتم هاهنا إلزام، هذا إلزام، يقول: أنتم تقولون: نحن وأنتم متفقون على أن الإرادة، وهي المشيئة، على أن الإرادة الكونية القدرية قديمةٌ أزلية، أو يُقال أولية أزلية، هذا متفقين عليه نحن وأنتم، والمُراد مُحدث، يعني المخلوق مُحدث، فنحن نقول في الخلق، خلق وخالق، وخلق ومخلوق، هم يريدون كلمات الله بخلق الخلق، أنه قديم، يعني صفة الكلام لله تعالى قديمة، وأما أمره بقول: ﴿كن﴾، جنسه أوليٌ أزلي، وأما النوع فحادثٌ متجدد متعلقٌ بالمشيئة، وهو مُلحقٌ بالقديم، وهو تابعٌ لصفة الكلام، بل هو الكلام، والله يتكلم بما شاء كيف شاء متى شاء، بما شاء، نثبت المعنى ونُفوض الكيف، وقال طائفة: بل الخلق حادث في ذاته، ولا يفتقر إلى خلقٍ آخر، بل يُحدث بقدرته، وأنتم تقولون أن المخلوق يحصل بقدرته بعد أن لم يكن، فإن كان المنفصل يحصل بمجرد القدرة، فالمتصل به أولى، وهذا جواب كثير من الكرامية والهشامية وغيرهم، هذا طائفة نوع من المعطلة اسمهم الكرامية والهشامية، الخلق حادث، يعني كلمات الله التي أمر بخلق الخلق حادث في ذاته، ولا يفتقر إلى خلقٍ آخر، يعني أمرٌ آخر، بحيث أنه يفيد التسلسل، بل يحدث بقدرته، وأنتم تقولون أن المخلوق يحصل بقدرته بعد أن لم يكن، فإن كان المنفصل يحصل بمجرد القدرة، فالمتصل به أولى، هنا للإيضاح، قلنا هنا خالق وهو الله سبحانه، وأمر بكلمات الله: ﴿كن﴾، هذا يقولون خلق، ومخلوق، هو السموات والأرض والإنسان، قال: أنتم تقولون المخلوق، من سماء أرض، إنسان، هذا يحصل بقدرته، يعني إنه خلق نفسه بنفسه، بعد أن لم يكن، وهذا ممتنع عقلاً، فإن كان المنفصل، يعني المخلوق هذا يحصل بقدرته، فالمتصل به وهو كلام الله، وقوله: ﴿كن فيكون﴾ أولى، إن الكرامية والهشامية ونحوها، بينهم وبين المعتزلة أدلة عقلية، وهذا يرد على هذا، وهذا يُفسد حجة هذا، والحجة كل الحجة في كلام الله، وفي سنة رسوله ، وطائفةٌ يقولون: هب أنه يفتقر إلى فعل قبله، فلِمَ قلتم أن ذلك ممتنع؟ وقولكم هذا تسلسل؟ ورجوعاً وإيضاحاً لكلام شيخ الإسلام، في رده على المتكلمة، بقوله، فيقال: ليس تسلسلاً في الفاعل، معنى التسلسل لعةً: مأخوذ من السلسلة لها حِلَق مدورة، بحيث لا تعرف أيهن الذي بدأ فيها، هل الحلقة هذا أم الحلقة هذا، كلها سلاسل وزي بعضها، ومترابطة في بعضها، هذا اسمه " أمور متسلسلة" من السلسلة، السلسلة معروفة، وهو اصطلاحاً تسلسل أمور غير متناهية، من منع التسلسل إما يريد منع ونفي اتصاف الله بالصفات الفعلية الاختيارية مثل الكلام، والخلق، والسمع والبصر وغيرها من صفاتها، ويريد بذلك كذلك نفي اتصاف الله ودوام اتصاف الله بهذه الصفات الفعلية، وسيأتي إيضاح لكلام الله سبحانه وتعالى لهذا الأمر، ليس تسلسلاً في الفاعلين، التسلسل في الفاعلين ممتنع، يعني فاعل، مثل المخلوق خلقه مخلوقٌ آخر، ونحو ذلك، يعني كأن التسلسل يعني نفي اتصاف الله بالخلق، هذا المراد بتسلسل الفاعلين، يعني هذا الفاعل صار فاعلاً بتأثير فاعلاً قبله، والفاعل الذي قبله، أثر فيه، يعني هذا إلحاد، نسأل الله العفو والعافية، وفيه تعطيل الصفات الفعلية الاختيارية، وتعطيل صفات الله -تَعَالَى وتَقَدَّس- عموماً، هذا هو تسلسل الفاعل، والعلل الفاعلة هي العلل التي يكون لها تأثير في المعلول، وتكون سبب في إيجاده، مثل النجار يصنع السرير، يصنع الكرسي من الخشب، هذا هو مراده، هذه ألفاظ وعبارات أتوا بها المتكلمة كما قلنا لتمرير باطلهم، لكن حينما يتضح لك المعنى تعرف إن هذا حق وإن هذا باطل، والحق أتى بكلام الله، أنتم لا تعرفون يا أيها العبيد، يا أيها المخلوقات، لكم رب، لكم خالق، له صفات لا يعلمها إلا هو، ولا نعلم صفاته إلا بتعليمه لنا عما أتى في كلام الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أو أتى في سنة الرسول ، وأما غير ذلك فقد استأثر الله بعلمه، كما في الحديث، وأما أنك تقحم العقل في أمور لا ناقة له فيها ولا جمل، وفي أمور يعجز عن كونها، وعن معرفتها، فهذه سفاهةٌ في العقول، فإن هذا ممتنع باتفاق العقلاء، بل هو تسلسلٌ في الآثار، والأفعال، وهو حصول شيء بعد شيء، يعني معناه الكلام هذا، يعني أن الله سبحانه وتعالى خلق فلان وبعده خلق الخلق، وخلق محمد وأبناءه من بعده، وخلق السماء، وخلق الأمطار، وخلق الجنة، هذا التسلسل في الآثار والأفعال هذا جائز، مُثبت في النقل، وجائزٌ في العقل، وهذا محل النزاع، يقول شيخ الإسلام، فالسلف يقولون: لم يزل متكلماً إذا شاء وكما شاء، وكيفما شاء متى شاء، نعم، وقد قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف:109] .سبحان الله كلمات الله ما تنفذ، فكلمات الله لا نهاية لها، وهذا تسلسلٌ جائز كالتسلسل في المستقبل، فإن نعيم الجنة دائم لا نفاذ له، فما من شيءٍ إلا وبعده شيء بلا نهاية، هذا نهاية درسنا اليوم، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فنحمد الله على ما أنعم به علينا، من نعمة التوحيد والسنة، وما أنعم علينا من أمن وأمانٍ في الأوطان، والحمد لله أولاً وآخراً، فهو المستحق للحمد والمدح والثناء، فهذا درسٌ من دروس شرح كتاب «الصفات الاختيارية»، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال رحمه الله:

[فصلٌ: والأفعال نوعان: متعدٍ ولازم]

الفعل المتعدي، واللازم في لغة العرب، يأتي في النحو بأنه ينقسم الفعل باعتبار معناه إلى متعدي ولازم، الفعل اللازم: هو ما لا يتعدى أثره فاعله، وليس له مفعولٌ به، يبقى أثره في نفس الفاعل، تقول: جاء سعيد، سافر خالد، فقط، هذا الفعل اللازم، أما الفعل المتعدي: أن يتعدَ أثره فاعله، ولا بد له من مفعولٍ به، تقول: فتح طارقٌ الأندلس، فتح فعل ماضي، طارق فاعل، الأندلس مفعولٌ به، فهذا فعلٌ متعدي، وقسموا المتعدي إلى مفعولٍ ومفعولين، إلى ثلاثة، وهكذا، وأما التعدي واللزوم في بات توحيد أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، فالأسماء والأفعال، منها ماهو لازم، ومنها ما هو متعدي، اللزم ليس له أثرٌ على الخلق، وعلى العباد، مثل: جاء ربك، المجيء، الاتيان، النزول، الاستواء، ونحو ذلك، وأما الخلق والرزق والإحياء فهذه تعدى إلى الخلق، فسُمي متعدي، فإذا تعدى هذا الفعل، نقول له آثار ونتائج، وهكذا اللازم، وهكذا في الأسماء، الأفعال المتعدية والأسماء والمتعدية لها آثار، إثبات أول الآثار بالنسبة للمؤمن، إثبات الاسم، السميع، البصير، يتضمن ذلك إثبات اسمٍ لله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، ويتضمن كذلك إثبات صفة السمع لله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه، يسمع تحاوركما، هذا مثال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المتعدي: مثل: الخلق والإعطاء ونحو ذلك، الخلق والرزق والإحياء، لأنها صفةٌ ذاتيةٌ لله تعالى، فعلية، لكنها متعدية، فلها أثرٌ على المخلوقين، بإحيائه أو إماتته أو رزقه وخلقه وإعطائه، وأما اللازم مثل: الاستواء، والنزول، والمجيء، والإتيان، هذا خاصٌ لله تعالى لازمٌ له، قال تعالى: ﴿هو الذي خلق السموات والأرض﴾، خلق صفةٌ ذاتية فعلية، متعلقةٌ بالمشيئة، وهي فعلٌ متعدي، خلق السموات والأرض، ﴿وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش﴾، استوى فعلٌ لازم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وذكر الفعلين، يعني المتعدي واللازم، وكلا هذين الفعلين حصل بقدرة الله ومشيئته، وهذه الأفعال متصفةٌ بها الله سبحانه وتعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد بُسط هذا في غير هذا الموضع، وسيأتي بيانه وإيضاحه إن شاء الله في دروس قادمة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والأدلة على هذا الأصل من السنة، يعني: الأدلة على إثبات الصفات الاختيارية لله سبحانه وتعالى، والمقصود هنا أن القرآن يدل على هذا الأصل في أكثر من مائة موضع، مائة موضع في القرآن الكريم سيأتي إيضاح شيءٍ منها، تدل على إثبات الصفات الاختيارية لله سبحانه وتعالى، وأما الأحاديث الصحيحة فلا يمكن ضبطها بهذا الباب، كما في الصحيحين، لكثرتها، عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى بأصحابه رضي الله عنهم صلاة الصبح في الحديبية على أثر سماء كانت من الليل، ثم قال: «أتدرون ماذا قال ربكم الليلة»، يدل على إثبات صفة الكلام لله سبحانه، وإنها تتضمن أمرين: الأمر الأول: أنا صفةٌ ذاتية فعلية لازمة، وهي صفة كمال تليق بجلال الله سبحانه وتعالى، وهي كذلك من حيث تجددها وآحاد وقوعها وتعلقها بالمشيئة فعلية، «ماذا قال ربكم، قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٍ بي، فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكواكب، وأما من قال: مكرنا بنوء كذا ونوء كذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ كافر بالكواكب»، فهذا إسناد ما يحصل في الأرص والسماء إلى الله تعالى، يتضمن أن ما حصل في الأرض ولا السماء يُنسب إلى من قدره وفعله، بقضائه وقدره وهو الله سبحانه وتعالى، ولا يُنسب لغيره، فالفعل وما حصل في الكواكب، أو ما حصل بأثر الكواكب، كلها خلقٌ من خلقِ الله سبحانه وتعالى، وكلها حاصلةٌ بأمره سبحانه وتعالى، فهذا شركٌ كُفر، أن تنسب الفعل إلى المخلوق الضعيف، بل يُنسب إلى الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، مُطرنا بفضل الله ورحمته، ونُزول المطر كله بفضل الله ورحمته، وفي الصحاح في حديث الشفاعة يقول كلٌ من الرسل إذا أتو إليه: «إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولم يغضب بعده مثله»، هذه الصفة الاختيارية الغضب، "غضب" اليوم، انظروا، فدل على أن هذه الصفة الفعلية اللازمة، وقعت بمشيئته وفعله في هذا اليوم، وهو بيان أن الغضب حصل في ذلك اليوم، لا قبله، وفي الصحيح: « إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات كجر السلسلة على الصفوان»، فقوله: «إذا تكلم الله بالوحي سمع»، سمعٌ يدل على أنه تكلم به حين يسمعونه، وذلك ينفي كونه أزلياً، وأيضاً فما يكو كجر السلسلة على الصفا، يكون شيئاً بعد شيء، والمسبوق بغيره لا يكون أزلياً، كل هذا لإثبات الصفات الاختيارية لله سبحانه وتعالى، وكذلك في الصحيح يقول الله: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: نصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾، قال: حمدَني عبدي، فإذا قال: ﴿الرحمن الرحيم﴾، قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: ﴿مالك يوم الدين﴾، قال الله: ﴿مجدني عبدي﴾، فإذا قال: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾، قال الله: هذه الآية بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليم * ولا الضالين﴾، قال: هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل»، وكل هذا يقول: «فإذا قال....قال الله»، هذا يدل على أثبات الصفات الاختيارية ومنها القول والكلام لله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، (وقد أخبر أن العبد إذا قال: ﴿ الحمد لله﴾، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: ﴿الرحمن الرحيم﴾، قال الله: أثنى علي عبدي، ..الحديث، وفي الصحاح حديث النزول أنه ينزل ربنا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: «من يدعوني فاستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»، ينزل ربنا، هذه الصفة فعلية لازمة، غير متعدية، نثبتها، نعرف معنى النزول، وأما الكيفية فلا يعلمها إلا الله، نثبت المعنى، ونُفوِّض الكيف، قال شيخ الإسلام: (فهذا قولٌ وفعل في وقتٍ معين، وقد اتفق السلف رحمهم الله ورضي الله عنهم على أن النزول فعلٌ يفعله الرب كما قال ذلك الأوزاعي رحمه الله، وحماد بن زيد، والفُضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل- هؤلاء من أئمة السلف رحمهم الله- وأيضاً قد قال : «لله أشد أُذناً إلى الرجل الحسن الصوت من صاحب القينة إلى قينته»، هذا الحديث رواه أحمد وابن ماجه والطبراني في الكبير، والحاكم، وابن حبان والبيهقي، قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح، على شرط الشيخين، يعني: البخاري ومسلم، ولم يخرجاه- أي: في الصحيحين- وتعقبه- أي: رد على هذه العبارة- الحافظ الذهبي رحمه الله، فقال: بل هو منقطع، الحديث المنقطع، هناك تعريف لأهل العلم، في تعريفه، تعريف الحاكم وابن صلاح: هو الحديث الذي سقط من إسناده راوٍ واحد أو أكبر دون تتابع، غير الصحابي، سواء كان هذا الساقط محذوفاً أو مُفهماً، وقيل هو الحديث الذي لم يتصل سنده على أي وجه كان انقطاعه، فيدخل في هذا التعريف جميع صور الانقطاع، من الصحابة رضي الله عنهم، ومن التابعين، أو ما سَقط إسناده كله، وقيل هو الحديث الذي يُروى عن التابعي أو من دونه، وضُعِّف هذا التعريف الثالث، قيل: لأنه يُسمى مقطوع في هذه الحالة، وليس منقطع، ولأن هذا خاص بالمتن ليس بالسند، والتعريف الرابع: هو الحديث الذي سَقَطَ من وسط إسناده راوٍ أو أكثر، ولم يتتابع السقوط، وهذا التعريف يشمل جميع صور الانقطاع، هذا الحديث ضعفه الذهبي، وضعفه الامام الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة، وفي ضعيف الجامع، وفي الحديث الصحيح الآخر: «ما أذن الله لشيءٍ كإذنه لنبيٍ حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به»، هذا الحديث متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأذن يأذن أُذناً، أي: استمع يستمع استماعاً، ومنه قوله تعالى: ﴿وأذنت لربها وحُقت﴾، وأخبر أنه يستمع إلى هذا وهذا، وفي الصحيح: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه، وإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها»، فأخبر أنه لا يزال يتقرب بالنوافل بعد الفرائض حتى يُحبه، و"حتى" حرف غاية يدل على أنه يحبه بعد تقربه بالنوافل والفرائض، يعني: إن هذه المحبة أتت بعد التقرب النوافل والفرائض، فدل على أن الحب صفة اختيارية فعلية، وفي الصحيحين عنه فيما يروي عن ربه تعالى قال: قال الله: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، إن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خيرٌ منه»، وحرف "إن" حرف الشرط، والجزاء يكون بعد الشرط، فهذا يُبين أنه يذكر العبد بعد أن يذكره العبد، إن ذكره في نفسه، ذكره في نفسه، وإن ذكره في ملأ خيرٌ منه، والمنازع يقول ما يزال يذكره أزلاً، وأبداً ثم يقول ذكره وذكر غير سائر ما يتكلم الله به، هو شيءٌ واحد لا يتبعض ولا يتعدد، فحقيقة أنه قوله أن الله لم يتكلم ولا يتكلم ولا يذكر أحد، أو منازعٌ الخصم من الجهمية المُعطلة، يقولون إن كلامه أزلي هذا، ذكره وذكر غيره، وكلام هذا أزلي أبدي، وهو لا يتبعض ولا يتعدد، يعني إن الكلام هذا قديم أزلي، نتحفظ على لفظة قديم، لأنها لم ترد في الكتاب والسنة، لكن نقول إن أولي، هو الأول، لأن الكلام صفة ذات لازمة لذات الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، لكن من حيث تجددها وآحاد وقوعها، فعليةٌ اختيارية، وهذا ما ينكره المُعطلة الجهمية، يقولون الكلام واحد لا يتبعض، لا يسمع لا يُبصر، لا يرى، ﴿قد سمع الله ..﴾، ينكرون هذا الكلام، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: فحقيقة قولهم- هذا المنازع الجهمي المُعطل- أن الله لم يتكلم ولا يتكلم، ولا يذكر أحد، يعني هذا تعطيل، هذا تعطيل لصفات الله سبحانه وتعالى، وفي صحيح مسلم رحمه في حديث تعليم الصلاة: «وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: الله ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم»، انظروا" لكم" ليس يسمع الله بعد أن لم يكن، بل صفة السمع صفة ذاتية لازمة لذات الله سبحانه وتعالى، وهي صفات كمال، ونصفه بما يليق به -تَعَالَى وتَقَدَّس- ربنا، لكن من حيث تجدد وقوعها هذا ينكره المُعطلة الجهمية، «يسمع الله لكم»، فإن قال: فإن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده، فقولوا: سمع الله لمن حمده، لأن الجزاء بعد الشرط، فقوله: «يسمعِ الله لكم»، مجزوم، حُرك بالكسر لالتقاء الساكنين، وهذا يقتضي أنه يسمع بعد أن تحمدوا، وسيأتي مزيد بيان وتفصيل إن شاء الله لهذه الصفات، رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، الإمام شيخ الإسلام المجاهد، مجاهد جميع الفِرَق الضالة، رحمه الله وأحسن مثواه، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.

بهذا الفصل هنا مسألة جرى إيرادها من أحد الإخوة طلاب العلم، وهي ما الفَرْق بين بعض الصفات الفعلية؟ مثل: المجيء، والاستواء، والنزول، ومثل: السميع والبصير، هنا لعل أهم الفِرُوق، أهمها منها ما يلي:

أولاً: أن السميع والبصير والكلام صفات يشترك فيها السمع والعقل في إثباتها، وأما النزول والاتيان، فهذه يدل على إثباتها الأدلة السمعية النقلية من الكتاب والسنة فقط، ولعل الفَرق الثاني: أن السميع والبصير صفات متعدية، والاتيان والنزول والمجيء صفات لازمة، هذا يتبع الدرس السابق، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

هذا درس اليوم إكمال شرح كتاب «الصفات الاختيارية»، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال رحمه الله:

[فصلٌ: مواقف النُفاة من مسألة الصفات والرد عليهم]

يعني: ما هو موقف من ينفي صفات الله؟ سواءً الصفات الذاتية أو الفعلية الاختيارية؟ قال رحمه الله: والمنازعون النُفاة كذلك. يقصد عموم الجهمية، لأن أول ما بدأ في كلام التوحيد، وتعطيل أسماء الله وصفاته، الجهم، ثم تفرعت منه سائر الجهمية، من معتزلة، وكلابية، سالمية، كرامية، ماتريدية، وغيرهم كثير لا كثَّرهم الله، قال رحمه الله: منهم من ينفي الصفات مُطلقاً، هؤلاء هم الجهمية والمعتزلة، المعتزلة هم طائفة من الجهمية، لكن غُلاة الجهمية ينكرون الأسماء والصفات مُطلقاً، المُعتزلة يُثبتون الأسماء، الرحمن الرحيم، المهيمن، ونحوه، وينكرون الصفات، إثباتهم للأسماء، على أنها أسماء ألفاظها متباينة، ومعانيها مترادفة، مثل: القدوس السلام المؤمن المهيمن، يقول هذه أسماء، صحيح إنها تختلف في اللفظ، وفي النطق- اسمعوا أعاذنا الله وإياكم من الأهواء-  لكن معناها واحد، المهيمن هو القدوس، وهو الرحمن وهو الرحيم، وهو الودود، وهو الغفور، وهو المُهيمن، يعني معانيها واحدة، هذه المعاني مترادفة، وأما الألفاظ متباينة، الكلابية هم من يطلق عليهم الآن الأشاعرة، يثبتون الأسماء، وإثباتهم الله أعلم به، وسبع من الصفات، يسمونها الصفات المعنوية، حتى إثباتهم لهذه الصفات إثبات في نظر، قال رحمه الله: منهم من ينفي الصفات مُطلقاً- يعني الجهمية والمعتزلة- فهذا يكون الكلام معه في الصفات مُطلقاً، فالكلام في الصفات كالكلام في الذات. وهذا فصَّلَ فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في العديد من كتبه، مثل: التدمرية، والواسطية، وغيرها كثير، لا يختص في الصفات الاختيارية، الاختيارية الفعلية المُتعلقة بالمشيئة والقدرة، (ومنهم من يُثبت الصفات)، الكلابية، الأشاعرة الماتريدية، وغيرها، ( ويقول لا يقوم بذاته شيءٌ بمشيئته وقدرته) -تَعَالَى وتَقَدَّس-، كلامه قلنا لكم إن إثباتهم للصفات فيه نظر، انظروا الآن، أثبتوا السمع والبصر والكلام وغيره، لكن يقولون هذا ما هو بمشيئة الله وقدرته، إذاً  من هو مشيئته يا؟ أنتم تجعلون لأنفسكم الكمال، وتسلبونه عن الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، فيقول- يعني الكُلاَّبي والسالمي والكرامي- أنه لا يتكلم بمشئته واختياره، ويقول: لا يرضى ويسخط ويحب ويُبعض ويختار بمشئته وقدرته، ويقول: إنه لا يفعل فعلاً هو الخلق، يخلق به المخلوق، ما معنى هذا العبارة؟ يعني الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿كن﴾، فيخلق خلقه، وينزل أمره، يقولون كلمة" كن" هي التي تخلق ليس الله، هذا معنى هذه العبارة، قلنا سابقاً أن الجهمية جهابذة في لغة العرب، ويُوردون عبارات فيهاه إجمال وغُموض من أجل تمرير تحت هذه المسميات والمصطلحات، انظروا ماذا يقول في عبارته؟ يعني تحتاج ترجمة حرفية، وهكذا لغة المناطقة، حينما يتحدث شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد عليهم، قد يميل إلى ألفاظهم لرد طغيانهم وفكرهم، يقول: إنه لا يفعل فعلاً، هو الخلق، يخلق به المخلوق. يعني هذه العبارة فيها إجمال وغُموض ما يعرف كيف معناها؟ لكن معناها: أن الله سبحانه وتعالى يقول: كن، عبارة كن هذه " كن فيكون" كن هذه هي التي تخلق الخلق ليس الله، يعني منفصلة عنه، انظروا هذه الأهواء، يأتون بأفكار وبآراء هي محط الهواء والأنفس الشيطانية، وكان عليهم الإيمان والتسليم، لأن هذه أوصاف وأسماء أتت في القرآن والسنة، ليس مجال للعقل أن يخترعها، أو يردها، بل عليه الإيمان والتسليم، ولا يقدر عنده على فعلٍ يقوم بذاته، يقولون هذه العبارات لا يقدر عنده على فعلٍ يقوم بذاته، يعني ما يتكلم ما يسمع ما يُبصر! لأنهم إذا قالوا هذا الكلام، هكذا آرائهم الفاسدة، يقولون أثبتنا مخلوق يسمع ويُبصر، تعالى الله ما علموا أن سمع الله يختلف عن سمع العباد الضعفاء، بل المخلوقات تختلف في سمعها، فهذا قليل سمع، وهذا لا يسمع، وهذاك الحيوان يسمع من مسافة كيلوات، تختلف، ولله المثل الأعلى، لكنهم أعملوا عقولهم في مجال لا تصلح أن يُعمل فيها أو يُفكر في ذات الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، تفكروا في مخلوقات الله- كما في المأثور- ولا تتفكروا في ذات الله، بل مقدوره، يعني الذي كتبه الله وقدره، لا يكون إلا منفصلٌ منه، وهذا موضعٌ تنازع فيه النُفاة، يعني صارت بين الجهمية أنفسهم، بين المعتزلة، وغلاة الجهمية، وبين الأشاعرة والكلابية والكرامية والسالمية، كل هذه الأسماء، أصحاب الأهواء كل واحد يجيب من رأسه رأيٌ منحرف، طيب أنتم وأين أنتم؟ عندكم كلام الله، عندكم سنة رسول الله ، ارجعوا إليها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: فقيل لا يكون مقدوره إلا بائنٌ عنه. كلام مُجمل لا يكون مقدوره إلا بائنٌ عنه، هذه اللفظة تحتمل حق وباطل، عند تحليلها، تحتمل حق وباطل، مقدوره، يعني ما قدره الله   وكتبه، سواءٌ من خلق العبد، أو خلق الخلق، بائنٌ عنه، لكن هم لهم- هذا كلام مجمل في عبارتهم هذه- ينفون سمعه وبصره ومجئه ونُزوله، بائنٌ عنه، كيف؟ لا يُتصور عقلاً عنه، سبحان الله، كما يقول الجهمية والكلابية المُعتزلة، وقيل لا يكون مقدوره إلا ما يقوم بذاته، يعني الذي يقدر يخلقه هو في ذات الله، يعني أنه معنى هذا الامر أنه لا يخرج عن ذات الله، كلا العبارتين فيها تعطيل، والصحيح أن كليهما مقدورٌ لله، سواء السمع والبصر والمجيء الاتيان، خلق الخلق ورزقهم وإحياؤهم، ومماتهم، كل هذه قدرها الله وكتبها، وهم ينفون عنه، أما مقدورٌ بذاته، كما يريدون السمع والبصر والكلام، أو مقدورٌ عنه، هؤلاء يُسمون المُعطلة، أما الفعل فمثل قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ [الأنعام:65] . ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة:40] . وقول الحواريين:  ﴿ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [المائدة:112] . ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ [يس:81] . ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [الأحقاف:33] . إلى أمثال ذلك مما يُبين أنه يقدر على الأفعال، كالإحياء والبعث، ونحو ذلك، ذكرنا سابقاً عقيدة المعتزلة في القضاء والقدر، وأنهم ينفون القضاء والقدر، وأنهم يجعلون هم الذين يقولون، وهم الذين يفعلون، لهذا تجد في بعض عباراتهم: " والله على ما يشاء قدير" يعني على الذي يستطيعه قدير، وبعض الأمور لا يستطيعها، هذا معنى العبارة، فتجدهم يكثرون من هذه العبارة: " وهو على ما يشاء قدير" يعني هم الذين يفعلون، الخلق الضُعفاء الذي خلق من موضع مرتين، وخُلق من ماءٍ مهين، ويحمل العذرة بين جنبين، وخلقه الله من عدم، يجعل لنفسه الكمال، ثم يمنع الكمال المطلق لله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، والأشاعرة يقولون: نحن مجبرين على الفعل، يفعل أي معصية، يقول نحن مجبرين، نسأل الله العفو والعافية، ولهذا اخترع بعضهم بعض الأشاعرة كسب الأشعري، يقول فعل، يعني عبارة تدل على الإجبار، وأما القدرة على الأعيان، ففي «الصحيح» عن أبي مسعود رضي الله عنه، قال: كنت أضرب غلاماً فرآني النبي ، فقال: «اعلم أبا مسعود، لله أقدر عليك منك على هذا»، يعني الله قادر على الخلق، قادرٌ على أفعالهم، وهذا دليل على أن القدرة تتعلق بالأعيان المنفصلة، قدرة الرب وقدرة العبد، فالله سبحانه وتعالى سميع بصير، ولله الأسماء والصفات الحسنى التي أتت في الكتاب والسنة، نثبتها على الوجه اللائق لربنا، نثبتها المعنى ونعرفه، ونُفوض الكيف، من غير تجسيد ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولا تأويل باطل، فالله سبحانه وتعالى قادر، يسمع ويُبصر، ويجيء وينزل، وهو من خلق العبد، وهو العالم بما يفعله عبده، وكل شيءٍ بقضاء الله وقدره الكوني القدري، وبمشيئته، لا يخرج شيءٌ عن مشيئته الله الكونية، عم مشيئة الله وإرادته الكونية القدرية، ومن الناس من يقول: كلاهما يتعلق بالفعل، كالكرامية، ذكرنا سابقاً أن الله سبحانه يقول: ﴿كن فيكون﴾، هم يقولون أنه يتعلق بالفعل- يعني الكرامية- لا يتعلق بذات الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، ومنهم من يقول: قدرة الرب تتعلق بمنفصل، يعني بالعباد، وما يخلقه الله من خلق، هنا قدرة الله، وأما قدرة العبد، فلا تتعلق إلا بفعل، في محلها كالأشعرية، ... من الأشعرية جريان على معقتدهم في قولهم في الجبر، يعني أنهم مجبورين، كل هذه العبارات منطقية لتمرير باطلهم على الجهلة، والنصوص تدل على أن كلا القدرتين، تتعلق بالمتصل والمنفصل، فإن الله أخبر أن العبد يقدر على أفعاله، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16] . وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء:25] . فدل على أن من لم يستطع ذلك، ومن لم يستطع، منا أُستطيع ذلك، ومنا من لم يستطع، يعني إثبات أن للعبد فعل، أنهم الجبرية ومنهم الأشاعرة ينفون فعل العبد، ويقولون هم مجبرون، يقول النبي : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء»، أخرجاه في الصحيحين، يقول شيخ الإسلام: (وقوله: إن استطعت أن تعمل بالرضا مع اليقين فافعل)، هذا جزء من حديث ابن عباس رضي الله عنه المشهور، «يا غلام أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك...»، هذه رواية ضعفها ابن رجب في شرحه لهذا الحديث، وضعفها الإمام الألباني رحمه الله، يقول ابن رجب اتماماً للفائدة في شرحه: وفي رواية عمر مولى غُفرة وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه، وزيادة أخرى قبل هذا الكلام، وهي: إن استطعت أن تعمل بالرضا في اليقين فأفعل، وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وفي روايةٌ أخرى من رواية علي ابن عبدالله بن عباس رضي الله عنه عن أبيه، لكن إسناده ضعيف، زيادةٌ أخرى بعد هذا وهي قلت: يا رسول الله كيف أصنع باليقين؟ قال:  «أن تعلم أن ما أصابك لم يكن يُخطئك، وإنما أخطأك لم يكن ليُصيبك»، فإذا أنت أحكمت باب اليقين، ومعنى أن حصول اليقين للقلب بالقضاء السابق والتقدير الماضي يعين العبد على أن ترضَ نفسه بما أصابه، فمن استطاع أن يعمل في اليقين بالقضاء والقدر، على الرضا بالمقدور، فاليفعل، فإن لم يستطع الرضا فإن في الصبر على المكروه خيراً كثيراً، فهاتان درجتان للمؤمن بالقضاء والقدر في المصائب، احداهما: أن يرضَ بذلك، وهذه درجة عالية رفيعةٌ جداً، قال الله عز وجل: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن:11]. قال علقمة: هي المصيبة تُصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله، فيُسلم لها ويرضى، وخرَّج الترمذي من حديث أنس أن النبي قال: «إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السُخط»، وكان النبي يقول في دعائه: «اسألك الرضى بعد القضاء»، ومما يدعو المؤمن إلى الرضى بالقضاء، تحقيق إيمانه بمعنى قول النبي : « لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر كان خيراًًًًًًً له، وليس ذلك إلا للمؤمن»، وجاء رجلٌ إلى النبي فسأله أن يوصيه وصيةً جامعةً موجزةً، فقال: «لا تتهم الله في قضائه»- هكذا ورد في شرح ابن رجب، والله أعلم بصحة هذا الحديث- قال أبو الدرداء: إن الله إذا قضى قضاء أحب أن يُرضَ به. قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسُخط، فالراضي لا يتمنى غير ما هو عليه من شدةٍ ورخى، كذا رُوي عن عمر وابن مسعود وغيرهم، قال عمر بن عبد العزيز: أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء والقدر. فمن وصل إلى هذه الدرجة كان عيشه كله في نعيم وسرور، قال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل:97]. قال بعض السلف الحياة الطيبة، هي الرضى والقناعة، وقال عبد الواحد ابن زيد: الرضى باب الله الأعظم، وجنة الدنيا ومستراح العابدين، وأهل الرضى تارةً يُلاحظون حكمة المبتلي وخيرته لعبده في البلاء، وأنه غير متهمٌ في قضائه، وتارةً  يُلاحظون ثواب الرضا بالقضاء، ويُنسيهم ألم المُقتضي به، وتارةً يُلاحظون عَظمة المبتلي وجلاله وكماله، فيستغرقون في مشاهدة ذلك حتى لا يشعرون بالألم، وهذا يصل إليه خواص أهل المخرفة والمحبة حتى ربما تلذذوا بما أصابهم لملاحظتهم صدورهم عن حبيبهم، كمال قال بعضهم: أوجدهم في عذابه عذوبةً، إلى آخره..، والدرجة الثانية: أن يصبر على البلاء، وهذا لمن لم يستطع الرضا بالقضاء، فالرضا فضلٌ مندوبٌ إليه مستحب، والصبر واجبٌ على المؤمن حتم، وفي الصبر خيرٌ كثير، فإن الله أمر به ووعد عليه جزيل الأجر، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر:10] . وقال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة:155-156] . إنا لله وإنا إليه راجعون، ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة:157] . قال الحسن: الرضا عزيز، ولكن الصبر مُعوَّل المؤمن، والفرق بين الرضا والصبر، أن الصبر: كف النفس وحبسها عن التسخط، مع وجود الألم، وتمني زوال ذلك، وكف الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، والرضا: انشراح الصدر وسعته بالقضاء، وترك تمني زوال ذلك ومؤلم، وإن وُجد الإحساس بالألم، لكن الرضى يخففه، لما يُباشر القلب والروح اليقين والمعرفة، وإذا قوي الرضا، فقد يزيل الإحساس بالكلية كما سبق. أتينا بشرح ابن رجب بتصرفٍ يسير، قوله: «لا تتهموا الله بقضائه»، هذا حديثٌ صحيح رواه أحمد في المسند، وصححه الإمام الألباني رحمه الله، في صحيح الجامع، ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقوله في الحديث الذي في الصحيح: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، وقد أخبر أنه قادرٌ على عبده، وهؤلاء الذين يقولون لا تقوم به الأمور الاختيارية )،يعني الصفات الفعلية، ينكرون أفعال الله: النزول والسمع والبصر، الكلام، حجتهم قائمة على مقدمتين، المقدمة الأولى: أن هذه حوادث، وهذه الحوادث إذا قامت به، لا بد أن يكون فيها، وفي لفظٍ: لم يخلو منه، المقدمة الثانية: وإذا لم يخلُ منه الحوادث فهو حادث، فلهذا إذاً النتيجة تُعطل هذه الصفات الفعلية، هذا برأيهم الفاسد، أعاذنا الله وإياكم من الهوى، كل شيءٍ بقضاء الله وقدره، وننزه الله سبحانه وتعالى، ذاته عليا، وأسماؤه الحسنى وصفاته العليا، هذه المقدمتين فاسدتين، لمصادمتهما العقل، ولمخالفتهما أدلة الكتاب والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد نازعهم الناس في كلا المقدمتين، وأصحابهم المتأخرون، يعني: هؤلاء الكلابية علماؤهم الرازي والآمدي قدحوا في المقدمة الأولى، وهي إنه لو قامت به الحوادث لم يخلٌ منها، هذه قدحوا، يعني طعنوا في صحتها، من هو الذي طعن؟ الرازي والآمدي كبار الكلابية، الذي يقال لهم اليوم الأشاعرة، مقدمة باطلة، وقدح الرازي وهو كذلك من أكابرهم في المقدمة الثانية، إذاً هذه المقدمات فاسدة، في غير موضع من كتبه، وقد بُسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وسيأتي إن شاء الله مزيد إيضاح وبيان في هذا الكتاب وشرحه، نسأل الله التيسير والتوفيق والسداد والصواب، وأن يكون عملنا وعلمنا ذواتاً خالصةً متقبلة، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

هذا أحد الدروس العلمية في شرح كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله «الصفات الاختيارية»، قال رحمنا الله وإياه: (وقولهم: إنما عرفنا حدوث العالم بهذه الطريق) ما هو الطريق هذا؟، ( وبه أثبتنا الصانع)، الصانع يريدون الله سبحانه وتعالى، الخالق، وهذه، ولفظ الصانع لفظ مُحدث، لم يرد في الكتاب ولا في السنة، لا في كلام الله ولا في كلام الرسول ، إذاً على مخالفتهم للكتاب في الألفاظ والمعاني، ويعنون بهذه الطريق: هي حلول الحوادث، ذكرنا سابقاً أن المتكلمة عباقرة في اللغة، علماء في لغة العرب، وأرادوا بهذه الألفاظ تمرير أفكارهم الضالة، بمصطلحات وعبارات مجملة فيها غموض، لتمرير باطلهم، من هذه العبارات "حلول الحوادث"، مصطلح " حلول الحوادث" يتكون من حلول، أي: جسمٌ حلَّ في جسمٍ آخر، وكلمة الحوادث، جمع حادث، وهو المخلوق المسبوق بالعدم، ومن تكلم عن الحدوث وأنواعه، قالوا: هناك حدوث ذاتي وحدوث زماني، الحدوث الذاتي: هو كون الشيء مفتقر في وجوده إلى الغير، سواء في إيجاده أو بعد إيجاده، والحدوث الزماني: هو كون هذا الشيء مسبوقاً بالعدم، ما هو معنى" حلول الحوادث" بالله -تَعَالَى وتَقَدَّس-؟ يقصد أهل الكلام قيام هذه الحوادث في الله، ووجودها في ذاتة، تعالى الله وتقدس، وما يريدون بهذه العبارة" حلول الحوادث" يريدون تعطيل الله ونفي اتصاف الله بالصفات الفعلية الاختيارية، وتعطيلها عنه، وهي الصفات المتعلقة بالمشيئة، يفعل متى شاء كيف شاء، مثل: المجيء والنزول، والاستواء والضحك، والعَجَب والفرَح، ينفون جميع الصفات الفعلية الاختيارية، وهذه الشبهة العقلية الفاسدة، وهي أن قيام تلك الصفات بالله يعني قيام الحوادث فيه، أي: أنها تقوم هذه الأشياء المخلوقة في الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، وإذا قامت به أصبح جسمٌ حادث بعد أن لم يكن، كما يعني ذلك: أن تكون المخلوقات حالةٌ فيه، وهذا ممتنع، أي: لا يمكن، هذه هي شبهتهم، أهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح ردوا عليهم، وبينوا فساد شبهتهم، لأمور:

أولاً: إن هذا الإطلاق، وهي عبارة حلول الحوادث، لم يرد  في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله ، لا نفياً وإثباتاً.

ثانياً: أنه لا يُوجد هذا اللفظ معروفاً عند سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ثم قالوا تنزلاً: ماذا تعنون بعبارة" حلول الحوادث" يستفصلون عن معنى هذه العبارة، فإن كانت هذه العبارة حق قُبلت، كيف حق؟ إن كنتم تريدون بنفي حلول الحوادث بالله، أن لا يحل بذاته المقدسة شيءٌ من مخلوقاته، فهذا النفي صحيح، الله عز وجل ليس محلاً لمخلوقاته، وليست موجودةً فيه، وإن أردتم بحلول الحوادث، أفعاله الاختيارية التي يفعلها متى شاء كيف يشاء، كالنزول والمجيء، والاستواء والرضى والغضب، ونحو ذلك، فهذا النفي باطلٌ مردود، ثم يُقال لهؤلاء النُفاة المُعطلة، هذه الصفات التي أردتم نفيها هي ثابتة في الكتاب والسنة، وعليها إجماع السلف من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، يثبتون هذه الصفات على الوجه اللائق بربهم، يثبتون المعنى ويُفَّوضون الكيف، من غير تمثيل، ولا تعطيل، ولا تحريف، ولا تكييف، ولا تأويلٌ باطل، ثم إن مُثبت هذه الصفات، هو في الحقيقة مؤمن مُصدق مُسلم ومُثبت لما أثبته الله لنفسه أو على لسان رسول ، وشبهاتهم هذه يقولون: إن العالم إما جوهر أو عَرَض، جوهر: يعني: جسم أو جسد، والعَرَض: كالفرح والغضب، يعني الأشياء المعنوية التي لا تُرى، قدل يستدل على إثبات الصانع بكل واحدٍ منهما، إما بإمكانه أو بحدوثه، الإمكان هو الحدوث، هذه عندهم اسمه: دليل الأعرَاض والأجسام، وقالوا: إن العالم مؤلفة من أجزاء حادثة، والمُؤلف من أجزاء حادثة حادث، والحادث جائز الوجود، يعني إنه مخلوق، إذ يجوز تقديره عدماً قبل الوجود، فلما اختص العالم بالوجود الممكن- يعني: المخلوق، أنه مخلوق- بدلاً عن العدم الجائز، يعني: ليس عدماً، احتاج إلى مُوجد، وافتقر إلى صانع، وهو الله تعالى، هذا شبهتهم، باردة، ودليلٌ عقليٌ فاسدٌ كاسد، المتأمل لحال المتكلمة تأثرهم بالفلاسفة، كما سيأتي ذكره من قِبَل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، تجدهم فيهم نوع إلحاد، إنكار وجود الله تعالى الله وتقدس، يحاولون إلغاء أو الشك بإيجاد أدلة عقلية فاسدة على إثبات الرب، إثبات الرب -تَعَالَى وتَقَدَّس-، موجود لم يخالف في ذلك حتى كفار قريش، الكفار السابقون لم ينكروا وجود الله سبحانه وتعالى، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان:25]. توحيد الربوبية يُثبتونه، هؤلاء عندهم شك في توحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية وإثبات وجود الله تبارك وتعالى من حيث هو موجود، لم يكن هذا من أهداف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لهذا قالت الرسل عليهم الصلاة والسلام لقومها: ﴿أفي الله شك﴾، أشار القرآن إلى دلائل هذا الأمر، فأقام الله عز وجل من الدلائل الباهرة، والبراهين القاطعة ما يُبهر العقول، ويُقود القلوب إلى التسليم والانقياد، فكل شيءٍ يدل على وجود الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، إذ ما من شيء إلا وهو أثر من آثار قدرته سبحانه وتعالى، وما ثمَّ إلا خالقٌ ومخلوق، والمخلوق يدل على خالقه فطرةً وبداهة، إذ ما من أثر إلا وله مؤثر، كما اشتهر عن الأعرابي الذي سُئل، كيف عرفت ربك؟ فقال: بفطرتي السليمة، البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فجاج، وجبالٌ وبحار، أفلا تدل على السميع البصير، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين»، (المجلد1/ ص60): سمعت شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كيف يُطلب الدليل على من هو دليلٌ على كل شيء، وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت:

وليس يصح في الأذهانٌ شيءٌ     إذا احتاج النهار إلى دليل

ومعلوم أن وجود الرب تعالى أظهر للعقول والفِطَر، من وجود النهار، ومن لم يرى ذلك في عقله وفطرته، فليتهمهما. يقول شيخ الإسلام رحمه الله في «نقض التأسيس»: الإقرار بالصانع فطري- قوله الصانع ليس إثباتٌ له، بل تنزلاً مع هؤلاء المُتكلمة، وإخبار، وليس وصفاً ولا إسماً لله -تَعَالَى وتَقَدَّس-- الإقرار بالصانع فطري، ضروري بديهي لا يجب أن يتوقف على النظر والاستدلال، بل قد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن معرفة الله والإقرار به، لا يقف على هذه الطُرق التي ذكرها أهل طريقة النظر، ثم قال رحمه الله: إن هذا الدليل لم يستدل به أحدٌ من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين رحمهم الله، ولا من أئمة المسلمين رحمهم الله، فلو كانت معرفة الرب عز وجل والإيمان موقوفة عليه، للزم أنهم كانوا غير عارفين بالله، ولا مؤمنين به، وهذا من أعظم الكفر باتفاق المسلمين، بل إن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام لم يأمروا واحداً بسلوك هذا السبيل، فلو كانت المعرفة موقوفة عليه وهي واجبة، لكان واجباً، وإن كانت مستحبة كان مستحباً، ولو كان واجباً ومستحباً لشرعه رسول الله ، ولو كان مشروعاً لنقلته الصحابة رضي الله عنهم، ﴿أفي الله شك﴾، عندهم شك في الله أعوذ بالله، ثم قال رحمه الله: (فيُقال لهم: لا جرم ابتدعتم طريقاً لا يُوافق السمع)، يعني: لا يوافق ما سُمع من كلام الله، أو من سنة رسول الله ، (ولا العقل السليم، فالعالمون بالشرع كلهم، معترفون أنكم مبتدعون، مُحدِثون في الإسلام ما ليس منه، والذين يعقلون ما يقولون يعلمون أن العقل يناقض ما قلتم)، أي: كلامهم هذا يخالف الشرع المنزل، والعقل الصحيح الصريح، وهذه سفاهة، نسأل الله السلامة، (وإنما جعلتموه دليلاً على إثبات الصانع، لا يدل على إثباته، بل هو استدلالٌ على نفي الصانع)، هذا قلب الدليل، قلب الدليل حجة عليهم، قال: أنتم مرادكم بهذه الطرقة هي إنكار وجود الله، تعالى الله وتقدس، فكيف إذا كنتم فعلاً لا تنكرون وجود الله، آمنوا بكلام الله سبحانه، وبكلام رسوله ، ومن ذلك الإيمان بالأسماء والصفات التي وردت في كلام الله وفي سنة الرسول ، ثم قال رحمه الله: (وإثبات الصانع حق)، يعني: إثبات وجود الله سبحانه وتعالى حق، (وهذا الحق يلزم من ثبوته إبطال استدلاله)، إثبات ربوبية الله، وإثبات وجود الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، يلزم من الإيمان بالله، لا بد من إبطال استدلاكم، بأن لم يخلُ من الحوداث فهو حادث، كما ذكرنا سابقاً، يعني من سَلِمَ من الحوادث، بأن من لم يخلُ منم الحوادث وهو حادث، يعني حتى إثبات إلههم هذا يصفونه بالحدوث، وهذا أدلة العقل، وقبل ذلك أدلة الشرع تُثبت بطلان كلامهم، وتُثبت شبهتهم الداحضة، وأما كون طريقكم مُبتدعة، ما سلكها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا اتباعهم، ولا سلف الأمة، (فلأن كل من يعرف ما جاء به الرسول ، وإن كانت معرفته متوسطة)، يعني: ما هو ذاك العلم، ( لم يصل في ذلك إلى الغاية)، يعني معرفة الله، يعلم أن الرسول لم يدعُ الناس في معرفة الصانع وتوحيده وصدق رسوله ، بثبوت الأعراض، الأعراض: الأجسام، وأن الأجسام حادثة، وأن الحدوث لازم للأجسام، وما لم يكن من الحوادث فهو حادث، لامتناع حوادث لا أول لها، يعني وجود حوادث أزلية، بل هي حادثة، بل يُعلم بالاضطرار لم يتكلم بها الرسول ، ولا دعا إليها أصحابة رضي الله عنهم، ولا أصحابه رضي الله عنه تكلموا بها، ولا دعوا بها الناس، يعني لم ترد في كلام الله سبحانه وتعالى هذه الطريقة، لم ترد في سنة الرسول ، لم ترد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، أو أحدٌ من التابعين، هذه ...بطلانها، ثم قال رحمه الله: (وهذا يُوجب العلم الضروري من دين الرسول ، بأنه عند الرسول والمؤمنين به، أن الله يُعرف ويعرف توحيده وصدق رسله، بغير هذه الطريق، فدل الشرع دلالة ضرورية على أنه لا حاجة إلى هذه الطريق، ودل ما فيها من مخالفة نصوص الكتاب والسنة، على أنها طريقٌ باطلة، فدل الشرع على أنه لا حاجة إليها، وأنها باطلة)، أول دلالة الشرع الضرورية: أنه لا حاجة لهذه الطريقة، دل الشرع من كلام ومن سنة رسوله ، أن هذه الطريقة مخالفة لكلام الله وسنة الرسول ، وعلى أنها طريقةٌ باطلة، دل الشرع على أن هذه الطريقة لا حاجة إليها، وأنها باطلة، ثم قال رحمه الله: (وأما العقل..)، يعني: الحُجج العقلية التي تُثبت فساد طريقة المُتكلمين هذه، (فقد بُسط القول في جميع ما قيل فيها في غير هذا الموضع)، أو في غير هذه المواضع، وبين أن أئمة أصحابها قد يعترفون بفسادها من جهة العقل، كما يُوجد في كلام أبي حامد الغزالي، والرازي، وهما من كبار الكلابية، الأشاعرة، أثبتوا فساد هذه الشبهة العقلية، (وغيرهما بيان فسادها، ولما ظهر فسادها للعقل، تسلط الفلاسفة على سالكيها)، لأن المُتكلمة هؤلاء تأثروا بفلاسفة اليونان، وهم ملاحدة الفلاسفة، (وظنت الفلاسفة أنهم إذا قدحوا فيها فقد قدحوا في دلالة الشرع)، ظناً منهم أن الشرع جاء بموجبها، يعني جاء مؤكداً لهذه الطريقة، إذ كانوا أجهل بالشرع والعقل من سالكيها، لأن المنطق أو علم الكلام لا يحتاجه العاقل الذكي، ولا ينفعه، ولا ينفع الغبي، (فسالكو هذه الحج العقلية الفاسدة لا للإسلام نصروا)، ما فيها انتصار للرسول ، للإسلام، لدين الله، انتصاراً للرسول ، نصرٌ لنهج السلف الصالح، لا، (ولا لأعدائه كسروا، بل سلطوا الفلاسفة عليهم، وهذا كله مبسوط في مواضع)، كيف سلطوا الفلاسفة؟ تذكرون حادثة خلق القرآن في عهد المأمون، هذه بدايتها من الفلاسفة، إثبات أن القرآن مخلوق، وإنه حادث، فما كان حادث فهو حادث، وكل هذه الكلام من الملاحدة الفلاسفة، فتأثروا فيهم هؤلاء المتكلمين، وأهل السنة عندهم كلام الله، الوحي المُنزَّل، عندهم العقل السليم، ليسوا بحاجة إلى كلام ملاحدة وفلاسفة، كلامهم باطل، لا يوافق عقلاً صحيحاً سليم، ويخالف كلام وكلام الرسول ، ثم قال رحمه الله: (وإنما المقصود هنا أن يُعرف أن نفسهم للصفات الاختيارية، التي يُسمونها" حلول الحوادث" ليس لهم دليل عقلي عليه، وحُذَّاقهم)، أي: عارفيهم، وعباقرتهم، وكبارهم ورموزهم يعترفون بذلك، (وأما السمع-يعني أدلة الكتاب والسنة-فلا ريب أنه مملوءٌ بما يناقضه- يبطل حجتهم حلول الحوادث- والعقيل أيضاً)، كذلك يدل نقيضه من وجوه نبهنا على بعضها، وسيأتي إن شاء الله في بقية الشرح، وفي غيره من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب أهل العلم، (ولما لم يكن مع  أصحابها حجةٌ لا عقلية، ولا سمعية، من الكتاب والسنة، احتال متأخريهم، فسلكوا طريقاً سمعية، ظنوا أنها تنفهم، فقالوا هذه الصفات، إن كانت صفات نقض، وجب تنزيه الرب عنه، وإن كانت صفات كمال، فقد كان فاقدٌ لها قبل حدوثها، وعدم الكمال نقص، فيلزم أن يكون كان ناقصاً، وتنزيه عن النقص واجباً بالإجماع)، الصفات إن كانت صفات نقص، وجب تنزيه الرب عنه، -تَعَالَى وتَقَدَّس-، هل ما أثبته الله وأثبته له رسوله فيها نقص؟ بل كمالٌ مُطلق، تعالى الله وتقدس، هذه نظير قول اليهود: ﴿يد الله مغلولة﴾، (إن كانت صفات نقص وجب تنزيه الرب عنها، -تَعَالَى وتَقَدَّس-، فلا يذكر الله عن نفسه، ولا يذكر عنه الرسول إلا الصفات، إلا أسمائه الحسنى وصفاته العُلا، وله الكمال المُطلق من كل وجه، على ما يليق بربنا تعالى الله وتقدس، وإن كانت صفات كمال فقد كان فاقداً لها قبل حدوثها، وهذا باطل أيضاً) لأن ما أتى في القرآن الكريم وفي السنة من أسماء وصفات لا يعلمها البشر، لأنهم لا يعلمون ذات الله إلا بخبرٍ عن الله وعن رسوله ، ثم قال رحمه الله: (الرد على حجة النفاة وذلك من وجوه- يعني المعطلة الجهمية-:

أحدها: أن هؤلاء يقولون: نفي النقص عنه لم يُعمل بالعقل، وإنما عُلم بالإجماع، وعليه اعتمدوا في نفي النقص هنا، فيعود الامر إلى احتجاجهم الإجماع، ومعلوم أن الإجماع لا يُحتج به في موارد النزاع، فإن المنازع الخصم، لهم يقول: أنا لم أوافقكم على هذا المعنى-كما ذكرنا سابقاً- وإن وافقتكم على إطلاق القول بأن الله منزه عن النقص، فهذا المعنى عندي ليس بنقص- هذه الصفات ليس فيها نقص-ولم يدخل فيما سلمته لكم، فإن بينتم بالعقل أو بالسمع انتفائه، وإلا فاحتجاجكم بقولي مع أني لم أرد ذلك كذبٌ علي، فإنكم تحتجون بالإجماع، وطائفة من أهل الإجماع وهم لم يسلموا هذا)، ثم قال رحمه الله: (أن يُقال لا نُسلم أن عدم هذه الأمور قبل وجودها نقص، بل لو وُجدت قبل وجودها لكانت نقصاً، مثال ذلك: تكليم الله لموسى عليه السلام، ونجاؤه له، فنداؤه حين ناداه صفة كمال، ولو ناداه قبل أن يجيء لكان ذلك نقصاً، فكلٌ منها كمال حين وجوده، ليس بكمال قبل وجوده، بل وجوده قبل الوقت التي تقتضي الحكمة وجوده فيه نقص)، هذا الوجه الثاني من الردود على النُفاة المُعطلة، ثم يجيء إن شاء الإيضاح لما سبق، وإيضاحٌ للرد الثالث، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

هنا مسألة أحببنا إيراد كلام الشيخ ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه «ذم التأويل»، قال رحمه الله: لقد أنكر أهل العلم رحمهم الله على المُتكلمين سلوكهم هذه المسالك المُعقدة، فوسوموهم بالبدعة والضلالة، وبيان فساد طريقتهم عقلاً، وتحريمها شرعاً، وأقول أهل العلم رحمهم الله في بيان عِظَم خطر هذه الطريقة وصعوبتها كثيرة، ومن ذلك إجابة أبي حنيفة حينما سأله السائل عن ما أحدثه الناس في الكلام في الأعراض والأجسام، كما مر، الأعرض كما قلنا: البرد، والحر، والغضب، والفرح، والرضى، والأجسام، الأجسام معروفة، فقال مقالة الفلاسفة، يعني إن هذا أتى منه الفلاسفة الملاحدة، عليك بالأثر، يعني: عليك قال الله قال الرسول ، وطريقة السلف، طريقة الرسول وصحابته رضي الله عنهم، وإياك وكل مُحدثة، فإنها بدعة. انتهى كلامه، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله صحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإكمالاً لشرح كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله «الصفات الاختيارية»، وقفنا على إيضاح الرد على حجج النُفاة من وجوه، قالوا: إن الصفات إن كانت صفات نقص وجب تنزيه الرب عنه، هذا محل اتفاق، يعني إجماع، وإن كانت صفات كمال، فقد فاقداً لها قبل حدوثها، وعدم الكمال نقص، يعني: السميع، البصير، وكذلك السمع والبصر والكمال، هم في طريقتهم هذه يمنعون ويُعطلون الصفات الفعلية الاختيارية، المتعلقة بقدرة الله ومشيئته، يقولون: كان فاقداً لها، يسمع يُبصر، وهذه صفات ذاتية لازمة لا تنفك عنه بوجهٍ من الوجوه، لكن تجددها وحدوث آحادها، وتعلقها بالمشيئة تكون فعليةٌ اختيارية، هم يقولون مثلاً: الكلام، كلام الله لموسى، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة:30] . هم يمنعون هذه الصفات الاختيارية، لأنها حادثة، واتصف  فيها بعد أن لم يكن متصفاً فيها، هكذا، فيلزم أن يكون ناقصاً وتنزيه عن النقص واجب، بالإجماع،

هم ما بين من ينفي الصفات، كل الصفات، سواء الذاتية أو الفعلية الاختيارية، فالرد هنا على من ينفي الصفات الفعلية الاختيارية المُتعلقة بالمشيئة، وهو ردٌ عام على جميع الطوائف والمُعطلة الجهمية، هذه حجتهم، قال شيخ الإسلام: (وهذه الحجة من أفسد الحُجج، وذلك من وجوه:

أحدها: أن هؤلاء يقولون: نفي النقص عنه لم يُعلم بالعقل، وإنما عُلم بالإجماع)، ما هو الإجماع؟ قولهم: أن تنزيه الله عن النقص واجب بالإجماع، هذا كلام صحيح، وعليه يعتمد في نفي النقص هنا، فإذا كان إجماع فلذا انفوا النقص، وامنعوا النقص، يعني: امنعوا الصفات الاختيارية لله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، الآن لا يستخدمون العقل؛ لأن العقل الصحيح السليم ضدهم، لكنهم احتجوا بالإجماع، هذا الإجماع باطل لأمور، أولاً: الإجماع لا يُحتج به في موارد النزاع، الآن المسألة فيها خلاق، فكيف تكون بالإجماع؟ هذا كلام باطل، الأمر الثاني: من نازعهم يقول: أنا لم أوافقكم على نفي هذا المعنى، ما هو هذا المعنى؟ أنا لا أوافق على نفي الصفات الاختيارية لله الثابتة في الكتاب والسنة، كالاستواء، والنزول، والمجيء، من قال إنا ننفي هذه الصفات الثابتة له ونرد خير الله؟! هذا كلام الذي أتيتم فيه كلام غير صحيح، نحن لا نوافقكم فيه، والمسألة ليس فيها إجماع، فإن بينتم في العقل، يعني هاتوا العقل الصحيح الذي يدل على صحة ما ذهبتم إليه، لا يوجد عقل، هم قالوا إجماع، الإجماع هذا غير صحيح، هم قالوا الله منزه عن النقص، هذا إجماع بين المسلمين، صحيح، لكنهم في عبارتهم هم من نقضوا الإجماع هذا، لأنهم ردوا الصفات الاختيارية: الاستواء، والنزول، والمجيء، والسمع، والبصر، والكلام، ردوه، هم من نقضوا الإجماع، من أجل تمرير باطلهم، وقولهم: نفي النقص عن الله ثابت بالإجماع، هذه كلمة حق أُريد بها باطل، أريد تمرير باطلهم، وهو نفي الصفات الاختيارية الثابتة في الكتاب والسنة، هاتوا السمع يؤيد كلامهم، لا العقل السليم ولا السمع، يعني المسموع من كلام الله وسنة رسول الله ، لا يؤيد ما ذهبوا إليه، بل خلافه، فاحتجاجكم بقولي مع أني لم أرد ذلك كذبٌ علي، فإنكم تحتجون بالإجماع، والطائفة المُثبتة، طائفة أهل السنة والجماعة،  من أهل الإجماع، وهم لم يسلموا هذا لكم، بل الإجماع خلاف ما ذهبوا إليه هؤلاء المُعطلة الجهمية، ولا عبرة بمخالفتهم، لشذوذ فكرهم، المسألة الثانية: أن يُقال لا نُسلم أن عدم هذه الأمور قبل وجودها نقص، يعني: لا نقر ولا نعترف أن هذه الأمور، يعني: الصفات الاختيارية، لم تكن نقص قبل وجوده، بل أنها لو حصلت قبل وجود وقتها، هذه النقص، ثم ذكر شيخ الإسلام مثالاً لذلك، تكليم الله موسى عليه السلام ونداؤه له، فنداء الله لموسى عليه الصلاة والسلام صفة كمال، هذا ثابت في الكتاب والسنة والإجماع، فالكلام من حيث هو صفة ذاتية أزلية، ومن حيث تجدد وقوعه وحدوث آحاده وتعلقه بالمشيئة، وقدرة الله هذا فعلية اختيارية، ولو ناداه قبل أن يجيء، هذا من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تَنَزُل، هو لا يرضى أقوالهم، لكن تنزلاً على أساس إفساد حجتهم العقلية، يقول: لو قلنا إن هذه الصفات فُعلت قبل وقتها التي حصلت فيه، كان هذا هو النقص، لكن حينما حصلت في وقتها الذي قضاه الله وقدره، هذا كمال، وهذه ما تقتضيه حكمة الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، وحصول قبل الوقت التي تقتضيه الحكمة هذا نقص، يُنزه الله عنه، الثالث من الحُجج على مقالتهم هذه، يقول شيخ الإسلام: (أن يُقال لا نُسلم أن عدم ذلك نقص، فإنما كان حادثاً امتنع أن يكون قديماً، وما كان ممتنعاً لم يكن عدمه نقصاً، لأن النقص: فوات ما يمكن من صفات الكمال)، قوله: (لا نُسلم أن عدم ذلك نقص)، يقول: نحن لا نقر ولا نعترف أن هذا نقص، فإنما كان حادثاً، أي: حصل حديثاً امتنع أن يكون قديماً، هذا في العقل، كلام الله لموسى وقع في حينه، وكلامه لملائكته، وقع في حينه، وإنزاله لكلام الله المنزل غير مخلوق على النبي حديثاً، واتصاف الله بصفة الكلام وصفٌ أزلي لازم لذات الله، وهي صفة كمال، وإذا كان ممتنع، يعني هذا الذي حصل من كلام الله لموسى، لم يكن عدمه نقص، فالله يسمع ويُبصر ويتكلم بما شاء، متى شاء، مع اتصافه بهذه الصفات ذاتاً أزلية، لذاته أزلاً، وهي لازمة للذات، ففوات هذه الصفة نقص، وسمعه وبصره وكلامه متى شاء بما شاء، كيف شاء على ما يليق بجلال ربنا -تَعَالَى وتَقَدَّس-، هذا كمال، ليس فيه نقص بوجهٍ من الوجوه، وهذا مراد شيخ الإسلام، يقول: (لأن النقص: فوات ما يمكن من صفات الكمال)، الرابع: أن هذا يرد في كل ما فعله الرب وخلقه، فيُقال خلق هذا إن كان نقصاً، فقد اتصف بالنقص، وإن كان كمالاً، فقد كان فاقداً له، العلة الرابعة، أو السبب الرابع لفساد شبهة النُفاة المُعطلة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الرابع: أن هذا يرد في كل ما فعله الرب وخلقه)، المُعطلة الجهمية يقولون: بحدوث الحوادث، بواسطة علة موجبة قديمة، أو علة فاعلة قديمة، فمثلاً عندهم الفلك قديم، بسبب علة موجبة، والعلة الفاعلة تكون مؤثرة بالمعلول موجدةً له، هكذا يقولون، العلة المُوجبة: هي التي تسبق المعلول، وإذا وُجدت وجب وجود معلولها، فهم يثبتون أفعالٌ للرب، لكن بدون فاعل، أو العلة الموجبة هي من قامت بهذا الأمر، هذا تعطيل لأفعال الله وخلقه، فيُقال هذه الأفعال وهذا الخلق، يعني تنزلاً مع توجهم الفكري الفاسد، يُقال: هذه الأفعال وهذا الخلق، إن كان نقص فقد اتصف بالنقص، وإن كان كمال فقد كان فاقداً لها، لبعد فعلها، فإن قلتم، هم الآن يعترضون، لأن الخلق وفعل الله، هو ما يقوم به الرب في قضائه وقدره، كلها أفعال لله، والتفريق بينها لا وجه له، فهم يقولون كما قال شيخ الإسلام: (فإن قلتم صفات الأفعال عندنا ليست بنقصٍ ولا كمال)، يقولون هم يحتجون: لا هذا النوع من الفعل والخلق، ليس فيه نقص، ولا كمال، هكذا يقولون، قيل: هذا رد من شيخ الإسلام إذا قلتم ذلك أمكن المنازع، أي: من يرد عليكم أن يقول هذه الحوادث ليست بنقصٍ ولا كمال.

الوجه الخامس من فساد شبهة النُفاة المُعطلة أن يُقال: إذا عُرض على العقيل الصريح ذاتٌ يمكنها أن تتكلم بقدرتها، وتفعل ما تشاء بنفسها، وذاتٌ لا يمكنها أن تتكلم بمشئتها، ولا تتصرف بنفسها البتة، بل هي بمنزلة الزِمن، الذي لا يمكنه فعلٌ يقوم به باختياره، قضى العقل الصريح بأن هذه الذات أكمل، وحينئذٍ فأنتم الذين وصفتم الرب بصفة النقص، والكمال باتصافه بهذه الصفات، لا في نفي اتصافه بها)، فمعنى القول الخامس: إذا عُرض على العقل الصريح، يعني: هناك رجلين أمامك، رجلٌ يتكلم بقدرته، ويفعل ما يشاء بنفسه، ورجلٌ أصم أبكم، ولا يتكلم ولا يتصرف بنفسه، فهو بمنزلة الزَمِن، الرجل المريض، ومنه يقال: الأمراض المُزمنة، يعني الأمراض التي تقعده عن مثلاً الكلام، أو السمع أو البصر، هل هذا المريض مثل هذا الصحيح؟ الجواب: لا، حينئذٍ يدل العقل السليم بأن هذه الذات أكمل، هذا الرجل أكمل، وحينئذٍ فأنتم الذين وصفتم الرب بصفة النقص، بتعطيل أسماء الله وصفاته المستحقة الثابتة له في الكتاب والسنة، والكمال يكون باتصافه بهذه الصفات، لا في الصفات عنه، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين»: العاشر: أن يُقال أنه تعالى أحدث أشياء بعد أن لم يكن مُحدثاً لها، كالحوادث المشهودة، حتى إن القائلين بكون الفلك قديماً عن علة موجبة، العلة الموجبة: هي التي تسبق المعلول، وإذا وُجدت وجب وجود معلولها، يقولون إن إنما يُحدث الحوادث بواسطته، وحينئذ فنقول هذه الأحداث، أو هذه الأمور غير واضحة، إما أن يكون صفة كمال وإما أن لا يكون، فإن كان صفة كمال فقد كان فاقداً له قبل ذلك، وإن لم يكن صفة كمال فقد اتصف بالنقص، هذه ردود عليهم، (فإن قلت، نحن نقول ليس بصفة كمال ولا نقص، قيل: فهل قلتم ذلك في التعليل، وأيضاً فهذا محال في حق الرب -تَعَالَى وتَقَدَّس-، فإن كل ما يفعله يستحق عليه الحمد، وكلما يقوم من صفاته فهو صفة كمال، وضده نقص، وقد يُنازع النظار ف الفاعلية، هل هي صفة كمال أم لا؟ وجمهور المسلمين من جميع الفِرَق يقولون: هي صفة كمال، وقالت طائفة: ليست صفة كمال ولا نقص، وهذا قول أكثر الأشعرية، فإذا أُلتزم له هذا القول، قيل له الجواب من وجهين، أحدهما أن من المعلوم تصريح العقل، أن من يخلق أكمل مما لا يخلق، كما قال تعالى:  ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:17] . وهذا استفهام إنكار، يتضمن الإنكار على من سوَّى بين الأمرين، يعلم أن أحدهما أكمل من الآخر قطعاً، ولا ريب، أن تفضيل من يخلق على من لا يخلق، في الفِطَر والعقول كتفضيل من يعلم على من لا يعلم، ومن يقدر على من لا يقدر، ومن يسمع ويُبصر على من لا يسمع ولا يُبصر، ولما كان هذا مستقراً في فِطَر بني آدم جعله الله تعالى من آلة توحيده وحججه على عباده، قال تعالى:  ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل:75-76]. وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9].

 وقال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ  * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ *  وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ  * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ ﴾ [فاطر:19-22]. وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [هود:24] .فمن سوَّى بين صفة الخالقية وعدمها، فلم يوجدها كمالاً، ولا عدمها نقصاً، فقد أبطل حُجج الله وأدلة توحيده، وسوَّى بين ما جعل بينهما أعظم التفاوت، فحينئذٍ فنقول في الجواب: إذا كان الأمر كما ذكرتم، فَلِمَ لا يجوز أن يفعل لحكمة؟)، هم أبطلوا هؤلاء المعطلة الجهمية خاصةً الكلابية، إبطالهم للصفات الاختيارية أبطلوا الحكمة، ثم قالوا بالجبر، [سقط في التسجيل]، هذا ما تيسر شرحه والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه، وسلم تسليماً كثيراً.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلِم تسليماً كثيراً:

فهذا من دروس شرح كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله «الصفات الاختيارية»، وفي هذا الدرس نُكمل ما ذكره رحمه الله من أدلة على حجة المُعطلة النُفاة، وقفنا على الدليل السادس، قال رحمه الله: (السادس: أن يُقال الحوادث التي يمتنع كون كلٍ منها أزلية، ولا يمكن وجودها إلا شيئاً فشيئاً)، يعني تنزهاً وتنزلاً من عبارات أهل الكلام، في هذه الحجة العقلية، يقول لهم: أن الصفات الاختيارية من: استواء، ومجيء، وإتيان، ورضا، وغضب، وفرح، ونحوها التي أتت في الكتاب والسنة، التي يمتنع عقلاً، ودل السمع على حُدوثه، ﴿الرحمن على العرش استوى﴾، ﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها﴾، ونحوها من الصفات التي ثبتت في الكتاب والسنة، تجدد وقوعها، يقول: لا يمكن وجودها إلا شيئاً فشيئا، إذا قيل أيهما أكمل؟ أيقدر على فعلها شيئاً فشيئاً، أو لا يقدر على ذلك، بل الأكمل على ذلك أن يفعلها شيئاً فشيئاً، قال شيخ الإسلام: (كان معلوماً بصريح العقل أن القادر على فعلها شيئاً فشيئاً أكمل ممن لا يقدر على ذلك)، وأنتم تقولون أن الرب لا يقدر على شيءٍ من هذه الأمور، وتقولون إنه يقدر على أمور مباينةٍ له، يعني: منفصلة عنه، مثل: خلق الخلق، وخلق الفلك، فكيف تمنعون أمور متصلة به، كيف الكلام هذا؟ أنتم أثبتم أن الله يخلق، وأن هناك خلقٌ من خلقه، وكلهم خلقه، فإذا أحدث أمور منفصلة عنه كالخلق، دل على أن قدرة القادر على فعله المتصل به، قبل قدرته على أمور مباينةً له، فدل على الأولى والأصوب، والصحيح أن الأمور المتصلة به مثل: استوائه، ونزوله، أولى عقلاً، فإذا قلتم لا يقدر على فعلٍ متصلٍ به، لزم أن لا يقدر على المنفصل، ثم نتيجةً لهذا، فلزم على قولكم أن لا يقدر على شيء، يعني على كلامكم لهذا الله لا يقدر على شيء، تعالى الله وتقدس، ولا أن يفعل شيئاً، ثم يحصل لازم آخر، فلزم أن لا يكون خالقاً لشيء، وهذا لازمٌ للنُفاة، لا مُحيد لهم عنه، هذا إلزام عقلي، على صحة إثبات الصفات الاختيارية الفعلية لله تعالى، ولهذا قيل: الطريق التي سلكوها في حدوث العالم وإثبات الصانع، تُناقض حدوث العالم وإثبات الصانع، ولا يصح القول بحدوث العالم وإثبات الصانع، إلا بإبطالها لا بإثباتها، حلول الحوادث، يقولون: حلول الحوادث منعنا لاتصاف الله به، يدل على إثبات الصانع، يعني يجعلون الصفات الفعلية الاختيارية كما مثلنا ونُمثل النزول، الاستواء، المجيء، ونحوها، والسمع والبصر والكلام، يقولون نمنع حلول هذه الحوادث لله، لأنه إذا حلَّت فيه ووُجدت فيه فهو جسم، والجسم مخلوق، فإذاً هو حادث، قال لهم أهل العلم بالكتاب والسنة: كلامكم هذا تناقض، أنتم جعلتم هذه المسألة إن فيها حدوث العالم، وإثباتٌ للصانع، نحن تأتي بالصانع كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وصفة الإخبار أوسع من صفة أن يُسمَ الله أو أن يُوصف الله بها، فمثل ذلك: الصانع، تناقض حدوث العالم، وإثباته، ولا يصح القول بحدوث العالم، وإثبات الصانع، إلا بإبطال نظريتكم هذه، نظرية باطلة، لا بإثباتها، فكأنما اعتمدوا عليه من أدلة عقلية فاسدة، وجعلوه أصولاً للدين، ودليلاً عليه، هو في نفسه باطل شرعاً وعقلاً، يعني: كلام الله وكلام الرسول يُبطل نظريتهم هذه، العقل الصحيح، يُبطل نظريتهم هذه، وهو مُناقضٌ للدين، ومنافيٌ له، يعني ضد الدين، وينافيه، كما أنه مناقضٌ للعقل السليم، ليست عقولهم المنحرفة، ومنافي له، وينافي ذلك العقل، ولهذا كان السلف والأئمة يعيبون كلامهم هذا ويذمونه ويقولون: من طلب العلم بالكلام تزندق، زندق: لعلها كلمة فارسية بمعنى الالحاد، هذا الكلام يُنسب لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهم الله، ويُروى عن الإمام مالك رحمه الله، ويقول الشافعي رحمه الله: حكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد والنعال، ويُطاف بهم بالعشائر، ويُقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام، وقال الإمام أحمد بن حنبل: علما الكلام زنادقة: أي: ملاحدة، وما ارتدى أحدٌ في الكلام فأفلح، يعني: من لبس هذا العلم لم يُفلح-نسأل الله السلامة- وقد صدق الأئمة في ذلك، لأنهم يبنون أمرهم على كلامٍ مُجمل، وقد صدَقَ الأئمة في ذلك، فإنهم، أي: علماء الكلام، يبنون أمرهم، يعني: عقيدتهم، على كلامٍ مُجمل، فيه غموض، والكلام المُجمل الذي لا يتضح معناه، بل لا بد له من بيان، المُجمل ضد المُبين، المفصل الواضح، بل كلامهم فيه غُموض، يحتمل حق ويحتمل باطل، وهم أرادوا باطل في إطلاق كلامهم المُجمل يروج، أي: ينتشر، أو يشيع، على من لم يعرف حقيقته، يعني: حقيقة دعوة المُتكلمة هي الإلحاد والزندقة، فإذا أعتقد أن حقن يعني: إذا أعتقدوا أن كلامهم هذا حق، تبين أنه مُناقض للكتاب والسنة، فيبقى في قلبهم مرضٌ ونفاقٌ وريبٌ وشك، بل طعنَ بما جاء فيه الرسول ، وهذه الزندقة، يعني: هذا الكفر، هذا الإلحاد، والزندقة كما مر كلمة فارسية، انتشرت في العصر العباسي، بسبب مقاربة العرب للفرس، وهي من ينكر الدين وينكر الآخرة، أو من يُبطن الكفر، ومن خلاق كلامة  يتبين إلحاده، قال رحمه الله: وهذه هي الزندقة، وهو كلام باطل من جهة العقل، يعني العقل السليم الصحيح يدل على بطلان هذه الأهواء، كما بعض السلف رحمهم الله: العلم بالكلام هو الجهل، فهم يظنون أن معهم عقليات، يعني: أدلة عقلية، وإنما معهم جهليات، يعني جهل﴿كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب﴾، هذا هو الجهل المركب، الجهل نوعان: جهلٌ بسيط، وجهلٌ مُركب، الجهل البسيط: أن يعلم أنه لا يعلم، ويقول أنه لا يعلم، وأما الجهل المركب، وهو أشر: فهو أنه لا يعلم حقيقة ويجعل نفسه عالماً، هذا الجهل المُركب، لأنهم كانوا في شك، وحيرة، فهم في ﴿ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرجه يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله نوراً فما له نور﴾، النور في الكتاب والسنة، النور في الإسلام، النور في اتباع هدي القرآن الكريم، هدي الرسول ، لزوم غرز وفهم سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين، عليك الإيمان والتسليم، ليس معارضة كلام وسنة رسول الله في أمورٍ لا يُدركها العقل، بل عليك الإيمان والتسليم، ثم قال رحمه الله: (أين هؤلاء من نور القرآن والإيمان؟ قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور:35] .اللهم اهدنا لنورك، يا حي يا قيوم، فهم ابتعدوا عن نور القرآن والسنة، عن الإيمان بكلام الله وسنة الرسول ، وعارضوه بعقولهم، الضعيفة، عارضوا ما استحق لله من صفات، بعقول لا تقدر على كنه وذات الله، إلا ما أتى من خير من القرآن والسنة يثبت هذه الصفات، أما غيره فهو غيب لا يعلمه إلا الله، فإن قيل: أما كون الكلام والفعل يدخل في الصفات الاختيارية، فظاهر، فإنه يكون بمشيئة الرب وقدرته، وأما المحبة والإرادة والمحبة والرضا والغضب ففيه نظر، فإن نفس الإرادة هي المشيئة، وهو سبحانه إذا خلق من يحبه كالخليل، فإنه يحبه ويُحب المؤمنون، ويحبونه، هذه أحد الشبه العقلية، وسيأتي الرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: نحن نتفق أن الكلام والفعل يدخل في الصفات الاختيارية ظاهر، فإنه يكون بمشيئة الرب وقدرته، وأما الإرادة والمحبة والرضا والغضب، ففيه نظر، يعني: كل شيء يقولون بمشيئة الرب وقدرته، لكن في إرادته له، هم أوتوا أنهم جعلوا المشيئة غير الإرادة، وإلا الإرادة الكونية القدرية، هي مشيئة الرب -تَعَالَى وتَقَدَّس-، هم فرقوا بينه، وتفريقهم لا دليل عليه، لا من ناحية العقل، ولا من ناحية السمع والكتاب والسنة، ولا من ناحية لغة العرب، فإن نفس الإرادة هي المشيئة، فإن الله إذا خلق من يحبه كالخليل، فإن يحبه ويُحب المؤمنين ويُحبونه، وكذلك إذا عمَلَ الناس أعمالاً يراها، وهذا لازم لا بد من ذلك فكيف يدخل في الاختيار، هذه الإرادات ترد من نُفاة القدر، المُعتزلة، أو من أهل الجبر، وهم الأشاعرة، لأنهم يضطرون ويريدون إرادات لتصليح شبههم، وتجميلها أمام من لا عقل له، ولا دين له، قيل: (كلما كان بعد عدمه)، يعني كان في العدم فأوجده الله، هذا الإيجاد إنما يكون بمشئة الله وقدرته، وهو سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاءه وجب كونه، وهو يجب بمشيئة، يعني: حاصلاً وجوباً بمشيئة الرب وقدرته، وما لم يشأه الله يمتنع كونه، يعني يمتنع حدوثه وخلقه، مع قدرته عليه كما قال تعالى: ﴿ولو شيئنا لآتينا كل نفسٍ هداها﴾، ﴿ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم﴾، ﴿ولو شاء ربك ما فعلوه﴾، فكون الشيء واجب الوقوع لكونه قد سبق به القضاء، وعُلم أنه لا بد من كونه، لا يمتنع أن يكون واقعاً بمشيئة الله وقدرته وإرادته، وإن كانت من لوازم ذاته كحياته وعلمه، فإن إرادته للمستقبلات هي مسبوقة بإرادته للماضي، فالماضي كل شيء بقضاء الله وقدره، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، وهو إنما أراد هذا الثاني بعد أن أراد قبله ما يقتضي إرادته، فكان حصول الإرادة اللاحقة بالإرادة السابقة، ﴿إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾، والناس قد اضطربوا في مسألة إرادة الله سبحانه وتعالى على أقوال متعددة، منهم من نفاها، وهم الفلاسفة، ورجح الرازي في مطالبه العالية، لكن ولله الحمد نحن قد قرضناها وبيناها وبينا فساد الشبه المانعة منها، الناس في صفة الإرادة لهم كما بينا سابقاً أقوال، المعتزلة ينفون إرادة الله الأزلية، ويُثبتون إرادة حادثة لا محل لها، يقولون: الإرادة متجددة، والمُتجدد لا يجوز أن يقوم بذات الله، بل إنهم صفات تقوم بذات الله يثبتون صفات، مثل: القِدَم والحياة، الأشاعرة عندهم الإرادة قديمة، وتعلق المرادات قديم، وحُدوث الإرادة بالتنجيز، أي: جهتها تنجيزية، يعني تجيز وإنفاذ الإرادة القديمة، والإرادة عند أهل السنة والجماعة إرادة الله متجددة، فما من شيءٍ يُحدث في ملكوت الله إلا قد شاءه الله جل وعلا حال كونه، كما أنه -تَعَالَى وتَقَدَّس- شاءه في الأزل، فهي من حيث الصفة أزلية، لكن من حيث تعلقها بالمعين، فهي متجددة، الفلاسفة كما ذكرنا سابقاً يقولون إن حدوث الملكوت حدوث المُحدثات، فلم يكن عن إرادة، لأنه كالمعلوم للعلة، فعندهم تلازم، مثل: وقوف الرجل في الشمس، فإذا وقف في ظل الشمس فلا بد أن يظهر ظله، وهذا الظل بالنسبة للشخص هو المعلول بالنسبة للعلة، وطريقتهم هذه هي نفي الإرادة في حدوث العالم، تعالى الله وتقدس، وكل زندقة وإلحاد وشك وريب ونفاق ومرض في القلوب، إنما أتى من الفلاسفة، وتأثر فيه المتكلمة، يقول شيخ الإسلام: (وكنا قد بينا أولاً أنه يمتنع تعارض الأدلة القطعية)، في فصل خاص، فصلٌ سابق، في الإرادة، [فصلٌ: صفة الإرادة]

وتحدث فيها سابقاً من هذا الكتاب شيخ الإسلام، وكذلك في الإرادة والمُحبة، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:82] . وقوله: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ [الكهف:23] . ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [الفتح:27] . وقوله: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ﴾ [الإسراء:16] . وقوله: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد:11] . وقوله: ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾ [الإنسان:28]. وقوله: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء:86] . وأمثال ذلك في القرآن العزيز، ثم قال رحمه الله: (فإن جوازم الفعل المضارع)، الأدوات التي تجزم الفعل المضارع، (ونواصبه تخلصه للاستقبال)، تجعله معدٌ للاستقبال، (مثل: إن، وأن، وكذل: إذا ظرف لما يُستقل من الزمان، فقوله: ﴿إذا أراد﴾و ﴿إن شاء الله﴾، يقتضي حصول إرادة مسقبلة، ومشيئةٌ مستقبلة)، قال شيخ الإسلام: (وكنا قد بينا أولاً أنه يمتنع تعارض الأدلة القطعية)، لا يكون تعارض في الأدلة القطعية، فلا يجوز أن يتعارض دليلان قطعيان سواء كان عقليين أو سمعيين، يعني: سواء كانت هذه الأدلة القطعية من أدلة القطع، أو من الأدلة السمعية، أدلة الكتاب والسنة، أو كان أحدهما عقلياً والآخر سمعياً، لأنه لا تعارض سبحان الله العقل مع أدلة الكتاب والسنة، القرآن الكريم والسنة أتت بما تُحار فيه العقول، لا بما تحاربه العقول، ثم قال رحمه الله: (ثم بينا بعد ذلك أنها متوافقة متناصرة متعاضدة)، متوافقة: هذا لا يرد هذا، بل كل هذه الأدلة تمشي في طريقٍ مستقيم، متناصرة، أي: أدلة العقل تنصر أدلة السمع، أدلة السمع تنصر الأدلة العقلية الصحيحة، متعاضدة: يعني كل أدلة السمع وأدلة العقل كلها تعتبر دليل واحد في إثبات الحق، (في إثبات ربوبية الله، في إثبات توحيد الله، في إثبات الله وأسمائه الحسنى، كما ينبغي لعظيم وجه ربنا، وقديم سلطانه، إثباته على الوجه اللائق به، إثبات المعنى وتفويض الكيف، من غير تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تأويل باطل، فالعقل يدل على صحة السمع)، يعني: السمع: الكتاب والسنة، (والسمع)، يعني: الكتاب والسنة( يُبين صحة العقل، وأن من سلك أحدهما أفضى به إلى الآخر)، يعني: لا محالة، من كان معه عقل سليم، لا بد أن يمشِ ويؤدي إلى الإسلام، إلى صحة الكتاب والسنة، ومن كان معه الكتاب والسنة فإنه لا بد أن يهبه الله ويرزقه الله عقلاً صحيحاً سليماً، (وأن الذين يستحقون العذاب هم الذين لا يسمعون ولا يعقلون، يدل على هذا كما قال تعالى:  ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان:44] . يعني: لا سمعون كلام الله ولا سنة رسوله، أو يعقلون، يعني: ليس لهم عقل صحيح ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾. وقال تعالى: ﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾ [الملك:8] ، فوج: مجموعة كبيرة، خزنتها: أي: خزنة النار،﴿قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ [الملك:9] .﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك:10]. نسمع: أدلة الكتاب والسنة ونؤمن فيها ونصدق ونعمل بما فيها، نعقل: عقول تدل على صحة ما جاء به الرسول ، السعير: هي النار، أعاذنا الله وإياكم منها ومن حالها، وحال أصحابها ومآلها، وقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج:46]. الأدلة الكونية تُثبت صحة ما جاء به الرسول ، كما في قول الأعرابي: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، ليلٌ داج، وسماءٌ ذات أبراج، وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق:37] . فقد بين القرآن كلام الله المنزل غير مخلوق، أن من كان يعقل أو كان يسمع، يعني: يعقل: يعني عنده صحة سلامة العقل، وصحته، أو كان يسمع: يستجيب لأوامر الله في القرآن والسنة، فإنه يكون ناجياً وسعيداً، ويكون مؤمناً بما جاءت به الرسل، قال شيخ الإسلام: (وقد بسطت هذه الأمور في غير موضع)، إما في مواضع سبقت، أو ستأتي إن شاء الله.

[سقط في التسجيل]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، أما بعد: فهذا أحد الدروس العلمية في شرح كتاب «الصفات الاختيارية»، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقفنا على [فصل: حُجج النُفاة لحلول الحوادث]

ما معنى الفصل هذا؟

يعني: الأدلة العقلية على فساد الحُجج العقلية التي اعتمد عليها النُفاة المُعطلة في إنكار الصفات الفعلية الاختيارية لله سبحانه وتعالى، مثل: الاستواء، والنزول، والكلام، والسمع والبصر، ونحوها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وفُحول النُظَّار)، يعني: الفحل في هذا السياق يأتي بمعنى كبار مُنظَّرِي أهل الكلام، مثل: أبي عبد الله الرازي، وأبي الحسن الآمدي، هذا من كبار علماء الكلام، خاصةً في مذهب الكلابية، وهم من يُسمون الآن الأشاعرة، وغيرهما ذكروا حُجج النُفاة لحلول الحوادث، حلول الحوادث، يعني: قولهم أن الله ينزل أو يأتي، أو يجيء، أو استوى، أو يسمع أو يُبصر أو يرى، هذه حوادث، قالوا: فإذا قلنا في الحوادث، ما سلم منها الله تعالى الله وتقدس، حُحج عقلية فاسدة، وبينوا فسادها كلها فذكروا لهم أربعة حُجج، احداها الحجة المشهور، وهي أنه لو قامت به لم يخلٌ منها، يعني: هذه الصفات التي أثبتها الله لنفسه، لو قامت في الله، لم يخلُ منها أو من أضدادها، يعني: أنه لا يسلم منها الله، تعالى الله وتقدس، الله يثبت سبحانه وتعالى يثبت لنفسه صفات، ثم تأتي بحجتك العقلية الفاسدة لانكار هذه الصفات، ثم قالوا: وما ما لم يخلُ من الحوادث فهو حادث، يقول: إذا قلنا أنه قامت فيه الأشياء، هذه حادثة، ﴿الرحمن على العرش استوى﴾، ﴿وجاء ربك﴾، ﴿قد سمع الله قول التي تجادلك﴾، يقول: هذا حادث، ولو قلنا بأنها حادثة، هذه الصفات، فهو حادث، سبحان الله، حُجج عقلية فاسدة، ومنعوا المقدمة الأولى، أنكروها، إنه لو قامت به الحوادث لم يخلُ منها أو من أضدادها، هذه المقدمة الأولى، وما لم يخلُ من الحوادث فهو حادث، والمقدمة الثانية ذكر الرازي وغيره فسادها، وقد بُسط في غير هذا الموضع، والثانية: أنه لو كان قابلاً لها في الأصل، لكان القبول من لوازم ذاته، فكان القبول يستدعي إمكان المقبول، ووجود الحوادث في الأزل مُحال، اتصاف الله سبحانه وتعالى بهذه الأمور، أتى بالخير، في كلام الله وفي سنة رسوله ، وهذه الصفات صفات كمال، تُثبت لله على الوجه اللائق لربنا -تَعَالَى وتَقَدَّس-، من غير تمثيل ولا تكييف، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولا تأويلٌ باطل، وقولهم "وجود الحوادث في الأزل مُحال"، وهذه الأمور أقحموا العقول فيها، والعقول قاصرة عن معرفة ما لله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، لأنها أمور غيب، صفات الخالق، أسماء الله، وصفاته، ما أحد يعلمها، إلا يُخبر عنها في كتابه، في القرآن الكريم، أو يُخبر عنها الرسول ، يُطلعه الله على الغيب فيُخبر عنها،  في كلامه ، كما في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في «الصحيح»، وفيه: « اللهم أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك-سنة الرسول -، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»، لله أسماء وصفات لا يعلمها إلا هو استأثرها الله بعلمه، وهؤلاء يتكلمون في أمورٍ يُقصر، ويُعجز العقل أن يُدرك ماهية الروح، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء:85] . يعجز البشر عن إدراك كنه وحقيقة الروح، فكيف بمن خلق الروح، وهو الله تعالى الله وتقدس، لا يُدرك كنهه، ولا صفته ولا ذاته إلا بإخبارٍ من الله -تَعَالَى وتَقَدَّس- في كتابه، أو إخبارٌ لرسول ، في سنته ، وقد قلنا أن من الصفات الذاتية السميع البصير، وهي ذاتيةٌ فعلية، ذاتيةٌ من حيث اتصاف الله بها أزلاً، وفعلية من حيث وقوع آحادها وتجددها، وتعلقها بالمشيئة، وهؤلاء ينكرون الاتصاف بها ازلاً كما في مقالاتهم هذه، وهذه أبطلوها هم بالمعارضة بالقدرة، بأنه قادر على إحداث الحوادث، في هذا الوقت، والقدرة تستدعي إمكان المقدور، هذا ممكن، لأن الله لا يعجزه شيء، ووجود المقدور، يعني: أزلاً، وهو الحوادث في الأزل مُحال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذه الحجة باطلة من وجوه، احدها: أن يُقال وجود الحوادث دائم، إما أن يكون ممكناً، وإما أن يكون ممتنعاً)، يعني: هذه الصفات إما أن تكون ممكنة وجودها في الأزل، أو تكون ممتنعة، فإن كانت موجودة أمكن قبولها، والقدرة عليها دائماً، وحينئذ فلا يكون وجود جنسها في الأزل ممتنع، كما مثلنا في السمع، السمع صفة ذاتية، لا تنفك عنه بوجهٍ من الوجوه، فعلية من حيث تعلقها بالقدرة والمشيئة، وتجددها ووقوع آحادها، وحينئذٍ فالسمع والبصر هذا متصف الله بها أزلاً، ذاتية، إذاً منعهم كما قال شيخ الإسلام لا وجه له عقلاً، فكيف بكلام الله وسنة الرسول المُثبتة لهذا الأمر، قال شيخ الإسلام رحمه الله برده على حُجج النُفاة، وهي الحجة الثانية، قولهم أنه لو كان قابلاً لها في الأزل، إذا كان القبول من لوازم ذاته، قال شيخ الإسلام: (وهذه الحجة باطلة من وجوه، احدهما: أن يُقال وجود الحوادث)، الحوادث: جمع حادث، وهي الشيء المخلوق المسبوق بالعدم، أن يكون وجود الحوادث دائماً، إما أن يكون ممكن، وإما أن يكون ممتنع، الأشياء تنقسم إلى ثلاثة أقسام: واجبات، ومستحيلات: وهي الممتنعة، وجائزات: وهو الممكن، الممكن يقال له الجائز، وهما بمعنى واحد، والممكن ما يقبل الوجود والعدم، أو هو ما وُجد بعد أن كان معدوماً ثم يؤول أمره إلى العدم، هذا يقال له ممكن، ويُقال له جائز، الكون كله ممكن وجائز، أو الواجبات: مثل: ذات الله تعالى الله وتقدس، وأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أي: ثابتة، لم تُسبق بعدم، ولا يلحقها عدم، كما قال تعالى: ﴿هو الأول والآخر﴾، «اللهم أنت الأول ليس قبلك شيء، وأنت الآخر ليس بعدك شيء»، سبحان الله، لذلك في حق تعالى واجب الوجود، لأنه وجوده لم يسبق بعدم، وجودٌ أزلي، واجب الوجود الدائم الباقي الآخر الذي ليس بعده شيء، قال رحمه الله: (احدها: أن يكون وجود الحوادث-من الأمور المخلوقة- إما أن يكون ممكناً)، يعني: يجوز، (وإما أن يكون ممتنعاً مستحيلاً، فإن كان ممكناً- يعني جائزاً- أَمَكن قبوله والقدرة عليها دائماً)، يعني: إنها مقبولة، متصور عقلاً، وحينئذ فلا يكون وجود جنسها في الأزل ممتنعاً، بل ممكن أن يكون جنسه مقدوراً مقبولاً، وإن كان ممتنعاً، فهذه القسمة، التقسيم حاصر يُبين فساد هذه الحجة، ثم قال: (وإن كان ممتنعاً فقد امتنع وجود حوادث لا تتناهي، وحينئذ لا تكون في الأزل ممكنة، لا مقدورة ولا مقبولة، وحينئذ فلا يلزم من امتناعها في الأزل امتناعها بعد ذلك، فإن الحوادث موجودة، فلا يجوز أن يُقال بدوام امتناعها)، يعني: ما كان جائزاً أو ما كان مستحيلاً فهو بقدرة الله يكون، ﴿إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾، سوى الأمور المخلوقة الجائز الممكنة أو المستحيلة، كل شيءٍ بقضاء الله وقدره، يقول له كن فيكون، (الوجه الثاني: أن يُقال: لا ريب أن الرب تعالى قادر، فإما أن يُقال له أنه لم يزل قادراً، وإما أن يُقال: بل صار قادراً بعد أن لم يكن، فإن قيل: لم يزل قادراً، فهو الصواب، فيُقال: إذا كان لم يزل قادراً، فإن كان المقدور لم يزل ممكناً أمكن دوام وجود الممكنات، فأمكن دوام وجود الحوادث، وحينئذ فلا يمتنع كونه قابلاً لها في الأزل)، في الوجه الثاني يُقال -وهو من حُججهم-: إما أن يكون قادراً أزلاً، أو كان قادراً بعد أن لم يكن كذلك، ثم رجعوا فقالوا: فإن قيل لم يزل قادراً، وهو الصواب، فيُقال: إذا كان لم يزل قادراً، فإن كان المقدور لم يزل ممكناً، أمكن دوام وجود الممكنات، يعني إذا كان قادراً، إن كان المقدور لم يزل ممكناً، يعني: جائزٌ كونه، وجائزٌ حدوثه، فإن هذا يلزم استمرار وجود المخلوقات الممكنات، ثم يلزم دوام وجود الأمور المخلوقة في ذات الله تعالى الله وتقدس، وحينئذ فلا يمتنع كونه قابلاً لها في الأزل، هذه كله حول مسألة حلول الحوادث، وكلها حُجج داحضةٌ فاسدة، يقولون: إذا قلنا بوجود أمورٌ ممكنة جائزة، ووُجدت يلزم من دوام وجودها الحوادث، ثم ينتج عنه أن الله يكون قابلاً لها في الأزل، وإن قيل بل كان الفعل ممتنعاً، يعني: مستحيلاً، ثم صار ممكن، جائز، قيل: هذا جمعٌ بين النقيضين، فإن القادر لا يكون قادر على ممتنع، تعالى الله وتقدس، الممتنع: المستحيل، والله خلقهم من أمور مستحيلة، فكيف لا يقدر على أمرٍ هو خلقٌ من خلقه، ويكون بكلمةٍ منه، تعالى الله وتقدس﴿ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾، فكيف يكون قادراً مع كون المقدور ممتنعاً، فكيف يكون قادراً مع كون المقدور ممتنع مستحيلاً، ثم يقال بتقدير إمكان هذا كما قيل هو قادرٌ في الأزل على ما يمكن فيما لا يزال، قيل: وكذلك في القبول، يقال هو قابلٌ في الأزل، هو أزلاً قابلاً لفعل وخلق المستحيلات، هذا لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء سبحانه، لكنها مقدمات وحُجج عقلية فاسدة، يُحدثها هؤلاء، نسأل الله العفو والعافية، هذه زندقة في الدين، ثم قال: (الوجه الثالث: أنه سبحانه إذا قيل هو قابل لما في الأزل، فإنما هو قابلٌ لما قادرٌ عليه يمكن وجوده، فإنما يكون ممتنعاً لا يدخل تحت القدرة، فهذا ليس بقابلٍ له)، يقولون في الوجه الثالث أنه سبحانه يقدر في الأزل على الأمور التي يقدر عليها، سبحان الله كل شيء قادر عليه الله، والله على كل شيءٍ قدير، وليس عنده استحالة -تَعَالَى وتَقَدَّس-، فإنه يخلق ما يشاء، وهذه لعلها أتت من المعتزلة، (فإنما يكون ممتنعاً لا يدخل تحت القدرة، فهذا ليس بقابلٍ له)، ثم قال رحمه الله: وهذا تكراراً للوجه الثالث وتبيان له، أنه سبحانه إذا قيل هو قابلٌ لما في الأزل، فإنما هو قابل لما قادرٌ عليه، يمكن وجوده)، ترون ألفاظ هؤلاء المناطقة وكأنهم للاعتزال أقرب، هل هنا أشياء يقدر الله على فعلها وأشياء لا يقدر على فعلها تعالى الله وتقدس عما يقوله هؤلاء الزنداقة، يقولون: فالذي لا يقدر عليه لا يدخل بالقدرة، فهذا ليس بقابلٍ له، وكل شيءٍ خلق، وقادر عليه الله سبحانه وتعالى، فما يعجزه شيءٌ  في الأرض ولا في السماء، سبحانه، الإخبار عن الله تعالى بمثل هذه الألفاظ، أو بأنه واجبٌ الوجود، يُراد به أنه وجوده سبحانه ذاتيٍ أزلي، لم يُسبق بعدم، فيستحيل عليه العدم أزلاً وأبداً، وأما الحادث المخلوق، فإنه ممكن الوجود وجائز، فيجوز عليه الوجود والعدم، ووجود الممكن الجائز لا لذاته، بل لإيجاد الله تعالى له، والوجود قسمان، القسم الأول: الوجود الواجب، مثل: وجود الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، ووجود الممكن، مثل: وجود الممكن، فكل ما سوى الله سبحانه وتعالى فهو مخلوقٌ مسبوقٌ بالعدم، ويجوز أن يلحقه الفناء، فالأشياء نعيد ونكرر بالتقسيم العقلي ثلاثة: واجبٌ، وممكن، وممتنع، فالواجب: ما لا يقبل الحدوث ولا العدم أزلياً، أولياً، كذات الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، جود الممكن، وهو ما يقبل الوجود والعدم، مثل: المخلوقات، المحدثات، والممتنع، ويُقال له: المستحيل، ما لا يكون الوجود، أي: يستحيل وجوده، والممتنع: يُقال له المستحيل، ما لم يقبل الوجود، أي: يستحيل وجوده، هذه في ألفاظ المناطقة، وكأنهم يمنعون بعض أفعال الله، لكن الله سبحانه وتعالى لا يمتنع، ولا يستحيل على شيء، وهذا متصور عقلاً مع دلالة السمع، في الكتاب والسنة عليه، وهذا عند ذوي الفِطَر السليمة، والعقول الصحيحة، وأتى سمعياً في كلام الله وكلام رسوله ، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر:44]. لكمال علم، وكمال قدرة، تعالى الله وتقدس، ومما يجدر تنبيه أخواني طلاب العلم له، أن يُعلم أن لفظ وعبارة" واجب الوجود" لم ترد في كلام الله -تَعَالَى وتَقَدَّس-، ولا في كلام رسوله ، وإنما أتى إحداثها من قِبَل المُتكلمة، أو من قِبَل الفلاسفة، لذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة" (مج2/ص132): وأما الكلام بلفظ "واجب الوجود" و" ممكن الوجود" فهذا من كلام ابن سيناء وأمثاله الذي اشتقوه من كلام المُتكلمين المعتزلة، ونحوهم، وإلا فكلام سلفهم-يعني: الفلاسفة القُدماء- إنما يوجد فيه لفظ العلة والمعلول، انتهى كلامه رحمه الله. هذه العبارة ليست من أسماء الله الحسنى، فلا يصح تسميته بها، لأن أسماء الله حسنى، توقيفية تؤخذ من كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسوله ، وهي حسنى كاملةٌ في حسنها وجمالها، وكمالها وجلالها، وعليه فلا يمنع من الإخبار عن حقيقة وجوده سبحانه وتعالى بهذا اللفظ، دون التسمية أو الوصف، وأنه لا يجوز عليه الإعادة أزلاً وأبداً، فالله عز وجل واجب الوجود، لذاته بذاته، قائمٌ بنفسه، غنيٌ عن خلقه، لا يفنى ولا يبيد، أزليٌ أولي، لا يكون إلا ما يريد، سبحانه، والفلاسفة أرادوا بهذا القول، وأن الله مستغنٍ عن غيره، إلى أمور باطلة، كان في صفات الله العليا، وهذا في تصورهم وفي معتقدهم الفاسد، ويدل على فساده السمع كتاباً وسنة، والعقل الصحيح، وفي لغة العرب، إذ فيه تحميلٌ للفظ ما لا يدل عليه المعنى الصحيح، وأما أهل السنة وللحق بعض المتكلمة، وأكثرهم رجع إلى الحق، خاصةً متكلمة الأشاعرة، رجعوا وتابوا من هذا التصور الخاطئ، فإنهم إن أطلقوا واجب الوجود على الله لم يجعلوا ذلك لازماً لنفي صفات الله العليا المستحقة له بدلالة الكتاب والسنة، الرابع: أن يُقال: هو قادر على حدوث ما هو مباين له من المخلوقات، ومعلوم أن قدرة القادر على فعله القائم به، أولى من قدرتهِ على المباين لهُ، وإذا كانَ الفعلُ لا مانعَ منهُ إلا ما يمتنع مثلهُ لوجودِ المقدورِ المباينِ، ثمَ ثبتَ أنَّ المقدورَ المباين هوَ ممكنٌ، وهوَ قادرٌ عليهِ في الفعلِ أن يكونَ ممكناً مقدوراً، أو لا ، يقولَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية في الحجةِ الرابعةِ: ( أنَ هذهِ الصفاتِ الفعليةِ الاختياريةِ إذا كانت ملازمةً لذاتِ اللهِ --تَعَالَى وتَقَدَّس-- وجسمٍ وقائمةٍ في ذاتِ اللهِ، فإنَ التصورَ العقليَ الصحيحَ يلزمُ أنَ أنها أولى من قدرتهِ على المباين لهُ مثلٍ المخلوقاتِ)، اللهُ سبحانهُ لهُ العلوّ المطلقُ وبائنٌ من خلقهِ مستوٍ على عرشهِ، المخلوقاتُ ليست منهُ، هي خلقهُ وبأمرهِ سبحانهُ، لكن ليست بجزءٍ منهُ، فهذهِ الصفاتُ أولى من المخلوقاتِ، هكذا يقالُ في التصويرِ الصحيحِ، كما ذكرَ شيخُ الإسلامِ (وإذا كانَ هذا الفعلِ لهذهِ الصفاتِ الاختياريةِ لا مانع من ثبوتها، والمقدور المباين ممكنٍ وجائزٍ وقادرٍ عليهِ، فالصحيحُ أنَ هذا العملِ وهوَ دلالةُ العقلِ على وجوبِ حدوثِ أو تصَّورِ التصورِ الصحيحِ لوجودِ هذهِ الصفاتِ الفعليةِ)، ثمَ قالها في الحجةِ الثالثةِ لهم(أنهم قالوا لو قامت بالحوادثِ للزمَ تغيرهُ)، يعني يتغيرُ اللهُ سبحانهُ وتعالى، بالاسمِ أو بالصفةِ،( ثمَ قالوا والتغيرُ على اللهِ محال، وأبطلوا هم هذهِ الحجةِ، الرازي وغيرهُ، بأن قالوا ما تريدونَ بقولكم لو قامت بهِ للزمَ تغيرهُ)، يعني: هذا ينكرونَ الصفاتُ الفعليةُ الاختيارية،  يقولُون: لو قامت بهِ الصفاتُ تغيرَ، والتغيرُ على اللهِ محالَ يعني يستحيلُ، فردَ عليهم الرازي وقالوا ما تريدونَ بقولكم لو قامت بهِ للزمَ تغيرهُ؟ أتريدونَ بالتغيرِ نفسُ قيامهُ بها أم شيءٍ آخرَ ؟ فإنَ أردتم الأولُ -يعني القيامُ بها- كانَ المقدمُ هوَ الثاني والملزوم هوَ اللازمُ، وهذهِ لا فائدةً فيها، فإنهُ يكونُ تقديرُ الكلامِ لو قامت بالحوادثِ لقامت بهِ الحوادثُ، وهذا كلامٌ لا يفيدُ)، يعني أنَ هناكَ خطأٌ في كلامكم وفي حجتكم، وذلكَ أنكم تقولونَ إنهُ تغيرٌ يعني في نزولهِ، في استوائهِ، في إتيانهِ، في مجيئهِ تغير، (والتغيرُ على اللهِ محال)، تعالى اللهِ وتقدسَ وهذهِ أدلةٌ فاسدةٌ، تعارض بكلامِ اللهِ سبحانهُ وتعالى، قالوا أنتم عبارتكم غيرُ صحيحٍة، (ثم قالوا: وان أردتم بالتغيرِ معنى غيرَ ذلكَ فهوَ ممنوعٌ)، يعني ماذا تريدونَ ؟ تريدون نفي الصفات عن الله، هذا ممنوعٌ، (فلا نسلمُ أنها لو قامت بهِ لزمَ تغيرٌ)، غيرَ حلولِ الحوادثِ فهذا جوابهُم، فدلَ في ذكرِ ما سبقَ فسادُ حجتهم، وسيأتي في  الفصلُ القادمُ إنَ شاءَ اللهُ وفي الدرسِ القادمِ المعنى الصحيحِ للتغيرِ، واللهُ أعلمَ وصلى اللهُ وسلمَ على نبينا محمد.

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

 الحمدُ للهِ ربَ العالمينِ والصلاةِ والسلامِ على أشرفَ الأنبياءُ والمرسلينَ، نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ تسليما كثيراً:

 تحدثنا في الدرسِ السابقِ من شرحَ كتاب «الصفاتِ الاختياريةِ» لشيخِ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ في آخرٍ الدرسِ عن التغيرِ، استدلوا من يمنعُ أو من يعطلُ صفاتِ اللهِ الاختياريةِ الفعليةِ بالتغيرِ، أنهُ إذا حصلَ كذا لزمَ التغيرُ، فإذا تغيرَ حلت فيهِ الحوادثُ، وإذا حلت فيهِ الحوادثُ أصبحَ مخلوق، وهكذا يصورونَ المسألةُ، وذكرنا سابقا وذكرها ذلكَ أهلُ العلمِ أنَ علماءَ الكلامِ من المعتزلةِ والكلابيةِ الأشاعرةُ وغيرهم من فرقِ الضلالِ، الجهميةُ هم عباقرةٌ في لغةِ الأرضِ، ويستخدمونَ هذهِ الألفاظِ لتمريرِ باطلهِم، لكنها عندَ التحقيقِ فاسدة سمعاً، يعني: في كلامِ اللهِ وسنةِ رسولهِ، وفاسدةٌ عقلاً، وفطرةً وفاسدةٌ، في لغةِ العربِ، قالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية: (المعنى الصحيحِ للتغيرِ)، وإيضاحَ ذلكَ أنَ لفظَ التغيرِ لفظَ مجملٌ، يعني يحتاجُ بيان وإيضاح، فالتغيرُ في اللغةِ المعروفةِ يعني بلغةِ العربِ، لا يرادُ بهِ مجردُ كونِ المحلِ، قامت بهِ الحوادثُ كما يقولُ هؤلاءِ الجهميةَ لا فإنَ الناسَ لا يقولونَ للشمسِ والقمرِ والكواكبِ إذا تحركت أنها قد تغيرت ولا يقولونَ للإنسانِ إذا تكلمَ ومشى أنهُ تغيرَ، ولا يقولونَ للرجلِ إذا طافَ وصلى وأمرَ ونهى وركبَ أنهُ تغيرُ، إذا كانَ ذلكَ عادةً، بل إنما يقولونَ تغيرٌ لمن استحالَ من صفةٍ إلى صفةٍ، هذا معنى التغييرِ، بل إنما يقولونَ تغيرَ لمن استحالَ من صفةٍ إلى صفةٍ، كالشمسِ، هذا تعريفُ التغيرِ، التحولُ من صفةٍ إلى صفةٍ أخرى، مثلاً وضربَ مثلاً بالشمسِ، ما زالَ نورها ظاهرا في هذهِ الحالةِ لا يقالُ إنها تغيرت، فإذا تغيرَ لونهُ فإذا اصفرت قيلَ قد تغيرت، وكذلكَ الإنسانُ إذا مرضٍ أو تغيرِ جسمهِ بجوعٍ أو تعبٍ قيلَ قد تغيرَ، وكذلكَ إذا تغيرَ خلقهُ ودينهُ مثلٌ أن يكونَ فاجراً فيتوبُ، ويصيرَ بارا أو يكونُ باراً فينقلب فاجراً- أعوذُ باللهِ- فإنهُ فإنهُ يقالُ قد تغيرَ، ومنه في الحديثُ: رأيتُ وجهُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قد تغيرَ، وهوَ لما رأى بهِ أثرَ الجوعِ، ولم يزل يراهُ يركعُ ويسجدُ فلم يسميَ حركتهُ تغير، كذلكَ يقالُ فلاناً قد تغير على فلانٍ، إذا صارَ يبغضهُ بعدَ المحبةِ، فأما إذا كانَ ثابتا على مودتهِ، لم يسمَ  هشته إليهِ، يعني يهش ويبش في وجههِ كما كانَ سابقاً، وخطابهُ إليهِ تغيرت، ما دامَ باقا على محبتهِ فلا يسمى تغييرٌ، ما دامه جرى على عادتهِ بأقوالهِ، وأفعالهُ فلا يقالُ إنهُ قد تغيرَ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿ أن اللهَ لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ ومعلومٌ أنهم إذا كانوا على عادتهم الموجودةِ يقولونَ ويفعلونَ ما هوَ خيرٌ، لم يكونوا قد غيروا، ما بأنفسهم، لأنهم بقائهم على فطرتهم، الأصلُ الدينُ والفطرةُ السليمةُ، فإذا انتقلوا عن ذلكَ فاستبدلوا بقصدِ الخيرِ قصدَ الشرِ، وباعتقادهم الحقُ اعتقادَ الباطلِ، قيلَ قد غيروا ما بأنفسهم مثلَ من كانَ يحبُ اللهُ ورسولهُ والدارُ الآخرةُ فتغيرَ قلبهِ، ﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبَ لنا من لدنكَ رحمةِ أنكَ الوهاب﴾ يا مقلبُ القلوبِ والأبصارِ ثبتَ قلوبنا على طاعتكَ، وصارَ لا يحبُ الله ورسولهُ والدار الآخرة، فهذا قد غيرَ ما في نفسهِ، وإذا كانَ هذا معنى التغيرِ فالربُ تعالى لمٌ يزل ولا يزالُ موصوفا صفاتِ الكمالِ منعوتا بنعوتِ الجلالِ والإكرامِ أنَ نأتوا الصفةُ لكنَ لغةَ العربِ لغةً جميلةً، واسعةً، هذا تغييرُ لجمالها، تغييرُ الألفاظِ والمعنى واحدٍ، منعوتا بنعوتِ الجلالِ والإكرامِ وكمالهِ من لوازمَ ذاتهُ، بلا شكٍ، تعالى الله ربنا وتقدسَ، فيمتنعُ أن يزولَ عنهُ شيءُ من صفاتِ كمالهِ ويمتنعُ عن يسير ناقصاً بعدَ كمالٍ، هؤلاءِ الجهميةَ المعطلةَ حينما ذكرَ اللهُ في القرآنِ الكريمِ ﴿الرحمنِ على العرشِ استوى﴾، «ينزلَ ربنا كلَ ليلةٍ»، ﴿وجاءَ ربكَ﴾، ونحوها من الصفاتِ الفعليةِ الاختياريةِ وكذلكَ قوله: ﴿ وكلمَ اللهُ موسى﴾، ﴿وقد سمعَ اللهُ قولَ التي تجادلكَ في زوجها﴾، كلَ هذا تغيرٌ وإذا تغيرَ هذا معناهُ حلولَ الحوادثِ فيهِ، والحوادثُ لا تحلُ في المخلوقٍ، إذا ينفونَ هذهِ الصفاتِ، تعالى الله وتقدس، هذا سلبٌ للصفاتِ، هذا تعطيلٌ لصفاتِ اللهِ -تَعَالَى وتَقَدَّس-، لهذا قيلَ المعطلُ يعبدُ عدماً، بل الله لهُ الصفاتُ صفاتِ الكمالِ، لا يزالُ موصوفاً بصفاتِ الكمالِ منعوتاً بنعوتِ الجلالِ والإكرامِ، وكمالهُ من لوازمَ ذاتهُ، تعالى ربنا وتقدسَ، فيمتنعُ أن يزولَ عنهُ شيئا من صفاتِ كمالهِ، ويمتنعَ أن يصيرَ ناقصا بعدَ كمالهِ، ثمَ قالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ: (وهذا الأصلُ عليهِ يدلُ قولَ السلفِ يدلُ قولَ السلفِ وأهلِ السنةِ، أنهُ لم يزل متكلماً إذا شاءَ ولم يزل قادراً، ولم يزل موصوفاً بصفاتِ الكمالِ، ولا يزالُ كذلكَ فلا يكونُ متغيراً، وهذا معنى قولِ من يقولُ يا من يغيرُ ولا يتغيرُ)، سبحانهُ، هذا تقولهُ العوامُ، سلامةُ فطرتهم، وإخلاصها وصدقها، يقولونَ يا من يغيرُ ولا يتغيرُ، ثابت، تعالىَ اللهُ ربنا وتقدسَ، (فإنهُ يحيلُ صفاتِ المخلوقاتِ، ويسلبها، ما كانت متصفةً بهِ إذا شاءَ، ويعطيها من صفاتِ الكمالِ ما لم يكن لها)، يغيرَ من حالٍ إلى من عزَ إلى ذلٍ، ومن غنى إلى فقرٍ، أو من فقرٍ إلى غنى أو من ذلٍ إلى عزٍ، (وكمالهُ من لوازمَ ذاتهُ لم يزن، ولا يزالُ موصوفاً بصفاتِ الكمالِ، قالَ تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص:88]. ، وقالَ تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:26-27].، تعالى ربنا وتقدسُ، لكنَ هؤلاءِ النُفاة- يعني: المعطلة الجهمية- هم الذينَ يلزمهم أن يكونَ قد تغيرَ فإنهم يقولونَ: كانَ في الأزل، ولا يمكنهُ أن يقولَ شيئاً، ولا يتكلم بمشيئتهِ وقدرتهِ)، أنت تتكلمُ بمشيئتكَ وقدرتكَ، أيها الإنسانُ الضعيف، وتسلب المشيئةُ والقدرةُ عن اللهِ، سبحانَ اللهِ، كانَ في الأزلِ لا يمكنهُ أن يقولَ شيئاً وما أدراهم عن الأزلِ، أنهُ لم يتكلم، وأنهَ يقولُ كنَ فيكون، هذهِ أمورٌ غيبيةٌ لا يعلمها إلا اللهُ، لكنهم يحتجونَ بالدليلِ العقليِ ويش الدليلِ العقليِ؟ الدليلِ العقليِ السليمِ لا يبطلُ هذا بل يؤيدهُ ويعضدهُ، لكنها العقولُ المنحرفةُ، والفكرُ الضالُ، نسألُ اللهُ السلامةَ، (وكانَ ذلكَ ممتنعا عليهِ لا يتمكنُ منهُ، ثمَ صارَ الفعلُ ممكناً يمكنهُ أن يفعلَ، ولهم في الكلامِ قولانِ)، بعضهم ينفيهُ وبعضهم يقولُ يثبتُ الكلامُ لكن بخيرِ ما سيأتي بغير مشيئةٍ وقدرةٍ، (ولهم في الكلامِ قولانِ فمن اثبت الكلامَ المعروفَ، وقالَ إنهُ يتكلمُ بمشيئةِ وقدرتهِ قالَ أيضاً: أنهُ صارَ كلامُ ممكناً)، يعني جائزاً لهُ بعدَ أن كانَ ممتنعا عليهِ، يعني كانَ ممتنعاً عنه سبحان الله، الممتنعِ يستحيلُ حدوثهُ، ما هوَ دليلكَ ؟ هكذا، آراءفاسدة، لا يدلُ عليها كلامُ اللهِ، سبحانهُ وتعالى ولا الحقولُ الصحيحُ السليمةُ، من الانحرافِ الفكريِ، فلا يستحيلُ على اللهِ شيءً، هذهِ صفةُ كمالٍ، الكلامُ، يتكلمَ بما شاءَ، متى يشاءُ، كيفَ شاءَ، نثبتُ المعنى ونفوضُ الكيفَ، (ومن لم يصفهُ بالكلامِ المعروفِ بل قالَ إنهُ يتكلمُ بلا مشيئتهَ وقدرتهُ، كما تقولهُ الكلابيةُ، الأشاعرةُ فهؤلاءِ اثبتوا كلاما لا يعقلُ، ولم يسبقهم إليهِ أحدٌ من المسلمينَ)، كيفَ يقال أنه يتكلمُ بلا مشيئةٍ  ولا وقدرةٍ تعالى الله وتقدس، أنتَ تتكلمُ بمشيئتكَ وقدرتكَ ثمَ تسلبُ هذهِ الصفةِ عن اللهِ، وهذهِ الصفةُ من لم يتكلم بمشيئةِ قدرتهِ المجنونَ نسألُ اللهُ العفوُ والعافيةُ، مسلوب المشيئةِ والقدرةِ أنتم تثبتونَ المشيئة والقدرةُ لأنفسكم الضعيفةِ المخلوقةِ، وتعطلونها عن ذات اللهِ تعالى الله وتقدس، ثمَ قالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ: ( بل كانَ المسلمونَ قبلهم على قولينِ: فالسلفُ وأهلُ السنةِ يقولونَ إنهُ يتكلمُ بمشيئتهِ وقدرتهِ وكلامهِ غيرِ مخلوقٍ وكلامهِ منزلٌ غيرُ مخلوقٍ- نعمَ هذا الصحيحِ- والجهميةُ يقولونَ: إنهُ مخلوقٌ بقدرتهِ ومشيئتهِ، فقالَ هؤلاءِ بل يتكلمُ بلا مشئية)،  يعني نفس الجهميةِ وقولُه إنهُ نسبتهم إلى الإسلامِ قد يرادُ في كلامهِ الأشاعرةُ أو بعضِ المعتزلةِ أما غلاةُ الجهميةِ فهم خارجِ وصفِ الإسلامِ، لكنَ لعلهُ أرادَ بعضهم أو بقيةِ فرقهم، (ثمَ الجهميةُ اختلفوا، منهم من قالَ كلامهُ مخلوقٌ بقدرتهِ ومشيئتةِ، ومنهم من قالها يتكلمُ بلا مشيئةٍ وقدرةٍ، وكلام الشيء واحدٌ لازمٌ لذاتهِ، وهوَ حروف وأصواتٍ، أزليةٌ لازمةٌ لذاتهِ كما قد بسطَ في غيرِ هذا الموضعِ، يمنعونَ أن يتكلمَ اللهُ بما شاءَ، يعني: ينكرونَ ﴿وكلمَ اللهُ موسى تكريماً﴾، ينكرونَ إنزالُ القرآنِ على رسولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، هذا هوَ مضمونُ كلامهِ وهذا تعطيلُ أسماءِ اللهِ وصفاتهِ بما فيها الكلامُ، (والمقصودَ أنَ هؤلاءِ كلهم الذينَ يمنعونَ أن يكونَ الربُ ... يمكنهُ أن يفعلَ ما يشاء ُ،يقولونَ ذلكَ يستلزمُ وجودَ حوادثَ لا تتناهى، وذلكَ محالٌ)، يقولونَ إنَ الحوادثَ تحلُّ في ذاتهِ، وإذا حلت في ذاتهِ لم يسلم منها أو لم يخلُ منها الربُ، وإذا كانَ كذلكَ فهوَ مخلوقٌ والمخلوقُ لا يعني نفسَ الكلامِ، هذا كلامٌ باطلٌ، لا يقولهُ إنسانُ عاقلٍ، كلامٌ مجنونٌ هذا، ذاتَ اللهِ لا تعرفُ ولا تدركُ إلا بخبرِ عن اللهِ، «أو أنزلتهُ في كتابكَ» أو يعلمهُ رسولهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ «أو علمتهُ أحدا من خلقكَ أو استأثرت بهِ في علمِ الغيبِ عندكَ»، لولا كلامُ اللهِ وسنةِ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ هل نعرفُ هذهِ الصفاتِ ؟ هذهِ الأسماء، من أركانِ الإيمانِ الغيبيِ أن تؤمنَ باللهِ، هذهِ أمورٌ غيب لا يعلمها إلا اللهُ، ولا نعلمها إلا بكلامِ اللهِ وسنةِ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فهؤلاءِ يقولونَ صارَ الفعلُ ممكنا لهُ يعني: جائزٌ، بعدُ أن كانَ ممتنعاً عليهِ أن يستحيلَ، كلُ هذا الكلامِ كلهِ عقلياً، فاسد، لأنهم لا يدركونَ ذاتُ اللهِ، إلا بخبرِ عن اللهِ وخبرَ يخبرُ اللهُ بهِ رسولهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وفيهِ أسماءُ وصفاتٍ استأثرَ اللهُ في علمهِ كما في الحديثِ الصحيحِ، حديثُ عبدِ الله ابن مسعود [رواهُ الإمامُ أحمد، وابنُ حبان وصححهُ الإمامُ الألبانيُ رحمهُ]، وحقيقةُ قولهم إنهُ إذا صارَ قادرا بعدَ إن لم يكن قادرا، هذا وهذا حقيقةَ التغيرِ، يعني أنهُ تغيرٌ قادرٌ ثمَ لم يكن قادر، تعالى الله عما يقولُ الظالمونَ علواً كبيراً، معَ أنهُ لم يحدث سببا يوجبُ كونهُ قادراً، وإذا قالوا هوَ في الأزل قادرِ على ما لا يزالُ، قيلَ هذا جمعٌ بينَ النفيِ والإثباتِ، فهوَ في الأزلِ كانَ قادراً، فكانَ القولُ ممكنا لهُ أو ممتنعاً عليهِ، فكانَ القولُ ممكناً لهُ يعني قادرا على أحداثهِ، وإنزالهُ قادراً على إنزالهِ، أو ممتنعٍ عليهِ أي أنهُ يستحيلُ عليهِ هذا الأمرِ، وهذا تحكمٌ بلا دليلٍ، وكلام فاسدٍ باطلٍ، ولا يقالُ هذا الكلامِ، كانَ عليهم أن يتأدبوا في حقِ اللهِ، وان يقفوا عندُ ألفاظَ الشرعِ، لكنَ هذهِ قلةُ الأدبِ ٍ وسفاهةِ وقلةِ عقلٍ، وجرأةٌ على اللهِ وقولاً على اللهِ بلا علمٍ، كيفَ يقولونَ هذا الكلامِ ؟ وعندهم كلامُ اللهِ وسنةِ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، ويعتمدونَ على عقولهم المنحرفةِ، كانَ عليهم الإيمانُ والتسليمُ، لكنَ سببَ هذهِ الجرأة: الجهلُ بذاتِ اللهِ تعالى متقدمٌ، وكذلكَ عدمُ الإيمانِ بما أتى في القرآنِ والسنةِ، وتأثرهم في كلامِ الفلاسفةِ، الذي يغلبُ عليهم الإلحادُ، إنَ قلتم ممكنٌ له فقد جوزتم دوامَ كونهِ فاعلاً، وأنهُ قادرٌ على حوادثَ لا نهايةَ لها، يعني أنتم بينُ أمرينِ: إما تقولونَ بالجوازِ وهذا معناهُ أنَ فاعلاً وقادراً على حوادثَ لا نهايةَ لهُ، وان قلتم بل كانَ ممتنعا يعني يستحيلُ، قيلَ القدرةُ على الممتنعِ ممتنعةً، قيلَ القدرةُ على الممتنعِ، يعني  القدرةَ على المستحيلِ استحالةَ فمعَ كون الفعلِ مستحيلاً غيرَ جائزٍ أحداثهِ، فلا يكونُ مقدورا للقادرِ، إنما المقدورُ هوَ الممكنُ لا الممتنعِ، فإذا قلتم أمكنهُ بعدَ ذلكَ، يعني بعدُ امتناعهِ واستحالتهِ وعجزهِ هذا مضمونُ كلامهِم، كأنهم يصفونَ اللهُ بالعجزِ تعالى اللهُ ويتقدسُ، إذا قلتم أمكنهُ بعدَ ذلكَ فقد قلتم إنهُ أمكنهُ أن يفعلَ بعدَ أن كانَ لا يمكنهُ، يعني بعدُ أن كانَ عاجزاً، تعالى الله يتقدسُ، أنَ يفعلُ، وهذا صريحٌ بأنهُ صارَ قادرا بعدَ إن لم يكن، وهوَ صريحٌ في التغيرِ، فهؤلاءِ النفاة المعطلةَ الجهمية الذينَ قالوا إنَ المثبتةَ، المثبتة يرادُ بهم من أثبتَ كلامُ اللهِ وسنةِ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ على الوجهِ اللائقِ بربنا، يعني: صدقوا في كلامِ اللهِ، وآمنوا وأسلموا لهُ، هذا مرادهم مثبته، يلزمهم القولُ بأنهُ تغيرٌ قد بانَ بطلانُ قولهم وأنهم هم الذينَ قالوا بما يوجبُ تغيره، في هذهِ العبارةِ يقولُ شيخَ الإسلامِ: قد بانَ بطلانُ قولهِم- النفاذ- وأنهم هم الذينَ قالوا بما يوجبُ تغير، وإذا قالَ المنازعُ أنا أريدُ بكونهِ تغير، يعني:  المخالفُ المعطلُ الجهميّ، يقول: أنا أريدُ بكونه تغيرُ أنهُ يتكلمُ بمشيئتهِ وقدرتهِ، وانه يحبُ من أطاعهُ ويفرحُ بتوبةِ التائبِ، ويأتي يومُ القيامةِ، قالوا لهم أهلُ السنةِ السلفُ الصالح: فهبَ أنكَ سميت هذا تغيراً، يعني لا يغيرُ من الحقيقةِ شيءً، أنتَ تسميهُ أنتَ خالفت أدلةَ الكتابِ والسنةِ، خلقت الفطرةُ السليمةُ، خالفت اللغةُ العربيةُ وسميتها تغيرٌ وهذا ليسَ تغيرٌ، فلمَ قلت إنَ هذا ممتنعٌ ؟ يعني أنَ هذا مستحيلٌ، فهذا محلُ النزاع، يقولَ شيخُ الإسلامِ فهذا محلُ النزاعِ، يعني الخلافُ بيننا وبينهم كما قالَ الرازي، وهوَ من كبارِ الكلابيةِ الأشاعرةَ، فالمقدمِ هوَ التالي، وقد ثبتَ في الأحاديثِ الصحيحةِ أنَ اللهَ يوصفُ بالغيرةَ وهيَ وهيَ مشتقةٌ من التغيرِ، فقالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في الحديثِ الصحيحِ: « لا أحد أغير من اللهِ أن يزنيَ عبده أو تزني أمتهُ»، وقالَ أيضا: «لا أحد أحبَّ إليهِ المدحُ من اللهِ من أجلِ ذلكَ مدحُ نفسهِ ولا أحد أحبَ إليهِ العذرُ من اللهِ، من أجلِ ذلكَ بعثَ الرسلُ، وانزل الكتبَ ولا أحد أغير من اللهِ من أجلِ ذلكَ حرم الفواحش ما ظهرَ منها وما وبطن»،  سبحان ربي و-تَعَالَى وتَقَدَّس- ما أرحمهُ وما أعدلهُ، وفي الحديثِ الصحيحِ أيضا لما قالَ سعد ابن عبادة رضيَ اللهُ عنهُ لو رأيتُ لكاعاً يعني قد تفقدها رجلَ لضربتهِ بالسيفِ، فقالَ: « أتعجبونَ من خيرةِ سعد ؟ لانا أغيرُ منهُ، واللهُ أغيرُ مني»، إلى هنا نقفُ ونكملُ في الدرسِ القادمِ إنَ شاءَ اللهُ، واللهُ أعلمَ، وصلى اللهُ وسلمَ على نبينا محمد.

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

، الحمدُ للهِ ربَ العالمينِ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفَ الأنبياءُ والمرسلينَ، نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ تسليما كثيرا، أما بعد: قالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ في كتابهِ «الصفاتِ الاختياريةَ»، (الحجةِ الرابعةِ قالوا حلولُ الحوادثِ بهِ أفولٌ، والخليلُ -يعني إبراهيم الخليل عليهِ الصلاةُ والسلامُ- قد قالَ لا أحبُ الآفلينَ، والآفل: هوَ المتحركُ الذي تقومُ لهُ الحوادثُ، فيكونُ الخليلُ قد نفى المحبةَ عن من تقومُ بهِ الحوادثُ فلا يكونُ إلها)، قلنا وقالهُ أهلَ العلمِ أنَ علماءَ الكلامِ علماءَ لغةٍ وهمَ عباقرةٍ في اللغةِ، لكن في هذا الموضعِ كذبوا، وهم كاذبونَ، في دعواهم، استدلوا في الآيةِ: ﴿ لا أحبُ الآفلين﴾ الأفولُ باتفاقِ أهلِ اللغةِ هوَ: المغيبَ والاحتجاب، الغَيبةِ والاحتجابِ، هذا هوَ معنى الآفلِ، قالوا هؤلاءِ المعطلةَ النفاة إبراهيم حينما بدا لهُ الكوكبُ ورآهُ ثمَ غابَ عنهُ أخبرَ أنهُ لا يحبُ الإثمُ وهوَ المحتجبُ، المغيَّب، فالذي تقوم بهِ الحوادثُ من احتجابٍ وغيبةٍ لا يكونُ إلهُ تعالى اللهِ عما يقولُ الظالمونَ علواً كبير، يعني جعلوا هذهِ القصةِ وهيَ عليهم لا لهمِ، دليلٌ على نفيِ الصفاتِ الفعليةِ الاختياريةِ عن اللهِ سبحانهُ وتعالى، يعني نحنُ ننزهُ اللهُ عن أن يظهرَ ثمَ يغيبُ، لأنَ هذهِ الطريقةِ نفاها إبراهيم حينما رأى الكوكبُ فاختفى، هكذا يقولونَ، فنحنُ ننزهُ اللهُ، أنَ يكونَ سميعاً، أو بصيراً أو متكلماً أو استوى أو نزلَ أو جاءَ أو أتى بعدَ إن لم يكن تعالىُ اللهِ أما يقولَ الظالمونَ علواً كبيراً، ووجهَ الاختلافُ واضحٌ فهذهِ صفةٌ لمخلوقِ، التغيبِ أما لطبيعة خلقتهُ، أو لما قدرهُ اللهُ عليهِ من الفناءِ والموتِ لكنَ اللهَ باقي دائمٌ بلا ابتداءٍ، قديم بلا ابتداءٍ، وهوَ الأولُ والآخرُ والظاهرِ والباطنِ، سبحانهُ، قالَ ابن كثير رحمهُ اللهُ في تفسيرهِ لقولهِ تعالى: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ [الأنعام:76]

، وقولهُ: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾، أي: تغشاهُ وسترهُ، ﴿رأى كوكباً﴾، أي: نجما، ﴿قالَ هذا ربي فلما أفلَ﴾، أي:  غابَ، فلما أفل، أي: غابَ هذا النجمِ، قالَ محمد بن إسحاق بن يسار: الأفولِ الذهابِ، قالَ ابن جرير رحمهُ اللهُ يقالُ: أفلا النجمِ يأفلُ ويؤثرُ أفولاً وأفل، إذا غابَ، ومنهُ قولُ الرمةِ:

 مصابيح ليست باللوات تقودها نجومٌ       ولا بالآفلاتِ الدوالك

 ويقال أينَ أفلتَ عنا؟ بمعنى أينَ غبتُ عنا ؟قالَ: ﴿لا أحبُ الآفلينَ﴾، قالَ قتادة: علمَ أنَ ربهُ دائمٌ لا يزولُ، سبحانَ اللهِ، يعني علمَ اللهِ سبحانهُ وتعالى هذهِ عليهِ، أنَ اللهَ دائمٌ لا يزولُ، أنَ ربهُ دائمٌ لا يزولُ، تعالى اللهُ وتقدسَ، قالَ الإمامُ عبدَ الرحمن السعدي في تفسيرهِ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ [الأنعام:76]، ﴿فلما جنَ عليهِ الليلُ﴾ أي: أظلمَ، رأى كوكباً لعلهُ من الكواكبِ المضيئةِ، لأنَ تخصيصهُ بالذكرِ يدلُ على زيادتهِ عن غيرهِ، ولهذا والله أعلمَ قالَ من قالَ إنهُ الزهرةُ، ﴿قالَ هذا ربي﴾، أي: على وجهِ التنزل معَ الخصمِ، أي: هذا ربي، فهَلُمَّ ننظر ؟ هل يستحقُ الربوبيةَ ؟ وهل يقومُ لنا دليلٌ على ذلكَ ? فإنهُ لا ينبغي لعاقلٍ أن يتخذَ إلههُ وهواهُ بغير حجة ولا برهان، ﴿فلما أفلَ﴾، أي: غابَ ذلكَ الكوكب، ﴿قالَ لا أحبُ الآفلينَ﴾، أي الذي يغيبُ ويختفي عمن عبده، فإنَ المعبودَ لا بدَ أن يكونَ قائماً بمصالحَ من عبده، ومدبراً لهُ في جميعِ شؤونهِ، فإما الذي يمضي وقت كثيرٍ وهوَ غائبٌ فمن أينَ يستحقُ العبادةَ ؟ وهل اتخاذهُ إلها إلا من أسفهِ السفهِ ؟  وأبطل الباطل؟ قالَ شيخُ الإسلامِ رحمهُ اللهُ: (والجوابُ أنَ قصةَ الخليجِ إبراهيم حجةً عليهم لا لهُ، وهم المخالفونَ لإبراهيم، ولنبينا ولغيرهم من الأنبياءِ) يعني نقولُ هؤلاءِ المعطلةَ، كيفَ يحتجونَ  في قولهِ تعالى على لسانِ إبراهيم في قولهِ تعالى: ﴿لا أحبُ الآفلينَ﴾ قالَ: أنتَم أساساً مخالفينَ للهِ، مخالفينَ لأنبيائهِ، مخالفينَ لإبراهيم، مخالفينَ لنبينا، مخالفينَ لغيرهِ من الأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وذلكَ أنَ اللهَ تعالى قالَ: ﴿ فلما جنَ عليهِ الليلُ رأى كوكبا﴾، ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * ﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام:76-79] .

 ، وقد أخبرَ اللهُ تعالى في كتابهِ أنهُ من حينِ بزغَ الكوكبُ والقمرُ والشمسُ والى حينِ أُفولها لم يقل الخليلُ، لا أحبَ البازغينِ ولا المتحركينَ ولا المتحولينَ ولا أحبُ من تقومُ بهِ الحركاتُ ولا الحوادثُ، ولا قالَ شيئا مما يقولهُ النفاة لهؤلاءِ المعطلاتِ حتى أفلَ الكوكب والشمس والقمر، والأفولِ باتفاقِ أهلِ اللغةِ والتفسيرِ: هوَ المغيبِ والاحتجابِ بل هذا معلومٌ بالاضطرابِ من لغةِ العربِ التي نزلَ بها القرآنُ، وهوَ المرادُ باتفاقِ العلماءِ، فلم يقل إبراهيم لا أحبُ الآفلينَ، حتى أفلَ وغابَ عن الأبصارِ، فلم يبقَ مرئياً ولا مشهوداً، حينئذٍ قالَ لا أحبُ الآفلينَ، وهذا يقتضي أنَ كونهُ متحركاً منتقلاً تقومُ بهِ الحوادثُ، بل كونه جسماً متحيزاً تقومُ بهِ الحواد لم يكن دليلاً عند إبراهيم على أن فيه محبتهِ، فإنَ كانَ إبراهيم إنما استدلَ بالأفولِ على أنهُ ليسَ ربُ العالمينِ، لأنَ ربَ العالمينِ دائم لا يزولُ كما زعموا، لزمَ من ذلكَ أن يكونَ ما تقدمَ الأفولُ من كونهِ متحركاً منتقلاً تحلهُ الحوادثُ بل ومن كونَ جسمُ متحيزاً، لم يكن دليلاً عند إبراهيم على أنهُ ليسَ بربَ العالمينِ، فيلزمُ أن تكونَ قصةُ إبراهيم حجةً على نقيضٍ مطلوبهم، لا على نفسِ مطلوبهم، يعني حجةً عليهم لا لهم، وهكذا نجدُ، أهلُ البدعِ، لا يكادونَ يحتجونَ بحجةِ سمعيةٍ، بحجةَ من القرآنِ الكريمِ أو السنةِ، والعقليةَ، ألا وهيَ عندَ التأملِ حجةً عليهم، لا لهم، ولكنَّ إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ لم يقصد بقولِ هذا ربي أنهُ ربُ العالمينِ، ولا كانَ أحدٌ من قومهِ يقولُ إنهُ ربُ العالمينِ، حتى يردَّ ذلكَ عليهم، بل كانوا مشركينَ مقرينِ بالصانعِ، وكانوا يتخذونَ الكواكبُ والشمسُ والقمرُ أربابا يدعونها من دونِ اللهِ، ويبنونَ لها الهياكلُ، وقالَ شيخُ الإسلامِ رحمهُ اللهُ: ولكنَ إبراهيم عليهِ السلاةم عليهِ السلامُ لم يقصد بقولِه: هذا ربي -ونحنُ نقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ- أنهُ ربُ العالمين،  ولا كانَ أحدٌ من قومهِ يقولُ إنهُ ربُ العالمينِ، حتى يُردَّ ذلكَ عليهِ، يعني قومُ إبراهيم لم يكونوا ملاحدةً، ولكنهم كانوا مشركينَ كفرةً، بل كانوا مشركينَ مقرينِ بالصانعِ، مقرينِ بتوحيدِ الربوبيةِ، وكانوا يتخذونَ الكواكبُ والشمسُ والقمرُ أرباباً يدعونها من دونِ اللهِ، يعني شوفوا يتقربونَ بهِ من دونِ للهِ، ويبنونَ لها الهياكلُ، وقولهُ: ﴿هذا ربي﴾، وهذهِ الفائدةُ من تفسيرِ البغوي رحمهُ اللهُ اختلفوا في قولهِ ذلكَ فأجراهُ بعضهم على الظاهرِ، يعني: وهذا ظاهرُ كلامه، وقالوا: كانَ إبراهيم عليهِ السلامُ مسترشداً طالبا للتوحيدِ، حتى وفقهُ اللهُ تعالى واتاهُ رشدهُ، فلم يضرهُ ذلكَ في حالِ الاستدلالِ، يعني:  أنَه في حالِ طلبِ الدليلِ لا يضرهُ ذلكَ، وسؤالَ اللهِ؛ لأنهُ يسألُ اللهُ أن يوفقه لتوحيدهِ، وأيضا كانَ ذلكَ في حالِ طفولتهِ قبلَ قيامِ الحجةِ عليهِ، فلم يكن كفراً، هذا قولٌ، القولُ الآخرُ: وأنكرَ الآخرونَ هذا القولِ، وقالوا لا يجوزُ أن يكونَ للهِ رسول يأتي عليهِ وقتُ من الأوقاتِ ألا وهوَ للهِ موحدٍ وبعارفٍ، ومن كلٍ ومن كلٍ معبودٍ سواهُ بريء، وكيفَ يتوهمُ هذا على من عصمةِ اللهِ وطهرهِ واتاهُ رشدهُ، من قبلُ وأخبرَ عنهُ فقالَ إذ جاءَ ربهُ بقلبٍ سليمٍ، وقالوا ﴿وكذلكَ نوري إبراهيم من ملكوتِ السماواتِ والأرضِ﴾، افتراهُ يعني: هل تراهُ ؟ أراهُ الملكوتَ ليوقنَ، فلما أيقنَ رأى كوكباً، قالَ هذا ربي معتقدا، فهذا ما لا يكونُ أبدا، ثمَ قالوا -يعني أصحابَ هذا القولِ، لعلَ هذا القولِ هوَ الصوابُ- فيهِ في قولهِ: ﴿هذا ربي﴾ هنا تأويل يعني تفسير لهذهِ الآية،ِ أحدها: يعني الأولُ: التفسيرَ الأولَ: أنَ إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ أرادَ أن يستدرجَ القومُ بهذا القولِ، ويعرفهم خطأهم وجهلهم، في تعظيمِ ما عظموهُ، وكانوا يعظمونَ النجومُ ويعبدونهُ ويرونَ أنَ الأمورَ كلها إليها، فأراهم أنهُ معظمٌ معَ ما عظموهُ، وملتمس الهدى من حيثُ ما التمسوهُ، فلما أفلَ أراهم النقصُ الداخلُ على النجومِ ليُثبتَ خطأَ ما يدعونَ، ومثلَ هذا مثلٌ الحواريِ الذي وردَ على قومٍ يعبدونَ الصنمُ، فاظهر تعظيمهُ فاكرموه حتى حتى صدروا في كثيرٍ من الأمورِ عن رأيهِ، إلى أنَ دهمهم عدوٌ فشاوروهُ في أمرهِ، فقالَ الرأيُ أن ندعوَ هذا الصنمِ حتى يكشفَ عنا ما قد أضلنا، فاجتمعوا حولهُ يتضرعون، فلما تبينَ لهم أنهُ لا ينفعُ ولا يدفعُ دعاهم إلى أن يدعَ اللهُ فدعوهُ فصرفَ عنهم ما كانوا يحذرونَ، فأسلموا، الوجهُ الثاني من التأويلِ، يعني التفسيرُ، التأويلُ هنا بمعنى التفسيرِ: أنهُ قالَ على وجهِ الاستفهامِ تقديرهُ: أهذا ربي؟ كقولهِ ﴿أفإن متُ فهمُ الخالدونَ؟﴾ أي: أفهم الخالدونَ؟ وذكرهُ على وجهِ التوبيخِ منكراً لفعلهِم، يعني ومثلَ هذا يكونُ رباً، أي: ليسَ هذا ربي، الوجهُ الثالثُ: أنهُ على وجهِ الاحتجاجِ عليهم، يقولَ هذا ربي بزعمكم فلما غابَ قالَ لو كانَ إلها لما غابَ، كما قالَ: ﴿ذق أنكَ أنتَ العزيزُ الكريمُ﴾، أي: عندَ نفسكَ وبزعمكَ، وكما أخبرَ عن موسى عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنهُ قالَ: ﴿وانظر إلى إلهكَ الذي ضلت عليهِ عاكفاً لنحرقنَه﴾ يريد إلهكَ بزعمكَ، والوجهُ الرابعُ: فيهِ إضمارُ وتقديرهُ: يقولونَ هذا ربي، كقولهِ: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة:127]، أي:  يقولون ربنا تقبلُ منا، ﴿فلما أفلَ قالَ لا أحبُ الآفلينَ﴾، أي: لا يحبُ ما لا يدومُ، ثمَ قالَ شيخُ الإسلامِ رحمهُ اللهُ-يعني هذا يدلُ على أنَ الشركَ وقعَ في توحيدِ الألوهيةِ، دونُ توحيدُ الربوبيةِ، وقد صُنفت في مثلٍ مذهبهم كتبَ، مثلٌ كتابِ  «السرُ المكتوبُ والكنزُ المختومُ في علمِ الطلسمات والسحرُ والنجومِ»، وابنُ عربيٍ صاحبِ الحلولِ والإلحاد لهُ أمورٌ بهذهِ الكتبِ، لأنهم أهلُ شعوذةٍ، وأهلَ سحرٍ، وأهل كفرٌ باللهِ أعاذنا اللهُ وإياكم من حالهم وأعمالهم ومالهم، وبلدَ العراقِ يقالُ إنَ نوح عليهِ الصلاةُ والسلامُ وقومهِ كانوا في العراقِ، ومنهُ ثارَ التنورُ، أعاذنا اللهُ وإياكم من الفتنِ وأهلها، ولهذا قال الله تعالى: ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ  * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء:74-77]. تبرأَ منهُ، لا إلهَ إلا اللهُ، وقالَ تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة:4] .، ولهذا قالَ الخليلُ في تمامِ الكلامِ: ﴿إني بريءٌ مما تشركونَ﴾، وهذا معنى لا إلهَ إلا اللهُ، ﴿إني وجهت وجهي للذي فطرَ السماواتِ والأرضِ حنيفاً وما أنا من المشركينَ﴾، أقولها: إني وجهت وجهي الذي فطرِ السماواتِ والأرضِ حنيفاً وما أنا من المشركينَ، يبينَ أنهُ إنما يعبدُ اللهُ وحدهُ، يوجهَ وجههُ فإنهُ إذا توجَهَ قصْدهُ إليهِ، تبعَ قصْدهُ وجههُ، الوجهُ موجهٌ حيثُ يتوجهُ القلبُ فصارَ قلبهُ وقصدهُ ووجههُ متوجها إلى اللهِ -تَعَالَى وتَقَدَّس-، ولهذا قالَ: - يعني إبراهيم الخليل عليهِ الصلاةُ والسلامُ- ﴿وما أنا من المشركينَ﴾، لم يذكر أنها أقرَ بوجودِ الصانعِ، لأنَّ هذا كانَ معلوماً عندَ قومه، لم يكن ينازعونَ في وجودٍ فاطرٍ السماواتِ والأرضِ، لأنهم يقرونَ في توحيدِ الربوبيةِ، وإنما كانَ النزاعُ والخلافُ والخصومةُ في عبادة غيرِ اللهِ، يعني في توحيدِ الألوهيةِ، واتخاذهُ رباً، فكانوا يعبدونَ الكواكبُ السماويةُ، ويتخذونَ لها أصناما أرضيةً، وهذا النوعُ الثاني من الشركِ فإنَ الشركَ في قومِ نوح كانَ أصلهُ من عبادهِ الصالحينَ، أهلُ القبورِ ثمَ صوروا تماثيلهم، فكانَ شركهم بأهلُ الأرض، إذ كانَ الشيطانُ إنما يظنُ الناسُ بحسبِ الإمكانِ، فكان تزيينةُ أولَ الشركِ بالصالحينَ أيسرَ عليهِ، ثمَ قومَ إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ انتقلوا إلى الشركِ بالسماوياتِ، يعني كلامهُ: إنما يظنُ الناسُ بحسبِ الإمكانِ، يعني: على حسبِ طبيعتهم ومعرفتهم وعلمهم، فإذا كانَ جاهلُ صوَّرَ لهُ عبادةُ حسبَ جهلهِ، وإذا كانَ عندهُ علمُ صوَّرَ لهُ عبادةُ حسبَ علمهِ، أعاذنا اللهُ وإياكم، من الشيطانِ، ولهذا إبراهيم الخليل عليهِ الصلاةُ والسلامُ قالَ: ﴿واجبني وبنيَ أن نعبدَ الأصنام﴾، فيأتيهُ، يأتيهم الشيطانُ على حسبِ أهوائهم، مقدارهم وعلمهم -أعاذنا اللهُ وإياكم مننا والشيطانِ والنفسِ- ثمَ قوم إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ انتقلوا إلى الشركِ بالسماوياتِ، لأنهُ عندهم علمٌ في الأفلاكِ والنجومِ ونحوها، وضعوا لها الأصنامُ بحسبِ ما رأوهُ من طبائعها، يصنعونَ لكلِ كوكبِ بيتاً وطعاماً وخاتماً وبخور وأقوالاً تناسبُه، يعني: وضعوا لهُ شريعةٌ وعبادةٌ من دونِ اللهِ سبحانهُ وتعالى فقط من أهوائهم بيتا لهذا الصنم، وطعاماً للسدنة ولمن أتاهُ زائراً، وخاتماً، هذا الخاتم نوع عملهِ ممكنٍ عندَ السدنةِ، أعاذنا اللهُ وإياكم من عملهِ، وبخوراً وأقوالاً تناسبهُ، وقد سألت بعضَ الإخوةِ المختصينَ ببيعِ البخورِ والطيب، عن اختفاءٍ نوعٌ طيبٌ من البخورِ يعني قبلَ ثلاثينَ سنةَ خمسةِ وثلاثينَ سنةً، كانَ هناكَ نوع طيبٌ سبحان اللهِ ويباعُ في الأسواقِ منتشر، فاختفى وكنتَ أتساءلُ ما سببَ اختفائهِ ؟ فجاءَ أحدُ الإخوةِ ممن بيعهُ وشراءه في الطيبِ وسألتهُ هذا السؤالِ، فقالَ: إنَ أهلَ الأصنامِ والأوثانِ في الهندِ والصينِ واليابانِ، همُ السببِ في قلةِ هذا البخورِ، وذلكَ أنهم يشترونَ لأصنامهم وأوثانهم، ويبخرونها فيهِ، فلم ينفعهم تطورهم الماديُ، لأنَ الناسَ بحاجةِ إلى دعوة التوحيدِ والسنةِ، الناسُ يعيشونَ خواء روحي، فهمُ فهمِ بحاجةِ إلى دعوةٍ سنيةٍ سلفيةٍ دعوةٍ إلى توحيدِ اللهِ وتعظيمِ اللهِ، وهوَ ما يعرفُ بتقويةِ الوازعِ الدينيِ، وذلكَ عن طريقِ التوحيدِ، آلان في البلادِ أيَ بلدِ الوضع مفتوح أمامكَ، يا داعية التوحيدِ والسنةِ، في أمريكا، في دولِ أوروبا في روسيا في الصينِ، المجالُ مفتوحٌ لمن أرادَ الدعوةَ إلى اللهِ، لمن أرادَ الدعوةَ إلى توحيدِ اللهِ، وهذهِ دعوةُ الأنبياءِ والمرسلينَ عليهم الصلاةُ والسلامُ، ودعوةُ المصلحينَ أمثالَ شيخِ الإسلامِ ابن تيمية وأمثالُ شيخِ الإسلامِ محمد ابن عبدِ الوهاب رحمهم اللهُ، لكنَ وقفت وصدَّت عن الدعوةِ، جماعةٌ، خارجيةُ اسمها جماعةَ الإخوانِ المسلمين، همها السياسةُ، همها أمورُ الدنيا، فآذت المسلمينَ، آذت حكامَ المسلمينَ، آذت الرعيةُ، نشرت إستحلال دماءً المسلمينَ، نشرت التكفيرَ، نشرت الفرقةُ بينَ المسلمينَ، حتى لمِ تسلمِ منهُم الدولُ الكافرةُ، حتى الدولِ الكافرةِ الآنِ ينتظرون دعوةَ التوحيدِ والسنةِ، لكنَ هذولا الإخوانيةَ اشغلوا الناسَ بالكراسيّ، وفي الأمورِ السياسيةِ وفي أمورِ الدنيا، وصدوا عن سبيلِ اللهِ، بالرغمِ أنا نلمس وللهِ الحمدِ من حكامِ المسلمينَ، من خلالِ خطاباتهم من خلالِ، من خلالِ كلامهم محبتهم للخيرِ، محبتهم للا سلامِ وأهلهُ، لكنهم يرفضونَ ويرفضها كلُ علماءِ السنةِ ويرفضها الكتابُ والسنةُ، يرفضونَ العنف، يرفضونَ تكفير المسلمينَ، يرفضونَ قتلُ المسلمينَ، الآن العالمَ مفتوحٌ، تقدر تلقى درساً وتتكلمُ في أيِ مكانٍ ولا يصدكَ صاد، لكن من الذي يمنعُ الناسُ؟ الآنَ  تمنعهم جماعةُ الإخوانِ المسلمين، شوهت الإسلامَ باسمِ الإسلامِ والإسلام بريءٍ منهُ، أعاذنا اللهُ وإياكم من ذلكَ، ثمَ قالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية:  (وهذا كانَ قد اشتهرَ على عهدِ إبراهيم أمامَ الحنفاءِ)، الذي يلاحظُ من قومِ إبراهيم كانوا يشتهرونَ بعلمِ الفلكِ، وقومَ موسى يشتهرونَ بالسحرِ، فيرسلُ اللهُ لهم آياتٌ، تعجزهم وتبينَ لهم آياتٌ باهرةٌ، وحججُ ظاهرةٍ تبينَ الحقُ وتوضحُ لهُ، حتى حينما تبينَ للسحرةِ وأكلت ما يأفكون قالَ السحرةُ: ﴿أنا أمنا بربنا﴾، قبلها قبلَ قولهِ تعالى: ﴿إنا أمنا بربنا ليغفرَ لنا خطايانا وما اكرهتنا عليهِ من السحر، واللهُ خيرٌ وأبقى﴾، تبينَ لهم الحقُ فلم يردهم سبحانهُ عن قبولِ الحق شيء، ثمَ في عهدِ عيسى عليهِ الصلاةُ والسلامُ كانَ الرومُ يشتهرونَ في الطبِ فجعلَ اللهُ على يديهِ يحيي الموتى ويبرئُ الاكمى و الأبرصُ، معجزاتٌ لا إلهَ إلا اللهُ، قالَ شيخُ الإسلام: (وهذا كانَ قد اشتهرَ على عهدِ إبراهيم أمامَ الحنفاءَ ولهذا قالَ الخليلُ إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ﴿ماذا تعبدُون أإفكا آلهةً دونَ اللهِ تريدونَ﴾ يعني: افتراء وكذب آلهتكم هذه، دونُ اللهُ تريدونَ ، ﴿فما ظنكم بربَ العالمينِ ?﴾ اللهُ سبحانهُ وتعالى وهذهِ من أعظمِ الحججِ على النفاة، أنهُ يسمعُ ويرى بعلمهِ وقدرتهِ وإحاطتهِ رد على المعطلِ الجهمية، موجودُ اللهِ سبحانهُ وتعالى بعلمهِ وقدرتهِ وإحاطتهِ ﴿فما ظنكم بربَ العالمينِ ﴾ وقالَ لهم: ﴿أتعبدونَ ما تنحتونَ ﴾ يعني: أشجار وأحجار تضعونها تماثيلَ ثمَ تعبدونها، هذهِ آلهةَ واللهَ خلقكم وما تعملونَ، أنتم وأعمالكم خلقكم اللهُ، هذا كونهُ قدراً لكنَ جعلَ للإنسانِ مشيئةً بينَ لهُ الحقُ وأرسلَ لهُ الأنبياءُ، ووضح لهم المعجزاتُ، وأعذرهم وأنذرهم وحذرهم، لكنهم أرادوا العمى، بعدُ البصيرةِ، والضلالة بعدَ الهدى، وقصةُ إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ قد ذُكرت في غيرِ موضعِ من القرآنِ معَ قومهِ، إنما فيها نهيهم عن الشركِ، خلافُ قصةِ موسى معَ فرعون فإنها ظاهرةٌ في أنَ فرعون كانَ مظهراً الإنكارَ للخالقِ وجحودهِ، ﴿وجحدوا بها﴾، حتى من جحودهِ، لكن في أنفسهم مقرينِ، بتوحيدِ الربوبيةِ ﴿وجحدوا بها﴾، وقد ذكرَ اللهُ عن إبراهيم الخليل عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنهُ حآج الذي حآجةً في ربهِ في قولهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ [البقرة:258]

، فجابَ رجلينِ، قالَ لواحدِ امشِ، وقالَ لآخر اقتلوهُ فقتلهُ، ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ [البقرة:258] ، فهذهِ استدلَ عليهم بالشمسِ والمشرقِ، لأنَ قومُ إبراهيم يعبدونَ الكواكبُ، قالَ أنتَ أحييتُ هذا وأميتهِ كما وهوَ غيرُ صحيحٍ، بل هذا خلى سبيل وهذا قتلهُ، وبما أنهم يعبدونَ الكواكبُ من دونِ اللهِ ويعبدونَ الشمسَ والقمرَ، قالَ هذهِ الشمسِ، يأتي بهِ اللهُ من المشرقِ فأتَ بها من قالَ تعالى فبهتَ الذي كفرَ، فهذا قد يقالُ إنهُ كانَ جاحدا للصانعِ، ومعَ هذا في القصةِ ليست صريحةً في ذلكَ، بل يدعو الإنسانُ إلى عبادةِ نفسهِ، وإن كانَ لا يُصرِّحُ بإنكارِ الخالقِ مثلٍ إنكارِ فرعون، وفي قصةِ فرعون معَ موسى عليهِ الصلاةُ والسلامُ دلالةً واضحةً، حتى فرعون في قولهِ تعالى: ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلواً انظر كيفَ كانَ عاقبةً المفسدينَ﴾، وجحدوا قالَ الشيخُ السعدي رحمهُ اللهُ: ﴿وجحدوا بها﴾، أي: كفروا بآياتِ اللهِ جاحدينَ لهُ ﴿واستيقنتها أنفسهم﴾ أي: ليسَ جحدهم -اسمعوا هنا الشاهدَ- أي: ليسَ جهدُ لهم مستنداً إلى الشكِ والريبِ، وإنما جحدهم علمهم ويقينهم بصحتها، ظلماً منهم لحقَ ربهم، ولأنفسهم وعلوا على الحقِ وعلى العبادِ وعلى الانقيادِ للرسلِ، فانظر كيفَ كانَ عاقبةً المفسدينَ أسوأَ عاقبةٍ دمرهم اللهُ وغرَّقهم في البحرِ وأخزاهم وأورثَ مساكنهم من المستضعفينَ من عبادهِ، وبكلِ حالِ وقصةَ إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ إلى أن تكونَ حجةً عليهم أقربُ منها إلى أن تكونَ حجةٌ لهُ، يعني قصةَ إبراهيم هيَ واقعةُ وحادثةُ حجةً عليهِ، وهذا بيِّنَ يعني: هذا أمرٌ واضح وللهِ الحمدِ، بل ما ذكرهُ اللهُ عن إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ يدلُ على أنهُ كانَ يثبتُ ما ينفونهُ عن اللهِ، يعني إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ يثبتُ خلافا لغلاةِ الجهميةِ والمعتزلةِ، يثبتَ الصفاتِ، أنَ إبراهيم قالَ إنَ ربي لسمعِ الدعاءِ، هذا خلافٌ بالمعتزلةِ، ويثبتَ الصفاتِ الفعليةَ الاختياريةَ، إ﴿نَ ربي لسميعٍ الدعاءِ﴾، والمرادَ بهِ أنهُ يستجيبُ الدعاءُ كما يقولُ المصلي سمعَ اللهُ لمن حمدهُ، لمن حمدهُ إنما يسمعُ الدعاءُ ويستجيبُ بعدَ وجودهِ لا قبلَ وجودهِ، يعني حينما يقولُ المصلي سمعَ اللهُ لمن حمدهُ، قالَ اللهُ ربنا ولكَ الحمدُ، استماع اللهِ، واستجابته للدعاءِ، بعدُ وجودهِ يعني بعدَ قولِ المصلي، كما قالَ اللهُ تعالى: ﴿قد سمعَ اللهُ قولَ التي تجادلكَ في زوجها وتشتكي إلى اللهِ، واللهُ يسمعُ تحاوركما﴾، فهيَ تجادلُ وتشتكي حال سمع اللهُ تحاورهما، وهذا يدلُ على أن سمعكَ رؤيةَ المذكورةِ في قولهِ: ﴿وقلَ اعملوا فسيرى اللهُ عملكم﴾، فسيرى اللهُ عملكم ورسولهُ، والمؤمنونَ وقالَ ثمَ جعلناكم خلائفَ في الأرضِ، من بعدهم لننظرَ كيفَ تعملونَ، لننظر بعدَ جهلهم، فهذهِ رؤيةٌ مستقلةٌ، ونظرَ مستقلٌ، وقد تقدمَ أنَ المعدومَ لا يرى ولا يُرى، ولا يسمعُ ولا يسمعُ منفصلاً عن الرائي، السامعَ باتفاقِ العقلاءِ، وجدت الأقوالُ والأعمالُ سمعها ورآها والرؤيا والسمعَ أمرٌ وجودي لابد لهُ من موصوفٍ يتصفُ بهِ، يعني لا هوَ الرؤيةُ يرى يسمعُ هذا أمرٌ وجوديٌ لا بدَ لهُ  من موصوفٌ وهوَ اللهُ يتصفُ بهِ على الوجهِ اللائق بربنا، فإذا كانَ هوَ الذي رأى وسمعَ امتنعَ أن يكونَ غيرهُ هوَ المتصلُ بهذا السمعِ وهذهِ الرؤيةُ، وامتنعَ كذلكَ وأن تكونَ قائما بغيرهِ، فتعينُ قيامَ هذا السمعِ وهذهِ الرؤيةُ بهِ، بعدٌ أنَ خلقت الأعمالُ والأقوالُ وهذا قطعيٌ لا حيلة فيهِ، هذا دليلٌ عقليٌ قطعيٌ، لا حيلةً فيهِ، يستحيلَ ممتنعٌ الردِ على هذا هذهِ الحجةِ العقليةِ، وقد بُسطَ الكلامُ على هذهِ المسألةِ وما قالهُ فيها عامة الطوائفُ في غيرِ هذا الموضعِ، كما سبقَ، وكما في عدةِ كتبِ لهُ رحمهُ اللهُ، وحكيت ألفاظُ الناسِ وحججهم بحيثُ يتيقنُ الإنسانُ أنَّ النافيَ ليسَ معهُ حجةً، لا سمعيةً من الكتابِ والسنةِ، ولا عقليةً صحيحةً، وان الأدلةَ العقليةَ الصريحةَ موافقةً لمذهبِ السلفِ، وأهلَ الحديثِ، وعلى ذلكَ يدلُ الكتابُ والسنةُ معَ الكتبِ المتقدمةِ التوراةِ والإنجيلِ والزبورِ، وقد اتفقَ عليها نصوصُ الأنبياءِ وأقوالِ السلفِ وأئمةِ العلماءَ، ودلت عليها صرائحُ المعقولاتِ، فالمخالفُ فيها، يعني: كلُ هذهِ الأمورِ تدلُ على اتصافِ اللهِ بالصفاتِ التامةِ الكاملةِ التي وصفَ فيها نفسهُ كتاباً وسنة، وذكرت للتراثِ والإنجيلِ والزبورِ، وقد اتفقَ عليها نصوصُ الأنبياءِ، ويدلَ عليها الكتابُ والسنةُ معَ الكتبِ المتقدمةِ التوراةِ والإنجيلِ والزبورِ، معَ اتفاقٍ عليها نصوصُ الأنبياءِ وأقوالِ السلفِ، وأئمةُ العلماءَ ودلت عليها صرائحُ المعقولاتِ، العقولُ الصحيحةُ السليمةُ غيرَ المنحرفةِ تدلُ على هذا الأمرِ، فالمخالفُ فيها كالمخالفِ في أمثالها ممن ليسَ معهُ حجةً، لا سمعيةً ولا عقليةً، بل هوَ شبيهٌ بالذينَ قالوا: ﴿لو كنا نسمعُ أو نأكلَ ما كنا في أصحابِ السعيرِ﴾، أعوذُ باللهِ قالَ اللهُ تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج:46] ، والى هنا نقفُ وسنتحدثُ عن مسألة، وهيَ قولهُ تعالى: ﴿فإنها لا تعمى الأبصارُ﴾، يقول: فإنها لا تعمى أبصارهم، أي: يبصرُ بها الأشخاصُ ويروها بل يبصرونَ ذلكَ بأبصارهم، ولكن تعمى قلوبهم التي في صدورهم عن أنصارِ الحقِ ومعرفتهِ، يقولَ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ما في الصحيحينِ: «أنَ في الجسدِ مضغةٌ، إذا صلحت صلحَ لها سائرِ الجسدِ، وإذا فسدت فسدَ لها سائرِ الجسدِ﴾، فالعقلُ في القلبِ، مثلٌ البصرِ في العينِ، يراد بهِ الإدراكُ تارةً ويراد بهِ القوةُ التي جعلها اللهُ في العينِ، يحصلَ بهِ الإدراكُ، هذا من كلامِ شيخِ الإسلامِ ابن تيمية، أنَ العقلَ ليسَ في الدماغِ بل في القلبِ، ﴿لهم قلوبٌ لا يفقهونَ بها﴾، ﴿ٍأفلم يسيروا في الأرضِ فتكون، لهم قلوبٌ يعقلونَ بهِ﴾، ﴿أنَ في ذلكَ لذكرى لمن كانَ لهُ قلبٌ أو ألقى السمعُ وهوَ شهيدٌ﴾، كما في الأثرِ عن ابن عباس: بما بماذا نلتُ العلمُ ؟ قالَ: بلسانٍ سؤول وقلبٌ عقولُ، هذا هوَ ما أردنا إيضاحهُإتماماً للفائدةِ في مسألةِ العقل في القلبِ أم في الرأسِ، يقولَ الإمامُ ابن باز رحمهُ اللهُ كما في الموقعِ الرسميِ: ليسَ هناكَ منافاةٌ بينَ ما في النصوصِ، في أنَ القلبَ هوَ محلُ الصلاحِ والفسادِ، وما يقولهُ الأطباءُ من جهةِ المخِ فإنَ الدماغَ لهُ صلةٌ بالقلبِ والقلبِ لهُ صلةٌ بالدماغِ، كما قالَ أهلَ العلمِ، ولهذا قالَ جل وعلا في كتابهِ العظيمِ: ﴿أفلم يسيروا في الأرضِ تكونُ لهم قلوبٌ يأكلونَ بها﴾، فجعلَ العقلُ يتعلقُ بالقلبِ، فالعقلُ محلهُ القلبَ، ولكن لهُ صلةٌ بالدماغِ، إذا خربَ الدماغُ اختلَ العقلُ، فالقلبُ لهُ ارتباطٌ بالدماغِ والدماغِ لهُ ارتباطٌ بالقلبِ، فإذا اختلَ هذا اختلَ هذا وإذا اختلَ هذا اختلَ هذا، فليسَ هناكَ منافاةٌ بينما قالهُ الأطباءُ عن الدماغِ وبينما دلَ عليهِ القرآنُ والسنةُ، من أنَ القلبَ هوَ محلُ الصلاحِ والفسادِ، فالقلبُ متى صلح ، صلح الجسدِ كلهِ كما في الحديثِ، وما ومتى فسد فسد الجسدُ كلهُ، لأنهُ محلُ الإيمانِ محلَ الخوفِ من اللهِ ومحلِ تعظيمِ حرماتِ اللهِ، لكن لهُ ارتباطٌ بالدماغِ، فإذا اختلَ الدماغُ اختلَ القلبُ وهذا معروفٌ عن عندَ الأطباءِ، معروف بالتجاربِ، فإنهم متى أصيبَ الرجلُ في رأسهِ ، اختلَ شعورهُ كثيرا في كثيرٍ من الأحيانِ بالضربةِ التي تكونُ في رأسهِ، فالحاصلُ أنَ الرأسَ لهُ صلةٌ بالقلبِ، والقلبُ لهُ صلةٌ بالدماغِ، فلا منافاةً بينَ هذا وهذا، إذ بعدَ سؤالٌ وجهِ لهُ رحمهُ اللهُ في الفرقِ، يعني في سؤالِ هل العقلُ في القلبِ أم في الرأسِ ؟ واللهُ أعلمَ وصلى اللهُ وسلمَ على نبينا محمد.

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

 الحمدُ للهِ ربَ العالمينِ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفَ الأنبياءُ والمرسلينَ، نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ تسليما كثيراً، أما بعد:

 فهذا إكمالٌ لشرحِ كتابِ شيخِ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ، وقفنا عندُ قولهِ (ولكنَ هذهِ المسألةِ ومسألةِ الزيارةِ وغيرهما حدثَ من المتأخرينَ فيها شبهُ وأنا وغيري كنا على مذهبِ الآباءِ في ذلكَ نقولُ في الأصلينِ بقولِ أهلِ البدعِ)، شيخ الإسلامِ رحمهُ اللهُ في هذهِ المسألةِ يبينُ الحقُ في مسألةِ الصفاتِ الاختياريةِ، ذكرنا سابقا أنَ الصفاتِ الاختياريةَ، أنها الأمورُ التي يتصفُ بها الربُ عزَ وجلَ فتقوم بذاتهِ، بمشيئتهِ وقدرتهِ، مثل: كلامهِ وسمعهِ وبصرهِ وإرادتهِ ومحبتهِ ورضاهُ ورحمتهِ وغضبهِ وسخطهِ، ومثلَ: خلقهُ وإحسانهُ وعدلهُ ومثلَ استوائهِ ومجيئهِ وإتيانهِ ونزولهِ، ونحوُ ذلكَ من الصفاتِ التي نطقَ بها الكتابُ العزيزُ والسنةُ، هذا معتقدُ أهلِ السنةِ والجماعةِ، خالفهم وشذَّ عنهم، وخالفَ الكتابُ والسنةُ وإجماعُ المسلمينَ الجهميةِ، ومن وافقهم من المعتزلةِ، وغيرهم يقولونَ لا يقومُ بذاتهِ شيءٌ من هذهِ الصفاتِ، ولا غيرهُ، والكلابيةَ وهمَ الاشاعرة يسمونَ الإشاعرة الآنَ ومن وافقهم من السالميةِ وغيرهم يقولونَ تقومُ صفاتٍ تقومُ تقومُ صفاتِ بغيرِ مشيئتهِ وقدرتهِ، وكلا هذهِ المذاهبِ باطلةً، الأولَ نفى الصفاتِ كلها، والثاني نفى الصفاتِ الفعليةَ، ونفى أن تكونَ هذهِ الصفاتِ بغيرِ مشيئتهِ وقدرتهِ، تعالى الله وتقدسَ عما يقول الظالمونَ علو كبيرٍ، قول شيخُ الإسلامِ (ولكنَ هذهِ المسألةِ ومسألةِ الزيارةِ، وغيرهم حدثَ من المتأخرينَ فيها شبهٌ، وأنا وغيري كنا على مذهبِ الآباءِ في ذلكَ نقولُ في الأصلينِ بقولِ أهلِ البدعِ)، هكذا وردَ عن شيخِ الإسلامِ رحمهُ اللهُ، لكنَ لعلهُ الخطأُ الوحيدُ الذي ذكرهُ ثمَ ذكرَ توبتهُ منهُ يقولُ في «إقتضاءِ الصراطِ المستقيمِ» (المجلد2/339): (وقد ذكرَ طائفةً من المصنفينَ في المناسكِ استحبابَ زيارةِ مساجدَ مكةَ وما حولهُ، وكنتُ قد كتبتها في منسكَ كتبتهُ قبلَ أن أحجَ في أولِ عمري، لبعضِ الشيوخِ جمعتهُ من كلامِ العلماءِ، ثمَ تبينَ لنا أنَ هذا كلهُ من البدعِ المحدثةِ التي لا أصلَ لها في الشريعةِ، وإن السابقينَ الأولينَ من المهاجرينَ والأنصارِ رضيَ اللهُ عنهم، لم يفعلوا شيئا من ذلكَ، وان أئمةَ العلمِ والهدى ينهونَ عن ذلكَ، وان المسجدِ الحرامِ هوَ المسجدُ الذي شُرعَ لنا قصدهُ للصلاةِ والدعاءِ والطوافِ وغيرِ ذلكَ من العباداتِ، ولم يشرع لنا قصدُ مسجدٍ بعينهِ بمكة سواهُ، ولا يصلحُ أن يجعلَ هناكَ مسجدٌ يزاحمهُ في شيءِ من الأحكامِ، وما يفعلهُ الرجلُ في مسجدٍ من تلكَ المساجدِ من دعاءٍ وصلاةٍ وغيرَ ذلكَ، إن فعلهُ في المسجدِ الحرامِ كانَ خيراً لهُ بل هذهِ سنةٌ مشروعة، وأما قصد مسجد غيرهِ هناكَ تحرياً لفظله فبدعةِ غير مشروعةٍ)، بين رحمهُ اللهُ أنهُ قالَ في خطأينِ، الخطأُ الأولُ: في مسألةِ الصفاتِ الاختياريةِ وانهَ رجعَ إلى معتقدِ أهلِ السنةِ والجماعةِ في هذهِ المسألةِ، وانهَ كانَ على مذهبِ الآباءِ سابقا، نقولُ في الأصلينِ،  الأصلينِ لعلها أصولُ الدينِ العقيدةِ أو الفقهِ أو لعلها أرادَ بهذا هذا الأصلينِ يعني: في أصلِ الصفاتِ الاختياريةِ أو في أصلِ الزيارةِ أو شدِ الرحلِ يغيرُ المساجدَ الثلاثةَ بقولِ أهلِ البدعِ، ثمَ رجعَ إلى ما كانَ عليهِ معتقدُ أهلِ السنةِ والجماعةِ، المتبع فيهِ كلامُ اللهِ وسنةِ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وما عليهِ هديُ السلفِ الصالحِ من الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم والتابعينَ رحمهم اللهُ، يقولَ: (فلما تبينَ لنا ما جاءَ بهِ الرسولُ دارَ الأمرِ، بينَ أن نتبعَ ما أنزلَ اللهُ أو نتبعَ ما وجدنا عليهِ آباءنا)، يعني حينما وقفنا على الحقيقةِ، وقفنا على هذهِ المسائلِ في الأدلةِ ثابتةً من كلامِ اللهِ ومن سنةِ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وما كانَ عليهِ الصحابةُ دارَ الأمرِ، إما أن نتبعَ ما أنزلَ اللهُ، أو نتبعَ ما وجدنا عليهِ آبائنا، فكانَ الواجبُ يقولُ شيخ الإسلام: (هوَ اتباعُ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وإلا نكون ممن قيلَ فيهِ، ﴿وإذا قيلَ لهم اتبعوا ما أنزلَ اللهُ قالوا بل نتبعُ ما وجدنا عليهِ آباءنا﴾، وقد قالَ تعالى: ﴿قالَ أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليهِ آباءكم﴾، وقالَ تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت:8] .)، ثمَ قالَ رحمهُ اللهُ: ( فالواجبُ اتباعُ الكتابِ المنزلِ، والنبيُ المرسلُ، وسبيل من أنابَ إلى اللهِ)، الكتابُ اتباعَ الكتابِ وسنةِ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وسبيل من أنابَ سبيلهم (واتباعُ هديِ السلفِ الصالحِ، وسبيل من أنابَ إلى اللهِ فاتبعنا الكتابُ والسنةُ كالمهاجرينَ والأنصارُ هذا، هؤلاءِ هم السلفُ رضيَ اللهُ عنهم، دونُ ما خالفَ ذلكَ من دينِ الآباءِ وغيرِ الآباءِ، واللهُ يهدينا وسائرُ إخواننا إلى الصراطِ المستقيمِ، صراط الذينَ أنعمَ عليهم من النبيينَ والصديقينَ، والشهداءُ والصالحينَ وحسنِ أولئكَ رفيقاً)، وفي هذهِ المناسبةِ نحمدُ اللهُ الواحدُ الأحدَ أنَ من علينا بنعمةِ التوحيدِ والسنةِ، وبنعمةِ اتباعِ هديِ سلفِ الأمةِ من الصحابةِ والتابعينَ رضيَ اللهُ عنهم، ومن أئمةِ الهدى كشيخُ الإسلامِ ابن تيمية وابنَ القيمِ وشيخِ الإسلامِ محمد ابن عبدِ الوهاب والإمامِ الألبانيِ وابنِ باز والعثيمين وربيع المدخلي، وعبيد الجابري، ومقبل الوَ ادعى، ومحمد أمانِ الجامي، وأحمد النجميِ ونحوهم من أئمةِ السنةِ وإعلامِ الهدى وشيوخِ الإسلامِ، ويقولَ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كما في سننِ الترمذي، وصححهُ الإمامُ الألبانيُ رحمهُ اللهُ، «من لم يشكر الناسُ لم يشكرُ الله»، فاتقدم بالشكرِ للهِ الواحدِ الأحدَ، هوَ المستحقُ وحدهُ، المدحُ، والحمدُ، والثناءُ، سبحانهُ، ثمَ الشكرِ، لهذهِ الدولةِ، السعوديةُ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ، على تعليمها لنا، الكتابُ والسنةُ، بفهمِ سلفِ الأمةِ، تعليمهم لنا التوحيدُ والسنةُ، فجزاهم اللهُ عنا خيرُ الجزاءِ، لم أجد وهذا مشاهد وحقيقة وواقع، دولةُ تعظِّم الكتابِ والسنةِ، تحرصَ على التوحيدِ والسنةِ، مثلٌ هذهِ الدولةِ المباركةِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، ليسَ فيها ضريحٌ يعبدُ، ولا قبر يشدُ إليهِ الرحالُ، بل توحيداً وسنةٌ، وهذهِ المملكةُ الطيبةُ المباركةُ، في مراحلها الثلاثِ حرصت على التوحيدِ وحرصت على نشرهِ وبيانهِ والتحذيرِ من البدعِ، ومن الشركِ، ومن عبادةِ القبورِ من دونِ اللهِ وتعظيمِ أهلها، فكانَ كما قيلَ: "جزاءُ ناقةِ الحجِ عقرها" واجهت من أهلِ البدعِ تعيير ونبزُ، وسميت الدولةُ أو سميَ أهلها، الوهابيةَ، الوهابيةَ في التاريخِ، على قسمينِ، الوهابيةَ الرستمية، وهؤلاءِ روافضُ، ثمَ الوهابيةُ وهم من ينسبونَ أو يتبعونَ دعوةُ الشيخ محمد بن عبدِ الوهاب، وهذهِ دعوةُ قائمةٍ على الكتابِ والسنةِ بفهمِ سلفِ الأمةِ، وأما تعييرهم  بالوهابيةِ فهذا نبذٌ وتعييرٌ، والمعطلةَ الجهمية كما ذكرَ عنهم يسمونَ أهلُ السنةِ الحشويةِ ويسمونهم ممثلةَ فهمٍ يجيدونَ التعييرُ، يجدونَ فنُ التعييرِ والنفسِ، ولا يعرفونَ حقا، ولا ينصرونهُ، بل يؤيدونَ الباطلُ، ويظهرونهُ ويرمونَ الأبرياءَ بما هم فيهِ من باطلٍ، ثمَ تعرضت الدولةُ السعوديةُ إلى غزوٍ غاشمٍ من الدولةِ التركيةِ الظالمةِ السباحَ فيها دماءٌ المسلمينَ في نجد، وقتلوا الأئمةَ، من آل سعود والأئمةِ من آل الشيخُ وانتهكوا الاعراض ونهبوا الأموالَ وقتلوا أهلَ العلمِ ومنهم الشيخُ سليمان آل الشيخُ صاحبَ كتابِ «تيسيرِ العزيزِ الحميدِ»، والدولةِ السعوديةِ في جميعِ مراحلها نحسبهم على على الكتابِ والسنةِ، لم يخرجوا على دولةٍ، بل كانوا ناشئينَ في نجد، وكانت نجد، عرضة للنهبِ القويِ يأكلُ الضعيف، والقبائلُ القويةُ تغير على القبائلِ الَضعيفة وتغيرٍ على أهلِ المدنِ والقرى، لا يردُّ أحدُ صولتهِ، ولا يكفهم ولا يردعهم أحدٌ، لأنهُ كانَ إقليمٌ لا تحكمهُ دولةٌ، وعليهِ وقد كذبَ من زعمَ أنَ الدولةَ العثمانيةَ تحكمَ إقليمِ نجدِ، وهذا مثبتٌ بالوثائقِ الرسميةِ، لأنهُ كانَ سابقاً إقليم ليسَ فيهِ مواردُ وليسَ فيهِ ثرواتٌ أتمنى إقليمٌ صحراويٌ الجنودِ الأتراكِ لا يقدرونَ أن يصلوا إليهِ إلا بشقِ الأنفسِ، فحصلت هذهِ الدولةِ المباركةِ وحدثت بفضلِ اللهِ الواحدِ الأحدَ ونشأت بعدَ الاتفاقِ التاريخيِ بينَ الإمامينِ الجليلينِ: الأميرُ محمد ابن سعود رحمهُ اللهُ، وشيخُ الإسلامِ الإمامِ محمد ابن عبدِ الوهاب رحمهُ اللهُ، وامتدت وبلغت الدعوةُ حتى بلادِ الهندِ ومشرقٍ ومغربِ الأرضِ، فلا تجدُ في المملكةِ ضريحاً، يعبدَ ولا قبر يشدُ إليهِ الرحيلُ، ولا تعطيل ولا جهمية ولا أشاعرةٌ، ولا معتزلةً، ولا صوفيةً، هذا في غالبِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، بل توحيدٌ وسنةٌ، وللهِ الحمدِ والمنةِ، ونقولُ هذا من أوَّلِ الشكرِ للهِ، ثمَ شكرَ هذهِ الدولةِ التي علمتنا التوحيدَ والسنةَ، وصرفت الأموالُ والمبالغُ، لأجلَ تعليمنا الخيرِ والهدى، هدى الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فكما قلنا في بدايةِ حديثنا في الحديثِ الصحيحِ: «من لم يشكر الناسُ لم يشكر اللهُ»، فجزاهم اللهُ عنا خيرُ الجزاءِ، وفي هذا العصرِ مع فضلَ التوحيدُ والسنةُ، أمنُ وأمانُ ورغد وعيشٍ واطمئنانٍ، فللهِ الحمد والمنةِ وجزاهم اللهُ عنا خيرُ الجزاءِ، نقولَ هذا تحدثاً بنعمِ اللهِ علينا، وأما بنعمة ربكَ فحدثَ، وقالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ: واللهُ سبحانهِ أنزلَ القرآنُ وهدى بهِ الخلقُ وأخرجهم بهِ من الظلماتِ إلى النورِ، وأمَ القرآنُ هيَ فاتحةُ الكتابِ، قالَ النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في الحديثِ الصحيحِ: «يقولُ اللهُ قسمت الصلاةُ بيني وبينَ عبدي نصفينِ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ العبدُ: ﴿الحمدُ للهِ ربَ العالمينِ﴾، قالَ اللهُ: ﴿حمدني عبدي﴾، فإذا قالَ: ﴿الرحمنُ الرحيمُ﴾، قالَ اللهُ: أثنى علي عبدي»، يعني: هذا حديثُ فاتحةَ الكتابِ في هذا الحديثِ يذكرُ أمثلةً على الصفاتِ الاختياريةِ، وهيَ أنَ اللهَ يتحدثُ متى شاءَ بما شاءَ، كيفَ شاءَ ، بمشيئتهِ وقدرتهِ، جعلُ اللهِ وتقدسَ، «إذا قالَ: ﴿الرحمنُ الرحيمُ﴾، قالَ اللهُ: أثنى علي عبدي، فإذا قالَ: ﴿ مالكُ يومِ الدينِ﴾ قالَ اللهُ: مجدني عبدي- وقالَ مرةً: فوَّضَ إلى عبدي، أي: فوضَ أمرهُ إلى- فإذا قالَ: ﴿إياكَ نعبد وإياكَ نستعين﴾، قالَ اللهُ: هذهِ بيني وبينَ عبدي، ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ: ﴿اهدنا الصراطَ المستقيمَ* صراط الذينَ أنعمت عليهم غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالينَ﴾ قالَ: هؤلاءِ لعبدي ولعبدي ما سألَ»، فهذهِ السورةُ فيها للهِ الحمدِ في الدنيا والآخرةِ، وفيها للعبدِ السؤالِ، وفيها للهِ العبادةَ، لهُ وحدهُ، وللعبدِ الاستعانةُ، فحقُ الربّ حمدهُ وعبادتهُ وحدهُ، وهداني حمد الربِ وتوحيدهِ يدورُ عليهما جميعِ الدينِ، ومسألةُ الصفاتِ الاختياريةِ) هيَ كما قلنا الأمورُ التي يتصفُ بها الربُ عزَ وجلَ، أنا أعيدُ وأكررُ الصفاتِ الاختياريةَ: هيَ الأمورُ التي يتصفُ بها الربُ عزَ وجلَ فتقوم بذاتهِ بمشيئتهِ وقدرتهِ، مثل: كلامهِ وبصرهِ وإرادتهِ ومحبتهِ ورضاهُ ورحمتهِ وغضبهِ وسخطهِ ومثلَ خلقهُ وإحسانهُ وعدلهُ ومثل: استوائهِ ومجيئته وإتيانهُ ونزولهُ، هذهِ تسمى الصفاتُ الختيارية، وهذهِ ثابتةٌ في الكتابِ والسنةِ كما في حديثِ هل الحديثُ الصحيحُ الذي مرَ معنا « ﴿الحمدُ للهِ ربَ العالمينِ﴾ قالَ اللهُ:حمدني عبدي»، كلَ هذهِ صفاتٌ اختياريةٌ تُثبتُ للهِ، وفقَ مرادٍ اللهِ، نثبتُ المعنى ونفوضُ الكيفَ من غيرِ تمثيلٍ ولا تعطيل ولا تحريف ولا تكييف، ولا تشبيه، ولا تأويل باطلٍ، هذا معتقدُ أهلِ السنةِ والجماعةِ، قالَ رحمهُ اللهُ: ومسألةَ الصفاتِ الاختياريةِ، هيَ من تمامِ حمدهِ، فمن لم يقرْ بها لم يمكنهُ أو لم يمكنهُ الإقرارُ بأنَ اللهَ محمود البته ولا أنهُ ربُ العالمينِ، فإنَ الحمدَ ضد الذنبُ، والحمدُ: هوَ الأخبارُ بمحاسنَ المحمود، معَ المحبةِ لهُ، والذم: هوَ الأخبارُ بمساوئَ المذمومِ معَ البغض لهُ، هذا تعريفُ الحمدِ وتعريفِ الذمِ، الحمدُ: هوَ الأخبارُ بمحاسنَ المحمود، وأعظمُ محمود، وأعظمُ من تصرفِ لهُ المحاس، معَ المحبةِ التامةِ ولا الذلُ ولا الإنقيادُ، هوَ اللهُ تعالى الله وتقدسَ، والذمُ هوَ الأخبارُ بمساوئَ المذمومِ، معَ البغضِ لهُ، فنحنُ واللهُ نبغضُ ونكرهُ، من يصف اللهِ، ويتنقصه ويسلبهُ ويعطلهُ، عن صفاتهِ عن صفاتِ الكمالِ، التي اتصفَ اللهُ بها ازلاً، وأتى فيها الكتابُ والسنةُ، ونبغضهُ في ذلكَ، تقرباً إلى اللهِ وديانةٍ، وجِماعَ المساوئِ فعلَ الشرِ، كما أنَ جِماعَ المحاسن فعلَ الخيرِ، جِماع المساوئ، أي: مقرِ ومكانِ اجتماعِ المساوئِ يكونُ في فعلِ الشرِ، واجتماعَ الخيرِ وجِماعه في فعلِ الخيرِ، فإذا كانَ يفعلُ الخيرُ بمشيئتهِ وقدرتهِ استحقَ الحمدُ، فمن لم يكن لهُ فعلٌ اختياريٌ يقومُ بهِ، ولا يقدرُ على ذلكَ لا يكونُ خالقاً ولا رباً، للعالمينَ، أولُ شيِ ردٍ على الجهميةِ ومن اتبعهم من المعتزلةِ، ثمَ قالَ فإذا كانَ يفعلُ الخيرُ بمشيئةِ القدرةِ استحقَ الحمدُ، فمن لم يكن لهُ فعلٌ اختياريٌ يقومُ بهِ هذا الردِ على الكلابيةِ، يسمون الأشاعرةَ، والماتريدية والسالميةُ والكراميةِ، بل ولا يقدرُ على ذلكَ، لا يكونُ خالقاً ولا رباً للعالمينَ، واللهُ تعالى يحمد نفسهُ، بأفعالهِ لقولهِ الحمدَ للهِ ربَ العالمينِ، هوَ المستحقُ ربنا وللحمدِ والمدحُ والثناءُ، وقولَ الحمدِ للهِ الذي خلقَ السماواتِ والأرضَ، الحمدُ للهِ الذي أنزلَ على عبده الكتابِ ونحوُ ذلكَ، فإذا لم يكن لهُ فعلٌ يقومُ بهِ باختيارهِ، امتنعَ ذلكَ كلهُ، فإنهُ من المعلومِ بصريحٍ العقلِ إنهُ إذا خلقَ السماواتِ والأرضَ فلابدُ من فعلٍ يصيرُ بها خالقا لها، وإلا فلو استمرَ الأمرُ على حالٍ واحدةٍ، ولم يحدث فعلاً لكانَ الأمرُ على ما كانَ عليهِ قبلَ أن يخلقَ، وحينئذٍ فلم يكن المخلوقُ موجوداً، يعني: من الأدلةِ على الصفاتِ الفعليةِ الاختياريةِ، قولهُ ﴿كن﴾، وبقولهُ ﴿كن﴾ خلقَ السماواتِ والأرضِ، يقول: فلو استمرَ، يعني: ما قالَ ﴿كن﴾، على حالٍ واحدةٍ ولم يحدث فعلاً لكانَ الأمرُ على ما كانَ عليهِ، يعني لم تغلق السماواتُ والأرضُ، وحينُ إذ لم يكن المخلوقُ موجودٌ، الإنسانُ الجنَ، هذهِ المخلوقاتِ، خلقت بكنَ، فكذلكَ يجب ألا يكونَ المخلوقُ موجوداً، إنَ كانَ الحالُ في المستقبلِ مثلٍ ما كانَ في الماضي، لم يحدث من الربِ فعل، هوَ خلقُ السماواتِ والأرضِ، كما بينا سابقاً وقد قالَ تعالى: ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ [الكهف:51] ، ومعلومٌ أنهم قد شهدوا نفس المخلوقِ، فدلَ على أنَ الخلقَ الذي لم يشهدوهُ هوَ تكوينه لهم وإحداثٍ لهم غيرُ المخلوقِ التالي، كل هذا بالصفاتُ الاختياريةُ، كلامه ﴿كنَ فيكون﴾، وأيضا فإنهُ قالَ: ﴿خلقُ السماواتِ والأرضِ في ستةِ أيامٍ﴾، فالخلقُ لها كانَ في ستةِ أيامٍ، وهيَ موجودةٌ بعدَ الستةِ، فالذي اختصَ بالستةِ غير الموجودِ بعدُ الستةِ، للخلقِ لها كانَ في ستةِ أيامٍ، وهيَ موجودةٌ بعدَ الستةِ، فالذي اختصَ بالستةِ وهيَ خلقُ السماواتِ والأرضِ بستةِ أيامٍ، غيرَ الموجودِ بعد الستةِ، يعني يختلفُ، هذهِ السماواتِ هذهِ الأرضِ خلقها في ستةِ أيامٍ، وهيَ اختصت بستةِ أيام، فما خلقَ بعدَ خلقٍ بعدَ اختصاصِ خلقِ السماواتِ والأرضِ في ستةِ أيامٍ، كذلكَ قالَ: ﴿الرحمنُ الرحيمُ﴾، فإنَ الرحمنَ الرحيمَ هوَ الذي يرحمُ العبادُ بمشيئتهِ وقدرتهِ، إن لم يكن لهُ رحمهُ إلا نفسُ الإرادةِ القديمةِ، الإرادةُ القديمةُ الكونيةُ القدريةُ، المشيئةُ أو صفةٍ أخرى قديمةٍ لم يكن موصوفاً بأنهُ يرحمُ من يشاءُ ويعذبُ من يشاءُ، قالَ الخليلُ: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ [العنكبوت:21].

، فالرحمةُ ضدَ التأديبِ، والتهذيبُ فعلهُ وهوَ يكون بمشيئتهِ، وكذلكَ الرحمةُ تكونُ بمشيئتهِ، ويرحمَ من يشاءُ، والإرادةُ القديمةُ اللازمةُ لذاتهِ أو صفةٍ أخرى كذلكَ ليست بمشيئتهِ، فلا تكونُ الرحمةُ بمشيئتهِ، يعني: أنَ اللهَ سبحانهُ وتعالى لهُ مشيئةٌ، وللإنسانِ مشيئةٌ، ثوابهُ العقلُ وأرسلَ لهُ الرسلُ إتماما للحجةِ وإتماما لهذا الدرسِ لدرسنا القادم إنَ شاءَ اللهُ واللهُ أعلمَ وصلى اللهُ وسلمَ على نبينا محمد. في نهايةِ الدرسِ لابد من بيانِ منزلةِ شيخِ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ، فكانَ على اسمهِ، أتى وصفه لشيخِ الإسلامِ، مما يقاربُ مائةَ عالمٍ، بل أكثرُ وخاصةً في هذا العصرِ المتأخرِ، ممكن يقاربُ إنَ لم أكن واهماً فوقَ الألف، ألفَ لعله بن ناصر الدين، الردُ الوافرُ، وذكرَ أنَ ما يقاربُ المائةَ، مائة عالمٍ يصفونَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ بأنَ شيخاً للإ سلامِ فمعتقدهِ، وفْقَ معتقدِ أهلِ السنةِ والجماعةِ، ونهجهُ وطريقتهُ وأسلوبهُ، وفْقَ أدلةِ الكتابِ والسنةِ، هذهِ وها هيَ كتبهُ منشورةً، رحمُ اللهِ الشيخِ العاصمي وجزاهُ اللهُ عنا خيرُ الجزاءِ في إظهارهِ بكنوزِ شيخِ الإسلامِ ابن تيمية ولعلَ هذهِ الدولةِ السعوديةِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ بذلت الشيءَ الكثيرَ في طباعةِ كتبهِ ونشرها، وتعميمَ نشرها مجاناً، أثنى عليهِ كبارُ علماءَ هذا العصرِ، الإمامُ الألبانيُ، ابن باز العثيمين، مقبل، محمد أمانِ الجامي، لا تجدُ سنياً إلا ويثني على شيخِ الإسلامِ ابن تيمية، معَ ما رزقهُ اللهُ من تبحُّرُ في العلمِ، وآية من آياتِ اللهِ في العلمِ، في جميعِ فنونِ العلمِ، الفنُ المادةَ، وليسَ الفنُ كما يطلقُ عليهِ في هذا العصرِ، نسألُ اللهُ السلامةَ، وتعتبرَ دعوةُ الشيخِ محمد ابن عبدِ الوهاب شيخَ الإسلامِ، محمد ابن عبدِ الوهاب امتداد لدعوةِ الشيخِ، بل هيَ كلاهما دعوةً للكتابِ والسنةِ، لكلامِ اللهِ وسنةِ الرسولِ وهم على هدي السلفُ الصالحُ من الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم والتابعينَ، عليهِ ننبهُ ما أطلقَ عليهِ في هذا العصرِ من اتهاماتٍ باطلةٍ اتهامهُ بالإرهابِ، أو اتهامهِ بالتكفيرِ، هذا كلهُ تنسبهُ الجماعاتُ التكفيريةُ كجماعةِ الإخوانِ، شيخُ الإسلامِ برئَ من هذهِ الأمورِ، من اطلعَ على كتبهِ ومؤلفاتهِ علمَ تبحره، وغزارةُ علمهِ، وسلامتهُ، من التكفيرِ، فأحببنا التنبيهَ في كلماتٍ يسيرةٍ متواضعةٍ لا تفي الغرضَ ولا تفي في حقِ شيخِ الإسلامِ بن تيمية رحمهُ اللهُ، لا نقولهُ غلواً بل هذا واللهُ الحقُ، الذي نريدُ فيهِ وجهُ اللهِ والدارَ الآخرةِ، واللهُ أعلمَ وصلى اللهُ وسلمَ على نبينا.

 

 في الدرسِ هنا هذا قلنا قالَ الخليلُ، ذكرُ الخليلِ هنا لا وجهَ لهُ، بل قالَ اللهُ تعالى هذا هوَ الصوابُ، يضاف إلى ما سبقَ باركَ اللهُ فيكَ، أضافَ وتكتبُ بدل قالَ الخليلُ، قالَ اللهُ -تَعَالَى وتَقَدَّس-، لأنهُ لا وجه، لذكرِ الخليلِ إبراهيم عليهِ الصلاةُ والسلامُ، في هذا الموضعِ بالذاتِ، فوجبَ فلزمَ التنبيهُ وتغييرُ لفظِ الخليلِ إلى قالَ اللهُ -تَعَالَى وتَقَدَّس-، واللهُ أعلمَ وصلى اللهُ وسلمَ على نبينا.

 وفي الدرسِ القادمِ إنَ شاءَ اللهُ سيكونُ ايضاح لبعضِ العباراتِ التي وردت في الدرسِ مثلٍ قولهِ (والإرادةُ قديمةٌ)، أو (ليست بمشيئتهِ) فلا تكونُ رحمةُ بمشيئتكَ، يعني هذا كلهُ من كلامِ النفاة ويردّ عليهِ، وان قيلَ ليست بمشيئتهِ إلا المخلوقاتِ المباينةَ، سيكونُ هناكَ إيضاحُ إنَ شاءَ اللهُ وتفصيلٌ وبيانٌ بحولِ اللهِ وقوتهِ وقد سبقَ أن تطرقنا إليها في درسٍ سابقٍ واللهِ أعلمَ، وصلى اللهُ وسلمَ على نبينا محمد.

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

 الحمدُ للهِ ربَ العالمينِ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفَ الأنبياءُ والمرسلينَ نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ تسليما كثيرا أما بعد: إتماماً لشرحِ كتابِ الصفاتِ الاختياريةِ لشيخِ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ يقولُ رحمهُ اللهُ: (وإن قيلَ ليسَ بمشيئتهِ إلا المخلوقاتِ المباينةَ)، يعني: إنكار الصفات الاختياريةَ الفعليةِ أن تقعَ بمشيئةِ اللهِ وقدرتهِ، هذا القولِ قالَ بهِ الكلابيةِ الأشاعرةَ، ينكرونَ وقوعها بمشيئةِ اللهِ وقدرتهِ، (إذا قيلَ هذا القولِ وإن قيلَ ليسَ بمشيئه إلا المخلوقاتِ المباينةَ، يعني المنفصلةَ عنهُ، المخلوقةَ، لزمَ ألا تكونَ الرحمةُ صفةً للربِ، بل يعني هذهِ ما هيَ رحمةُ متصفٍ فيها اللهُ، بل تكونُ مخلوقةً لهُ، وهوَ إنما يتصفُ بما يقومُ بهِ، لا يتصفُ بالمخلوقاتِ، فلا يكونُ هوَ الرحمنُ الرحيمُ) تعالى اللهُ وتقدسَ عما يقولُ الظالمونَ علما كبيرةً، الجهميةُ ومن تبعهم من المعتزلةِ، ينكرونَ أن يتصفَ اللهُ بصفاتٍ تقومُ بذاتهِ، يمنعونَ أي صفةٍ عن اللهِ سبحانهُ، الكلابية الأشاعرةَ ومن تبعهم من السالمية وغيرهم يجعلونَ يثبتونَ الصفاتُ، لكن صفاتِ إثباتِ مثلٍ التعطيلِ، ينفونَ عنهُ المشيئةُ وينفونَ عنهُ الإرادةُ الكونيةُ القدريةُ، ومن هذا القبيلِ، ما ذكرهُ قبل قليلٍ، ثمَ قالَ رحمهُ اللهُ: ( قد ثبتَ في الصحيحينِ عن النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أنهُ قالَ: «لما قضى اللهُ الخلقُ كتبَ في كتابٍ فهوَ موضوعُ عندهُ فوقَ العرشِ، إنَ رحمتي تغلبَ غضبي»، وفي روايةٍ:  «تسبقُ غضبي»)، قالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية: (وما كانَ سابقاً لما يكونُ بعدهُ لم يكن إلا بمشيئةِ الربِ وقدرتهِ، ومن قالَ ما ثمَّ رحمةٌ إلا إرادةً قديمة)، انظروا ينكرونَ اتصافُ اللهِ بالمشيئةِ والإرادةِ، (إلا إرادةً قديمةً أو ما يشبهها امتنعَ أن يكونَ لهُ غضبٌ مسبوقٌ بها، أنَ الغضبَ أنَ فسرَ بالإرادةِ في الإرادةِ لم تسبق نفسها، وكذلكَ فُسرُ بصفةٍ قديمةٍ العينِ فالقديم لا يسبقُ بعضهُ بعضاً)، يقول: مفسرُ الغضبِ فالإرادةُ أزليةٌ أوليةٌ، إذا لم تسبق نفسها، وان قلنا وقالوا فُسرَ بصفةٍ قديمةٍ العينِ، يعني أنها أوليةٌ، أزليةٌ، فالأزلي لا يسبقُ بعضهُ بعضاً، ويُفسرَ بالمخلوقاتِ لم يتصف برحمةٍ ولا غضب، رحمتهُ للمخلوقاتِ فقط، وليسَ صفةً ذاتيةً قائمةً فيهِ (وهوَ قد فرقَ بينَ غضبهِ وعقابهِ وقولهِ ﴿ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء:93]. وقولهُ: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [الفتح:6]. وفي الحديثِ الذي رواهُ عبدُ الله بن عمرو بن العاص عن النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أنهُ كانَ يقولُ: «أعوذُ بكلماتِ اللهِ التاماتِ من غضبهِ وعقابهِ ومن شرِ عبادهِ، ومن همزاتِ الشياطينِ وأن يحضرونَ»، هنا تفريقَ بينَ الغضبِ والعقابِ، ويدلَ على ذلكَ قولهُ: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ﴾ [الإسراء:54].  فعلَّقَ الرحمةَ بالمشيئةِ، كلَ شيءٍ بمشيئةِ اللهِ وإرادتهِ، وما تعلقُ بالمشيئةِ مما اتصفَ بهِ الربُ فهوَ من الصفاتِ الاختياريةِ، الكلامُ في هذهِ الأمورِ بغيرِ كلامِ اللهِ وسنةِ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ رجماً بالغيبِ وإعمالِ العقولِ، هوَ من هذهِ الحيثيةِ رجماً بالغيبِ، العقولُ قاصرةً ضعيفةً، ولولا إخبارُ اللهِ سبحانهُ وتعالى في كتابهِ لهذهِ الصفةِ لهذهِ الصفاتِ وأخبارِ رسولنا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لم نعلم عنها شيئا، وإذا علمنا بما علمنا اللهُ في كتابهِ يقولُ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ علينا كمسلمينَ الإيمانِ والتسليمِ، وأما كيفَ أو ردَّ هذا الخبرِ، هذا تكذيباً لخبرٍ  الله وخبر الرسولَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، إعمالاً للعقولِ فيما خلقت لهُ، فهوَ كتصرفِ المجنونِ، هذا لا يُعقلُ، هذهِ صفاتٌ لا نعلمها إلا بأخبارِ اللهِ لنا، كما في حديثِ عبدِ الله بن مسعود رضيَ اللهُ عنهُ فيهِ: «وما علمت أحدا من خلقكَ أو استأثرت بهِ» أو «أنزلتهُ في كتابكَ»، يعني هذهِ الصفاتِ من الصفاتِ التي أتت في الكتابِ، أو علمتهُ أحداً من خلقكَ، أخبرت رسولكَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وفيهِ صفاتٌ استأثرَ اللهُ بعلمهِ، أو استأثرت بهِ في علمِ الغيبِ عندكَ، وكذلكَ كونهُ مالكاً ليومِ الدينِ، يومٌ يدينُ العبادُ بأعمالهم يجازونَ، بأعمالهم إنَ خيراً فخيرٍ، وإنَ شراً فشر، ﴿وما أدراكَ ما يومُ الدينِ ثمَ ما أدراكَ ما يومُ الدينِ﴾ ! بعظمهِ وهولهِ، ﴿يومٌ لا تملكُ نفس لنفسِ شيئا، والأمرُ يومئذٍ للهِ﴾، فإنَّ الملكَ هوَ الذي يتصرفُ بالأمرِ، يأمرَ فيُطاع ، ولهذا إنما يقالُ ملكٌ للحيِ المطاعِ الأمرِ، لا يقالُ في الجماداتِ، لصاحبها ملكٍ، إنما يقالُ لهُ مالكَ ويقالُ لييعسوبُ النحلِ ملكَ النحلِ، لأنهُ يأمرُ فيطاعُ والمالكُ القادرُ على التصرفِ في المملوكِ، وإذا كانَ الملكُ هوَ الآمرُ الناهي المطاعُ فإنَ كانَ يأمرُ وينهى بمشيئتهِ كانَ أمرهُ ونهيهُ من الصفاتِ الاختياريةِ وبهذا أخبرَ القرآنُ الكريمُ قالَ اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة:1]، وإن كانَ لا يأمرُ وينهى بمشيئتهِ بالأمرِ اللازمِ لهُ حصلَ بغيرِ مشيئتهِ ولا قدرتهُ، لم يكن هذا مالكاً أيضاً، بل هذا إلى أن يكونَ مملوكاً أقرب، هذا ردٌ على الكلابيةِ الذينَ يثبتونَ الصفاتُ ثمَ يقولونَ إنها لا تقومُ بمشيئةِ وقدرتهِ، يقولَ ابن تيمية: (هذا إلى أن يكونَ مملوكا أقرب، فإنَ اللهَ تعالى خلقُ الإنسانِ وجعلٍ لهُ صفاتٌ تلزمهُ كاللونِ والطولِ والعرضِ والحياةِ ونحوِ ذلكَ مما يحصلُ لذاتهِ بغيرِ اختيارهِ، فكانَ باعتبارَ ذلكَ مملوكا مخلوقاً للربِ فقط، وإنما يكونُ ملكاً إذا كانَ يأمرُ وينهى باختيارهِ فليطاع، وان كانَ اللهُ خالقاً لفعلهِ ولكلِ شيءٍ، ولكنَ المقصودَ أنهُ لا يكونُ ملكا إلا من يأمرُ، وينهى بمشيئتهِ وقدرتهِ، فمن نفى الصفاتِ الاختياريةَ وقالَ ليسَ للربِ أمر ونهي يقومُ بمشيئةِ من قالَ إنهُ لازمٌ لهُ بغيرِ مشيئتهِ، أو قالَ إنهُ مخلوقٌ فكلاهما يلزمهُ أنهُ ليكونَ ملكاً، وإذا لم يمكنهُ أن يتصرفَ بمشيئتهِ لم يكن مالكاً أيضاً، فمن قالَ إنهُ ليقومَ بهِ فعلٌ اختياريٌ لم يكن عندهُ في الحقيقةِ مالك لشيءٍ، وإذا اعتبرت سائرَ القرآنِ وجدت أنهُ من لم يقر بالصفاتِ الاختياريةِ، لم يقم بحقيقةِ الإيمانِ ولا القرآنُ، لكنَ الأول عابداً للهِ ومحسناً إلى خلقهِ محسناً إلى نفسهِ بعبادةِ اللهِ، ونفعَ عبادهُ، وهذا الثاني مشركاً باللهِ مؤذيا ظالماً معتدياً على هذا الميتِ ظالماً لنفسهِ، لكنَ الأول عابداً للهِ ومحسناً إلى خلقهِ محسناً إلى نفسهِ بعبادةِ اللهِ ونفعِ عبادهِ وهذا الثاني مشركاً باللهِ مؤذيا ظالما معتدياً على هذا الميتِ، ظالماً لنفسهِ فهذا بعضُ ما بينَ البدءِ ما بينَ البدعيةَ والشرعيةِ من الفروقِ، والمقصودَ أنَ صاحبَ الزيارةِ والشرعيةِ تحدثنا فيما سبقَ عن كلامِ شيخِ الإسلامِ ابن تيمية، ورجوعهُ إلى الحقِ في مسألةِ الصفاتِ الاختياريةِ وانهَ كانَ متبعاً لأبائه هكذا قالَ ونصَ كلامهُ وأنا وغيري كنا على مذهبِ الآباءِ في ذلكَ، نقولُ في الأصلينِ، الأصلينِ هذا لعله أصولِ الدينِ والفقهِ أو أصلِ الصفاتِ الاختياريةِ، أو في الزيارةِ ، يقولَ كنا على مذهبِ الآباءِ، يعني كانوا كانَ على خطأٍ ثمَ رجعَ إلى الحقِ، فصاحبُ الزيارةِ الشرعيةِ إذا قالَ: ﴿إياكَ نعبد وإياكَ نستعين﴾ كانَ صادقاً لانصرافَ العبادةُ المستحقةُ إلى اللهِ، ولم يستعنَ إلا بهِ، وأما صاحبُ الزيارةِ البدعيةَ الشركية، زيارةُ القبورِ، بقصدَ التقربِ لها، [التسجيل في هذا المقطع ممزوج غير واضح،الدقيقة(9.20-9.22] ، واللهُ أعلمَ، وإن كانَ السببُ فيما يظهرُ لي واحدٌ هذا يضافُ إلى ما سبقَ، ومن خلالِ الاطلاعِ على الرسالةِ لعله يتبينُ لنا أنَ سببَ كتابتها أمورَ منها: أولاً: بيانُ معتقدِ أهلِ السنةِ والجماعةِ اتباعَ السلفِ الصالحِ، وهم أهلُ الإسلامِ الصحيحِ، في الصفاتِ الاختياريةِ مدعما بالأدلةِ من كلامِ اللهِ سبحانهُ وتعالى وكلام رسولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وما أُثرَ عن سلفِ الأمةِ الصالحينَ وبيانَ ما يؤيدُ ذلكَ بالحججِ العقليةِ، ثانياً: الردُ على الفلاسفةِ والمعطلةِ الجهميةِ هم أهلُ الكلامِ منهم همِ المعتزلةِ والكلابيةِ الذينَ يقالُ لهم الآنِ الأشاعرةَ، وبيانَ فسادِ توجههم الفكريِ، وبطلانِ شبههم التي يسمونها حججَ عقليةِ وتفنيدها، لأنَ في عصرهِ رحمهُ اللهُ كثروا اتباع هاتينِ الطائفتينِ: ثالثا: قلةٌ من يعلمُ عن هذهِ الصفاتِ ويفرقُ بينها وبينَ الصفاتِ الذاتيةِ الأخرى، حتى من المنتسبينَ إلى أهلِ السنةِ والجماعةِ، بل ذكرَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ ما نصهُ، (وشاعَ النزاعُ في ذلكَ بينَ عامةٍ المنتسبينَ إلى السنةِ من أصحابِ أحمد وغيرهِ، وقد ذكرَ أبو بكر عبدِ العزيز في كتابهِ الشافعي عن أصحابهِ أحمد في معنى أنَ القرآنَ غيرُ مخلوقٍ، قوليينَ مبنيينِ على هذا الأصلِ، أحدهم: أنهُ قديمٌ لا يتعلقُ بمشيئتهِ بمشيئتهِ وقدرتهِ، والثاني: أنهُ لم يزل متكلما إذا شاءَ، والنزاعُ في هذا الأصلِ، ثمَ قالَ رحمهُ اللهُ في موضع آخر من كتابه النفيس «تعارضُ العقلَ والنقلَ»: والنزاعُ في هذا الأصلِ بينَ أصحابٍ مالكٍ وبينَ أصحابِ الشافعي وبينَ أصحابِ أبي حنيفة، وبينَ أهلِ الظاهرِ أيضاً، فداوود ابن علي صاحبِ المذهبِ، وأئمتهم على إثباتِ ذلكَ، وأبو محمد ابن حزم على المبالغةِ في إنكارِ ذلكَ، انتهى كلامهُ رحمهُ اللهُ من كتابِ «تعارضِ العقلِ والنقلِ» (مجلد2/18؟)، بل رأيتُ، وأقولُ بل رأيتُ ممن أعرفهم من طلابِ العلمِ، من عندهِ جهلٌ وخلطَ في هذا الأصلِ العظيمِ، وقد ذكرَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ عن نفسهِ في ثناءِ رسالةِ الصفاتِ الاختياريةِ قولهُ (ولكنَ هذهِ المسألةِ ومسألةِ الزيارةِ وغيرهما حدثَ من المتأخرينَ فيها شبهُ وأنا وغيري كنا على مذهبِ الآباءِ في ذلكَ، نقولُ في الأصلينِ بقولِ أهلِ البدعِ، فلما تبينَ لنا ما جاءَ بهِ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ دارَ الأمرَ، بينَ أن نتبعَ ما أنزلَ اللهُ أو نتبعَ ما وجدنا عليهِ آباءنا، فكانَ الواجبُ هوَ اتباعُ الرسولِ)، ثمَ قالَ رحمهُ اللهُ فيها، في الرسائلِ الاختياريةِ موضحاً كلامهُ السابقُ يعني ما هوَ الأصلُ، ما هوَ الأصلانِ الذي ذكرهُ ؟ فهذا بعضُ ما يبينُ أنَ الفاتحةَ من القرآنِ اشتملت على بيانِ المسألتينِ المتنازعَ فيهما؛ مسألةُ الصفاتِ الاختياريةِ ومسألةُ الفرقِ بينَ الزيارةِ الشرعيةِ والزيارةِ البدعيةِ، واللهِ تعالى هوَ المسؤولُ أن يهدينا وسائرُ إخواننا إلى صراط المستقيمٍ، صراط الذينَ أنعمَ عليهم من النبيينَ والصديقينَ والشهداءَ والصالحينَ وحسن أولئكَ رفيقاً، انتهى كلامه رحمهُ اللهُ من رسالةِ «الصفاتِ الاختياريةِ»، ما معنى الصفاتِ الاختياريةِ ؟هذا السؤالِ الثاني، ولماذا قيلَ اختياريةً ؟ ولم يقل الصفاتِ الإلهيةَ؟، تعريفُ الصفاتِ الاختياريةِ يقولُ شيخَ الإسلامِ ابن تيمية رحمهُ اللهُ في تعريفهِ للصفاتِ الاختياريةِ في مقدمةِ رسالتهِ صفاتهِ الاختياريةَ؛هيَ الأمورُ التي يتصفُ بها الربُ عزَ وجلَ، فتقومُ بذاتهِ بمشيئتهِ وقدرتهِ، مثل: كلامهِ وسمعهِ وبصرهِ وإرادتهِ ومحبتهِ ورضاهُ ورحمتهِ وغضبهِ وسخطهِ، ومثل خلْقه وإحسانه وعدله، ومثل: استوائهِ، ومثل استوائهِ ومجيئهِ وإتيانهِ ونزوله ونحو ذلك من الصفاتِ التي نطق بها الكتابُ العزيز والسنة).

أوضحُ لكم؛

قوله: (فتقومُ بذاته) هذا ردٌ على المعتزلةِ؛ لأنهم ينكرون اتصاف اللهِ بالصفاتِ.

وقول: (بمشيئة وقدرته) لأن الكُلَّابيةَ الأشاعرة أثبتوا أنكروا أن تقوم هذه الصفات بمشيئة الله وقدرته.

ثمَ تبعًا للسؤال الثاني: لماذا طِيلَ الصفاتِ الاختيارية؟ لوقوعها باختيار الله ومشيئته، وقوعها من اللهِ تعالى ويتقدس متى شاءَ، كيف شاء تعالى ربنا وتقدس.

 والصفات الاختيارية هيَ صفات إلهية، جرى ذكرُ هذا الاسمِ لِبيان معنى هذه الصفات الاختيارية وللتفريق بينها وبينَ الصفات الأخرى، سواءٌ الذاتية أو الفعلية الأخرى؛ وذلك لأن إحدى الصفات التي تقوم بذات الله بمشيئته وقدرته وليست كل صفات الله كما ذكرنا، فصفاتُ اللهِ منها ما هوَ ذاتيٌ مثل: الوجه واليد والقدَم والساق، ومنها ما هوَ فعلي مثل: الخلق والرزق، ومنها ما هو متعلقٌ بمشيئة الله تعالى وقدرته، وهي المعروفة بالصفات الاختيارية، مثل سمعه وبصره وكلامه، والفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية والصفات الاختيارُ، أنَ الصفاتِ الذاتيةَ خبريةٌ لازمةٌ لذاتِ اللهِ لا تنفكُ عنهُ بوجهٍ من الوجوهِ، والصفاتُ الفعليةُ، والصفاتُ الاختياريةُ، منها ما هوَ متعدي مثل السمعِ والبصرِ والكلامِ والخلقِ، ومن هوَ ما هوَ لازمٌ مثلٌ الاستواءِ والنزولِ والمجيءِ، وقد اجتمعت في قولهِ -تَعَالَى وتَقَدَّس- ﴿اللهُ الذي خلقَ السماواتِ والأرضَ وما بينهما في الستةِ أيامٍ ثمَ استوى على العرشِ﴾، فالخلقُ متعدي واستوى لازمٌ لذاتِ اللهِ -تَعَالَى وتَقَدَّس-، ومن ذلكَ أنَ منها ما ثبتَ دليلاً في النقلِ، أدلةُ الكتابِ والسنةِ، واشتراكَ العقلِ في إثباتهِ مثل: السمعِ والبصرِ والكلامِ والخوفِ، ومنها ما ثبتَ دليلهُ في أدلةِ النقلِ فقط، الكتابُ والسنةُ، وهيَ الصفاتُ الاختياريةُ، كالاستواءِ والنزول، والمجيءُ، السؤالُ الثالثُ: نبذةً عن هذا الكتابِ؟

 الجواب: هذهِ الرسالةِ تتحدثُ عن الصفاتِ الاختياريةِ، صفاتِ اللهِ الاختياريةِ وأدلتها من كلامِ اللهِ سبحانهُ وتعالى، وكلام الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وإجماعَ المسلمينَ، وكذلكَ الأدلة أو ذكرِ الحججِ العقليةِ على إثباتها، وكذلكَ يتضمنُ ذكرَ الفرقِ المخالفةِ، المنكرةَ لهذهِ الصفاتِ وتفنيج شبهها العقليةَ، بأدلةِ النقلِ والعقلِ والإجماعِ.

 السؤالُ الرابعُ: هل يُعد من تعلمِ هذا الكتابِ يعني «الصفاتِ الاختيارِية» أتقنَ جميعُ مسائلِ توحيدِ الأسماءِ والصفاتِ ؟

 الجواب: ذكرنا في إحدى الإجاباتِ سابقاً أنَ الصفاتِ الاختياريةَ هيَ إحدى صفاتِ اللهِ المتعلقةِ بذاتِ اللهِ، والقائمةُ بذاتِ اللهِ تعالى ربنا تقدسَ، والقائمةِ بمشيئتهِ وقدرتهِ، فالصفاتُ الذاتيةُ لابد من تعلمهِ وكذلكَ الصفاتُ الفعليةُ، ولا يكفي تعلمَ الصفاتِ الاختياريةِ فقط، بل يجبُ تعلمَ جميعِ هذهِ الصفاتِ، بأنواعها الثلاثِ ويتمّ دراستها، وكذلكَ دراسةُ الشُبهِ، التي أحدثها الفلاسفةُ وأذنابهم المتكلمةُ، المعطلةَ الجهميةِ سواءٌ من غلاةِ الجهميةِ أو المعتزلةِ أو الكلابيةِ الأشاعرةَ وفرق أولِ ما تريديهِ والسالميةَ والكرامية، وغيرهِ.

 السؤالِ الخامسِ: ما قولكم في من يقولُ لماذا لا تركزونَ على توحيدِ الألوهيةِ ؟ وأما توحيدُ الأسماءِ والصفاتِ ؟ فيكتفي بفهمِ المعنى وتفويضِ الكيفِ، وأما تأليفُ الكتبِ في هذا البابِ من الردِ على أهلِ البدعِ ؟

الجوابُ: هذا السؤالِ الذي يظهرُ أنهُ لا يقولهُ طالبُ علمِ فضلاً عن أهلِ العلمِ، فتَعلمُ توحيدِ الألوهيةِ وتوحيدِ الأسماءِ والصفاتِ، تعلم مهم أقسامِ التوحيدِ الثلاثةِ الربوبيةِ والألوهيةِ، والأسماءُ والصفاتُ بينهما تطابقُ ولزومُ وتضمن، فلا ينفكُ بعضها عن بعض بل كلها وبمجموعها وحدة واحدةٍ وكلٌّ لا يتجزأُ، انظر قولَ كفارَ قريشِ في قولِ اللهِ عزَ وجلَ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ [الفرقان:60] ، يقولَ الإمامُ ابن كثير رحمهُ اللهُ في تفسيرهِ لهذهِ الآيةِ: أي: لا نعرفُ الرحمنُ، وكانوا ينكرونَ أن يسمى اللهُ باسمهِ الرحمنِ كما أنكروا ذلكَ يومُ الحديبيةَ حينَ قالَ النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ للكاتبِ: «اكتب بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ» فقالوا: لا نعرفُ الرحمنُ ولا الرحيمِ، ولكن اكتب كما كنتُ تكتبُ باسمكَ اللهمَ، ولهذا أنزلَ اللهُ ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء:110] ، أي: هوَ اللهُ، وهوَ الرحمنُ، وقالَ في هذهِ الآيةِ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾،أي: لا نعرفه ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ [الفرقان:60] ، أيُ لمجردِ قولكَ وزادهم نفورا، أما المؤمنونَ فإنهم يعبدونَ اللهُ الذي هوَ الرحمنُ الرحيمُ، ويفردونهُ بالإلهية ويسجدونَ لهُ، أنتَ كلامهُ رحمهُ اللهُ من تفسيرهِ لهذهِ الآيةِ، وفي نهايةِ جوابِ السؤالِ الأخيرِ تنتهي إجابةَ هذهِ الأسئلةِ واللهِ أعلمَ، و صلى الله وسلمَ على نبينا محمد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1] مجموع الفتاوى(مج19/ص 230)

[2] مجموع الفتاوى(مج18/ص 52)

[3] في ذيل طبقات الحنابلة(مج2/ص16)