( المقدمة )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا أحسن الله إليكم :
سؤالي
هو : هناك دعوات لإقامة مظاهرات في دولة المغرب . فما هو توجيهكم جزاكم الله خيرا في هذه الفتنة ؟
و ماهي نصيحتكم لهؤلاء الشباب الذين يرغبون في الخروج في المظاهرات ؟
*الجواب*
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته أما بعد
فالحمد لله أولا وآخرا والحمد لله على نعمة التوحيد والسنة ونعمة لزوم نهج سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
ثم أما بعد :
فوصيتي هذه اوجهها للشباب المغربي ثم لعامة شباب المسلمين في كل دولة عربية وإسلامية وغير مسلمة
فأوصيهم ونفسي بتقوى الله عز وجل وطاعته ولزوم السنة والجماعة وترك البدع والمحدثات المنكرة والتي منها ما يعرف ب
" المظاهرات " والتي اتفق على عظيم شرها عقلاء بني آدم - عليه الصلاة و السلام - مسلمهم وكافرهم لعظيم آثارها وثمارها المخربة لمقومات حياة الناس والمسببة للقلق واضطراب الفكر والمبعدة لسكينتهم واطمئنانهم و قد رأيت جميع كبار علماء الإسلام يتفقون على تحريمها والنهي عنها لأمور مهمة يجب الوقوف عندها وتأملها ودراستها وأخذ الأسباب لمحاربة هذه الظاهرة فهي مرض اجتماعي فتاك ومن منعها من أهل العلم ديانة وقربة ووفق مقاصد الشرع واوامره وذلك لأمور منها :
*( الفصل الأول : ان التحريم كائن في ذاتها ومضمونها )*
فهي مخالفة ومصادمة لنصوص الوحيين كتابا وسنة مع مشاققتها لاجماع المسلمين واتفاقهم إذ أن مضمونها الخروج العملي على ولاة أمور المسلمين و الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة الصالح على تعظيم أصل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر ومنع و تحريم وتجريم الخروج عليهم
وجعل العلماء وجوب طاعتهم من أصول العقيدة وقواعد الديانة التي يحرم مخالفتها والاجماع منعقد على ذلك ومستند الإجماع الكتاب والسنة
ف :
*[ من إدلة الكتاب العزيز على وجوب السمع والطاعة بالمعروف لولاة الأمر وتحريم الخروج عليهم ]*
قول الله تعالى وتقدس:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ }.
وأما
*[ من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ]*
فنورد ماذكره الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية لأهميته :"وقال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، حدثنا نافع ، عن عبد الله بن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " .
وأخرجاه من حديث يحيى القطان .
وعن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ، في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا ، وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله . قال : " إلا أن تروا كفرا بواحا ، عندكم فيه من الله برهان " أخرجاه .
وفي الحديث الآخر ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة " . رواه البخاري .
وعن أبي هريرة قال : أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع ، وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف . رواه مسلم .
وعن أم الحصين أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول : " ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله ، اسمعوا له وأطيعوا " رواه مسلم وفي لفظ له : " عبدا حبشيا مجدوعا " .
وقال ابن جرير : حدثني علي بن مسلم الطوسي ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثني عبد الله بن محمد بن عروة عن هشام بن عروة ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سيليكم بعدي ولاة ، فيليكم البر ببره ، ويليكم الفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق ، وصلوا وراءهم ، فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساؤوا فلكم وعليهم " .
وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وسيكون خلفاء فيكثرون " . قالوا : يا رسول الله ، فما تأمرنا ؟ قال : " أوفوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم " أخرجاه .
وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر ; فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية " . أخرجاه .
وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خلع يدا من طاعة ، لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " . رواه مسلم .
وروى مسلم أيضا ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال : دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة ، والناس حوله مجتمعون عليه ، فأتيتهم فجلست إليه فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ، ومنا من ينتضل ، ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة جامعة . فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها ، وتجيء فتن يرفق بعضها بعضا ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " . قال : فدنوت منه فقلت : أنشدك بالله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال : سمعته أذناي ووعاه قلبي ، فقلت له : هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، ونقتل أنفسنا ، والله تعالى يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } قال : فسكت ساعة ثم قال : أطعه في طاعة الله ، واعصه في معصية الله .
والأحاديث في هذا كثيرة " .
[واماالإجماع فقد تم
بإعتبارين]
" الإعتبار الأول "
طاعة ولي الأمر أصل عقدي من أصول الإسلام ومبانيه العظام لهذا ذكر علماء الإسلام هذا الأصل ضمن مباحث العقيدة ومسائلها المهمة التي لا خلاف فيها .
" الإعتبار الثاني "
إجماع علماء الإسلام على تحريم الخروج على ولي الأمر وممن نقل الإجماع الحافظ النووي رحمه الله حيث قال :
"وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكى عن المعتزلة أيضا فغلط من قائله مخالف للإجماع قال العلماء وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن واراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه" .[شرح النووي على مسلم(١٢ / ٢٢٩)]
والمظاهرات تطبيق عملي للخروج عليهم .
*( الفصل الثاني : التحريم أتى في أصل المظاهرات ومنشأها )*
فهذه الطريقة المنكرة مستمدة مستوردة من اوروبا وامريكا وغيرها من بلاد لا تدين بالإسلام .
فأين أهل الدين والعقل من المسلمين كيف تعجبهم أساليب الكفر وتستهويهم ويتبعونهم في زبالة فكرهم فيكونوا إمعة اتباع لا خير فيه .
[ إمعة : هو من يتبع غيره في الشر و هو الضعيف الذي لا بصيرة له و لا رأي ] .
فلا تنسوا يا عباد الله : كلام الله سبحانه و تعالى القائل عز من قائل :{ وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } .
قال الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : " فهذا فيه النهي العظيم, عن اتباع أهواء اليهود والنصارى, والتشبه بهم فيما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك، لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ, لا بخصوص السبب ". انتهى كلامه رحمه الله.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : " فيه تهديد ووعيد شديد للأمة عن اتباع طرائق اليهود والنصارى ، بعد ما علموا من القرآن والسنة ، عياذا بالله من ذلك ، فإن الخطاب مع الرسول ، والأمر لأمته .
[ وقد استدل كثير من الفقهاء بقوله : { حتى تتبع ملتهم } حيث أفرد الملة على أن الكفر كله ملة واحدة كقوله تعالى : { لكم دينكم ولي دين } ، فعلى هذا لا يتوارث المسلمون والكفار ، وكل منهم يرث قرينه سواء كان من أهل دينه أم لا ; لأنهم كلهم ملة واحدة ، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في رواية عنه . وقال في الرواية الأخرى كقول مالك : إنه لا يتوارث أهل ملتين شتى ، كما جاء في الحديث ، والله أعلم ] . " .انتهى كلامه رحمه الله.
ومن الادلة القوية على تحريم المظاهرات أن فيها مشابهة ومماثلة لأعمال الكفرة والمشركين وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه الإمام أحمد رحمه الله( ٥١١٤) وابوداود رحمه الله( ٤٠٣١) وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود رحمه الله من حديث الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[ إقتضاء الصراط المستقيم ( ١ / ٢٧٠)] : " وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المُتَشَبِّه بهم" ثم قال رحمه الله[ اقتضاء الصراط المستقيم( ١ / ٥٤٩)] : "المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة ، وموالاة في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة " .انتهى كلامه رحمه الله.
ثم رأينا من يتبعهم في شاذ فكرهم وهم الخوارج الإخوانية فهم يعملون في تطبيق آراء الكفار وينفذون توجهاتهم وأجندتهم ضد بلاد المسلمين وضد حكامهم فالمشاهد :
ان من يقوم بالمظاهرات في دول المسلمين هم الإخوانية الخوارج وقد يتبعهم عوام الناس متأثرين بهم وبطريقتهم بعد تمسح هؤلاء الضلال بالدين وإيراد الشبه عليهم.
والملاحظ قيام أذناب الغرب الكافر مثل اوباما وهيلاري كلينتون وآخرهم بايدن الإهتمام بالفكر الاخواني الخارجي و فكر الروافض المجوس ومحاولة انجاح مخططاتهم الإجرامية في بلاد الإسلام وتلميع رموزهم ومحاولة إنقاذهم من قبضة الشرع المطهر
كفى الله المسلمين شرهم .
وقد قام الغرب الكافر بمساعدة جماعة الإخوان الخوارج في القيام في ثورات دامية في دول العالم العربي نتج عنه ما يعرف بالربيع العربي وهو [ ربيع مجوسي رافضي اخواني خارجي] تضررت منه دول إسلامية عربية مثل مصر وتونس والسودان وسوريا وليبيا واليمن وغيرها كثير مما مكن ايران الروافض من بسط نفوذها في سوريا والعراق ولبنان واليمن وتحرك مشبوه في ليبيا من قبل الدولة التركية الصوفية الجهمية
ونتج عن ذلك اسقاط مجموعة من ولاة الأمور وحكومات مع زعزعة أمن وخلخلته وقتل جمع كبير من المسلمين وسيأت الحديث عنه في ثمرات ونتائج القيام بالمظاهرات إن شاء الله.
*( الفصل الثالث : التحريم مشاهد في ثمرات ونتائج القيام بالمظاهرات وعواقبها السيئة على المسلمين أفرادا ومجتمعات وحكومات )* .
*من أبرز نتائج القيام بالمظاهرات* :
■
زعزعة الأمن في العالم أجمع وخلخلة الاستقرار فيه وخلق هرج ومرج وفوضى عارمة .
■
نهب الأموال العامة
وسرقة واستباحة اموال المسلمين في أي دولة حل فيها هذا الدمار الهائل المسمى ب
" المظاهرات "
■
ظهور الجماعات التكفيرية وتعددها مابين مليشيات وتنظيمات وحركات وأجنحة دموية همجية.
■
إنتشار الفكر الديمقراطي ومحاربته للإسلام ومن ذلك ظهور مايسمى بالعلمانية والليبرالية والنسوية
■
محاولات إقصاء الشرع المنزل واستبداله بأفكار وآراء تحارب الإسلام وتضر بالمسلمين.
■
إضعاف شوكة الحاكم المسلم ونزع هيبته من صدور الناس ونشر مايعرف بالحكم الدستوري الديمقراطي .
■
انتشار القتل والنهب والسلب وإستحلال دماء المسلمين والمعاهدين فيصبح الناس فوضى لا سراة لهم بعد محاولاتهم اسقاط الحكام العرب والخروج عليهم .
■
" هي فتح باب للشر والفوضى، فهذه الأفواج ربما تمر على الدكاكين وعلى الأشياء التي تُسرق وتسرق ، وربما يكون فيها اختلاط بين الشباب المردان والكهل ، وربما يكون فيها نساء أحياناً فهي منكر ولا خير فيها"[ لقاء الباب المفتوح للامام العثيمين رحمه الله ( ٢٩ / ٢٠٣ )]
■
" فالمظاهرات منبثقة من رحم الديمقراطية ، وهي وسيلة من وسائل تطبيقها ، وهذا يفسر تلك الشعارات المشبوهة التي ترفع في هذه المظاهرات مثل [ الحرية ] و [ المساواة ] و [ العدالة الإجتماعية ] و [تداول السلطة ] وغيرها ، مع التأكيد على الديمقراطية أولاً وأخيراً فكيف يصح وصف هذه المهاترات بـ [المباركة ] من بعض الغلاة فيـ [ الحاكمية ] ؟ وما هذا إلا بمنزلة من يزيل نجاسة بأخرى أعظم منها"[ سلسلة الأحاديث الضعيفة( ١٤ / ٧٤ ) حديث رقم ( ٦٥٣١)] .
اقول :
ولو ذهبنا نعدد مساوئ المظاهرات لم نحصرها ولطال علينا الوقت .
■
فهذه المظاهرات:
خراب للدنيا ومعايشها
مع ذهاب الدين وأهله.
كفى الله المسلمين شر هؤلاء الخوارج الإخوانية من يقف معهم من ملحدي الغرب الكافر .
*( الفصل الرابع : تفنيد كبار علماء الإسلام لشبهات مناصري المظاهرات وبينوا فسادها )*
*من ذلك*
[ إجابة الإمام الألباني رحمه الله عن اثنتين من شبهات مجيزي المظاهرات وتفنيدها وبيان ضعفها ووهاء الاستدلال فيها وضعفه ]
*الشبهة الأولى وتفنيدها* :
شبهة استدلال ناصري المظاهرات بما رُوِيَ في قصةِ إسلام عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِن خروج المسلمين في صَفَّين؛ صَفّ فيه حمزة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وصَفّ فيه عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
*الجواب عن هذه الشبهة*:
*أولا*:
على افتراض صِحَّةِ القصة؛ كم مَرَّةً وَقَعَتْ مِثلُ هٰذه الظاهرة في المجتمع الإسلامي؟ مرة واحدة؛ تَصير سُنَّةً مُتَّبَعة؟!
علماء الفقه يقولون: لو ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبادةٌ مَشروعة يُثاب فاعلُها؛ فلا ينبغي المواظَبةُ عليها دائمًا أبدًا؛ خَشيةَ أن تُصبِحَ تقليدًا مُتَّبَعًا، بحيث مع الزمن يصبح ذٰلك الأمر -الذي كان أصلُه مستحبًّا- مَفروضًا في أفكارِ الناس وعاداتهم، بحيث إنَّ أحدًا مِن المسلمين لو تَرَك هٰذا المستحب لقام النكير الشديد عليه، قالوا هٰذا، وهذا مِن فِقْههم، فما بالُكم إذا جَاشت العاطفةُ بمناسبةٍ ما، فخرجتْ مِثلُ هٰذه الجماعة التي جاء ذِكرُها في السّيرة، فتُتَّخذ سُنَّةً مُتَّبَعَةً، بل تُتَّخذ حجَّةً لِما يَفعله الكفّار دائمًا وأبدًا على المسلمين الذين لم يَفعلوا ذٰلك بَعْدَ هٰذه الحادثة مُطلقًا، مع شدةِ وقوعِ ما يَستلزم ذٰلك، فنحن نعلم –مع الأسف الشديد- أنّ كثيرًا مِن الحُكّام السَّابقين كانت تَصْدر منهم أحكامٌ مخالِفة للإسلام، وكان كثيرٌ مِن الناس يُسجَنون ظُلمًا وبَغيًا، وربما يُقْتَلون، فماذا يكون موقفُ المسلمين؟
أَمَرَ الرسولُ عَلَيْهِ السَّلامُ في بعضِ الأحاديث الصحيحة بوجوبِ إطاعةِ الحاكم ( ولو أَخَذَ مَالَكَ، وجَلَدَ ظَهْرَك ).[الحديث في صحيح مسلم ( ١٨٤٧) وسلسلة الأحاديث الصحيحة( ١٧١٩)]
أَعني بهٰذا أنه وَقَعَ في القُرون التي مَضَتْ أشياءُ مما ينبغي استِنكارُها جماهيريًا، ولٰكنّ شيئًا مِن ذٰلك لم يقع.ومِن هنا نحن نَخشىٰ مِن هٰذه التي تُسمَّى بالصَّحوة، نخشىٰ منها حقيقةً كما نَرضىٰ بها؛ نخشىٰ منها؛ لأنها صحوةٌ عاطفيّة، وليست صحوةً عِلمية بالمقدار الذي يُحَصِّن هٰذه الصحوة مِن أن تَميد يمينًا ويسارًا.ولا شك أن في الجزائر وفي كل بلادِ الإسلام مثل هٰذه الصحوة التي تَتجلىٰ بانطلاقِ الشبابِ المسلم بعد أن كانوا نِيامًا غيرَ أيقاظ، ولٰكن تَراهم قد سَاروا مسيرةً تدلّ علىٰ أنهم لم يتفقهوا في دِين الله عَزَّ وَجَلَّ، والأمثلةُ على ذٰلك كثيرة جدًا، فلا نخرج عمّا نحن في صدده، فحَسْبُنا الآن هٰذا الاستدلال!
هٰذا الاستدلال يدلُّ على الجهلِ بالفِقهِ الإسلاميّ، ذٰلك لما أَشرتُ إليه آنفًا.
وأَستدرك على نفسي: إني أذكر أنّ هٰذه الحادثة قد وَردتْ في السِّيرة، ولٰكني لا أستحضر الآن إنْ كانت صحيحةَ الإسناد.
على افتراض ثبوتِ هٰذه التظاهُرة حينما أسلمَ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ هٰذه وقعت مرةً، فإذا وقع مرة لا يُصبح ذٰلك سُنَّة، بحيث نؤيِّد ما يفعله الكفار، ثم نجعل المسلمين تحت المخالَفة لِهذه السُنّة؛ لأنها لم تتكرر، وإن تكرَّرتْ؛ فعلى مَدى العصورِ كلِّها هٰذه والسَّنوات الطويلة، فهي نُقطةٌ في بحر، ما يَصحّ أن تُتَّخذَ دليلاً لِمثل هٰذا الواقع الذي يفعله الكفار ثم نحن نتّبعهم في ذٰلك.
هٰذا الاستدلالُ معناه تَسليكُ وتمريرُ وتَسويغ هٰذا الواقع مهما كان شأنه!
*ثانيا* :
إسناد القصة ضعيف ؛
انظر :
سلسلة الأحاديث الضعيفة( ٦٥٤١) وختَم بيانَ نكارةِ القِصَّةِ بقوله رَحِمَهُ اللهُ:
"(تنبيه): عزا الحافظ حديث ابن عباس لأبي جعفر بن أبي شيبة، وحديث عمر للبزّار، وسكت عنهما في "الفتح" ( ٧ / ٤٨ )فما أَحسن؛ لأنه يوهم -حسب اصطلاحه- أنَّ كلاً منهما حسن، وليس كذلك -كما رأيت-، ولعل ذلك كان السببَ أو من أسبابِ استدلالِ بعض إخواننا الدعاة على شرعية (المظاهرات) المعروفة اليوم، وأنها كانت من أساليب النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة! ولا تزال بعضُ الجماعات الإسلامية تتظاهَرُ بها، غافِلين عن كونِها مِن عادات الكفار وأساليبهم" اﻫ .
*الشبهة الثانيةوتفنيدها* :
شُبهة: أنّ المظاهَرات وسيلةٌ مِن باب المصالح المرسلة، وأن الأصل في الأشياء الإباحة.
*خلاصة الردعلى هذه الشبهة*:
*( ١ )*
أنَّ الوسائل إذا كانت عبارةً عن تَقْليدٍ لِمَناهج غيرِ إسلاميّة؛ تصبح وسائلَ غيرَ شرعيّة.
*( ٢ )*
يجب أن نفرِّق في التقليد بين ما يَنْسِجِم مع الإسلام ومبادئه وقواعده، وبين ما ينبو وينفر عنه" .
[ سلسلة الهدى والنور . الشريط (٢١٠ )]
*الشبهة الثالثةوتفنيدها*
تقسيم أهل البدع والأهواء المظاهرات إلى مظاهرات سلمية وغير سلمية :
فالجواب:
اولا :
أن تقسيمكم هذا في الحقيقة والواقع تقسيم لم تثبت صحته
فالمظاهرات تبدأ سلمية وتنتهي بالقتل والسلب والنهب وانتهاك الاعراض وزعزعة الأمن والاستقرار ؛ والحكم الشرعي لا يختلف فهو واحد بالحالتين لا يتغير
لأصلها ومنشأها
ولتضمنها الخروج العملي على ولاة أمور المسلمين.
ولثمراتها السيئة في البلاد التي تقع فيها هذه المظاهرات الخبيثة ؛ قال الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية، وأنصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أثنى على المهاجرين والأنصار وأثنى على الذين اتبعوهم بإحسان " .
*( الفصل الخامس : فتاوى كبار علماء الاسلام في تحريم المظاهرات )*
*اولا*
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله الفتوى رقم (١٩٩٣٦) :
"السؤال: مر بعض من الأعوام في مدينتنا مظاهرات، وكانت تلك المظاهرات مصحوبة بتخريب المؤسسات والشركات، فكانوا يأخذون كل شيء في المؤسسات وأنا أيضًا شاركت في تلك المظاهرات، وأخذت من بعض المؤسسات كتبًا ومصحفًا، وحينما التزمت عرفت أن ذلك لا يجوز، وأريد من سماحتك أن تفيدني بماذا أفعل بهذه الكتب وخاصة المصحف؟ وشكرًا، وجزاكم الله خيرًا. الجواب: يجب عليك أن ترد ما أخذته من أشياء بغير حق، ولا يجوز لك تملكه أو الانتفاع به، فإن عرفت أصحابه وجب رده إليهم، وإن لم تعرف أصحابه ولم تستطع التوصل إليهم فإنك تتخلص منه بجعل هذه الكتب والمصاحف في مكان يستفاد منه كمكتبات المساجد أو المسجد أو المكتبات العامة ونحو ذلك، ويجب عليك التوبة النصوح، وعدم العودة لمثل هذا العمل السيء ، مع التوجه لله سبحانه وحده، والاشتغال بطاعته، والتزود من نوافل العبادة، وكثرة الاستغفار؛ لعل الله أن يعفو عنك، ويقبل توبتك، ويختم لك بصالح أعمالك، كما ننصحك وكل مسلم ومسلمة بالابتعاد عن هذه المظاهرات الغوغائية التي لا تحترم مالًا ولا نفسًا ولا عرضًا، ولا تمت إلى الإسلام بصلة، ليسلم للمسلم دينه ودنياه، ويأمن على نفسه وعرضه وماله. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم".
*ثانيا*
فتوى الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:
" أجاب فيه عن حُكم المظاهَرات.
وخلاصة جوابه رحمه الله :
*( ١ )*
المظاهرات تَشَبُّهٌ بِالكُفّارِ في أساليب استنكارهم لبعض القوانين التي تُفرَض عليهم مِن حُكَّامهم أو إظهارًا منهم لِرضا بعض تلك الأحكام أو القرارات.
مع تنبيهه رَحِمَهُ اللهُ إلى درجة أعلى مِن عدم التشبُّه، وهي: تَقَصُّدُ المخالَفة.
*( ٢ )*
المظاهَرات خُرُوجٌ عن سبيلِ المسلمين.
*( ٣ )*
المظاهرات ليست وَسيلةً شرعيّةً لإصلاحِ الحُكم، وبالتالي إصلاح المجتمع، ومِن هنا يخطئ كلُّ الجَماعات وكلُّ الأحزاب الإسلاميّة الذين لا يَسْلُكونَ مَسْلَكَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تغيير المجتمع، لا يكون تغييرُ المجتمع في النِّظامِ الإسلاميّ بالهتافات وبالصَّيحات وبالتظاهُرات، وإنما يكون ذلك على الصَّمت، وعلى بثِّ العِلم بين المسلمين وتربيتِهم على هذا الإسلام، حتى تؤتيَ هذه التربيةُ أُكُلَها ولو بعد زَمَنٍ بعيد، فالوسائلُ التربويّةُ في الشريعةِ الإسلامية تختلف كلَّ الاختلافِ عن الوسائلِ التربويّة في الدُّوَلِ الكافِرة" .
[ فتاوى جدة الشريط ( ١٢ )]
*ثالثا*
فتوى الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله:
*السؤال* : هل من المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة تعتبر وسيلة من وسائل الدعوة وهل من يموت فيها يعبر شهيداً ؟.
*الجواب*:
لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج ولكني أرى أنها من أسباب الفتن ومن أسباب الشرور ومن أسباب ظلم بعض الناس والتعدي على بعض الناس بغير حق ولكن الأسباب الشرعية، المكاتبة، والنصيحة، والدَّعوة إلى الخير بالطرق السليمة الطرق التي سلكها أهل العلم وسلكها أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعهم بإحسان بالمكاتبة والمشافهة مع الأمير ومع السلطان والاتصال به ، و مناصحته والمكاتبة له دون التشهير في المنابر وغيرها بأنه فعل كذا وصار منه كذا، والله المستعان". وقال أيضاً رحمه الله: "فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات ، ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي تسبب شراً عظيماً على الدُّعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن فتنصح الرئيس، والأمير وشيخ القبيلة بهذه الطريقة، لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي ـصلى الله عليه وسلم ـ مكث في مكة ١٣ سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم، ولا شك أن هذا الأسلوب يضر بالدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها و مضادتها بكل ممكن، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب ولكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولوطالت المدة أولى به من عمل يضر بالدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
*رابعا*
فتوى الإمام محمد بن عثيمين رحمه الله :
*السؤال*
بالنسبة إذا كان حاكم يحكم بغير ما أنزل الله ثم سمح لبعض الناس أن يعملوا مظاهرة تسمى عصامية مع ضوابط يضعها الحاكم نفسه ويمضي هؤلاء الناس على هذا الفعل، وإذا أنكر عليهم هذا الفعل؛ قالوا: نحن ما عارضنا الحاكم ونفعل برأي الحاكم، هل يجوز هذا شرعًا مع وجود مخالفة النص؟
*الجواب*:
عليك بإتباع السلف، إن كان هذا موجودًا عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجوداً فهو شر، ولا شك أن المظاهرات شر؛ لأنها تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن الآخرين، وربما يحصل فيها اعتداء؛ إما على الأعراض، وإما على الأموال، وإما على الأبدان؛ لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران لا يدري ما يقول ولا ما يفعل، فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن. وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقول: ديمقراطي وأنه قد فتح باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف".
*( الخاتمة : نسأل الله حسنها )*
هذا السؤال من الأخ طالب العلم كان سببا بعد فضل الله ورحمته في كتابة هذه الرسالة مع ملاحظتي خلال هذه الأشهر لتحركات الإخوانية الخوارج بعد عودة من كان بالأمس - وقت الربيع الفارسي- معهم وهو حزب غربي كافر يعرفه كل من أطلع على واقع الحال .
فجرى كتابة هذه الرسالة تنبيها لعامة المسلمين على تحريم هذا العمل المعروف بالمظاهرات وعظيم جرمه وخطورته على :
دينهم
ودولهم
ومجتمعهم
وامنهم
واقتصادهم
واعراضهم
ودمائهم
وولاة أمورهم
فالحذر
الحذر
تسلموا
وقد ثبت في السنة:
( لا يُلْدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ مرتين ) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه .
والطريقة الصحيحة في كيفية نصح ولي الأمر هي بإتباع الكتاب والسنة وليست اجتهادا مبني على الهوى والبدع والشبهات كما في الخروج العملي على ولاة أمور المسلمين والذي يعرف ب" المظاهرات "
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية النصيحة للحاكم
ففي حديث عياض بن غنم الأشعري رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال : ( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه ). رواه الإمام أحمد رحمه الله ( ٣ / ٤٠٣ ) حديث رقم ( ١٥٣٦٩ )
،وابن أبي عاصم النبيل رحمه الله في كتاب السنة ( ٣ / ١٠٢ )
حديث رقم ( ٩١٠ )وصححه الإمام الألباني رحمه الله في كتابه ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة لإبن أبي عاصم النبيل رحمه الله
،واخرجه الطبراني رحمه الله في مسند الشاميين ( ٢ / ٩٤ ) حديث رقم
( ٩٧٧ ).
ثبتنا الله وإياكم على التوحيد والسنة ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة
ونصر الله ولاة أمورنا على من أراد بهم شرا .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
--------------------------
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني .
٥ رمضان ١٤٤٢ هجري