الاثنين، 18 نوفمبر 2024

[ تحذير المسلمين من بدعة محدثة منكرة فيها التفريق بين ( النصيحة ) وبين ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ليتسنى لأهل الأهواء والبدع والحزبية إباحة إنكار المنكر علانية على ولاة الأمر خلافا لما جاء في كلام الله سبحانه وتعالى و جاء في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه هدي السلف الصالح ].






بسم الله الرحمن الرحيم



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ؛ أما بعد:


فها هنا شبهة حادثة جرى نشرها  من قبل طرفين اما من الجهلة بفقه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأما من جماعة الاخوان الخوارج  :

وهذه الشبهة تتمثل في التفريق بين ( النصيحة ) وبين ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) 

فقالوا : لا مانع ان تكون ( النصيحة سرا  ) عملا بالحديث الصحيح ونصه :[ جلَدَ عِياضُ بنُ غَنْمٍ رضي اللهُ عنه صاحِبَ دارَا حينَ فُتِحتْ، فأغلَظَ له هشامُ بنُ حَكيمٍ رضي الله عنه القَولَ حتى غضِبَ عِياضٌ، ثمَّ مكَثَ لياليَ، فأتاه هشامُ بنُ حَكيمٍ، فاعتذَرَ إليه، ثمَّ قال هشامٌ رضي اللهُ عنه : ألم تسمَعْ بقَولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ( إنَّ مِن أشدِّ الناسِ عذابًا أشَدَّهم عذابًا في الدُّنْيا للناسِ ). فقال عِياضُ بنُ غَنْمٍ: يا هشامُ بنَ حَكيمٍ، قد سمِعْنا ما سمِعْتَ، ورأَيْنا ما رأَيتَ، أولم تسمَعْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ( مَن أرادَ أنْ ينصَحَ لذي سُلْطانٍ بأَمْرٍ فلا يُبْدِ له علانِيةً، ولكنْ ليأخُذْ بيَدِه؛ فيخلُوَ به، فإنْ قبِلَ منه فذاكَ، وإلَّا كانَ قد أدَّى الذي عليه)؛وإنَّكَ أنتَ يا هشامُ لأنتَ الجَريءُ؛ إذ تجتَرِئُ على سُلْطانِ اللهِ، فهلَّا خشِيتَ أنْ يقتُلَكَ السُّلْطانُ، فتكونَ قتيلَ سُلْطانِ اللهِ]رواه الامام احمد رحمه اللهُ تعالى وابن أبي عاصم رحمه اللهُ تعالى في السنة وصححه الألباني رحمه اللهُ تعالى في ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة  لابن ابي عاصم رحمه اللهُ تعالى  

؛ وقالوا ان  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس من النصيحة فيجوز الإنكار العلني على ولاة الأمر وهذه من البدع الشنيعة في هذا العصر وفيها فقه اعوج و سوء فهم لمعنى واضح في دين الإسلام وفي لغة العرب التي نطق بها كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصيحة ومن أعظم النصيحة و اهل العلم  يذكرون ان من انواع  النصيحة  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهم الإمام ابن باز رحمه اللهُ تعالى في بيانه العلمي المؤصل الآتي ذكره حيث بين أنواع النصيحة و ان دين الإسلام كله نصيحة عملا بكلام الله تبارك وتعالى و بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وان من النصيحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال رحمه اللهُ تعالى:" هذا حديث عظيم رواه مسلم في الصحيح من حديث تميم الداري وله شواهد عند غير مسلم، يقول ﷺ: ( الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ).

فهذا الحديث العظيم يدل على أن الدين هو النصيحة، وذلك يدل على عظم شأنها لأنه جعلها الدين كما قال النبي ﷺ: ( الحج عرفة ).

وهذا الحديث يدل على أن النصيحة هي الدين، وهي الإخلاص في الشيء، والصدق فيه، حتى يؤدى كما أوجب الله، فالدين هو النصيحة في جميع ما أوجب الله، وفي ترك ما حرم الله، وهذا عام يعم حق الله، وحق الرسول، وحق القرآن، وحق الأئمة، وحق العامة.

والنصيحة كما تقدم هي الإخلاص في الشيء والعناية به، والحرص على أن يؤدى كاملًا تامًا لا غش فيه ولا خيانة ولا تقصير، يقال في لغة العرب: ذهب ناصح، أي ليس فيه غش. ويقولون أيضا: عمل ناصح، يعني ليس فيه غش.

وهكذا يجب أن يكون المؤمن في أعماله ناصحًا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

فالنصيحة لله توحيده عز وجل والإخلاص له وصرف العبادة له جل وعلا من صلاة وصوم وحج وجهاد وغير ذلك، يعني أن يعمل في غاية من الإخلاص لله، لا يعبد معه سواه، بل يعبده وحده، ينصح في هذه العبادة ويكملها مع الإيمان به وبكل ما أمر به، وهكذا ينصح في أداء ما فرض الله عليه، وترك ما حرم الله عليه، يؤدي ذلك كاملًا لعلمه بحق الله، وأن الله أوجبه عليه فهو يخلص في ذلك يعتني به.

وهكذا في حق القرآن يتدبره ويتعقله ويعمل بما فيه من أوامر وينتهي عن النواهي وهو كتاب الله العظيم وحبله المتين، فالواجب العناية به والنصح في ذلك قولًا وعملًا، وذلك بحفظ الأوامر وترك النواهي والوقوف عند الحدود التي بينها الله في القرآن الكريم حتى لا تخل بشيء من أوامر الله في القرآن، وحتى لا ترتكب شيئًا من محارم الله مع الإيمان بأنه كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، هذا قول أهل السنة والجماعة قاطبة، كما قال عز وجل : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ }.[الشعراء:١٩٣-١٩٤]، وقال سبحانه: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }.[الزمر:١]، وقال عز وجل:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. [القدر:١] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه كلام الله سبحانه، وأنه منزل من عنده، فالمؤمن يؤمن بهذا كله وهكذا المؤمنة، ويعتقد كل منهما أنه كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، خلافًا للجهمية، ومن سار في ركابهم المبتدعة.

وهكذا النصح للرسول ﷺ يكون بطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، والإيمان بأنه رسول الله حقًا، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، مع الدفاع عن سنته، والذب عنهما، كل هذا من النصح للرسول ﷺ، وهكذا العناية بأحاديثه ﷺ وبيان صحيحها من سقيمها والذب عنها والامتثال لها والوقوف عند الحدود التي حددها الله ورسوله كما قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا الآية}. [البقرة:٢٢٩].

هذه النصيحة للرسول ﷺ، وما زاد على ذلك من الواجبات وترك المحرمات كان كمالًا للنصيحة وتمامًا لها.

فالحاصل أنه بعنايته بما أمر الله به ورسوله وما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله من الحقوق يكون قد نصح لله ولكتابه ولرسوله بأداء فرائض الله، وترك محارم الله، والوقوف عند حدود الله، والإكثار من الثناء عليه، وذكره عز وجل وخشيته جل وعلا، كل هذا من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ﷺ.

أما النصيحة لأئمة المسلمين فبالدعاء لهم والسمع والطاعة لهم في المعروف، والتعاون معهم على الخير، وترك الشر، وعدم الخروج عليهم، وعدم منازعتهم إلا أن يوجد منهم كفر بواح عليه برهان من الله عز وجل  كما جاء ذلك في حديث عبادة بن الصامت رضي اللهُ عنه في مبايعة الأنصار للنبي ﷺ.

ومن النصيحة لهم توجيههم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأسلوب الحسن والرفق وسائر الطرق المعتبرة؛ عملًا بهذا الحديث الصحيح وبقول الله عز وجل : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى }.[ المائدة:٢ ]، وقوله سبحانه: {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.[ العصر:١ -٣ ].

وأما النصيحة لعامة المسلمين فإنها تكون بتعليمهم وتفقيههم في الدين، ودعوتهم إلى الله عز وجل وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإقامة الحدود عليهم والتعزيرات الشرعية، كل هذا من النصيحة لهم، والله ولي التوفيق" . [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز ( ٢٧ / ٥٢٤)].

ففي  هذه الرسالة احببت التنبيه على عظيم خطر هذا المسلك البدعي المحدث الذي يحاول فيه الجهلة وأهل الضلال نشر أساليب محدثة فيها تحريض وتهييج على ولاة الأمر في ما يظهر للجاهل أنها طريقة علمية شرعية والصحيح أنها  طريقة بدعية فيها رد لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة رضي الله عنهم أجمعين والشرع الحنيف ودين الإسلام هو ماجاء في كلام الله سبحانه وتعالى وماجاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وعند الاختلاف يرجع إلى نصوص الوحيين كتابا وسنة كما حدث بين الصحابيين الجليلين هشام بن حكيم رضي اللهُ عنه و عياض بن غنم رضي اللهُ عنه وفي هذا الأثر جرى الرجوع إلى كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم في بيان الكيفية الصحيحة للتعامل مع السلاطين ؛ وأعظم الأمر هو الأمر  بتوحيد الله سبحانه وتعالى ؛ وأعظم المنكر هو الشرك بالله سبحانه وتعالى

وانظر قول الله سبحانه وتعالى لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام في بيان الكيفية الصحيحة للتعامل مع هذا الملك الكافر فقال تعالى :{ فقولا له قولا ليناً } وهو فرعون الذي قال عنه الله تعالى وتقدس بأنه قال:{ قال انا ربكم الأعلى}؛قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره للآية الكريمة { فقولا له قولا لينا } :" والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل ، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع ، كما قال تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } الآية [ النحل : ١٢٥ ] " .

ومعلوم عند العقلاء فكيف بطلاب العلم بأن إعلان النكير على ولاة أمور المسلمين فيها شر عظيم وعاقبة امره نتائج سيئة فادحة في إهلاك الحرث والنسل ومنع الدعوة الصحيحة إلى دين الإسلام بسبب من أراد تشويه جمال وكمال وتمام دين الإسلام ف"ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.

أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة.

ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكما ولا غير حاكم.

ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه : قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه : ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.

ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي اللهُ عنه وأنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه، وقد روى عياض بن غنم الأشعري رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال: ( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه ).

نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإخواننا المسلمين من كل شر، إنه سميع مجيب. ".[ مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز  رحمه الله تعالى ( ٨ / ٢١٠ ) ].

فأحذروا ياطلاب العلم من الجهلة  واحذروا من أهل الضلال الذين يريدون  الشر بين المسلمين في دسائس مفضوحة لإحداث الفوضى والفتن في المجتمع المسلم بين  الحاكم والمحكوم رزقنا الله واياكم العلم النافع والعمل الصالح والرزق الحلال الطيب المبارك ووهب لنا جميعا حسن الخاتمة ؛ ياحي ياقيوم برحمتك نستغيث اصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين؛ ياحي ياقيوم ياذا الجلال والإكرام اجعل ما كتبته في رسالتي هذه خالصا لوجهك الكريم صوابا متبعا فيه سنة رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم متقبلا عندك ياكريم 

والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

°°°°°°°°°°°°°

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني.