بسم الله الرحمن الرحيم
( المقدمة )
الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه . { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًاكَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: الآية ١ ] . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران : الآية ١٠٢ ] .{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [ سورة الأحزاب : الآية ٧٠ - ٧١] .
اما بعد
فإن لفظ الظل الوارد في عدة أحاديث صحيحة في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قد ورد بألفاظ منها ماكان بلفظ ( يوم لاظل الا ظله) وهذا ورد في الصحيحين مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) . رواه البخاري ومسلم في الصحيحين لهما.
وروى أحمد عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي فِي ظِلِّ عَرْشِي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي ) ، وحسن اسناده الإمام الألباني رحمه الله في مختصر العلو صفحة ( ١٠٦).
وغيرها تمر معنا في القول الثالث من هذه الرسالة
كما ستأت أحاديث جرى ذكرها في [القول الثالث من رسالتنا هذه وردت بلفظ ( بظل عرشه)] وهي أحاديث صحيحة متواترة.
ومن هذه الأحاديث حديث
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ) - أَوْ قَالَ:( يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ). .قَالَ يَزِيدُ: " وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ كَعْكَةً، أَوْ بَصَلَةً ، أَوْ كَذَا ".
رواه الإمام أحمد رحمه الله في المسند وصححه الإمام الألباني رحمه الله في [ تخريج أحاديث مشكلة الفقر ( ١١٨) وفي صحيح الترغيب ( ٨٧٢) وفي صحيح الجامع ( ٤٥١٠)]
ولأهل العلم من أئمة الحديث والسنة وشيوخ الاسلام أقوال في معنى الظل الوارد في هذه الأحاديث على ثلاثة أقوال جعلنا كل قول في فصل مستقل فنقول وبالله التوفيق :
( الفصل الأول : انه ظل لله سبحانه وتعالي يليق بجلاله سبحانه وتعالى)
هذا القول الأول :
أنه " ظل يليق به سبحانه لا نعلم كيفيته مثل سائر الصفات، الباب واحد عند أهل السنة والجماعة" عملا بظاهر الحديث كما جاء في الحديث في الصحيحين وهذا اختيار الإمام ابن باز رحمه الله فقد وجه لسماحته سؤالا هذا نصه :
" السؤال:
في حديث السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فهل يوصف الله تعالى بأن له ظلا ؟
الجواب:
نعم كما جاء في الحديث، وفي بعض الروايات في ظل عرشه لكن في الصحيحين "في ظله"، فهو له ظل يليق به سبحانه لا نعلم كيفيته مثل سائر الصفات، الباب واحد عند أهل السنة والجماعة، والله ولي التوفيق ".[ مجموع فتاوى ومقالات الإمام ابن باز رحمه الله ( ٢٨ / ٤٠٤)] .
والحديث أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، برقم( ٦٦٠) ، ومسلم في كتاب الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة، برقم ( ١٠١٣).
( الفصل الثاني : انه ظل يخلقه الله يوم القيامة)
وهذا القول الثاني وفيه ان :
المراد بالظل هنا ظله الذي يخلقه عزوجل، يخلق ظلا من أي مادة كانت
وهذا قول الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله قال رحمه الله :
" وقوله عليه الصلاة والسلام : ( يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) فهم بعض الناس من هذا الحديث فهما خاطئا ، وقالوا : إن المراد : بظله ، ظل نفسه عز وجل، وهذا منكر عظيم، لو تدبره القائل به ما مشى حوله، لأنه من المعلوم أن الناس في الأرض، وأن من يظلك عن شيء إنما يظلك عن شيء فوقه، ويلزم من هذا التأويل الفاسد الخاطئ أن يكون الله فوقه شيء، وتكون نفسه المقدسة حائلا بين هذا الشيء وبين الناس، وإذا قلنا إن الظل من الشمس والشمس تدنو من الخلائق قدر ميل صار الله على هذا التأويل نازلا جدا أقرب إلى الناس من الميل ، وهو يظلهم كالسحابة بينهم وبين الشمس، وهذا منكر، وهذا أخذ بالظاهر الظاهر بطلانه.
والمراد بالظل هنا ظله الذي يخلقه عزوجل، يخلق ظلا من أي مادة كانت ما نعرف، لأن ظل الدنيا نوعان : ظل من الله وظل من الخلق، فإذا بنى الإنسان عريشا فالذي يستظل به يستظل بظل الآدمي الذي صنعه الآدمي، وظل السحاب ظل الله، لا يصنعه الخلق.
يوم القيامة ليس هناك ظل للبشر، لا يستطيع أحد أن يبني ظلا، بل الظل ظل الله عز وجل ". انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
[ شرح كتاب الفرائض والحدود من صحيح البخاري للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله].
( الفصل الثالث : ان المراد بالظل هو ظل عرش الرحمن)
وهذا القول الثالث :
[ قال به ومال إليه جمع كبير من كبار علماء الإسلام] منهم :
ابن حبان
ومحمد بن إسحاق بن منده وابو جعفر الطحاوي
وابن عبدالبر
وابن القيم
وابن قتيبه
وابن كثير
ومحمد الأنصاري القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى.
وابن رجب
وابن حجر
وجلال الدين السيوطي ومحمد المباركورفوري في تحفة الاحوذي.
وعبدالرحمن السعدي
و الألباني رحمهم الله تعالى ومنهم الإمام ربيع المدخلي حفظه الله وأفرد مسألتنا هذه في رسالة مستقلة عنون لها ب[ القول الواضح المبين في المراد بظل الله الذي وعد به المؤمنين العاملين] ولعل رسالته فضيلته هذه - حسب علمي - في معرفة المراد ب[ ظل الله] لم يسبقه إلى أفرادها في مؤلف مستقل احد من أهل العلم ومن لطيف كلامه ماذكره في خاتمتها حيث قال :" وأخيراً:
فإن المتأمل المنصف في النصوص النبوية والقواعد الشرعية لا يخالجه شك في أن المراد من الظل الوارد في النصوص النبوية – التي مر ذكرها في هذا البحث- إنما هو ظل عرش الله عز وجل.
هذا ما يسره الله لي ووفقني له من هذا البحث الذي أرجو الله الرؤوف الرحيم أن ينفعني به وأن يجعلني ممن يظلهم بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }.وصلى الله على نبينا محمد وإخوانه من النبيين والمرسلين وآله وصحابته أجمعين". انتهى كلامه حفظه الله.
وانتصر لقول من قال بأن المراد بظل الله هو ظل عرشه وحشد له الأدلة النقلية والحجج العقلية وقد استفدت من رسالته في القول الثالث من رسالتي هذه .
ومن:
[ الأدلة التي ذكرها أصحاب هذا القول] :
| الدليل الأول |
" قال الإمام الترمذي في الجامع ( ٢ / ٥٧٥) حديث( ١٣٠٦) :
حدثنا أبو كريب, قال :حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي, عن داود بن قيس, عن زيد بن أسلم, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : (من أنظر معسراً أو وضع له, أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه, يوم لا ظل إلا ظله).وفي الباب عن أبي اليسر, وأبي قتادة, وحذيفة, وابن مسعود وعبادة, وجابر .
حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه .
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ( ٢ / ٣٥٩) " .
| الدليل الثاني والثالث |
و حديث معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت
قال الإمام أحمد في المسند( ٥ / ٢٣٦ - ٢٣٧) :
حدثنا وكيع حدثنا جعفر بن برقان, عن حبيب بن أبي مرزوق ,عن عطاء بن أبي رباح , عن أبي مسلم الخولاني قال أتيت مسجد أهل دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شي ردوه إلى الفتى فتى شاب .
قال: قلت: لجليس لي: من هذا ؟ قال: هذا معاذ بن جبل، قال: فجئت من العشي, فلم يحضروا, قال: فغدوت من الغد قال: فلم يجيئوا, فرحت فإذا أنا بالشاب يصلى إلى سارية فركعت ثم تحولت إليه, قال: فسلم فدنوت منه فقلت: إني لأحبك في الله قال: فمدني إليه, قال :كيف قلت؟ قلت: إني لأحبك في الله, قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحكى عن ربه, يقول: (المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله) .
قال : فخرجت حتى لقيت عبادة بن الصامت فذكرت له.
حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه , فقال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحكي عن ربه عز وجل يقول : (حقت محبتي للمتحابين فيَّ وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ, وحقت محبتي للمتزاوين فيَّ, والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله) .
إسناد حديث معاذ وعبادة بن الصامت رجاله رجال الصحيحين إلا جعفر بن برقان فإنه من رجال مسلم والأربعة , وثقه ابن معين وابن نمير إلا في حديث الزهري فإنه ضعيف فيه, وقال الإمام أحمد: لأبأس به في غير حديث الزهري, وقال : أبو حاتم محله الصدق يكتب حديث ، وقال الحافظ: صدوق يهم في حديث الزهري, ونقل فيه الذهبي توثيق ابن معين فقط.
وإلا حبيب بن أبي مرزوق فإنه" ثقة فاضل" من رجال الترمذي والنسائي وبقية رجاله رجال الصحيحين, فالحديث حسن لذاته يحتمل الصحة ويزداد قوة وصحة بحديث أبي هريرة السابق وبما يأتي بعده..... "
| الدليل الرابع |
" حديث العرباض بن سارية
قال الإمام أحمد في مسنده (٤/ ١٢) : حدثنا هيثم بن خارجة قال حدثنا ابن عياش يعني إسماعيل , عن صفوان بن عمرو وعبد الرحمن بن ميسرة عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله عز وجل : ( المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلاً ظلي)، قال عبد الله: وأحسبنى قد سمعته منه .
حديث العرباض رضي الله عنه في إسناده إسماعيل بن عياش الحمصي, قال فيه الذهبي: عالم الشاميين, قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ منه, وقال دحيم :هو في الشاميين غاية وخلط في المدنيين, وقال البخاري: إذا حدث عن أهل حمص فصحيح وقال أبو حاتم لين، الكاشف (١/ ٢٤٩) .
وقال الحافظ ابن حجر: صدوق في روايته عن أهل بلده, مخلط في غيرهم .
أقول : والذي يترجح لي ما قاله فيه يزيد بن هارون و دحيم والبخاري, لاسيما ودحيم من أهل بلده فهو أعرف به من أبي حاتم وروايته هنا عن الشاميين الحمصيين .
صفوان بن عمرو السكسكي أبو عمرو الحمصي ثقة, وعبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي مقبول من الرابعة, وفيه الهيثم بن خارجه الخراساني، قال فيه الذهبي: " الحافظ ببغداد وكان يسمي شعبة الصغير" . الكاشف( ٢ / ٣٤٤). وقال أبو حاتم: "صدوق" . الجرح والتعديل (٩/ ٨٦) .
وقال :الحافظ ابن حجر: "صدوق خ س ق ".
فالحديث صحيح يحتمل التحسين ويتقوى بما قبله وبما بعده .
وحسَّن الألباني إسناد حديث العرباض هذا في مختصر العلو (ص ١٠٦) ثم قال: أخرجه أحمد ( ٤/ ١٢) وقال : قال المنذري في الترغيب ( ٤/٤): بإسناد جيد "
| الدليل الخامس |
حديث أبي قتادة رضي الله عنه؛ قال الإمام أحمد في المسند ( ٥ / ٣٠٠ و ٣٠٨) .
حدثنا يونس وعفان قالا ثنا حماد بن سلمة قال عفان في حديثه أنا أبو جعفر الخطمي عن محمد بن كعب القرظى ,عن أبي قتادة قال :سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة) .
ورواه الإمام أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في سننه ( ٢ / ١٧٦) من طريق عفان به .
وبالجملة فهذا الحديث صحيح في أقصى درجات الصحة حيث روي عن عدة من الصحابة وبعض طرقه صحيح لا غبار عليه وبعضها صحيح يحتمل التحسين وبمجموع طرقه يقرب من التواتر .
ورواه البغوى في شرح السنة( ٨ / ١٩٩) من طريق الدارمي به وقال هذا حديث حسن وصححه الألباني في الجامع الصغير ( ٦٤٥٢) .
| الدليل السادس |
حديث أبي اليسر
قال أبو بكر بن أبي شيبة ( ٧ / ٥٥٢) حديث ( ٢٢٤٨٤) : حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي قال : حدثني أبو اليسر قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله في ظل عرشه) وهذا إسناد صحيح .
أبو بكر هو الإمام ورجال إسناده كلهم ثقات رجال الجماعة .
| الدليل السابع |
حديث سلمان رضي الله عنه :
قال البيهقي -رحمه الله- بعد أن نقل قول من قال: إن المراد بالخبر ظل العرش وإنما الإضافة إلى الله بمعنى الملك .
قال: واحتج من قال ذلك بما أخبرنا أبو الحسن بن بشران أنا إسماعيل الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبدالرزاق أنا معمر عن قتادة قال: إن سلمان: قال: ( التاجر الصدوق مع السبعة في ظل عرش الله تعالى يوم القيامة) ، ثم ذكر السبعة في الخبر المرفوع " الأسماء والصفات صفحة ( ٣٧١) ، وحسن ابن حجر إسناده في الفتح ( ٢ / ١٤٤).
والحاصل أن حديث سلمان يتقوى بما قبله من الأحاديث، وهي تزداد به قوة وصحة لاسيما وحديث سلمان في درجة الحسن كما قال الحافظ" [ ينظر رسالة (
القول الواضح المبين في المراد بظل الله الذي وعد به المؤمنين العاملين) للإمام ربيع المدخلي حفظه الله فعنه انقل ].
قال الإمام الألباني رحمه الله : " وقد ورد في ظل العرش أحاديث تبلغ التواتر" .
وقبله قال الحافظ الذهبي رحمه الله في العلو صفحة ( ٨٤) ما نصه : " وقد بلغ في ظل العرش أحاديث تبلغ التواتر".
وكان لأصحاب هذا القول - الثالث في رسالتنا هذه - [ توجيه لألفاظ الحديث التي وردت بلفظ :( يوم لاظل الا ظله)]
بأمور منها :
( اولا )
" أن هذا الظل إنما هو ظل العرش وإضافته إلى الله إنما هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه إضافة تشريف مثل:
١ - قول الله تعالى : {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا }.
٢ - ومثل قوله تعالى : {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ }.
٣ - ومثل قوله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}.
٤ - وقوله تعالى : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}.
فإضافة هذه الناقة إلى الله إضافة تشريف, وإضافة البيت إلى الله -والمراد به الكعبة- إضافة تشريف, وكذلك إضافة الرسول إلى الله إضافة تشريف, وكل أولئك مخلوقون وإضافتهم إلى الله إضافة مخلوق إلى خالقه إضافة تشريف وإلا فالعالمون كلهم مخلوقون".
( ثانيا )
" من القواعد التي يجب مراعاتها عند تفسير كلام الله وعند شرح كلام رسول الله حمل المبهم على المبين والمطلق على المقيد".
[ من رسالة ( القول الواضح المبين في المراد بظل الله
الذي وعد به المؤمنين العاملين) للإمام ربيع المدخلي حفظه الله)].
( الخاتمة نسأل الله حسنها : بيان الراجح من هذه الأقوال بفضل الله وتوفيقه ورحمته )
الذي يظهر والله اعلم ان هذه الأحاديث يجب العمل بها كلها لأسباب شرعية وجيهة منها :
| اولا |
ان اعمال الحديث أولى من إهماله.
وخاصة ان هذه الأحاديث صحيحة لا مهمز في متنها أوفى إسنادها .
فالعمل بحديث صحيح واحد وترك العمل بالأحاديث الأخرى مع صحتها ويسر وسهولة الجمع بينها ؛ فيه نوع رد لبعض سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الثابتة ولاتنسى...
| ثانيا |
ان الجمع بينها جمع حسن متيسر ليس فيه رد لأحدها أو إهماله. ثم...
| ثالثا |
لو قيل بوجوب إختيار احد هذه الأقوال الثلاثة لوجدنا أن فيه ترك العمل بباقي الأحاديث الصحيحة الاخرى وهذا قول فيه تحكم بلا دليل صحيح بل السنة خلافه ثم انظر رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمه.
| رابعا |
لأي سائل الحق في سؤال من لا يريد العمل بهذه الأحاديث وسؤاله هو :
كيف العمل بالحديث الصحيح أو كيف يوجه العمل بحديث يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ). أَوْ قَالَ:( يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ). .قَالَ يَزِيدُ: " وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ كَعْكَةً، أَوْ بَصَلَةً ، أَوْ كَذَا ".
الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله في المسند وصححه الإمام الألباني رحمه الله في [ تخريج أحاديث مشكلة الفقر ( ١١٨) وفي صحيح الترغيب ( ٨٧٢) وفي صحيح الجامع ( ٤٥١٠)].
فهنا لايستطيع احد ان يوجد الجمع بينها وذلك لإختلاف اللفظ والمعنى.
ولا يتم العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحال الا بالعمل بجميع أخبار هذه الأحاديث النبوية الصحيحة كلها.
| خامسا |
سهولة العمل بهذه الأحاديث الصحيحة وذلك بوضوح الفاظها ويسر الجمع بينها وعدم صعوبتها يتضح ذلك بأن :
الظل الوارد بهذه الأحاديث النبوية الصحيحة يوضح معناه أما :
ب :
( ١ )
( ظل الله) سبحانه وتعالى كما جاء في الصحيحين وغيرها وهذا الظل ظل يليق بجلال سبحانه وتعالى فلا نعلم كيفيته مثل سائر صفات الله سبحانه وتعالى كما في معتقد أهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح فنمرها كما جاءت بلا تأويل ولا تحريف ولاتعطيل ولا تكييف ولا تمثيل فالمعنى معقول والكيف مجهول :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }.
( ٢ )
وأما لفظ ( ظل العرش) الوارد في الأحاديث النبوية الصحيحة الاخرى فنثبت أن لعرش الرحمن ظلا عملا بالأحاديث الصحيحة الأخرى علما بأنه لا يعلم كيفية ظل عرش الرحمن إلا الله وحده لا شريك له.
( ٣ )
ثم نثبت كذلك العمل بصحة حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( كلُّ امرئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِه حتى يُقْضَى بين الناس) وهو حديث صحيح وفق ما جرى ذكره سابقا.
فالله سبحانه وتعالى له ظل بهذا جاءت السنة بالأحاديث الصحيحة سندا ومتنا في الصحيحين وفي غيرها .
وهكذا جاء لفظ ظل عرش الرحمن أن له ظلا بهذا جاءت السنة بخبر الأحاديث الصحيحة المتواترة.
والصدقة له ظل بهذا جاءت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.
فنكون اعملنا جميع هذه الأحاديث وتركنا إهمالها.
ويظهر لي أن قول الإمام ابن باز رحمه الله في هذه المسألة لعله هو اصوبها.
رزقنا الله وإياكم رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمه ؛ والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
'' '' '' '' '' '' '' '' '' '' '' '' '' ''
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني .