بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
اما بعد
فقد اطلعني احد الاخوة ممن يحرص على العلم النافع على فتوى في حكم الجمع بين الصلاتين المفروضتين جنح فيها هذا المفتي في ايراده لصور رأى فيها جواز الجمع بين الصلاتين الفريضتين بلا موجب شرعي والا " فالواجب على المسلمين أن يصلوا كل صلاة في وقتها، وأن لا يجمعوا إلا من عذر شرعي، وهذه المرة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم محمولة على أنها كانت لعذر شرعي أراد دفع الحرج عن أمته عليه الصلاة والسلام- بسبب ذلك العذر الذي لم يذكر في الحديث.
والواجب على الأمة أن تأخذ بالأمور المحكمة الواضحة، وأن تدع المشتبهات، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}. [سورة آل عمران: الآية 7 ].
فلا يجوز للمؤمن أن يأخذ بالمتشابه الذي ليس فيه وضوح، ويدع المحكم الواضح البين، الذي هو صلاته كل صلاة في وقتها في حياته ﷺ في المدينة مدة عشر سنين عليه الصلاة والسلام وقد وضح للأمة ذلك وقال: ( الصلاة بين هذين الوقتين) وقال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي).فلا يجوز أن نأخذ بشيء لم يتضح سببه يخالف الأحاديث الصحيحة، والعمل المستمر في حياته ﷺ بل هذا من اتباع المتشابه الذي لا يجوز لأهل الإيمان، فإذا وجدت علة تسوغ الجمع؛ فلا بأس، كالمرض والمطر والسفر ونحو ذلك؛ فلا بأس بذلك، كما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- في أسفاره، ورخص للمستحاضة أن تجمع لعذرها، والمريض كذلك معذور، فلا بأس بذلك للعذر الشرعي" [ انتهى من كلام الإمام ابن باز رحمه الله من موقعه الرسمي].
وقد أتى تهاون هذا المفتي عفا الله عنا وعنه وعن المسلمين بسبب فهمه الخاطئ لما روى البخاري ومسلم رحمهما الله في الصحيحين : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين المغرب، والعشاء، صلى ثمان جميعًا، وسبعًا جميعًا، المغرب، والعشاء، والظهر، والعصر) ، وفي رواية مسلم زيادة:( من غير خوف، ولا مطر) ، وفي رواية أخرى:( ولا سفر)
وفي صحيح مسلم رحمه الله :
( صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بالمَدِينَةِ، في غيرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ) قالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا: لِمَ فَعَلَ ذلكَ؟ فَقالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كما سَأَلْتَنِي، فَقالَ: أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أَحَدًا مِن أُمَّتِهِ.
والرد عليه يكمن في أمور منها :
( اولا )
بالفقه الصحيح لهذا الحديث :
وذلك ان قول ابن عباس رضي الله عنهما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير عذر ولامطر
لأسباب منها :
[ أ ]
معلوم بداهة أن دين الإسلام وهو دين الله سبحانه وتعالى الذي ارتضاه لعباده إنما هو وقف على كلام الله سبحانه وتعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وفق هدى وفهم سلفنا الصالح والسنة النبوية إما تأت بشرع ابتدائي أو تأت إيضاح لما أتى في كلام الله تعالى وتقدس.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أتت بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين للناس حكما شرعيا وذلك أنه يجوز الجمع رفعا للحرج عن امته وتحريجها إما بوجود مطر، أو آثار من آثار نزوله ومن ذلك وجود دحض وهوان يتعرص الناس للزلق في طرقاتهم بسبب الطين فيتضرروا ، أو لوجود وباء عام يخاف منه فلهذا جمع عليه الصلاة والسلام
[ ب ]
ذكر أهل العلم
أن جمعه هذا قبل أن تستقر الشريعة في وجوب كل صلاة في وقتها، وعدم جواز الجمع إلا من علة، ثم استقرت الشريعة على أنه لا يجوز الجمع إلا لعلة واضحة من مرض، أو نحوه، أو سفر.
وقد جاءت الأدلة بعد ذلك، بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقت للناس المواقيت، وبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم المواقيت أولها، وآخرها،ففي الحديث الصحيح المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أمني جبريلُ عندَ البيتِ مرَّتينِ فصلَّى بيَ الظُّهرَ حينَ زالتِ الشَّمسُ وَكانت قدرَ الشِّراكِ وصلَّى بيَ العصرَ حينَ كانَ ظلُّهُ مثلَهُ وصلَّى بيَ يعني المغربَ حينَ أفطرَ الصَّائمُ وصلَّى بيَ العشاءَ حينَ غابَ الشَّفَقُ وصلَّى بيَ الفجرَ حينَ حرمَ الطَّعامُ والشَّرابُ على الصَّائمِ فلمَّا كانَ الغدُ صلَّى بيَ الظُّهرَ حينَ كانَ ظلُّهُ مثلَهُ وصلَّى بي العصرَ حينَ كانَ ظلُّهُ مثليهِ وصلَّى بيَ المغربَ حينَ أفطرَ الصَّائمُ وصلَّى بيَ العشاءَ إلى ثلثِ اللَّيلِ وصلَّى بيَ الفجرَ فأسفَرَ ثمَّ التفتَ إليَّ وقالَ يا محمَّدُ هذا وقتُ الأنبياءِ من قبلِكَ والوقتُ ما بينَ هذينِ الوقتين)
رواه أحمد والنسائي والترمذي وابوداود بألفاظ وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح النسائي وصحيح ابي داود رحمهما الله
وقد أتى في كلام الله سبحانه وتعالى وجوب المحافظة على أوقات الصلاة :{ أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}
اي ان كل فرض من فروض الصلاة له وقت محدد فرض فيه وبهذا أتت السنة وعليه إجماع المسلمين.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة :" وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) قال ابن مسعود : إن للصلاة وقتا كوقت الحج". انتهى كلامه رحمه الله بتصرف.
قال عمر بن الخطاب رضي الله : " الجمع من غير عذر من الكبائر".
[ ج ]
ثم في توضيح المعنى الصحيح لهذا الحديث من أجل أن تبين السنة ودفعا لتوهم الجهلة بإتيانهم بفهم من عندهم يخالف الشرع ورفعا للاشكال الحاصل يقول الإمام الألباني رحمه الله :
" قال ابن عباس[ رضي الله عنهما] أراد ألا يحرج أمته عليه الصلاة والسلام ومعنى ذلك قيد حكم الجمع في الإقامة بوجود الحرج في عدم الجمع وحيث وجد الحرج في إقامة الصلوات في مواقيتها المعروفة فدفعا للحرج الذي نفاه الله عز وجل في مثل قوله : {وما جعل عليكم في الدين من حرج } يجوز الجمع أما إذا لم يكن هناك حرج حين ذاك وجب المحافظة على أداء الصلوات الخمس كل صلاة في وقتها لأنه لا حرج مثلا أنا جالس هنا وأسمع الأذان هناك في المسجد القريب مني وأنا قادر على الخروج وليس شيء من الحرج عليّ أن أخرج فلا يجوز ليّ الجمع وعلى العكس من ذلك لما جئت في هذه السفرة وجدت هذا المصعد الكهربائي متعطلا وأنا يصعب عليّ جدا كما ترون [ لوجع : اي مرض فهنا عذر ] في ركبي أن أهبط وأنزل بطريق السلم أو أن أصعد فمضى عليّ بعض الصلوات لا أخرج إلى المسجد لكن لما صلح المصعد الكهربائي فوفر عليّ صعوبة الطلوع والنزول صار لزاما عليّ أن أصلي كل صلاة في المسجد لأني لا أجد ذاك الحرج الذي وجدته أول ما حللت ها هنا فإذا إنما يجوز الجمع لدفع الحرج وحيث لا حرج لا جمع فهما أمران متلازمان لا حرج لا جمع فيه حرج فيه جمع وهذا أحسن ما يقال في التوفيق بين هذا الحديث الصحيح وبين الأحاديث التي تأتي مصرحة بكل صلاة لوقتها وإنه لا يجوز الالتهاء عنها وبخاصة أن الجمع يستلزم في أكثر الأحوال الإعراض عن الصلاة مع الجماعة كما وصفت لكم حالي الأولى". [ فتاوى الإمام الألباني رحمه الله. فتاوى أهل الحديث والأثر . فتاوى جدة شريط رقم ( ٣٢ ) بتصرف يسير ].
( ثانيا )
ان للعلم والفتوى أهل هم علماء السنة اتباع السلف الصالح فإما الجهلة و أهل البدع فليسوا اهلا أن يؤخذ عنهم العلم أو الفتوى فالجاهل بسبب جهله[ البسيط] والمبتدع الضال فبسبب [ جهله المركب] وذلك بتحريفه وانحرافه وضلاله وقد بين الله سبحانه وتعالى من يرجع إليه في بيان دينه فقال تعالى وتقدس : { فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون }
وهم علماء السنة اتباع السلف الصالح؛ "وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة"[ مابين "" من كلام الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة] .
وفي صحيح البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعا : ( إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا ).
فدل هذا الحديث أن من أسباب قبض العلم وانتشار الضلال والجهل هو اخذ العلم و الفتيا عن العوام الجهلة أو من أهل الضلال والانحراف .
( ثالثا )
الصلاة هي قرة عين المؤمن كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :( وجُعِلَ قرةُ عيني في الصلاة) رواه النسائي رحمه الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح النسائي.
قال الحافظ النووي رحمه الله في كتابه القيم رياض الصالحين :
" باب فضل الصلوات:
قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [سورة العنكبوت: الآية 45].
1/1042- وَعنْ أَبي هُرَيْرةٍ رضي الله عنه قَال: سمِعْتُ رسُول اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:( أَرأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِباب أَحَدِكم يغْتَسِلُ مِنْه كُلَّ يَوْمٍ خَمْس مرَّاتٍ، هلْ يبْقى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ؟) قالُوا: لا يبْقَى مِنْ درنِهِ شَيْء، قَال:( فذلكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يمْحُو اللَّه بهِنَّ الخطايا) متفقٌ عَلَيْهِ.
2/1043- وعنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( مثَلُ الصَّلواتِ الخَمْسِ كمثَلِ نهْرٍ جارٍ غمْرٍ عَلى بَابِ أَحَدِكُم يغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خمْسَ مرَّاتٍ) رواه مسلم.
3/1044- وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رجُلًا أَصاب مِنِ امْرأَةٍ قُبْلَةً، فأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَخبرهُ فأَنزَل اللَّه تَعَالَى: {وأَقِم الصَّلاةَ طَرفي النَّهَار وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسنَاتِ يُذهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [ سورة هود : الآية 114] فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذَا؟ قَالَ: ( لجمِيع أُمَّتي كُلِّهِمْ) متفقٌ عليه."
والصلاة هي الراحة والطمأنينة والسكينة لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرحنا بها يابلال)
رواه أبو داود رحمه الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود.
وذلك ان الصلاة رَّاحةُ مِنْ تَعَبِ الدُّنيا ومَشاغِلِها؛ لِمَا فيها مِنْ مُناجاةٍ للهِ تعالى مع مافيها من راحةٍ للرُّوحِ والقَلْبِ.وليست هما وتعبا كما يتصور ذلك من قل نصيبه من العلم وقد رأينا من يوجد الأعذار الواهية و يتحجج في تركها في فهم خاطئ تلوى فيه أعناق النصوص الشرعية اتباعا لهوى النفس وشهواتها وحظوظها الفانية وفي هذا المسلك يظهر اسلوب في الكسل عن طاعة رب العالمين سبحانه وتعالي.
لذا جرى تحرير هذه الرسالة ايضاحا للفهم الصحيح لهذا الحديث ورفعا للجهل في فريضة شرعية عظيمة هي الركن الثاني من أركان الإسلام.
رزقنا الله وإياكم وهذا الأخ المفتي ؛ العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمه.
والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً..
--------------------
كتبه واملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني .