السبت، 3 يونيو 2023

《 كتاب رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة مع بيان صفة تجلي الله سبحانه وتعالى لعباده في الآخرة رزقنا الله وإياكم رؤية الله سبحانه وتعالى 》





     بسم الله الرحمن الرحيم 








     [[        المقدمة          ]]




الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه . { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًاكَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [ سورة النساء : الآية ١] . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [ سورة آل عمران : الآية ١٠٢ ]  .{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [ سورة الأحزاب : الاية ٧٠ - ٧١ ]. 


أما بعد  


فإن من عقيدة أهل الإسلام الصحيح أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح رؤية الله سبحانه وتعالى في الدار الآخرة عملا بنصوص الوحي وما عليه هدي سلفنا الصالح وجرى عليه اجماعهم  ؛ فقد ثبت في ديننا الإسلام ان سبحانه وتعالى يراه المؤمنون ويتجلى لهم ويقولون : ( ننظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك)[ رواه مسلم رحمه الله في صحيحه] (  فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وهي الزيادة ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ })[ رواه مسلم واهل السنن رحمهم الله ]


وأما أهل الكفر والشرك فيمنعون من رؤية وجه  الله سبحانه وتعالى لأنها من النعيم بل هي أعظم النعيم وهؤلاء في جهنم يعذبون 


قالَ الله تَعَالَى:{ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } [سورة المطففين: الآية  ١٥ ].


والتجلي هو رفع الحجاب وازالة المانع من رؤية وجه ربنا الكريم تعالى ربنا وتقدس من أجل أن  يراه المؤمنون تفضلا منه سبحانه وتعالى لزيادة نعيم أهل الجنة فهي { الزيادة } المذكورة في قوله تعالى وتقدس  : {  لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ سورة يونس: الاية ٢٦ ]. ورؤية الله هي المزيد المذكور في قوله تعالى وتقدس : {  ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ . لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } . [سورة ق : الآية ٣٤ - ٣٥ ].


 هذا دين الله وهو دين الإسلام الدين الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى دينا لعباده .


 وقد نبتت نبتة سوء في ايام الدولة العباسية حيث ظهرت فرقة المعتزلة والتي قام مذهبهم على :


١-


تكفير عصاة المسلمين. 


٢-


ومن ثم استحلال دمائهم. 


٣-


اباحة الخروج على ولي الأمر. 


٤-


إفكهم على الله سبحانه وتعالى بقولهم: [ بخلق القرآن الكريم ]


ثم . 


٥-


تعطيلهم الجهمي لصفات الله سبحانه وتعالى .


ومن ذلك ...


٦-


إنكار صفة تجلي الله سبحانه وتعالى لعباده وإنكار رؤية الله سبحانه وتعالى استمرارا في المضي في مذهبهم الباطل القائم على تعطيل الله سبحانه وتعالى عن اسمائه الحسنى وصفاته الكاملة الجليلة الثابتة له في الكتاب العزيز والسنةالنبوية وفي طريقتهم الضالة هذه :


تكذيب لكلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ورد لخبر الكتاب والسنة ومشاققة لإجماع المسلمين .


والعقول السليمة تثبت ما اثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه في كلامه المنزل غير مخلوق و تثبت مااثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم وتؤمن وتسلم لوحي الله سبحانه وتعالى  ؛ فالوحي أتى بما تحار  به العقول لا بما تحاربه العقول فالعقل الصريح  يوافق النقل الصحيح .


و  مذهب المعتزلة موجود و ينتشر في الرافضة الاثنى عشرية و في الزيدية وفي الاباضية وفي كثير من رموز الاخوانية الخوارج وماتولد منهم من فرق حادثة فلا يظن احد ان هذا المذهب قد  انقرض  وقد جرى بفضل الله ورحمته منا كتابة هذه الرسالة تفنيدا لشبهة أهل الاعتزال الفاسد  وبيان الحق في هذه المسألة مع ذكر الأدلة المتواترة من كلام الله سبحانه وتعالى. 






[[ الفصل الأول  : رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة تواتر  ثبوتها  في إدلة الكتاب والسنة واجماع المسلمين ]]




قالَ الله تَعَالَى: {  إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ  } [ سورة القيامة : الآية ٢٣ ] ؛ فقوله تعالى وتقدس :"{ إلى ربها ناظرة } أي : تراه عيانا ، كما رواه البخاري ، رحمه الله ، في صحيحه : ( إنكم سترون ربكم عيانا ) . وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح ، من طرق متواترة عند أئمة الحديث ، لا يمكن دفعها ولا منعها ; لحديث أبي سعيد وأبي هريرة‌  وما في الصحيحين  : أن ناسا قالوا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : ( هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب؟ ) قالوا : لا . قال : (  فإنكم ترون ربكم كذلك  . وفي الصحيحين عن جرير قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال : ( إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر ، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا ) .


وفي الصحيحين عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (  جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ) . وفي أفراد مسلم ، عن صهيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (  إذا دخل أهل الجنة الجنة ) قال : ( يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ ) قال : ( فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ، وهي الزيادة ) . ثم تلا هذه الآية : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [ سورة يونس :  الآية ٢٦ ] . وفي أفراد مسلم ، عن جابر في حديثه : ( إن الله يتجلى للمؤمنين يضحك ) - يعني في عرصات القيامة - ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم عز وجل في العرصات ، وفي روضات الجنات .


وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا عبد الملك بن أبجر ، حدثنا ثوير بن أبي فاختة ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، ينظر إلى أزواجه وخدمه . وإن أفضلهم منزلة لينظر إلى وجه الله كل يوم مرتين ) .


ورواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن شبابة ، عن إسرائيل ، عن ثوير قال : " سمعت ابن عمر . . " . فذكره ، قال : " ورواه عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قوله " . وكذلك رواه الثوري ، عن ثوير ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، لم يرفعه ، ولولا خشية الإطالة لأوردنا الأحاديث بطرقها وألفاظها من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن ، ولكن ذكرنا ذلك مفرقا في مواضع من هذا التفسير ، وبالله التوفيق . وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة ، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام . وهداة الأنام .


ومن تأول ذلك بأن المراد ب  ( إلى ) مفرد الآلاء ، وهي النعم ، كما قال الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد : { إلى ربها ناظرة } فقال تنتظر الثواب من ربها . رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد . وكذا قال أبو صالح أيضا - فقد أبعد هذا القائل النجعة ، وأبطل فيما ذهب إليه . وأين هو من قوله تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } ؟ [ سورة المطففين : الآية ١٥ ] ، قال الشافعي ، رحمه الله : ما حجب الفجار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه عز وجل . ثم قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دل عليه سياق الآية الكريمة ، وهي قوله : { إلى ربها ناظرة } قال ابن جرير : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا آدم ، حدثنا المبارك ، عن الحسن : { وجوه يومئذ ناضرة } قال : حسنة ، { إلى ربها ناظرة } قال تنظر إلى الخالق ، وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق ".. 


و قال الله تعالى وتقدس  :{ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [ سورة المطففين: الآية ٣٥ ].


:" أي إلى الله عز وجل في مقابلة من زعم فيهم أنهم ضالون وليسوا بضالين بل هم من أولياء الله المقربين ينظرون إلى ربهم في دار كرامته".


وفي قوله تعالى وتقدس:{ ولدينا مزيد } [ سورة ق : الآية ٣٥ ] يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة: " وقوله : { ولدينا مزيد } كقوله تعالى :  { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [سورة يونس :  الآية ٢٦ ] . وقد تقدم في صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومي : أنها النظر إلى وجه الله الكريم . وقد روى البزار وابن أبي حاتم ، من حديث شريك القاضي ، عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ، عن أنس بن مالك في قوله عز وجل : { ولدينا مزيد } قال : يظهر لهم الرب ، عز وجل في كل جمعة .


وقد رواه الإمام أبو عبد الله الشافعي مرفوعا فقال في مسنده : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، حدثني موسى بن عبيدة ، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك يقول : أتى جبرائيل بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ما هذه ؟ ) فقال : هذه الجمعة ، فضلت بها أنت وأمتك ، فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ، ولكم فيها خير ، ولكم فيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له ، وهو عندنا يوم المزيد . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يا جبريل ، وما يوم المزيد ؟ ) قال : إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك ، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء من ملائكته ، وحوله منابر من نور ، عليها مقاعد النبيين ، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد ، عليها الشهداء والصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب ، فيقول الله عز وجل : أنا ربكم ، قد صدقتكم وعدي ، فسلوني أعطكم . فيقولون : ربنا ، نسألك رضوانك ، فيقول : قد رضيت عنكم ، ولكم علي ما تمنيتم ، ولدي مزيد . فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير ، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش ، وفيه خلق آدم ، وفيه تقوم الساعة ) .


[ و ] هكذا أورده الإمام الشافعي في كتاب " الجمعة " من الأم ، وله طرق عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ".[ ما سبق من تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله ].




[[ الفصل الثاني : ادلة الكتاب العزيز والسنة النبوية في إثبات صفة التجلي لله سبحانه وتعالى ]]. 




              (    أولا     )




فمن كلام الله سبحانه وتعالى 


قال الله تعالى وتقدس : { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا }. [سورة الأعراف : الاية ١٤٣ ].




         (       ثانيا    )




واما في السنة فيقول الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه ؛ كتاب الإيمان باب أدني أهل الجنة منزلة فيها (حديث رقم: ٤٦٩ ) .


حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله [ رضي الله عنه] ، يسأل عن الورود، فقال : ( نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا، انظر أي ذلك فوق الناس؟ قال: فتدعى الأمم بأوثانها، وما كانت تعبد، الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك، فيقول: من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم ويتبعونه، ويعطى كل إنسان منهم منافقا، أو مؤمنا نورا، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها ).




[[ الفصل الثالث : الحديث عن صفة تجلي الله سبحانه وتعالى ]].




صفةالتجلي لله سبحانه وتعالى من الصفات الاختيارية و الصفات الاختيارية هي الأمور التي يتصف بها الرب عز وجل فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته ; ومثل ذلك :  كلامه وسمعه وبصره وإرادته ومحبته ورضاه ورحمته وغضبه وسخطه ; ومثل خلقه وإحسانه وعدله ; ومثل استوائه ومجيئه وإتيانه ونزوله ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسنة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: 


وكذلك قال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: " وهو الَّذي خلَقَ السَّمواتِ والأرضَ وما بينهما في ستَّةِ أيَّامٍ ثمَّ استوى على العرشِ، وهو الَّذي كَلَّم موسى تكليمًا، وتَجَلَّى للجبلِ فجعَله دَكًّا، ولا يُماثِلُه شيءٌ مِن الأشياءِ في شيءٍ مِن صِفاتِه، فليس كَعِلْمِه علمُ أحَدٍ، ولا كقدرتِه قُدرةُ أحَدٍ، ولا كرحمتِه رحمةُ أحَدٍ، ولا كاستوائِه استواءُ أحَدٍ، ولا كسَمعِه وبصَرِه سمعُ أحَدٍ ولا بصَرُه، ولا كتكليمِه تكليمُ أحَدٍ، ولا كتجَلِّيهِ تَجَلِّي أحَدٍ " [ مجموع الفتاوى  ( ٥ / ٢٥٧ )].قال الإمام ابنُ عبدِ البَر رحمه الله  : قولُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( يَنزِلُ ربُّنا إلى السَّماءِ الدُّنيا   )  عندَهم: مِثْلُ قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ:{  فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } [سورة الأعراف : الآية ١٤٣ ] ؛ ومِثلُ قَولُه: {  وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [سورة الفجر : الآية ٢٢ ]  كلُّهم يَقولُ: يَنزِلُ ويَتجَلَّى ويجيءُ،


 بلا كيفٍ، 


لا يَقولُون: كيفَ يجيءُ؟ 


وكيفَ يَتجَلَّى؟ 


وكيفَ يَنزِلُ،


 ولا مِن أينَ جاء؟


 ولا مِن أينَ تَجلَّى؟


 ولا مِن أينَ يَنزِلُ؟


 لأنَّه ليس كشيءٍ مِن خَلْقِه، وتعالى عنِ الأشياءِ، ولا شريكَ له، وفي قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}  دَلالةٌ واضحةٌ أنَّه لم يكُنْ قبْلَ ذلك متجلِّيًا للجبلِ، وفي ذلك ما يُفسِّرُ معنى حديثِ التَّنزيلِ  ".[ التمهيد (  ٧ / ١٥٣)].


ومعنى التجلي : فهو الظهور وإزالة المانع من الرؤية ." 


فالتجلي في الحديث هو : تجلي الله لعباده و رؤيتهم لوجهه الكريم سبحانه وتعالى .




[[   الفصل الرابع : إيضاح تفسير آية التجلي  ]].




التجلي في الآية الكريمة من قوله تعالى وتقدس  : { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } 


 له معاني ذكرها أهل التفسير من أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح منها  :


القول الأول:


إمساك طرف الإبهام على انملة الإصبع ودليل هذا  القول مارواه الترمذي رحمه الله في سننه وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي حديث رقم( ٣٠٧٤)


من حديث الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه يقول الرسول صلى الله عليه:( أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم: قَرأَ هذِهِ الآيةَ فَلَمَّا تَجَلَّ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا قالَ حمَّادٌ: هَكذا، وأمسَكَ سليمانُ بطرفِ إبْهامِهِ على أنملةِ إصبعِهِ اليمنى قال: فساخَ الجبلُ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ).


القول الثاني :


قال السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى : { فلما تجلى ربه للجبل } قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر { جعله دكا } قال : ترابا { وخر موسى صعقا } قال : مغشيا عليه . رواه ابن جرير .


القول الثالث:


قال ابن عباس رضي الله عنهما: " ظهر نور ربه للجبل ، جبل زبير . 


القول الرابع :


قال الضحاك : أظهر الله من نور الحجب مثل منخر ثور . 


القول الخامس :


قال عبد الله بن سلام وكعب الأحبار : ما تجلى من عظمة الله للجبل إلا مثل سم الخياط حتى صار دكا . 


القول السادس :


قال السدي : ما تجلى إلا قدر الخنصر ، يدل عليه ما روى ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم -قرأ هذه الآية وقال : ( هكذا ) ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر ، فساخ الجبل .


وهذا القول بمعنى القول الأول 




القول السابع :


حكي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه  :"أن الله تعالى أظهر من سبعين ألف حجاب نورا قدر الدرهم فجعل الجبل دكا ، أي : مستويا بالأرض.




القول الثامن :


هو رؤية الله سبحانه وتعالى


قال مجاهد رحمه الله في قوله : { ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني } فإنه أكبر منك وأشد خلقا ، { فلما تجلى ربه للجبل } فنظر إلى الجبل لا يتمالك ، وأقبل الجبل فدك على أوله ، ورأى موسى ما يصنع الجبل ، فخر صعقا .


وقال عكرمة : { جعله دكا } قال : نظر الله إلى الجبل ، فصار صحراء ترابا .


قال الإمام ابن جرير رحمه الله  : يَقولُ تعالى ذِكْرُه: فلمَّا اطَّلَع الرَّبُّ للجَبَلِ جَعَل اللهُ الجَبَلَ دَكًّا .قال السمعاني رحمه الله:"أي: ظَهَر للجَبَلِ، قيل: إنَّه جَعَل للجَبَلِ بَصَرًا وخَلَق فيه حياةً، ثمَّ تجَلَّى له؛ فتدَكْدَكَ على نَفْسِه" 


فالاقوال الأول السبع أظهرت أن من تجلى هو بعض صفات الله سبحانه وتعالى .


 والقول الثامن و الأخير أظهر أن من  تجلي هو  الله تعالى وتقدس ونظره إلى  الجبل فجعله دكا . عز ربنا وجل.




[[   الفصل الخامس :  من عقيدة أهل الإسلام الصحيح أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح : ان الله لايرى في الدنيا ]] .




قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:


" وقد ثبت بنص القرآن أن موسى قيل له : { لَنْ تَرَانِي } وأن رؤية الله أعظم من إنزال كتاب من السماء ، كما قال تعالى : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً } فمن قال إن أحدا من الناس يراه ؛ فقد زعم أنه أعظم من موسى بن عمران ، ودعواه أعظم من دعوى من ادعى أن الله أنزل عليه كتابا من السماء ".[ مجموع الفتاوى ( ٢ / ٣٣٦)].




وقد دل على منع ذلك واستحالته  الكتاب والسنة واجماع المسلمين 


فمن الادلة  :


          (     أولا       )


ادلة الكتاب العزيز : 


               [     أ       ]


إن الله تعالى ربنا وتقدس له  اعظم صفات الجلال وواعلى صفات الكمال  وله القُوَّةُ وله العظَمةُ  والعزة والكبرياء


تعالى فهو سبحانه علي الذات،عظيمها علي الأوصاف ذو علو على كل شيء وارتفاع عليه واقتدار فهو علي الأفعال، قد قهر كل شيء، ودانت له المخلوقات. حكيم في وضعه كل شيء في موضعه، من المخلوقات والشرائع.ذو حكمة في تدبير خلقه  قال الله سبحانه وتعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ سورة الشورى : الآية ٥١ ].فهذه الاية اشتملت على :


ازهاق الباطل وبيان الحق 


فإما ازهاق الباطل وذلك في رد 


شبهة " ما قال المكذبون لرسل الله، الكافرون بالله: { لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ } من كبرهم وتجبرهم، رد الله عليهم بهذه الآية الكريمة، وأن تكليمه تعالى لا يكون إلا لخواص خلقه، للأنبياء والمرسلين، وصفوته من العالمين" .


وأما بيان الحق ففي بيان أنواع 


" مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله ، عز وجل ، وهو " :


           (      ١       )


"  أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي  صلى الله عليه وسلم  شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل ، كما جاء في صحيح ابن حبان ، عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن روح القدس نفث في روعي : أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب )" [ صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب حديث رقم( ١٧٠٢)].


            (       ٢        )


كلام الله لرسوله من وراء حجاب قال تعالى{ أو من وراء


حجاب } كما كلم موسى ، عليه السلام ، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم ، فحجب عنها .


وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم  قال لجابر بن عبد الله : ( ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وإنه كلم أباك كفاحا ) الحديث


[ رواه أحمد والترمذي وابن ماجه رحمهم الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي حديث رقم( ٣٠١٠)].  وكان [ أبوه ] قد قتل يوم أحد ، ولكن هذا في عالم البرزخ ، والآية إنما هي في الدار الدنيا .


               (       ٣       )


{ أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء } كما ينزل جبريل [ عليه السلام ] وغيره من الملائكة على الأنبياء ، عليهم السلام ، ( إنه علي حكيم ) ، فهو علي عليم خبير حكيم .




           [       ب       ]




قال الله تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } [سورة الأعراف : الآية ١٤٣ ] .فهي آية محكمة صريحة في منع رؤية الله سبحانه وتعالى في الدنيا  .




           (     ثانيا     )




من السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ ) رواه مسلم رحمه الله في صحيحه.


   وعَنْ أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم:  هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: ( نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ؟).رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٤٤٣ ).


وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: ( إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ) وَفِي رِوَايَةِ: ( النَّارُ )، ( لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ).


رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ١٧٩ ).


وعَنْ عائشة رضي الله عنها قالت :( مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الفِرْيَةَ)


رواه  الإمامان الجليلان  البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٣٠٦٢) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٤٣٩ ).


و عنها  رضي الله عنها لَمَّا سألها مسروق رحمه الله ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ قَالَتْ: ( سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي لِمَا قُلْتَ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ، فَقَدْ كَذَبَ، مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ)


رواه البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم(  ٣٠٦٢ )  ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ١٧٧ ).




               (      ثالثا     )


الإجماع على أن الله لايرى في الدنيا نقل الإجماع الإمام ابن تيميه رحمه الله في مواضع من كتبه من ذلك :


ماذكره في مجموع الفتاوى( ٢ / ٣٣٥ )


حيث قال رحمه الله تعالى :


" اتفق أئمة المسلمين على أن أحدا من المؤمنين لا يرى الله بعينه في الدنيا ، ولم يتنازعوا إلا في النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، مع أن جماهير الأئمة على أنه لم يره بعينه في الدنيا ، وعلى هذا دلت الآثار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة المسلمين " انتهى من " 


وفي ذات المصدر ( ٣ / ٣٨٩ ) قال رحمه الله:


" كل من ادعى أنه رأى ربه بعينيه قبل الموت فدعواه باطلة باتفاق أهل السنة والجماعة ؛ لأنهم اتفقوا جميعهم على أن أحدا من المؤمنين لا يرى ربه بعيني رأسه حتى يموت " .






[[   الفصل السادس : ماهي أسباب عدم رؤية الله سبحانه وتعالى  في الدنيا ]].






 ذكر  أهل العلم اسبابا لعدم رؤية الله  سبحانه وتعالى في الدنيا من أهمها   :




         (        أولا        )




قال الإمام ابن باز رحمه الله :


 " ثبت عنه ﷺ أنه قال: ( واعلموا أنه لن يرى أحد ربه حتى يموت ) ؛  فالدنيا ليست محل الرؤية؛ لأن الرؤية نعيم، رؤية الله أعلى نعيم أهل الجنة، وهذه الدار ليست دار النعيم، دار الأكدار ودار الأحزان ودار التكليف فلا يرى في الدنيا لكنه يرى في الآخرة يراه المؤمنون".[ من موقعه الرسمي رحمه الله ].






          (      ثانيا       )




" عجز أبصارنا، لا لامتناع الرؤيا، فهذه الشمس إذا حدق الرائي البصر في شعاعها، ضعُف عن رؤيتها لا لامتناع في ذات المرئي، بل لعجز الرائي، فإذا كان في الدار الآخرة أكمل الله قوى الآدميين حتى أطاقهم رؤيته، ولهذا لما تجلى الله للجبل خرَّ موسى صعقًا؛ قال: سبحانك تبتُ إليك، وأنا أول المؤمنين بأنه لا يراك حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده، ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملَك في صورته إلا من أيده الله كما أيَّد نبينا صلى الله عليه وسلم " [ من كلام الإمام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه  منهاج السنة النبوية ( ٢ / ٣٣٢ )].




[[   الفصل السابع  :  ايات أتت في إثبات  رؤية الله سبحانه وتعالى يحاول أهل الشبه المسمومة لي اعناقها  لصالح فساد فكرهم في منع رؤية الله وهي ضدهم ]].


 منها :


            (       أولا         )


قوله تعالى وتقدس  :{ لن تراني } [ سورة الأعراف  : الآية ١٤٣ ] ؛ فهذه الاية حجة لأهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لا حجة عليهم فهي تدل على ثبوت رؤية الله سبحانه وتعالى من وجوه: أحدها: 


أنه لا يظن بكليم الله ورسوله الكريم وأعلم الناس بربه في وقته - أن يسأل ما لا يجوز عليه، بل هو عندهم من أعظم المحال.


 الثاني:


 أن الله لم ينكر عليه سؤاله، ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر سؤاله، وقال: إني أعظك أن تكون من الجاهلين. 


الثالث: 


أنه تعالى قال: لن تراني، ولم يقل: اني لا أرى، أو لا تجوز رؤيتي، أو لست بمرئي. والفرق بين الجوابين ظاهر. ألا ترى أن من كان في كمه حجر فظنه رجل طعاماً فقال: أطعمنيه، فالجواب الصحيح: أنه لا يؤكل، أما إذا كان طعاماً صح أن يقال: إنك لن تأكله. وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار، لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى. يوضحه: الوجه الرابع: 


وهو قوله: ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني. فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار، فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف ؟.


 الخامس: 


أن الله سبحانه قادر على أن يجعل الجبل مستقراً، وذلك ممكن، وقد علق به الرؤية، ولو كانت محالاً لكان نظير أن يقول: إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام. والكل عندهم سواء. 


السادس:


 قوله تعالى: فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً، فإذا جاز أن يتجلى للجبل، الذي هو جماد لاثواب له ولا عقاب، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسوله وأوليائه في دار كرامته ؟ ولكن الله أعلم موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار، فالبشر أضعف. 


السابع: 


أن الله كلم موسى وناداه وناجاه، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبه كلامه بغير واسطة - فرؤيته أولى بالجواز. ولهذا لا يتم إنكار رؤيته إلا بإنكار كلامه، وقد جمعوا بينهما. 


الثامن :


وأما دعواهم تأييد النفي بـ لن وأن ذلك يدل على نفي الرؤية في الآخرة -: ففاسد، فإنها لو قيدت بالتأبيد لا يدل على دوام النفي في الآخرة، فكيف إذا أطلقت ؟ قال تعالى: {ولن يتمنوه أبداً} مع قوله: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك.} ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها، وقد جاء ذلك، قال تعالى: { فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي}. فثبت أن لن لا تقتضي النفي المؤبد.[ من شرح أبي العز رحمه الله للطحاويه عند مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى بتصرف يسير ].






           (       ثانيا       )


قوله تعالى: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ }  [سورة الأنعام: الاية ١٠٣ ]


فالجواب عن هذه الشبهة الضعيفة  بأن هنا فرق  بين  الإدراك  الذي هو بمعنى الإحاطة وبين الرؤية والتي هي النظر لله  سبحانه وتعالى والله يُرى ولا يُدرَك كُنهه و "الإدراك غير الرؤية؛ لأن الإدراك هو الوقوف على كُنهِ الشيء والإحاطة به، والرؤية: المعاينة، وقد تكون الرؤية بلا إدراك؛ قال الله تعالى في قصة موسى: { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [سورة الشعراء:  الاية ٦١ - ٦٢]وقال : {  لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } [ سورة طه : الاية ٧٧ ] ؛ فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية.


فالله عز وجل يجوز أن يُرى من غير إدراك وإحاطة كما يُعرف في الدنيا ولا يحاط به ".


انتهى من كلام الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة.




[[ الفصل الثامن : حكم إنكار رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة  ]].






قال الإمام ابن باز رحمه الله " رؤية الله في الآخرة ثابتة عند أهل السنة والجماعة من أنكرها كفر " من كلام الإمام ابن باز رحمه الله [ مجموع فتاوى ومقالات الإمام  ابن باز رحمه الله( ٢٨ / ٤١٢ )]. و "  الذي عليه جمهور السلف أن من جحد رؤية الله في الدار الآخرة، فهو كافر، فإن كان ممن لم يبلغه العلم ذلك، عرف ذلك كما يعرف من لم تبلغه شرائع الإسلام، فإن أصرَّ على الجحود بعد بلوغ العلم له، فهو كافر " .


 [مجموع الفتاوى( ٦ / ٤٨٦)  لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله] .




[[  الفصل التاسع  :  أين يرى  الله سبحانه وتعالى في الآخرة  ]].






يرى الله سبحانه وتعالى في :






 ( أولا  : في عرصات يوم القيامة في الآخرة )


و معنى عَرَصات : جمع عَرْصة،  المكان الواسع الفسيح، الذي ليس فيه بناء، يسمى عرصة، وقد يسمى فناء الدار، لأن المكان المتسع أمامها يسمى فناء .والمراد هنا يكون في الآخرة من أعمال قبل دخول أهل الجنة الجنة جعلنا الله وإياكم من أهلها وقبل دخول أهل النار النار حرمنا الله وإياكم على النار وسلمنا الله منها بفضله ورحمته ؛ دل على هذا ما رواه البخاري ومسلم رحمهما الله  في صحيحيهما من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ :  قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَة ِ؟ ، قَالَ: ( هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا ؟ )  قُلْنَا : لاَ ، قَالَ : (فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ، ثُمَّ قَالَ : يُنَادِي مُنَادٍ : لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ  حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ ؟ فَيَقُولُونَ : فَارَقْنَاهُمْ ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا ، قَالَ : فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا ، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ ، فَيَقُولُ : هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ ؟ فَيَقُولُونَ : السَّاقُ ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً ، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ ) .


وبما رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى في صحيحيهما من حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وفيه :  أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ؟ ) ، قَالُوا : لَا ، يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: ( هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ؟ ) ، قَالُوا : لَا ، يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : ( فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ ؛ يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ  وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ ، فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ . فَيَقُولُونَ : نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا ، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَعَالَى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ . فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا ، فَيَتَّبِعُونَهُ ، وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ )




     ( ثانيا : يراه المؤمنون في الجنة ).


دل على ذلك قول الله تَعَالَى وتقدس : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ }. [ سورة يونس: الآية ٢٦ ].و قول الله تَعَالَى وتقدس : { ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ . لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }.[سورة ق : الآية ٣٤ - ٣٥ ]. 


وقوله تعالى وتقدس  : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }. [سورة القيامة :الآية ٢٢ - ٢٣ ].


وقالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴾ [ سورة المطففين : الاية ٢٢ - ٢٣ ].


روى البخاري ومسلم رحمهما في صحيحيهما عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا، وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا، وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ ). 


وروى مسلم رحمه الله في صحيحه وأهل السنن رحمهم الله عن صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ( إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وهي الزيادة ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ).


[[ الفصل العاشر : هل يرى الله سبحانه وتعالى في المنام ]]


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :  "ومن رأى الله -عز وجل- في المنام فانه يراه في صورة من الصور بحسب حال الرائي أن كان صالحاً رآه في صورة حسنة، ولهذا رآه النبي - صلى الله عليه وسلم -في أحسن صورة "[ مجموع الفتاوى( ٥ / ٢٥١)].


قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره للاية الكريمة:  {  مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ  [ سورة ص:  الآية ٦٩ ] "وقوله : { ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون } أي : لولا الوحي من أين كنت أدري باختلاف الملأ الأعلى ؟ يعني : في شأن آدم وامتناع إبليس من السجود له ، ومحاجته ربه في تفضيله عليه .


فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا جهضم اليمامي عن يحيى بن أبي كثير ، عن زيد بن أبي سلام عن أبي سلام عن عبد الرحمن بن عائش عن مالك بن يخامر عن معاذ رضي الله عنه ، قال : احتبس علينا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا فثوب بالصلاة فصلى وتجوز في صلاته فلما سلم قال : ( كما أنتم على مصافكم ) . ثم أقبل إلينا فقال : ( إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة ، إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي في أحسن صورة فقال : يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت لا أدري رب - أعادها ثلاثا - فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري فتجلى لي كل شيء وعرفت فقال : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : في الكفارات . قال : وما الكفارات ؟ قلت نقل الأقدام إلى الجمعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء عند الكريهات . قال : وما الدرجات ؟ قلت : إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة والناس نيام . قال : سل . قلت اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذا أردت فتنة بقوم فتوفني غير مفتون ، وأسألك حبك وحب من يحبك ، وحب عمل يقربني إلى حبك ) . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنها حق فادرسوها وتعلموها ) فهو حديث المنام المشهور ومن جعله يقظة فقد غلط وهو في السنن من طرق .


وهذا الحديث بعينه قد رواه الترمذي من حديث " جهضم بن عبد الله اليمامي " به . وقال : " حسن صحيح " ." انتهى كلامه رحمه الله ؛


وحديث اختصام الملأ الأعلى صححه الإمام  الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة حديث رقم ( ٣١٦٩ ) .


 قال الإمام ابن باز رحمه الله :


" ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وآخرون أنه يمكن أن يرى الإنسان ربه في المنام، ولكن يكون ما رآه ليس هو الحقيقة؛ لأن الله لا يشبهه شيء عز وجل ، قال تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } [سورة الشورى: الآية ١١ ] فليس يشبهه، يمكن أن يكلمه ربه، يرى في النوم أنه يكلمه ربه، لكن مهما أرى من الصور، أي صورة، صورة إنسان أو صورة حيوان فليست هي الله جل وعلا، لأن الله لا يشبهه شيء عز وجل ، لا شبيه له ولا كفء له جل وعلا.


وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله في هذا أن الأحوال تختلف بحسب حال العبد الرائي، فكل ما كان من أصلح الناس، وأقربهم إلى الخير كانت رؤيته أقرب إلى الصواب والصحة، لكن على غير الكيفية التي يراها أو الصفة التي يراها؛ لأن الأصل الأصيل أن الله لا يشبهه شيء عز وجل ، فيمكن أن يسمع صوتًا أن يقال له: كذا وافعل كذا، ولكن ليس هناك صورة مشخصة يراها تشبه شيئًا من المخلوقات، ليس له شبيه ولا مثيل عز وجل .


وقد روي عن النبي ﷺ أنه رأى ربه في المنام، وقد رواه معاذ عن النبي ﷺ أنه رأى ربه، وقد جاء في عدة طرق أنه رأى ربه وأنه عز وجل وضع يده بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه أو بين ثدييه حتى وجد بردها بين كتفيه، هذا ورد في الحديث، وألف فيه الحافظ ابن رجب رسالةً سماها اختيار الأولى في شرح حادثة اختصام الملأ الأعلى، وهذا يدل على أن الأنبياء قد يرون ربهم بالنوم، أما رؤية الرب في الدنيا بالعيان فلا، أخبر النبي ﷺ أنه لن يرى أحد ربه حتى يموت قال: واعلموا أنه لن يرى أحد ربه حتى يموت رواه مسلم في الصحيح، ولما سئل ﷺ: هل رأيت ربك؟ قال:( رأيت نورًا )وفي لفظ: ( نور أنى أراه) رواه مسلم من حديث أبي ذر، وهكذا سئلت عائشة عن ذلك فأخبرت أنه لا يراه أحد في الدنيا؛ لأن رؤية الله أعلى نعيم أهل الجنة، أعلى نعيم المؤمنين، فهي لا تحصل إلا لأهل الجنة، لأهل الإيمان في الدار الآخرة، والدنيا دار الابتلاء والامتحان، ودار الخبيثين والطيبين مشتركة، فليست محل الرؤية؛ لأن الرؤية أعظم نعيم للرائي، قد ادخرها الله لعباده المؤمنين في دار الكرامة في يوم القيامة.


وأما هذه الرؤيا التي يدعيها الناس لربهم؛ فهي تختلف مثل ما قال شيخ الإسلام رحمه الله بحسب صلاحهم وتقواهم، وقد يخيل لبعض الناس أنه رأى ربه وليس كذلك، فإن الشيطان قد يخيل لهم ويوهمهم أنه ربهم كما يروى أنه تخيل إلى عبدالقادر الجيلاني، الشيخ عبدالقادر على عرش فوق الماء وقال: أنا ربك، فقال له: اخسأ عدو الله لست ربي؛ لأن أمر ربي أوامر لا تليق. نعم.


فالمقصود: أن رؤية الله عز وجل ممكنة في الدنيا لكن على وجه لا يشبه فيها الخلق سبحانه وتعالى، وإذا أمره بشيء يخالف الشرع فهي علامة أنه لم ير ربه وإنما رأى شيطانًا، فلو رآه وقال له: لا تصل، قد أسقطت عنك التكاليف، أو قال: ما عليك زكاة، أو ما عليك صوم رمضان، أو ما عليك بر والديك، أو قال: لا حرج عليك في أن تأكل الربا، فهذه كلها علامات على أنه رأى شيطانًا وليس ربه، أن هذا الذي يكلمه ليس ربه وإنما هو شيطان.


فالخلاصة: أن الرؤية ممكنة ولكن على وجه لا يكون فيها مشابهة للمخلوقين، بل ربما سمع صوتًا؛ لكن ليست هناك شخصية يراها تشبه المخلوقين؛ لأن الله لا شبيه له ولا كفء له عز وجل .


ومن علامات صحة الرؤيا: أن تكون الأوامر موافقة للشرع التي يؤمر بها، وأما إن كانت مخالفة للشرع فهي علامة على أنه رأى شيطانًا ولم ير ربه. نعم.


المقدم: ما قيل عن رؤيا الإمام أحمد؟


الشيخ: لا أعرف صحتها عنه، يروى أنه رأى ربه؛ لكن لا أعرف صحتها عنه " ينظر الموقع الرسمي للإمام ابن باز رحمه الله ومجموع الفتاوى له رحمه الله ( ٦ / ٣٦٧ ).




[[ الفصل الحادي عشر  : الكفار لايرون ربنا تعالى وتقدس في الآخرة ]].




الصواب الذي تؤيده الأدلة من أقوال أهل العلم  أن 


"  الْكُفَّارَ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِحَالِ ، لَا الْمُظْهِرُ لِلْكُفْرِ وَلَا الْمُسِرُّ لَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عُمُومُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ ".[ مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله( ٦  /  ٤٨٦ )] . وأما ادلة من قال بخلاف هذا القول فهي ادلة لا تعضد كلامهم ولا يظهر لي ان فيها  تأييد إلى صحة توجه هذا القول .


فظاهر الآية الكريمة { كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } . [ سورة المطففين  : الآية ١٥ ] .


منع رؤية الله أن يراه الكفار وهي آية عامة لا مخصص لها 


قال الإمام ابن جرير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة:


" فالصواب أن يقال: هم محجوبون عن رؤيته، وعن كرامته إذ كان الخبر عاما، لا دلالة على خصوصه".


 قال الإمام البغوي رحمه الله : " وقال قتادة : هو ألا ينظر إليهم ولا يزكيهم .


 وقال أكثر المفسرين : عن رؤيته قال الحسن : لو علم الزاهدون العابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا .


قال الحسين بن الفضل : كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته .


وسئل مالك عن هذه الآية فقال : لما حجب [ الله ] أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه .


وقال الشافعي رضي الله عنه : في قوله : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون }دلالة على أن أولياء الله يرون الله " انتهى كلامه رحمه الله من تفسيره لهذه الآية الكريمة بتصرف يسير.


قال الإمام السعدي رحمه الله :


" فإنه محجوب عن الحق، ولهذا جوزي على ذلك، بأن حجب عن الله، كما حجب قلبه في الدنيا عن آيات الله" .انتهى كلامه رحمه الله تعالى. 




وقد سئل الإمام ابن باز رحمه الله هذا السؤال ونصه : " هل الكفار يرونه  عز وجل ؟


الجواب:


ما يراه إلا المؤمنون: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [سورة المطففين : الآية ١٥ ].


سؤال : 


وفي الموقف مَن قال إنهم يرونه من غير جهةٍ؟


الجواب : 


هذا غلط، الاتجاه هذا غلط، الاتجاه غلط، غلط في سمعه، ظنَّ أنه مُصيب، غلط، الآية المحكمة: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، يكشف الحجاب يوم القيامة حتى يراه المؤمنون في الموقف، وفي بعض الروايات يأتي إليهم، والأمة فيها مُنافقوها، لكن ما يلزم من وجود المنافق أن يرونه، يراه المؤمن، ولا يراه الكافر.


السؤال : 


حديث أبي سعيدٍ: يتصور في غير الصورة التي يعرفونها؟


الجواب : 


يعني: المؤمنون، هذا المقصود، يعني: يبدو لهم بالصورة التي يعرفونها؛ حتى يعرفوه، يبدو لهم ما يعرفون دون ما يُشوش عليهم.". انتهى كلامه رحمه الله [ شرح كتاب التبصير في معالم الدين للطبري ( ٥ )] . من [ موقعه الرسمي ].




[[ الفصل الثاني عشر  : هل رأى رسولنا الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ]].




قال الإمام  ابن تيميه رحمه الله  :  "


فصل :


وأما الرؤية فالذى ثبت فى الصحيح عن ابن عباس انه قال راى محمد ربه بفؤاده مرتين ، وعائشة أنكرت الرؤية . فمن الناس من جمع بينهما فقال عائشة أنكرت رؤية العين وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد ، والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هى مطلقة أو مقيدة بالفؤاد ، تارة يقول راى محمد ربه ، وتارة يقول رآه محمد ، ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه . وكذلك الامام أحمد تارة يطلق الرؤية وتارة يقول رآه بفؤاده ولم يقل أحد أنه سمع أحمد يقول رآه بعينه ، لكن طائفة من أصحابه سمعوا بعض كلامه المطلق ففهموا منه رؤية العين ، كما سمع بعض الناس مطلق كلام ابن عباس ففهم منه رؤية العين   وليس فى الادلة ما يقتضى أنه رآه بعينه ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة ولا فى الكتاب والسنة ما يدل على ذلك بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل كما فى صحيح مسلم عن أبى ذر قال سألت رسول الله هل رأيت ربك فقال ( نور أنى أراه ). وقد قال تعالى : { سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا } ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى ، وكذلك قوله : أفتمارونه على ما يرى لقد رأى من آيات ربه الكبرى . ولو كان رآه بعينه لكان ذِكْرُ ذلك أولى .


قال : وقد ثبت بالنصوص الصحيحة واتفاق سلف الامة انه لا يرى الله أحد فى الدنيا بعينه الا ما نازع فيه بعضهم من رؤية نبينا محمد خاصة واتفقوا على أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة عيانا كما يرون الشمس والقمر " انتهى كلامه رحمه الله[ مجموع الفتاوى  ( ٦ / ٥١٠ - ٥١١ )].


وقال تلميذه الهمام الإمام ابن القيم رحمه الله : "  وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرؤية له إجماع الصحابة على أنه لم ير ربه ليلة المعراج ، وبعضهم استثنى ابن عباس فيمن قال ذلك ،  وشيخنا يقول ليس ذلك بخلاف في الحقيقة ، فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه وعليه اعتمد أحمد في إحدى الروايتين حيث قال إنه رآه عز وجل ولم يقل بعيني رأسه   ولفظ أحمد لفظ ابن عباس رضي الله عنهما ويدل على صحة ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر رضي الله عنه قوله في الحديث الآخر حجابه النور فهذا النور هو والله أعلم النور المذكور في حديث أبي ذر رضي الله عنه رأيت نورا " .انتهى كلامه رحمه الله من [ كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية ( ١ / ٣ )].




[[   الخاتمة ؛ نسأل الله حسنها  ]]




مع انتهاء كتابة هذه الرسالة بفضل الله ورحمته فإنني ارفع أكف الضراعة إلى الله تعالى وتقدس أن يبارك في ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله. 


وإن يمدهم بالصحة  العافية وإن يكفيهم ورعاياهم وعامة المسلمين شر الأشرار وكيد الفجار وفسقة الجن والإنس وإن يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة وأن ينصر فيهم دينه ويعلي فيهم كلمته وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وموجب شكري هذا : ما نعيشه في دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية في أمن وأمان ورخاء واطمئنان فلهم فضل كبير على شخصي الضعيف حيث نالني الله بفضله ورحمته ما كانوا سببا في تعليمي التوحيد والسنة في مدارسهم ؛ وقد ثبت في السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم :(  لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ ). رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه واخرجه عنه الإمام ابوداود رحمه الله في سننه وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود  حديث رقم  ( ٤٨١١ ).


فعلى طالب العلم ان يفرغ نفسه لطلب العلم وبحث المسائل العلمية وفق الكتاب والسنة على جادة أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح وإن يبتعد عن أصحاب الحركة وقلة البركة وليحذرهم لكثرتهم وتلونهم؛


حيث لا يستطيع طالب العلم الحذر منهم والبعد عنهم إلا في طلب العلم السني السلفي المبني على علم الكتاب والسنة  وفق هدي السلف الصالح فصفات هؤلاء الضلال وسيماهم وعقيدتهم معروفة لأهل العلم 


سائلا الله الحي القيوم ذا الجلال والإكرام أن يرزقنا واياكم رؤيته في عرصات القيامة وفي الفردوس الأعلى من الجنة كما أسأله سبحانه وتعالى ان يرزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .


•••••••••••••••••


كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه  : غازي بن عوض العرماني  .


.