بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فقد أورد الإمام إبن وضاح رحمه الله في كتابه النفيس[ البدع والنهي عنها ]
كلام الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه
ونصه : " إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنها، وينطق بعلامتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن، وتوكلوا على الله".
قال ابن المبارك : " وكفى بالله وكيلا ".
ويقول الحبر عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : " والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحدا أحب إلى الشيطان هلاكا مني ".
فقيل: وكيف؟
فقال: " والله إنه ليحدث البدعة في مشرق أو مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه ".[ رواه اللالكائي رحمه الله في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (١/ ٥٥)].
قال ابن تيمية رحمه الله : " الراد على أهل البدع مُجَاهِدٌ، حتى كان يحيى بن يحيى يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد". [مجموع الفتاوى (٤/ ١٣)].
و :" القلم الثاني عشر ؛ القلم الجامع وهو قلم الرد على المبطلين، ورفع سنة المحقين، وكشف أباطيل المبطلين، على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم وتهافتهم، وخروجهم عن الحق، ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم، وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال، وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف للرسل، فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن".[كتاب التبيان في أقسام القرآن للإمام ابن القيم رحمه الله ( ١٢٨ )]
و" ... جِهَادُ المُنَافِقِينَ أَصْعَبُ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ جِهَادُ خَوَاصِّ الْأُمَّةِ وَوَرَثَةِ الرُّسُلِ، وَالْقَائِمُونَ بِهِ أَفْرَادٌ فِي الْعَالَمِ، وَالمُشَارِكُونَ فِيهِ وَالمُعَاوِنُونَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْأَقَلِّينَ عَدَداً، فَهُمُ الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّه قَدْراً ". انتهى كلامه رحمه الله.[زاد المعاد في هدي خير العباد (٣/ ٥)].و " وَإِذَا كَانَ النُّصْحُ وَاجِبًا فِي الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ: مِثْلَ نَقَلَةِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَغْلَطُونَ أَوْ يَكْذِبُونَ كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْت مَالِكاً وَالثَّوْرِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ ـ أَظُنُّهُ ـ وَالْأَوْزَاعِي عَنْ الرَّجُلِ يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ أَوْ لَايَحْفَظُ؟ فَقَالُوا: بَيِّنْ أَمْرَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيَّ أَنْ أَقُولَ فُلَانٌ كَذَا وَفُلَانٌ كَذَا. فَقَالَ: إذَا سَكَتّ أَنْتَ وَسَكَتّ أَنَا فَمَتَى يُعْرَفُ الْجَاهِلُ الصَّحِيحُ مِنْ السَّقِيمِ. وَمِثْلُ أَئِمَّةِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْعِبَادَاتِ المُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ بَيَانَ حَالِهِمْ وَتَحْذِيرَ الْأُمَّةِ مِنْهُمْ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَعْتَكِفُ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ يَتَكَلَّمُ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ؟ فَقَالَ: إذَا قَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ فَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا هو لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا أَفْضَلُ.
فَبَيَّنَ أَنَّ نَفْعَ هَذَا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ إذْ تَطْهِيرُ سَبِيلِ الله وَدِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعِ بَغْيِ هَؤُلَاءِ وَعُدْوَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ وَلَوْلَا مَنْ يُقِيمُهُ الله لِدَفْعِ ضَرَرِ هَؤُلَاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وَكَانَ فَسَادُهُ أَعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اسْتِيلَاءِ الْعَدُوِّ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إذَا اسْتَوْلَوْا لَمْ يُفْسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنْ الدِّينِ إلَّا تَبَعاً وَأَمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدُونَ الْقُلُوبَ ابْتِدَاءً. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ؛ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ). وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ كَمَا ذَكَرَهُ. فَقِوَامُ الدِّينِ بِالْكِتَابِ الْهَادِي وَالسَّيْفِ النَّاصِرِ {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}
وَالْكِتَابُ هُوَ الْأَصْلُ؛ وَلِهَذَا أَوَّلُ مَا بَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ؛ وَمَكَثَ بِمَكَّةَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى هَاجَرَ وَصَارَ لَهُ أَعْوَانٌ عَلَى الْجِهَادِ.
وَأَعْدَاءُ الدِّينِ نَوْعَانِ: الْكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ، وَقَدْ أَمَرَ الله نَبِيَّهُ بِجِهَادِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} فِي آيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ.
فَإِذَا كَانَ أَقْوَامٌ مُنَافِقُونَ يَبْتَدِعُونَ بِدَعًا تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَيُلْبِسُونَهَا عَلَى النَّاسِ وَلَمْ تُبَيَّنْ لِلنَّاسِ: فَسَدَ أَمْرُ الْكِتَابِ وَبُدِّلَ الدِّينُ؛ كَمَا فَسَدَ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَنَا بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ التَّبْدِيلِ الَّذِي لَمْ يُنْكَرْ عَلَى أَهْلِهِ. وَإِذَا كَانَ أَقْوَامٌ لَيْسُوا مُنَافِقِينَ لَكِنَّهُمْ سَمَّاعُونَ لِلْمُنَافِقِينَ، قَدْ الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ حَتَّى ظَنُّوا قَوْلَهُمْ حَقًّا؛ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَصَارُوا دُعَاةً إلَى بِدَعِ المُنَافِقِينَ كَمَا قال تعالى: { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } ؛ فَلَا بُدَّ أَيْضاً مِنْ بَيَانِ حَالِ هَؤُلَاءِ؛ بَلْ الْفِتْنَةُ بِحَالِ هَؤُلَاءِ أَعْظَمُ فَإِنَّ فِيهِمْ إيمَانًا يُوجِبُ مُوَالَاتَهُمْ وَقَدْ دَخَلُوا فِي بِدَعٍ مِنْ بِدَعِ المُنَافِقِينَ الَّتِي تُفْسِدُ الدِّينَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْذِيرِ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ وَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ ذِكْرَهُمْ وَتَعْيِينَهُمْ؛ بَلْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَلَقَّوْا تِلْكَ الْبِدْعَةَ عَنْ مُنَافِقٍ؛ لَكِنْ قَالُوهَا ظَانِّينَ أَنَّهَا هُدًى وَأَنَّهَا خَيْرٌ وَأَنَّهَا دِينٌ؛ وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَوَجَبَ بَيَانُ حَالِهَا.
وَلِهَذَا وَجَبَ بَيَانُ حَالِ مَنْ يَغْلَطُ فِي الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الرَّأْيِ وَالْفُتْيَا وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ؛ وَإِنْ كَانَ المُخْطِئُ الْمُجْتَهِدُ مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ. فَبَيَانُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاجِبٌ؛ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ. وَمَنْ عُلِمَ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ السَّائِغُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ وَالتَّأْثِيمِ لَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ خَطَأَهُ؛ بَلْ يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى مُوَالَاتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَالْقِيَامُ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ مِنْ حُقُوقِهِ: مِنْ ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَإِنْ عُلِمَ مِنْهُ النِّفَاقُ كَمَا عُرِفَ نِفَاقُ جَمَاعَةٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِثْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي وَذَوِيهِ وَكَمَا عَلِمَ المُسْلِمُونَ نِفَاقَ سَائِرِ الرَّافِضَةِ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَأَمْثَالِهِ: مِثْلَ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ؛ فَهَذَا يُذْكَرُ بِالنِّفَاقِ. وَإِنْ أَعْلَنَ بِالْبِدْعَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ مُنَافِقًا أَوْ مُؤْمِنًا مُخْطِئًا ذُكِرَ بِمَا يُعْلَمُ مِنْهُ فَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْفُوَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا قَاصِداً بِذَلِكَ وَجْهَ الله تَعَالَى وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله.
فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوْ بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ كَانَ آثِمًا. وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَالشَّاهِدُ وَالْمُفْتِي كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِخِلَافِ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ).
وَقَدْ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
وَ اللَّيُّ هُوَ الْكَذِبُ وَ الْإِعْرَاضُ كِتْمَانُ الْحَقِّ.
وَمِثْلُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا؛ وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ).
ثُمَّ الْقَائِلُ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُسْنِ النِّيَّةِ فَلَوْ تَكَلَّمَ بِحَقِّ لَقَصَدَ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْفَسَادَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَرِيَاءًوَإِنْ تَكَلَّمَ لِأَجْلِ الله تَعَالَى مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ كَانَ مِنْ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ خُلَفَاءِ الرُّسُلِ.
وَلَيْسَ هَذَا الْبَابُ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ: ( الْغِيبَةُ ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ) فَإِنَّ الْأَخَ هُوَ المُؤْمِنُ وَالْأَخُ المؤمِنُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي إيمَانِهِ لَمْ يَكْرَهْ مَا قُلْته مِنْ هَذَا الْحَقِّ الَّذِي يُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَوِيهِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِالْقِسْطِ وَيَكُونُ شَاهِدًا لله وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَالِدَيْهِ أَوْ أَقْرَبَيْهِ وَمَتَى كَرِهَ هَذَا الْحَقَّ كَانَ نَاقِصًا فِي إيمَانِهِ يَنْقُصُ مِنْ أُخُوَّتِهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ إيمَانِهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ كَرَاهَتَهُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي نَقَصَ مِنْهَا إيمَانُهُ؛ إذْ كَرَاهَتُهُ لِمَا لَا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ تُوجِبُ تَقْدِيمَ مَحَبَّةِ الله وَرَسُولِهِ كَمَا قال تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} ؛ ثُمَّ قَدْ يُقَالُ: هَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِيثِ الْغِيبَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَدْ يُقَالُ: دَخَلَ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ خَصَّ مِنْهُ كَمَا يَخُصُّ الْعُمُومَ اللَّفْظِيَّ وَالْعُمُومَ المَعْنَوِيَّ وَسَوَاءٌ زَالَ الْحُكْمُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ أَوْ لِوُجُودِ مَانِعِهِ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ.
وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ يُؤَوَّلُ إلَى اللَّفْظِ؛ إذْ الْعِلَّةُ قَدْ يَعْنِي بِهَا التَّامَّةَ وَقَدْ يَعْنِي بِهَا المقْتَضِيَةَ. وَالله أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. وَصَلَّى الله عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ".انتهى كلامه رحمه الله من [ مجموع الفتاوى( ٢٨ / ٢٣١ - ٢٣٦ ).
وماأورده كبار علماء الإسلام من نصوص الوحيين ومن درر مستنبطه من نورهما مبينة لفضل الرد على المخالف يتبين أن [ الرد على المخالف ] جهاد عظيم لذا حرصت في ما اكتبه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى في بيان حال من زل عن جادة معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح بعلم وعدل وانصاف وصدق مبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة ؛ وأرى ان هذا العمل ديانة وقربة وقد دل على عظيم فضله وجزيل أجره الكتاب والسنة وعلى هذا الأمر إجماع كبار علماء الإسلام اذ هو من الجهاد في سبيل الله بل هو الجهاد الاكبر مصداقا لقوله تعالى:{وجاهدهم به جهادا كبيرا} وهو جهاد الخاصة
وذلك لأن مؤداه ومقتضاه وثمرته أن لا ينسب إلى الإسلام ماليس منه وابعادا عن دين الله من تشويه من جعل نفسه متصدرا للفتيا وهو ليس من أهلها ف:( إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا )[ رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى في صحيحيهما مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه من حديث الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما ].
إن في الرد على المخالف بيان الطريق المستقيم وايضاحه والحض والحث على سلوكه وأتباعه والأخذ به ومعرفة أهله وأصحابه وفي الرد على المخالف إيضاح الطريق الخطأ مصداقا لقول الله تعالى وتقدس : {ولتستبين سبيل المجرمين} ومعرفة أهله وذويه والتحذير منهم .
كما أن فيه حماية للنشء من شبهات أهل الأهواء والبدع والشبه وفيه ابراء للذمة ونصحا للأمة ممن رأى تكفيرها واستحلال دمائها وخرج على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بلسانه وسنانه؛ وهيج الحمقى الرعاع وحرض الامعات من أفراد حزبه الضال على ولاة أمرهم وفي هذا شقاء الدارين لمخالفته سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ففيها سعادة الدارين .
وأهل الأهواء والبدع والفرق الضالة ملل شتى وبدع متنوعة وافكار متضاربة
يقول الله تعالى وتقدس ذاما الفرقة وتعدد الفرق ومحذرا منها :
{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }.
وقال تعالى : { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }.
وقال تعالى : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
وقال تعالى : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.
{ وان هذه أمْتكم أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.
وقال تعالى:
{شرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ }.
وقال تعالى:
{ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
وقال تعالى وتقدس:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون }.
وفي السنة قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ).
رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه؛ أخرجه الترمذي رحمه الله في سننه وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي حديث رقم ( ٢١٦٧ ).
وفي الحديث الآخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( فإن الشيطان مع الواحد وهو من الا ثنين أبعد )رواه إمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله ؛ اخرجه الترمذي رحمه الله في سننه وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي حديث رقم (٢١٦٥ ).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، ويَكْرَهُ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةِ المالِ ) رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه ؛ أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه.
و عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية ).رواه البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما .
فالايات والأحاديث تحرم التفرق وتمنع تعدد الأحزاب
وأما :( إختلاف أمتي رحمه )
فقد ضعفها أهل الحديث منهم الإمام الألباني رحمه الله حيث قال في صفة الصلاة ( ٥٨ ) :" باطل لا أصل له ".
وفي السلسلة الضعيفة ( ٥٧ ):" لا أصل له ".
وفي ضعيف الجامع ( ٢٣٠ ) :" موضوع ".
فهو مع ضعفه ووضعه يخالف نصوص الوحيين و يسبب الجفوة ويؤيد كثرة الخلاف وتزايد الفرقة والتحزب بين المجتمع المسلم الواحد و فهم الكتاب العزيز والسنة النبوية وفق هدي سلفنا الصالح وهم ( الجماعة ) و ( مااناعليه واصحابي )
كما في الحديث الذي رواه مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ : أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ : ( أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ )
وفي رواية : ( قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ) رواه الترمذي وابوداود والحاكم رحمهم الله وصححه جمع كبير من أهل العلم ؛ ف( الجماعة ) و ( ماانا عليه وأصحابي ) لفظهما [ متباين ] ومعناهما [ مترادف ]
فدلت هذه الأحاديث بمعناها على وجوب الرجوع إلى هدي السلف الصالح وفهمهم فهو النجاة بعد فضل الله ورحمته وهو الذي يبعد عن التحزب والافتراق والاختلاف
ووجه ذكر هذه الإدلة من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ إن مخالفة هدي السلف الصالح والبعد عن فهمهم أدى إلى مخالفة الكتاب والسنة ومشاققة المؤمنين في إجماعهم مما أدى إلى قيام جماعات متضادة كل فرقة لها فكر منحرف تكفر الفرقة الأخرى وتلعنها وتكفرها وتستحل دماء الفرقة الأخرى وترى الخروج على ولاة الامر .
كفى الله المسلمين شرهم ؛ والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
كتبه وأملاه وأملاه الفقير إلى عفو : غازي بن عوض العرماني.